مريم الصادق المهدي.. وزيرة سودانية تحمل ملفات مهمة وتدين بالولاء لأبوظبي

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خرجت مريم الصادق المهدي من صلب عائلة متمرسة في بحر السياسة المتلاطم، فهي ابنة زعيم حزب الأمة السوداني الراحل الصادق المهدي، وجدها الأكبر محمد أحمد المهدي، الذي أشعل الثورة المهدية في السودان 1881. 

ورغم أن مريم كانت من أبرز وجوه الثورة السودانية، كما برزت بشدة على المسرح السياسي عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، فإن توازنات المرحلة الانتقالية، ومشاركة حزب "أبيها"، في قوى الحرية والتغيير، دفعت بها لتولي حقيبة وزارة الخارجية، كواحدة من أثقل وأهم الحقائب الوزارية.

جاء التولي في مرحلة شديدة الحساسية على جميع المستويات والأصعدة، وفي ظل محاولة السودان العبور من عنق الزجاجة، أمام تحديات عدة أهمها سد النهضة الإثيوبي، والعلاقة مع القوى الإقليمية المحيطة. 

مع مرور الوقت ظهرت ملامح السياسة الخارجية لمريم الصادق المهدي، حيث أظهرت المواقف انحيازها الشديد لدولة الإمارات، التي تحاول أن تلعب دورا عميقا في الداخل السوداني، وفي المنطقة ككل بصراعاتها المعقدة. 

في سطور

تحت اسم "مريم المنصورة" ولدت مريم الصادق المهدي، في السودان عام 1965، ووالدها هو الزعيم السياسي المعروف الصادق المهدي.

 ووالدتها سارة الفاضل التي كانت أيضا من السياسيات السودانيات، وشاركت في المظاهرات المناهضة لنظام حكم الفريق إبراهيم عبود عام 1964، ففي هكذا بيئة وعائلة نشأت مريم المهدي، وتشربت السياسة. 

حصلت على بكالوريوس الطب من الجامعة الأردنية عام 1990، ومارسته لبعض الوقت في السودان، ثم هجرته لاحقا إلى مجال السياسة الذي فضلته وآثرته على مجال دراستها. 

انخرطت مريم ضمن صفوف جيش الأمة للتحرير (معارض) في نهاية عام 1997 وحتى منتصف العام 1998، حيث تعلمت الرماية وإطلاق القنابل اليدوية.

وتدرجت حتى نالت رتبة رائد في جيش الأمة الذي كان متمركزا حينها في الأراضي الإريترية المتاخمة للحدود السودانية، ضمن قوات شكلتها المعارضة للمضي في الطريق المسلح، ضد نظام الإنقاذ برئاسة عمر البشير. 

تعتز مريم المهدي بتلك الفترة التي حملت فيها السلاح، وما زالت تحتفظ برصاصة معها تعود لذلك التاريخ، تعبيرا عن امتنانها لمرحلة مهمة من حياتها، كما تروي دائما. 

اعتقلت مرتين، الأولى عام 2014، حيث قضت 28 يوما خضعت فيها لأربعة استجوابات من أجهزة الأمن السودانية، والثانية في 30 يناير/ كانون الثاني 2019.

وفي الأخيرة، أعلن حزب الأمة القومي المعارض، أن السلطات الأمنية اعتقلت نائب رئيس الحزب، مريم الصادق المهدي، من منزلها في الخرطوم على خلفية الاحتجاجات التي شهدها السودان، ثم أطلق سراحها، بعد اعتقال استمر عدة ساعات.

مريم "الوزيرة" 

بعد نجاح الثورة في إسقاط عمر البشير أبريل/ نيسان 2019، أصبح حزب الأمة وزعيمه الصادق المهدي، وابنته مريم، من أبرز المشاركين في تشكيل الحياة السياسية الجديدة بالسودان.

كما كانوا ضمن صفوف قوى الحرية والتغيير، عمود الثورة، والمفاوض الأول أمام المجلس العسكري الحاكم آنذاك، ومن ثم المكون الرئيس للحكومة الانتقالية. 

أثارت مريم جدلا واسعا في 17 أغسطس/ آب 2019، بين صفوف الناشطين السياسيين والقوى الثورية في البلاد، خلال توقيع الاتفاق السياسي النهائي بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، حيث أدت التحية العسكرية لضباط المجلس، وهو ما استنكره الثوار كونها شخصية مدنية. 

في مساء 8 فبراير/ شباط 2021، أعلن رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، تشكيل حكومة جديدة من أبرز وجوهها، القيادية بحزب الأمة القومي، مريم الصادق المهدي، التي أصبحت وزيرة لخارجية السودان، خلفا لـ "أسماء محمد عبدالله". 

استلمت المهدي حقيبة الخارجية وسط أجواء صعبة، حيث كان عليها معالجة العديد من الأوراق المعقدة، بما يتوافق مع مقتضيات المرحلة، لا سيما في ظل وجود ثلاثة ملفات حاسمة تحتاج إلى تعامل دبلوماسي متفرد وحكيم، يمكن أن تكون محكا يفرض على السودان الدخول في مزيد من الصراعات والأزمات.

تتمثل تلك الملفات في التطبيع مع إسرائيل، وسد النهضة الإثيوبي، والعلاقات مع مصر. 

بالإضافة إلى نقطة العلاقات السودانية العربية وطبيعتها، وهذه الجزئية تحديدا شهدت محور الانتقاد الآخر لسياسة مريم المهدي، بسبب قربها الشديد من أبوظبي، ورحلاتها المتكررة بشكل مستمر إليها. 

المهدي والإمارات 

ارتبطت الصادق المهدي، مع الإمارات بعلاقة من نوع خاص، ففي مستهل ولايتها، شكلت وفدا رفيعا لزيارة أبوظبي، قادته بنفسها، في مطلع مارس/ آذار 2021، استجابة للمبادرة الإماراتية للوساطة بين السودان وإثيوبيا في قضية الحدود.

الأمر الأكثر غرابة أنه في الوقت الذي كان الشارع السوداني يتهامس فيه حول "مبادرة الفشقة" الإماراتية التي تهدف إلى تقسيم المنطقة المتنازع عليه مع إثيوبيا، وتدعو السودان صراحة للتنازل عن أرضه، كانت طائرة وزيرة الخارجية السودانية، تحط رحالها في  مطار دبي يوم 13 أبريل/ نيسان 2021 ضمن زيارة رسمية.

وكان في استقبالها وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان.

وكانت المبادرة الإماراتية تنص على انسحاب الجيش السوداني إلى وضع ما قبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وتقسيم الفشقة بنسبة 40 بالمئة للسودان و 40 بالمئة للإمارات و 20 بالمئة للمزارعين الإثيوبيين تحت مشروع استثماري تقيمه الإمارات. 

وأثناء زيارة المهدي للإمارات أصدرت بيانا من هناك، شددت فيه أنها تثمن الدعم الكبير الذي تقدمه قيادة أبوظبي للشعب السوداني، في سبيل مساندته لتحقيق النهوض بالاقتصاد وتجاوز التحديات المالية والاقتصادية، في ذلك التوقيت المهم. 

واجهت انتقادات قاسية من قبل وسائل الإعلام السودانية، ونشرت صحيفة "مونتي كارلوو" المحلية في 14 أبريل/ نيسان 2021، أن "مريم في الإمارات كونها وزيرة خارجية سودان الثورة التي انطلقت في الأساس من أجل استعادة الكرامة ولا كرامة دون الحفاظ على الأرض، وعلى كل شبر فيها".

وأضافت "مثل هذا النوع من المبادرات تأكيد على غياب الهيبة، فكيف لدولة أن توافق على تقسيم أرضها وبالطريقة المعلنة، هل سيكون للسلام قيمة في هذه الحالة؟".

وتساءلت: "الإجابة الحاضرة الآن هي أن الكل يرفض المبادرة الإماراتية لتقسيم الأرض، بينما يتمدد السؤال: ما هو الموقف الرسمي للحكومة وما الذي تحمله مريم في حقيبتها من أجل تطوير سبل التعاون بين الخرطوم وأبوظبي؟". 

وزيرة الفوضى 

لم تكن العلاقة مع الإمارات وإدارة الملفات الخارجية السبب الأوحد لانتقاد وزيرة الخارجية السودانية بل إن طبيعة إدارتها واختلال موازين العمل المؤسسي لديها، شكل البعد الأهم لتوجيه سهام النقد إليها.

وفي 7 يونيو/ حزيران 2021، كشفت صحيفة "الأخبار السودانية" عن "تعيين كوادر حزب (الأمة القومي) المنتمية إليه مريم، بوزارة الخارجية".

وقالت الصحيفة السودانية إن "الفوضى وتدهور العمل، يعصف بأداء وزارة الخارجية، إثر سلسلة سياسات تقودها الوزيرة الحالية مريم الصادق". 

وفي نفس اليوم أعلنت صحيفة "لراكوبة" السودانية، أن "مريم استعانت بشقيق رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل، كمستشار سياسي، ما يعد أعجوبة تحدث لأول مرة بالوزارة التي تتمتع بخبرات دبلوماسية هائلة". 

وتحدثت عن "اصطحاب الوزيرة في جولاتها (غير المفهومة) التي قامت بها مؤخرا في القارة، للمستشارين فقط دون سفر مدير الإدارة الإفريقية في الوزارة كما هو متبع في كل الجولات التي يقودها أي وزير خارجية في قارته".

وأضافت: "لا تتابع أي أعمال أو سياسات دبلوماسية محددة في شأن العلاقات الخارجية والسياسات الخارجية والعمل الدبلوماسي اليومي، بخلاف ملف سد النهضة".

وتابع: "تولي هذا الملف كل اهتمامها وسفرياتها وحتى لقاءاتها مع المندوبين الخاصين وسفراء الدول الأخرى في اللقاءات المختلفة التي في أغلبها لا تحمل مناسبة عن السد الإثيوبي".

وأوردت أن "هناك نقصا حادا في السفارات بالخارج، بينما تولي الوزيرة، الإداريين مهام دبلوماسية، لعجزها عن معالجة ملفات السفارات، لافتقارها الخبرة اللازمة للعمل الدبلوماسي". 

وأكدت: "وجود عجز تراجعي في سياسات السودان الخارجية وعلاقاته الدولية بسبب انكفاء الوزيرة على ملف سد النهضة فقط، وترك الملفات الأخرى مهملة ومقطوعة، وسط رفضها التعامل معها من قبل آخرين".