رغم تقاربه مع تركيا.. هكذا يسمح السيسي بتوسع أنشطة "غولن" في مصر

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خصوصية استثنائية ومقلقة، يواصل تنظيم "غولن" لزعيمه "فتح الله غولن" التغلغل في مصر، عبر أذرعه الإعلامية والتجارية، بدعم من نظام عبد الفتاح السيسي.

وعلى مدار سنوات طويلة، نجحت جماعة "غولن" في الحفاظ على قواعدها بأرض الكنانة، واستمرت أنشطتها لأسباب سياسية في الأساس، واقتصادية أيضا.

ذلك الأمر لم يحدث في دول أخرى بالمنطقة، إذ استجابت لطلبات أنقرة وأغلقت مؤسسات "غولن"، أو حولت إدارتها للسلطات التركية، ووصل الأمر إلى تسهيل القبض على القائمين عليها وتسليمهم إلى بلدهم.

أما القاهرة التي تصاعدت حدة الخلافات بينها وبين أنقرة على نحو واسع، عقب انقلاب السيسي العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، فدعمت "غولن" بقوة، وفتحت المزيد من الأبواب أمام مؤسساتها، واستضافت قنواتها الفضائية، زعيمها "فتح الله"، وسمحت لأفراد الجماعة بالاستقرار فيها.

وتتهم أنقرة تنظيم "غولن" الذي تصفه بـ"الإرهابي" بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا صيف 2016، وتطالب واشنطن بإعادة زعيم التنظيم، المقيم بولاية بنسلفانيا.

ولكن مع بداية التقارب المصري التركي في الفترة الأخيرة، عاد الحديث مرة أخرى إلى طبيعة وجود هذه الجماعة في مصر، وهل يستمر السيسي في مكايدة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم؟

مؤسسات الجماعة 

منذ عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بدأت جماعة "غولن" تأسيس شبكتها، عن طريق إقامة علاقات وطيدة مع المؤسسات الدينية الرسمية داخل مصر.

وكانت القاهرة إحدى القواعد الإستراتيجية الهامة في الشرق الأوسط وإفريقيا، لنشاط الحركة التي يمتد تأثيرها إلى قرابة 170 دولة.

وفي 8 مارس/آذار 2016، نشرت صحيفة "المصري اليوم" الموالية لنظام السيسي، حوارا مع رجل الأعمال التركي أورهان كسكين، التابع للجماعة والذي أوفده زعيمها إلى مصر منذ أواخر التسعينيات. 

وقال أورهان الذى يشغل منصب المنسق العام لشركة "أفق" التعليمية، المسؤولة عن تأسيس سلسلة مدارس (صلاح الدين) التابعة للتنظيم داخل مصر: "سعينا ضمن جهود الحركة لنشر أهدافها داخل مصر بتأسيس سلسلة مدارس دولية عام 1998 تحت إشراف الدولة المصرية، والتى بدأت تتوسع وتنتشر فى محافظات القاهرة والإسكندرية وبني سويف". 

وأضاف: "هذه المدارس تأسست بمبادرة رجال أعمال أتراك منتمين لحركة (غولن)، ودشنت أول فروعها خلال فترة مبارك، وانتهت سلسلة التوسعات لفروعها فى عهد السيسي". 

وتابع كسكين: "تمتعت أنشطتنا داخل مصر بالاستقرار فى عهد مبارك، ثم شهدت فترة صعود وهبوط بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تلاها قلق على هذه الأنشطة خلال ولاية الرئيس الراحل محمد مرسي، ثم عاد الاستقرار من جديد خلال السيسي" على حد وصفه. 

وخلال افتتاح فرع جديد لمدارس التنظيم في سبتمبر/أيلول 2009، حضر رئيس جامعة الأزهر السابق، الشيخ أحمد الطيب، والشيخ الراحل محمد المختار المهدي الذي كان يشغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية، ومفتي الجمهورية علي جمعة، فضلا عن علماء آخرين مثل أحمد عمر هاشم، وزغلول النجار، والراحل محمد عمارة.

وتتجاوز أنشطة "غولن" داخل مصر، سلسلة المدارس الدولية التى تنتشر بين 3 محافظات، إذ تمتد لمجموعة دور نشر وشركات تجارية ومراكز ثقافية لتعليم اللغة العربية، وكذلك جمعيات لرعاية الطلاب الأتراك من مريدي الحركة الذين يدرسون بالجامعات المصرية. 

أذرع إعلامية 

من أهم مرتكزات جماعة "غولن" في مصر هي "الآلة الإعلامية" التي تسعى إلى نشر تعاليم زعيمها، وتحارب خصومه السياسيين والدينيين على حد سواء، ومن أبرز وأقدم المؤسسات الإعلامية للحركة داخل القطر المصري، "دار النيل للنشر"، وهي إحدى المؤسسات التابعة لمجموعة "قينق" في تركيا، التي تضم 40 دار نشر متخصصة أخرى.

وتأسست في مصر عام 2000، بهدف  طباعة كتب "فتح الله غولن"، بجانب توليها إصدار مجلة "حراء" لتوزيعها في مصر والشرق الأوسط بنسبة كبيرة. 

ويتولى رئاسة تحرير مجلة "حراء"، هاني رسلان، الباحث في مركز الأهرام الإستراتيجي، بينما يشغل التركي إسماعيل قايار، منصب مدير التحرير، تحت إشراف إسحاق إنجي، المسؤول الإعلامي الأهم للحركة في مصر. 

وخلال السنوات الماضية، توحدت توجهات تنظيم "غولن" مع نظام السيسي، تحت مظلة مسار واحد، هو محاربة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحكم "العدالة والتنمية" في تركيا.

وفي سبيل ذلك، أسست الجماعة موقع "دوغروسو" يعني "الحقيقة" بالتركية، وأصبح أبرز موقع إلكتروني باللغة التركية للتنظيم داخل مصر، ويديره "جومالي أونال"، المراسل السابق لصحيفة "زمان" في القاهرة، وهي الجريدة الرئيسة للجماعة بتركيا، وسيطرت عليها الدولة بعد محاولة الانقلاب الفاشل.

ولم تكتف الحركة بذلك الموقع، فتبعته بموقع "تركيا الآن" بنسخته العربية، حيث يقوم على مهاجمة الرئيس أردوغان وحزبه.

وكلاهما يتبع شركة "المدار" التي يترأسها المذيع المصري المقرب من الأجهزة الأمنية نشأت الديهي، والذي تجمعه علاقة خاصة بـ"فتح الله غولن" بعدما أجرى معه حوارا تلفزيونيا في 28 سبتمبر/ أيلول 2019، بمنفاه الاختياري في الولايات المتحدة.

لماذا مصر؟ 

في 12 ديسمبر/كانون الثاني 2017، نشر الباحث المصري جورج فهمي بمركز "مالكوم كير - كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، ورقة بحثية عن جماعة "غولن"، وتأثيراتها في المحيط الإقليمي، وتحديدا مصر. 

وقال فهمي: "إنهم (جماعة غولن) ماضون فى توسعة كافة أنشطتهم وسط هذه الصراعات المحيطة بالشرق الأوسط من كافة أنحائه"، مؤكدا "سعيهم لتنظيم مركز استقطاب داخل مصر يجذب أتباع الشيخ للتعريف بالخط الفكري له، وكذلك تحديد العلاقة مع النظام، في مجابهة أردوغان". 

وأرجع فهمي سبب العلاقة بين مصر وتنظيم "غولن" إلى تشابه التجارب في المناخ السياسي، موضحا أن حركة "غولن" كانت مستاءة بشكل واضح من صعود الإسلام السياسي مع حقبة نجم الدين أربكان فى الثمانينيات والتسعينيات.

واستطرد أن "هذا يمكن إرجاعه لفكرة المصالح المادية، وخشيتهم من أن يتم استعداء الدولة خوفا من نفوذ الإسلام السياسي، فيترتب عليه الإطاحة بكل المكتسبات التي حققوها في المجال الاجتماعي".

وشبه الباحث المصري الحركة بـ"الجمعية الشرعية" التي تنأى بنفسها عن السياسة، لذلك فهي تشترك مع النظام المصري فيما أسماه استعداء وكراهية "الإسلام السياسي"، وكذلك الخصومة الشديدة مع أردوغان، ابن المدرسة الأربكانية، قائدة الحركة الإسلامية في تركيا. 

لكن فهمي أغفل تورط جماعة "غولن" في المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، التي راح ضحيتها عشرات المدنيين، وكادت تودي بالتجربة الديمقراطية التركية "على نحو مأساوي".

ومنذ ذلك الوقت، شنت الدولة التركية حملة أمنية شرسة على مقرات الجماعة وأعضائها في الداخل والخارج، وطالبت من مختلف الدول على رأسهم الولايات المتحدة تسليم العناصر المطلوبة، أهمهم زعيمها فتح الله غولن.

وخلال فترات متقطعة، لمح إعلام نظام السيسي إلى إمكانية استضافة "غولن" في مصر، لوجود عدد كبير من المؤسسات والأشخاص التابعين لتنظيمه، وهو الأمر الذي يثير حفيظة أنقرة.