للمرة الأولى.. ماذا تعني مشاركة "حركة إسلامية" في حكومة إسرائيلية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد ولادة متعسرة استغرقت عامين وأربعة انتخابات، نجح الطبيب منصور عباس رئيس حزب الحركة الإسلامية (القائمة العربية الموحدة) بالداخل الفلسطيني المحتل، في إعطاء أول شهادة ميلاد عربية لحكومة إسرائيلية جديدة أطاحت برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد 12 عاما.

ولأنها المرة الأولى منذ احتلال فلسطين عام 1948 التي يدعم فيها حزب عربي حكومة إسرائيلية، فقد قوبل توقيع "الحزب الإسلامي" شهادة ميلادها، بردود أفعال مختلفة.

وحدد رئيس الكنيست الإسرائيلي يريف ليفين، موعد عرض الحكومة الإسرائيلية الجديدة على الكنيست لنيل الثقة، بعد أيام من الإعلان عن نجاح المعارضة في تشكيل حكومة "تغيير".

وذكرت قناة "كان 11" العبرية، في 8 يونيو/حزيران 2021 أن "ليفين" قرر السماح بعرض الحكومة على الكنيست في 13 من ذات الشهر قبل يوم واحد من انتهاء المدة القانونية لعرضها، وسيجري أيضا انتخاب رئيس جديد للكنيست في نفس اليوم.

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في الثاني من يونيو/حزيران 2021 إن "العرب الإسرائيليين"، أو فلسطينيي الأرض المحتلة 1948، قابلوا دعم الحزب الإسلامي لحكومة "بنيت-ليبيد" بسخط وارتياح معا.

"السخط" كان مرده إلى أن نفتالي بينيت وزير الجيش السابق، الذي سيصبح رئيسا للوزراء حتى عام 2023 هو زعيم يميني متحالف مع القوميين المتطرفين المعادين للفلسطينيين وفكرة قيام دولة فلسطينية.

أما "الارتياح" فهو نابع من الإطاحة بنتنياهو لأنه سعى لاستغلال فلسطينيي الأرض المحتلة 48 وتصويرهم كخطر لحث مؤيديه على دعمه، كما أنه أعلن صراحة أن إسرائيل "دولة ليست لجميع مواطنيها ولكن للشعب اليهودي فقط".

الفرحة العربية لإسقاط نتنياهو تنبع أيضا من أنه دعم أيضا قانون "الدولة القومية" للشعب اليهودي الذي يمنح اليهود فقط حق تقرير المصير دون الفلسطينيين، وظهر عنصريا تجاه العرب ما أدى للمواجهات التي شهدها الداخل الفلسطيني في القدس.

في المقابل، استقبل إسرائيليون تدخل حزب إسلامي لصنع حكومتهم الجديدة بتحفظ.

فلعقود من الزمان، ظلت الأحزاب العربية خارج عملية صنع القرار في السياسة الإسرائيلية، ونبذتها نظيرتها اليهودية واعتبرتها متطرفة.

وكان الفلسطينيون أنفسهم لا يتصورون مشاركتهم في حكومة احتلال إسرائيلية يرونها تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية وتضطهدهم.

لكن هذه المرة، فاز معسكر نتنياهو بـ 52 مقعدا، مقابل 57 للتحالف المعارض له، وكانت المعارضة في حالة لمقاعد الحركة الإسلامية الأربعة لاستكمال نسبة الفوز (61 مقعدا) فرجح "عباس" كفتها بهدف الإطاحة برئيس الوزراء الحالي.

ويضم الائتلاف الحكومي الجديد أحزاب: "يش عتيد" (17 مقعدا) و"يمينا" (7) و"العمل" (7) و"تيكفا حداشا" (6)، و"كاحول لافان" (8)، و"ميرتس" (6) و"يسرائيل بيتينو" (7)، والقائمة الموحدة الإسلامية (4).

مكاسب القائمة

وترى أوساط سياسية في تل أبيب أن الفائز أو الطرف الذي حظي بمكسب أكبر هو منصور عباس رئيس حزب "القائمة العربية الموحدة" أو الحركة الإسلامية أو "هتنوعاه هإسلاميت" كما يسمى بالعبرية.

لكن فلسطينيين يرون أن دعم عباس للحكومة الجديدة "انتحار سياسي" قد يجعل عرب الداخل ينفرون من حزبه مستقبلا لأن المجتمع العربي تغير بعد هبة القدس وانتفاضة الداخل مايو/ أيار 2021 ولم يعد يرض بفتات الاحتلال.

كي يبرر لفلسطيني الداخل المحتلة سبب دعمه حكومة إسرائيلية لأول مرة منذ النكبة، سعي الحزب الإسلامي لإبراز أنه حصل قدرا كبيرا من المكاسب بمشاركته في هذا التحالف الحاكم الجديد.

اعترف منصور عباس أن قرار توقيعه على الاتفاق الائتلافي "صعب"، لكنه قال إنه حقق بالمقابل "إنجازات كبيرة للمجتمع العربي في إسرائيل".

رصد حزبه، في بيان نشره على حسابه في فيس بوك 2 يونيو/ حزيران 2021، ما قال إن 11 مكسبا حصدها من دعمه الحكومة الائتلافية الجديدة.

تحدث عن "مكاسب" في صورة ميزانيات تتعدى الـ 53 مليار شيكل (16.3 مليار دولار)، وترسيخ مكانة الأحزاب العربية كلاعب مؤثر وشرعي في الساحة السياسية".

بحسب بيان الحركة الإسلامية، من المكاسب التي تضمنتها بنود اتفاق تشكيل الحكومة: إقرار خطة اقتصادية خمسية للبلدات العربية في الداخل المحتل بميزانية 30 مليار شيكل (الشيكل 0.30 دولار)، وخطة عشرية بميزانية 20 مليار شيكل للبنى التحتية فيها.

وميزانية سنوية بـ 100 مليون شيكل كل سنة، لمدة 5 سنوات، لمشاريع للنهوض بالسلطات المحلية العربية.

كما سيحصل الحزب الإسلامي على رئاسة لجنة الداخلية البرلمانية الهامة للسلطات العربية، ورئاسة اللجنة لقضايا العرب، ومنصب نائب رئيس الكنيست.

من المكاسب أيضا الاتفاق خلال 120 يوما على تعديل الحكومة قانون كامنتس (لا يزال يخضع للتفاهمات) الذي يهدم البيوت العربية غير الحاصلة على ترخيص إسرائيلي، يفرض غرامات باهظة وتأجيل تطبيقه حتى نهاية 2024.

والاعتراف ببلدات عربية في النقب خلال 45 يوما من تشكيل الحكومة كانت معرضة للهدم.

بجانب المكاسب المادية، يبدو أبرز مكسب حققته الحركة هو "ترسيخ مكانة الأحزاب العربية كلاعب مؤثر وشرعي في الساحة السياسية الإسرائيلية".

رؤية الحكومة الإسرائيلية النور بفضل دور الحزب الاسلامي بمثابة اعتراف سياسي إسرائيلي بأن العرب طرف مهم في المعادلة السياسية الإسرائيلية، بحسب متابعين.

في السابق كانت الأحزاب الإسرائيلية تكتفي بالحصول على أصوات العرب، وهم يجلسون على مقاعد الاحتياط فقط، والآن أصبحوا ضمن معادلة "صانع الملوك".

خسائر الحركة

أهم إنجاز ترى الحركة الإسلامية (الجنوبية) أو القائمة الموحدة (راعم) أنها حققته باتفاق الائتلاف الحكومي هو تجميدها قانون "كامينيتس" الذي يمنح الحكومة بأدوات إدارية لفرض مخالفات بناء واسعة النطاق في البلدات العربية، بعد ضغوط من أعضاء الكنيست العرب، وتعهد الحكومة الائتلافية بتعديله خلال 120 يوما، ووقف هدم منازل بالنقب.

لكن، تظل الحقيقة هي أن البندين المتعلقين بتجميد تنفيذ قانون "كامينيتس" والنقب لا يأتيان بجديد.

فقد سبق لوزير الاقتصاد عمير بيرتس، المسؤول عن ملف عرب النقب، طرح قرار على الحكومة يعترف بقرى عبدة، وخشم زنة، ورخمة التي كانت معرضة للهدم.

أيضا المستشار القضائي للحكومة سبق أن جمد تنفيذ قانون "كامينيتس" في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بالفعل.

والأهم أن هبة القدس وانتفاضته عرقلت مضي الاحتلال في قرارات طرد سكان قرى عربية، ووضعت معادلة جديدة، تخشى معها سلطات الاحتلال استكمال الهدم وطرد فلسطينيي الداخل من منازلهم.

أيضا مقابل ما حصلت عليه الحركة الاسلامية، نص الاتفاق الذي تمت بلورته بين "يش عتيد" وحزبي "يمينا" و"تيكفا حداشا" على "تشكيل هيئة مراقبة للاحتفاظ بمناطق سي (جـ)" في الضفة الغربية المحتلة، أي الاستيلاء عليها.

وكذا "تعزيز المواقع التراثية اليهودية وتوسيعها"، و"المصادقة على 300 ألف وحدة سكنية استيطانية بأسعار مناسبة"، دون تحديد مواقع هذه المشاريع، وإن كانت تشمل منطقة القدس والضفة الغربية أم لا؟!.

من خسائر دعم حزب الحركة الإسلامية، للحكومة الإسرائيلية الجديدة أيضا، أنها أوصلت بذلك متطرفا أشد تطرفا من نتنياهو لرئاسة الوزراء، هو "نفتالي بينيت" ما قد يعرقل مفاوضات إعادة إعمار غزة وتبادل الأسرى.

فهو يقود حزب "يمينا" المؤيد للاستيطان ولضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، ويدعم "أرض إسرائيل الكبرى"، ويؤيد بناء المستوطنات وضم أراضي الضفة الغربية ويتبنى خطابا صهيونا دينيا متشددا.

"بينيت" يدعم أيضا الرد العسكري القاسي على المقاومة الفلسطينية وسياسات العقاب الجماعي ضدهم، كهدم بيوت "منفذي العمليات"، ويعارض تحرير الأسرى الفلسطينيين وصفقات التبادل.

وهو كاره للعرب ويطالب بقتلهم ويفتخر بقتله العديد من العرب وهو ضابط في الوحدة الصهيونية الخاصة، ويفتخر بقوله: "قتلت الكثير من العرب، ولا يوجد في ذلك أية مشكلة"!.

كما أن تشكيل ائتلاف حكومي يضم خليطا من 8 قوى من اليساريين والعلمانيين واليمينيين والإسلاميين، سيكون مغامرة ينتج عنها حكومة عرجاء، أو مشلولة، يصعب أن تبت في قضايا مصيرية مع الفلسطينيين.

فهي حكومة متناقضة، تتشكل من نفتالي بينيت (الأكثر يمينية وعنصرية من نتنياهو) ويائير لابيد (الأكثر علمانية بين اليهود) ومنصور عباس ذو التوجه الإسلامي، لذا قد لا تصمد كثيرا.

صانع الملوك

رغم أن من أسقط نتنياهو فعليا هو صواريخ مقاومة غزة في المواجهة التي جرت في (11-21 مايو/أيار) وليس منصور عباس، إلا أن الصحف الغربية وصفته بأنه "صانع الملوك" بعدما وفر "شبكة أمان خارجية" للائتلاف المناوئ لنتنياهو فأسقطه بالقاضية.  

صحيفة "مونيتور" الأميركية وصفت منصور عباس نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الكنيست الحالي، بأنه "صانع الملوك".

قالت في 25 مارس/آذار 2021 إن "حزبه الجديد قلب موازين التحالفات الانتخابية لتشكيل الحكومة بعدما فاز بـ 4 مقاعد في الكنيست لأول مرة".

ووصفته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية 31 مارس/آذار 2021 بأنه "أول إسلامي يصبح صانع الملوك في إسرائيل"، و"حزبه المقرب من الإخوان المسلمين بات رقما صعبا في معادلة اختيار رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل".

وهو نفس ما قالته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية 26 مارس/آذار 2021 عن أنه بات "صانع الملوك" بعدما أصبح له دور في صنع "القيادة الإسرائيلية".

غرابة هذا التطور الذي أطاح بنتنياهو، أن الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) تعود بجذورها إلى مؤسسها الشيخ عبد الله نمر درويش الذي يميل إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين.

و"الجناح الجنوبي" على خلاف مع "الجناح الشمالي" بزعامة رائد الشيخ صلاح الذي يرفض الانخراط في مؤسسات الدولة الإسرائيلية أو انتخاباتها.

وبدأت السلطات الإسرائيلية التضييق على الجناح الشمالي بزعامة الشيخ صلاح منذ 4 سبتمبر/ أيلول 1999، واتهمته بدعم المقاومة الفلسطينية، وأغلقت صحيفته ومقراته لاحقا.

ثم اعتبرته "محظورا" منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بدعوى دفاعه عن المسجد الأقصى ضد اقتحامات المستوطنين، فيما استمر نشاط "الجناح الجنوبي" الذي انخرط في مؤسسات الدولة الإسرائيلية.

دخل منصور عباس عالم السياسة منذ 11 عاما حين فاز بمنصب نائب رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 48 عام 2010، وترشح في انتخابات الكنيست الإسرائيلي 3 مرات، ليفوز طبيب الأسنان المغمور، ذو التوجه الإسلامي، ويصبح نائبا منذ 2019. 

رغم أنه يؤكد أنه ينتمي للتيار الإسلامي وأشاد بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي ووصفه بأنه الرئيس "الشهيد" ويمثل رمزا لكل الشباب العربي الذي يريد أن يتحرر من العبودية، فإنه لا يمانع التعاون مع أي طرف يتولى الحكم في إسرائيل سواء كان من اليمين أو اليسار.

شريطة أن يتجاوب مع مطالب حزبه التي تتمحور حول الحصول على مزيد من الدعم والخدمات للبلدات والمدن العربية داخل إسرائيل.

في خطابه الانتخابي أول أبريل/ نيسان 2021 وصف منصور عباس نفسه قائلا: "أنا منصور عباس، رجل الحركة الإسلامية، عربي ومسلم فخور، مواطن في دولة إسرائيل، يقود أكبر حركة سياسية في المجتمع العربي".

تابع: "أدافع بشجاعة عن رؤية سلام وأمن متبادل، وشراكة وتسامح بين الشعوب لإيجاد فرصة للتعايش في هذه الأرض المقدسة التي تنعم بها ثلاث ديانات وشعبان".

وفي انتخابات مارس/ آذار 2020، كان حزبه (الحركة الإسلامية الجنوبية) جزءا من "القائمة العربية المشتركة"، التي حصلت على 15 مقعدا في البرلمان.

لكنه في يناير/ كانون الثاني 2021، انفصل بحزبه الحركة الإسلامية عن القائمة العربية، وترشح للكنيست وفاز بـ 5 مقاعد تقلصت لاحقا إلى 4 فقط.