"صفقة محتملة".. هل تحقق قمة بايدن وبوتين تقدما في الملف السوري؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بترقب شديد، ينتظر السوريون القمة المرتقبة للرئيسين الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، بمدينة جنيف السويسرية في 16 يونيو/حزيران 2021، التي من المقرر أن يكون على جدول مباحثاتها الملف السوري.

وأعلن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، في 9 يونيو/ حزيران 2021، أن بايدن سيبحث القضايا المتعلقة في سوريا خلال القمة المزمعة مع بوتين، قائلا: "ستكون سوريا على جدول الأعمال".

وأضاف سوليفان في بيان، أن "موقفنا من قضية وصول المساعدات الإنسانية واضح جدا، نعتقد أنه يجب أن يكون هناك ممرات إنسانية في سوريا لوصول المساعدات وإنقاذ الأرواح، وهذا بالتأكيد سيناقشه الرئيسان".

الاجتماع الأول بين الزعيمين منذ تولي بايدن الرئاسة في 20 يناير/كانون الثاني 2021، وبحثهما الملف السوري، يثير الكثير من التساؤلات بخصوص انعكاسات ذلك على الأزمة المستمرة، فهل سيكون مصير رئيس النظام بشار الأسد ومستقبل سوريا مطروحا للنقاش أم سيقتصر على معالجات الوضع الإنساني؟

سقف التوقعات

تعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي أحمد كامل لـ"الاستقلال": إن "القمة المرتقبة محل الكثير من التكهنات، خاصة أن بايدن غير واضح في الشأن السوري، فهو لم يتحدث عنه إلا في حالة واحدة، وذلك عند تمديد حالة الطوارئ الأميركية الخاصة بسوريا، وهذه مسألة روتينية ولا يمكن تفسيرها على أنها تغيير جوهري في موقف واشنطن".

وأضاف كامل أن "السوريين في حالة ترقب لمعرفة هل سيكون بايدن نسخة أخرى من (الرئيس الأسبق باراك) أوباما وتلك هي الطامة الكبرى، لأنه أسوأ مسؤول أميركي تعامل مع ملف سوريا، كونه كان متواطئا مع إيران، أم سيكون نسخة من سلفه دونالد ترامب، لكن المرجح أنه شخصية أخرى لها سياستها الخاصة، إلا أنه حتى الآن لا توجد مؤشرات كافية تدل على توجهاته بخصوص سوريا".

وتابع: "نترقب بشدة هذه القمة، لكن القمم الكبيرة دائما ما تخيف الشعوب التي ليس لها ظهر، ولا أحد من الطرفين معها، بل إن أحدهما وهي روسيا، عدو واضح للشعب السوري ولحريته وإنهاء حكم الأقلية بسبب وزير خارجتها، سيرغي لافروف، الذي لديه عقد تاريخية ضد المسلمين والعرب السنة كونه من أصول أرمينية".

المحلل السياسي استبعد حصول "مفاجآت عظيمة" في القمة، مثل إسقاط النظام السوري، إضافة إلى أن بايدن منحاز إلى الأكراد، فهل سينقض الاتفاقات التي أبرمها ترامب مع الروس ضد الأكراد، والتي سمحت لتركيا والجيش الوطني السوري بدخول مدينة عفرين ومناطق "نبع الفرات" و"نبع السلام" و"غصن الزيتون".

وأكد الخبير السوري أن "هناك تخوفا وترقبا من القمة بين بايدن وبوتين، لأنه بالنسبة للسوريين كان أوباما أسوأ رئيس أميركي، وترامب كان أفضل، ورغم ذلك لم يخلق الأخير فرقا شاسعا في الملف السوري، ولذلك سقف التوقعات منخفض مع ترجيح القلق أكثر على التفاؤل".

صفقة محتملة

وفي مقال نشره موقع "فورين بوليسي" الأميركي في 9 يونيو/حزيران 2021، توقع أن قمة بايدن وبوتين في جنيف، "ستمثل الظرف الأمثل لواشنطن لإبرام صفقة بشأن سوريا".

وقالت كاتبة المقال لينا الخطيب -مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد "تشاتام هاوس"- إن موافقة بايدن على عقد القمة "يمثل استجابة لغرور روسيا، وهو أمر يمكن أن يمهد الطريق للانخراط الأميركي الروسي في سوريا بما يتجاوز المحادثات على المستوى الوزاري التي كانت تجرى خلف الأبواب المغلقة".

وأضافت الخطيب أن "واشنطن وحدها تستطيع توجيه الصراع السوري نحو الحل، إذا عززت المحادثات الثنائية مع موسكو"، لافتة إلى أنه "رغم توتر العلاقات الأميركية الروسية على عدة جبهات، ورغم الانحياز إلى أطراف متعارضة في الصراع السوري، فإن هناك احتمالا لتسوية أميركية روسية".

ولتحقيق ذلك، تشير الكاتبة إلى "ضرورة اتباع واشنطن نهج العصا والجزرة الذي يستفيد من نقاط ضعف روسيا، وكذلك من تلك الرغبات الروسية التي لا تضر بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة".

وذكرت بأن "روسيا لم تأخذ أبدا عملية السلام في سوريا التي تقودها الأمم المتحدة على محمل الجد، لأنه لم يكن هناك ضغط سياسي أو عسكري كبير على موسكو لإجبارها على تقديم تنازلات".

وأوردت الكاتبة أن "إدارة بايدن يمكنها تغيير هذا الوضع، إذ من المرجح أن تقبل روسيا التضحية برئاسة الأسد، ولكن فقط مقابل الاعتراف بوضعها الجيوسياسي واستمرار نفوذها السياسي والعسكري في سوريا".

ورأت الخطيب أن "أي صفقة من هذا القبيل يجب أن تنص على تشكيل بديل سياسي وعسكري واقتصادي شرعي لنظام الأسد، ويستلزم هذا قبول روسيا بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا تتألف من عناصر من النظام الحالي، لكن من خارج عائلة الأسد، وعناصر من مجموعات معارضة مختلفة ومن المجتمع المدني".

وزادت بالقول: إن "إبرام صفقة لا يعني الإذعان لرغبات روسيا، فهناك نوعان من أدوات النفوذ التي يمكن لواشنطن استخدامها للضغط على موسكو لقبول الصفقة، أحدهما أن تتمسك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالموقف القائل إن العقوبات الاقتصادية، التي تعطل عملية إعادة الإعمار في سوريا، لن ترفع قبل حدوث الانتقال السياسي".

ورأت الكاتبة، أنه "يمكن للولايات المتحدة -بالنوع الثاني من أدوات النفوذ- تحريك ملف محاسبة روسيا على أفعالها في سوريا، بما في ذلك الهجمات على أهداف مدنية ومنشآت طبية، حيث اتخذت موسكو سوريا ساحة لاختبار أسلحتها، وقد وثقت ذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية وأدانته".

وشددت في ختام مقالها بالقول: "يجب ألا تضيع إدارة بايدن الفرصة التي تتيحها القمة الأميركية الروسية بشأن سوريا، لأنه كلما مر الوقت، زادت موسكو من جذب الدول الأخرى لتطبيع علاقاتها مع الأسد، وأصبحت سوريا بالتالي أداة لزيادة نفوذ روسيا في المنطقة وخارجها".

قضايا محددة

لكن الباحث في جامعة "جورج واشنطن" الأميركية، المعارض السوري رضوان زيادة، رأى في تصريح صحفي 11 يونيو/حزيران 2021، أنه "من الصعب الحديث عن صفقة أميركية- روسية في سوريا، بحيث لا زالت المسافة بينهما واسعة جدا".

وأضاف الباحث السوري المعارض، أن "القمة ستناقش قضايا محددة، وتحديدا الاتفاق على قضية آلية إدخال المساعدات الدولية، عبر المعابر الحدود السورية-التركية".

وفي السياق ذاته، قال الباحث في "مركز الحوار السوري"، محمد سالم، خلال تصريحات صحفية في 11 يونيو/حزيران 2021 "بدأنا نشهد ملامح سياسة أميركية جديدة في الملف السوري، وهذه السياسة تركز على الملف الإنساني بالدرجة الأولى، وهناك جهود دبلوماسية أميركية واضحة كما يبدو لنا في موضوع تمديد قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود".

وأضاف سالم أن "استخدام موسكو للفيتو لمنع التمديد للمساعدات الإنسانية، يبدو أنه سيدفع نحو تنسيق أميركي تركي لإيجاد بدائل لإدخال المساعدات، مما يؤشر على اهتمام واشنطن بهذا الموضوع، وسحبها لترخيص شركة أمريكية عاملة شرق سوريا في مجال النفط، بهدف محاولة تقليل التوتر مع الروس لإيجاد أجواء صفقة تسمح بتمديد قرار إدخال المساعدات".

ويرى الباحث، أن "هناك فرصة للتوافق بين بايدن وبوتين على موضوع المساعدات، ويبدو مستبعدا التوافق على ما هو أبعد من ذلك حاليا في الملف السوري". 

وأشار سالم إلى أن "تركيز الولايات المتحدة سيكون على استدامة وقف العمليات العسكرية في الشمال السوري بالتنسيق مع تركيا، ودعم المنطقة إنسانيا، رغم الخلافات الكبيرة بين البلدين في العديد من الملفات الأخرى".

امتحان بايدن

وعلى ضوء القمة المرتقبة، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في 11 يونيو/ حزيران 2021 مقالا للكاتب جوش روغين، قال فيه إن "بايدن سيلتقي بوتين في وقت باتت فيه حياة الملايين من السوريين على المحك".

وأضاف أن "الرئيسين لو توصلا لشكل من التعاون في الموضوع الإنساني في سوريا، فستكون إشارة عن الجهود المشتركة بين البلدين وستزيد من آمال ملايين الناس الذين يعانون. وفي حالة أصر بوتين على تجويع السوريين فعلى بايدن التقدم ومساعدتهم".

وتابع روغين: "هناك 3 ملايين معظمهم من النازحين داخل بلادهم تجمعوا في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وهم جوعى وبحاجة ماسة للمساعدة وعرضة للقنابل التي يطلقها جيشا روسيا والنظام".

فيما أكدت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد أن "وحشية إغلاق آخر معبر حدودي إلى سوريا ستترك تداعيات لا حد لها"، خلال زيارتها تركيا مطلع يونيو/حزيران 2021، قائلة: "أخبرني مجتمع المنظمات غير الحكومية واللاجؤون أنفسهم أنهم سيموتون بدون المعبر الحدودي".

ونقل الكاتب روغين عن عدد من المسؤولين الأميركيين البارزين أن موضوع المعبر الحدودي سيكون على أجندة الرئيس بايدن في لقائه مع بوتين، وقالوا إن الإدارة على تواصل مباشر مع الحكومة الروسية وعلى مستويات عدة.

وتعتبر أجندة بايدن- بوتين مزدحمة، لكن الجزء السوري فيها يعتبر رئيسا للطرفين مع اقتراب الموعد النهائي لإغلاق المعبر.

وتساءل روغين إن كان بوتين مستعدا لعقد صفقة يمكن أن تكون أساسا للتعاون في سوريا؟ وهل إدارة بايدن مستعدة في الوقت نفسه لجعل الموضوع أولوية والضغط بشدة على الروس "لا رشوتهم" من أجل عمل ما هو صواب؟.

وعلق الباحث في مركز التقدم الأميركي بريان كاتوليس، لصحيفة "واشنطن بوست" قائلا: "إنها لحظة الوضوح.. فكيفية تعامل روسيا والولايات المتحدة مع سوريا ستكشف عن موقف بوتين فقط وستفصح عن التزام إدارة بايدن في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية باعتبارهما أولوية في سياستها الخارجية".

ويرى الباحث أنه "في حالة رفض بوتين التعاون مع بايدن في ملف الإغاثة الإنسانية، فستواجه الولايات المتحدة وشركاؤها بمن فيهم تركيا تحديا كبيرا للعمل خارج نظام الأمم المتحدة لتوفير الإغاثة لإدلب، لكن يجب أن يكون هذا هو الواقع الذي على أميركا تحضير نفسها له الآن، والتحضيرات هذه ستزيد من نفوذ واشنطن أمام موسكو".

وبحسب كاتوليس، فإن تحركات وأفعال بايدن في جنيف حول الملف السوري "بمثابة امتحان" حول استعداد بلاده لمواجهة التوسع الروسي والصيني في المنطقة.