واشنطن وإسلام آباد.. هل تتعمق العلاقات بعد الانسحاب من أفغانستان؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحاول الولايات المتحدة الأميركية منع حدوث أي تطورات خلال انسحاب قواتها من أفغانستان، من شأنها أن تفسح المجال أمام الفاعلين أمثال روسيا والصين في تلك المنطقة.

لذلك، يعتقد مركز أنقرة لدراسات السياسات والأزمات، أن واشنطن تحاول إقامة قواعد عسكرية في دول مجاورة لأفغانستان، وتكون في وضع تتمكن فيه من السيطرة على المنطقة.

وأضاف المركز في مقال للباحث دوغاجان باشارات: "كانت باكستان إحدى الدول التي تصدرت المناقشات المتعلقة بهذه القواعد".

تغيير الوجهة

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي، قال إن الولايات المتحدة ليس لها أي خطط لإنشاء قاعدة، فإن تصريح حركة طالبان شديد اللهجة بشأن هذه القضية، يشير إلى أن المسألة كانت من بين القضايا التي نوقشت على الطاولة.

واستدرك باشاران: كما هو معروف، تعرضت باكستان لانتقادات شديدة بسبب علاقاتها مع طالبان لسنوات عديدة. 

مع ذلك، فإن النقطة التي وصلت إليها عملية السلام الأفغانية تزيد من أهمية باكستان يوما بعد يوم، لأنه بات واضحا أن إسلام أباد هي الفاعل الوحيد القادر على إقناع طالبان بالجلوس على الطاولة والمصالحة.

إذ إن طالبان لا تتنازل في عمليات التفاوض، وترغب في الاستيلاء على السلطة باستخدام العنف بعد انسحاب القوات الأميركية.

لهذا، من الملاحظ أن إدارة واشنطن دعت إسلام أباد إلى تحمل جزء من المسؤولية في عملية السلام الأفغانية وبذلت جهودا مضنية من أجل ذلك.

وبالنظر إلى الإستراتيجية التقليدية لباكستان، لا يمكن القول بأنها سترحب بإنشاء قواعد أميركية، وما يؤكد ذلك أيضا بيان قريشي. 

لكن هناك تطورات تشير إلى إمكانية بدء فصل جديد من الربيع في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة. 

ويمكن تفسير بيان طالبان على أنه جهد استباقي نابع من ملاحظة مثل هذه الأجواء، بحسب الكاتب التركي.

وبالرغم من أن التقارب بين البلدين يدور حاليا حول عملية السلام الأفغانية، فإن إدارة إسلام أباد صرحت بأنها ترغب في تطوير تعاون متعدد الأبعاد مع الولايات المتحدة. 

وذكر معيد يوسف مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي التقى بجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن، أن إسلام أباد تريد إقامة تعاون شامل مع واشنطن، لكن التقارب المقتصر على عملية السلام الأفغانية غير كاف.

ويرى الكاتب أن كلمات يوسف لافتة للاهتمام؛ إذ إن رغبة باكستان في إقامة تعاون شامل مع الولايات المتحدة تكشف أن توجهات السياسة الخارجية لإسلام أباد قد تتغير. 

كما أن أي تغيير محتمل في هذا الاتجاه لن يقتصر في تأثيره على السياسة الخارجية لباكستان فحسب، بل سيغير التوازنات الجيوسياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تعد واحدة من أهم ميادين الصراع العالمي على السلطة بين الولايات المتحدة والصين.

بعبارة أخرى، تعتبر باكستان في وضعها الحالي جهة فاعلة قريبة من الصين، فيما تعد علاقاتها مع الهند في نطاق إستراتيجية الولايات المتحدة للحد من بكين حاسمة في اختيار إسلام أباد هذا.

إذ إن إسلام أباد تحولت إلى بكين في سياساتها الخارجية منزعجة من التقارب بين الهند والولايات المتحدة في قضية كشمير.

وتابع: كما تحتل باكستان موقعا إستراتيجيا في مشروع الطريق والحزام الذي طرحته الصين لتحقيق أهدافها العالمية. 

ويشكل الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان أحد أهم الممرات الاقتصادية الستة في مشروع الطريق والحزام. ولذلك، تشكل إسلام أباد فاعلا إستراتيجيا مهما بالنسبة لبكين.

مساعي الموازنة

ووفقا للباحث، لا يمكن القول إن باكستان تتلقى دعما من الصين لأجل مشاريع البنية التحتية والنقل الهامة في إطار الممر الاقتصادي بين الجانبين بلا أي مقابل. 

وذلك لأن بكين تزيد من قوتها الناعمة في باكستان، كما فعلت في العديد من دول العالم الأخرى، من خلال تقديم القروض منخفضة الفائدة طويلة الأجل، بحسب قوله.

وهذا بدوره قد يدفع باكستان إلى الاعتماد أحادي الجانب على الصين على المديين المتوسط والطويل، بما أنها حققت بالفعل مكاسب اقتصادية كبيرة على المدى القصير. 

وغير راغبة في هذا، يمكن القول بأن مساعي إسلام أباد "للانفتاح الأميركي" يرتبط ارتباطا وثيقا بحاجة باكستان إلى موازنة الصين.

في هذا السياق، تعمل باكستان على فتح عدة أبواب أمامها في السياسة الخارجية. 

إذ تعمل على تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي المسمى "باكستان ستريم" مع روسيا، كما تحاول التقارب مع الولايات المتحدة، وإن بقيت الهند عاملا من شأنه أن يعيق التقارب الباكستاني الأميركي، يقول الكاتب.

وبالطبع من الممكن التغلب على هذه العقبة بتحويل أزمة كشمير إلى عملية سلام. وبشأن هذا، تفيد الأنباء بأن البلدين أجريا محادثات على المستوى الاستخباراتي بوساطة دولة الإمارات العربية المتحدة، أحد حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، وأن هناك جهودا في هذا الاتجاه 

ويضيف الكاتب التركي: كما بعث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي برسالة إلى نظيره الباكستاني عمران خان في 23 مارس/آذار 2021، يهنئه فيها بعيد استقلال باكستان. 

جاء في الرسالة: "ترغب الهند كدولة مجاورة، في إقامة علاقات ودية مع الشعب الباكستاني".

أما خان فقال في رده على هذه الرسالة: "نعتقد بأن السلام والاستقرار الدائمين في جنوب آسيا يعتمدان على حل جميع القضايا العالقة بين الهند وباكستان، وخاصة قضية كشمير"، معطيا الضوء الأخضر لبدء عمليات التفاوض.

ويقول: لذلك من الممكن أن تنتقل اللقاءات التي تعقد على المستوى الاستخباراتي في الإمارات إلى مرحلة جديدة بقيادة الولايات المتحدة في الفترة المقبلة. 

فبالنسبة للولايات المتحدة، فإن كسب جانب باكستان سيكون بمثابة ضربة قوية للتحدي الصيني، كما سيسمح لإدارة واشنطن بتحقيق تفوق واضح في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

على الناحية الأخرى، تعتبر إيران عنصرا من شأنه أن يسرع التقارب بين باكستان والولايات المتحدة، وذلك لأن العامل الإيراني يمكن أن يجمع البلدين في نقاط مشتركة. 

إذ إن إستراتيجية إيران القائمة على الطائفية تشمل الشيعة الباكستانيين، وهذا الوضع يزعج إسلام أباد، ينوه الكاتب.

أما الفاعل الرئيس الذي يعتقد بخطورة الأنشطة التي تقوم بها إيران خارج حدودها ويقيمها كتهديد للسلام الإقليمي والعالمي فهي الولايات المتحدة الأميركية. 

وبما أن إسلام أباد وطهران كثيرا ما تتواجهان في أزمات بلوشستان الحدودية، من الممكن أن تحاول الولايات المتحدة استخدام هذه القضية من أجل كسب جانب باكستان.

ويختم باشاران مقاله قائلا: ترغب باكستان في اللجوء إلى دبلوماسية متعددة الأوجه للحد من تأثير الصين في سياستها الخارجية، وهي لذلك تحاول تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة إلى تعاون شامل لا يقتصر على عملية السلام الأفغانية.

وبطبيعة الحال، فإن رغبة إسلام أباد هذه تلائم واشنطن تماما، خاصة وأنها في صراع قيادة مع بكين. 

في هذا السياق، من الممكن أن نتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة مبادرات لتقليل التوتر بين الهند وباكستان، وأنها أثناء ذلك، لن تفوت إثارة الجانبين لإشعال فتيل مواجهة بين إسلام أباد وطهران، بحسب ما يراه الكاتب.