رئيس الجزائر المؤقت يفشل بأولى خطواته.. هل تسقطه الجماهير؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على وفق ما تقتضيه أحكام الدستور الجزائري في مادّته الـ102، وبعد أسبوع على استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كلف البرلمان الجزائري، في 9 أبريل/نيسان الجاري، رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، رئيسا لفترة انتقالية قد تمتد لفترة 90 يوما، وفق التلفزيون الوطني الجزائري.

الرئيس المؤقت الجديد عبد القادر بن صالح البالغ من العمر 77  عاما، وهو الرئيس الحالي لمجلس الأمة، الغرفة العليا في البرلمان الجزائري منذ 17 عاما والمنتمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، بدأ محاولات للترويج لنفسه كرئيس فعلي للبلاد على الرغم من المطالبات الشعبية بإقالته من منصبه باعتباره أحد الثلاثة المرفوضين، في إشارة إلى رئيس الوزراء نور الدين بـدوي، و رئيس المجلس الدستوري الطيب بـلعيز، الذي استقال من منصبه لاحقا تحت الضغط الجماهيري.

دعوات للحوار

وجهت الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية الجزائرية، دعوات للأحزاب السياسية الناشطة على الساحة وللجمعيات الناشطة عبر الوطن، إضافة لخبراء وشخصيات مختصة في القانون الدستوري، من أجل لقاء جماعي تشاوري يشرف عليه الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، لبحث الوضع السياسي الراهن وكيفية تسيير المرحلة الانتقالية بعد استقالة بوتفليقة.

وحدد الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح، يوم 4 يوليو/تموز المقبل، تاريخا لانتخابات الرئاسة، وهو موعد يتزامن مع الذكرى الـ57 لاستقلال البلاد في 1962، إلا أنّه قوبل برفض من الحراك والمعارضة، كما أعلنت نقابة للقضاة رفضها الإشراف على الاقتراع قبل تلبية مطالب الشارع برحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

وانطلقت صباح الاثنين الماضي، بقصر الأمم في العاصمة الجزائرية الجزائر، أعمال ندوة الحوار التي دعا إليها بن صالح مع الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني، حيث تباينت الآراء في الساحة السياسية بين معتقد أن الندوة من شأنها فتح الطريق لمخرج سياسي دستوري، وبين من يرى أن هذه المشاورات لم تأت في وضع سياسي موات لإنجاح هذا اللقاء.

وتعد جلسات الحوار التي تسعى الرئاسة الجديدة إلى تنظيمها خطوةً من أجل تقديم اقتراحات حول استحداث هيئة وطنية تتكفل بتوفير الشروط الضرورية لانتخابات رئاسية نظيفة ونزيهة، والتي ستتواصل الى غاية الانتخابات الرئاسية.

وأكد الأمين العام لرئاسة الجمهورية، حبة العبقي أن "المشاورات التي باشرها رئيس الدولة مع الأحزاب والشخصيات الوطنية ستتواصل إلى غاية الانتخابات الرئاسية التي "ستجري في موعدها المفروض دستوريا".

وأضاف العقبي في تصريح على هامش اللقاء التشاوري، أن "الانتخابات الرئاسية المقبلة التي حدد تاريخها بيوم 4 يوليو/تموز المقبل مثلما أعلن عنه رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح هو أمر مفروض دستوريا والمشاورات التي باشرها رئيس الدولة مع الأحزاب والشخصيات الوطنية ستتواصل، لكونها ترتبط بمستقبل البلاد وبتنظيم انتخابات حرة ونزيهة والتأسيس لنظام سياسي جديد".

رغم هذه الرؤية المتفائلة لرئاسة الجمهورية المؤقتة، إلا أنّ الرفض الذي تحظى به شخصية عبد القادر بن صالح ومواصلة المطالبات في الشارع بإقالتها ألقت بظلالها على المشاورات التي قوبلت بمقاطعة واسعة من الأحزاب السياسية المعارضة وحتى المؤيدة للسلطة والمقربة منها.

مقاطعة واسعة

تستعد جموع الشعب الجزائري للنزول إلى الشوارع في الجمعة التاسعة منذ انطلاق الحراك يوم 22 فبراير/ شباط الماضي، رفضا لولاية خامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، استقبلت الأحزاب السياسية وعدد من المنظمات والنشطاء رسالة موقعة من حبة العقبي بصفته الأمين العام للرئاسة تدعوهم إلى المشاركة في "لقاء جماعي تشاوري تنظمه رئاسة الجمهورية" الإثنين.

وعقب ذلك، توالت مواقف الأحزاب الرافضة لهذه الدعوة والمشككة في نواياها معتبرة إياها محاولة على الالتفاف على مطالب الحراك، حيث أعلن 34 حزبا سياسيا عن مقاطعتهم لهذا اللقاء.

وأصدرت "حركة مجتمع السلم" (أكبر أحزاب المعارضة البرلمانية)، بيانا أكدت فيه مقاطعتها للقاء، واصفة إياه بأنه "اعتداء" على الإرادة الشعبية بالقول: "اللقاء هو ذاته اعتداء على الإرادة الشعبية وزيادة في تأزيم الأوضاع، وتعلن بأنها لن تحضر هذا الاجتماع وتدعو جميع القوى السياسية والمدنية إلى مقاطعته".

وأضافت الحركة في رسالتها للنظام، أن "سياسة فرض الأمر الواقع هي التي أوصلت البلد إلى ما نحن عليه، وأن استمرار التعنت في عدم الاستجابة للشعب الجزائري الذي طالب بإبعاد رموز النظام في إدارة المرحلة الانتقالية والشروع في انتقال ديمقراطي حقيقي عبر الحوار والتوافق الوطني، ستكون عواقبه خطيرة على الجزائر والجزائريين يتحمل أصحاب القرار الفعليين مسؤوليته" .

كما انضم حزب طلائع الحريات المعارض والذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس  إلى لائحة المقاطعين لجلسة التشاور مع بن صالح، حيث قال في رسالة حادة اللهجة إلى بن صالح: "محاولة يائسة أخرى لتجنب الاستجابة الفعلية لمطالبه الحقيقية، كما أنها خارج موضوع الساعة لأن الموضوع المطروح وبإلحاح اليوم هو، وبكل وضوح، متعلق برئاسة الدولة ورئاسة المجلس الشعبي الوطني والحكومة".

من جهتها، اعتبرت "جبهة العدالة والتنمية" أن ندوة، الاثنين، التي دعا إليها بن صالح "مشاورات خادعة ودعوة رئيس الدولة المرفوض مرفوضة، لأن الشعب ينتظر الاستجابة لطلبه المتمثل في الذهاب الفوري لبقايا العصابة، وليس القفز على ذلك بفتح سلسلة مشاورات ومفاوضات تركنا شرفها لمن يتقن فن التفاوض على حساب الشعب، ويجد راحة في الجلوس حول طاولة العصابة".

كما أعلنت أحزاب من الموالاة في مقدّمتهم حزب "جبهة التحرير الوطني" مقاطعة المشاورات، إضافة إلى "الحركة الشعبية" الجزائرية التي يقودها وزير التجارة السابق عمارة بن يونس، و"تجمّع أمل الجزائر"، وهي أحزاب موالية لبوتفليقة سابقا.

خطوة فاشلة

هذه المقاطعة الواسعة التي مني بها هذا الاجتماع الأول الذي أراده الرئيس المؤقت الجزائري، كانت من أهم الأسباب التي دفعت بن صالح إلى التغيب عنه، ولكن رغم كل ذلك قال الأمين العام للرئاسة: إن "باب المشاورات سيبقى مفتوحا للجميع برغم مقاطعة بعض الأطراف"، مبررا غياب بن صالح بانشغالات أخرى.

كما شهدت الجلسات منع الصحفيين من تغطيتها واعتبارها جلسة مغلقة، ما أثار حفيظة ممثل "جبهة المستقبل " وافي عبد الله، الذي قرر الانسحاب من اللقاء وعبر عن سخطه من سلوك المشرفين على الندوة.

وفي الوقت الذي عبّرت فيه الأحزاب السياسية عن مواقفها، فقد اعتبر عدد من النشطاء، أن هذا التوجه الذي تتخذه السلطة وتصرّ عليه، مصيره "الفشل" كسابقيه من الخطوات التي انتهجتها منذ الإعلان عن إقالة حكومة أويحيى إلى تأجيل الانتخابات وصولا إلى استقالة بوتفليقة.

وعدّ البعض منهم، أن تمسك بن صالح بتنظيم الانتخابات الرئاسية يوم 4 يوليو / تموز المقبل، بأنه "محاولة لجس نبض الشارع وأخذ موقف منه"،إذ اعتبر المحلل السياسي أحسن خلاص، في تصريح لموقع "يورابيا"، أن "مثل هذا التصريح دليل على أن الانتخابات لن تجرى في وقتها، فالداخلية الجزائرية نشرت قائمة المرشحين وعددهم 24 حتى الآن، لكن لا أحد سُمع له صوت على الساحة، فحتى الوزراء لا يستطيعون القيام بزيارات ميدانية ولا المرشحين قادرين على القيام بحملة انتخابية ".

من جهته، رأى الناشط والإعلامي الجزائري محمد عزروق، أنّ الحراك يرفض كل ما يأتي من السلطة متمسكا بشعار " يتنحاو ڤاع" ( يرحلون جميعا) و يعتبر كل من يشارك اللقاء التشاوري قد خان مطالب الحراك وللإرادة الشعبية".

وأضاف عزروق في حديث لـ"الاستقلال" أن "النظام فقد شرعيته بعد أن مارس الشعب سلطته وفقا للمادة 07 من الدستور وطلب منه مغادرة السلطة، ومن لا يملك الشرعية لا يمكنه أن يتشاور ولا أن يدير مرحلة انتقالية".

ولفت إلى أن الحل الوحيد للخروج من الوضع الحالي، هو مغادرة بن صالح وبدوي واستخلافهم بشخصيات تحظى بالقبول الجماهيري، وتعيين حكومة كفاءات وطنية بعد إقالة الحكومة الحالية، وتكليف لجنة انتخابات مستقلة تعدّ لانتخابات نزيهة وديمقراطية في نهاية المرحلة الانتقالية.