باحث فرنسي: السيسي يصمم دستورا لتجنب الانقلاب

12

طباعة

مشاركة

في حين لا يزال الجزائريون والسودانيون يحشدون لإسقاط النظام بعد الإطاحة بالرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير، فإن البرلمان المصري صادق على تعزيز الفترة الرئاسية وأضفى الشرعية على تمديد ولاية عبد الفتاح السيسي.

هذا ما قاله بودوان لونج الباحث في الشأن المصري بمركز الدراسات والتوثيق الاقتصادي والقانوني والاجتماعي (CEDEJ)، في مقاله بصحيفة "أوريان 21" الفرنسية مؤكدا "سيسمح التعديل الدستوري الذي أعده البرلمان المصري لعبد الفتاح السيسي بأن يتجاوز حدود الولايتين اللتين يفرضهما الدستور الحالي وأن يظل رئيسًا حتى عام 2030".

وأضاف لونج: "كما تتضمن هذه التعديلات نصوصا أخرى، أبرزها تلك التي تزيد من سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء"، مشيرا إلى أنه وراء هذا التعزيز للسلطوية، هناك أيضا توازنات داخلية للنظام تؤدي دورها: "فالرئيس دائما تحت رحمة الجيش، ويوسع إستراتيجيته المناهضة للانقلاب، لكن الأمر يظل هشًا".

وتابع: "منذ إعادة انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية في عام 2018، في ظل ظروف لا تسمح بأي منافسة جدية، نشأت قضية تعديل مقبل للدستور من أجل السماح له بالبقاء في السلطة بعد ولايته الثانية"، لافتا إلى أن الدستور الذي تم تبنيه في استفتاء عام 2014 "ينص على أنه لا يمكن انتخاب الرئيس إلا لفترتين مدة كل منهما 4 سنوات، حيث كان يجب أن يغادر السيسي الرئاسة بشكل نهائي عام 2022".

وبين أن "هذا التعديل اقترح في 3 فبراير/شباط 2019 من قبل النائب عبد الهادي القصبي، رئيس تحالف من أجل دعم مصر، وفي نهاية النقاش الوطني الذي لم يترك مجالاً للتعبير عن معارضة حقيقية، أقر البرلمان النص النهائي للمراجعة الدستورية الذي تم تقديمه للاستفتاء بعد أقل من أسبوع على اعتماده، وللمرة الرابعة منذ 8 سنوات، يتوجه المصريون إلى مراكز الاقتراع للتصويت على الدستور".

استقلالية القضاء

وقال الباحث: "من الواضح أن النصوص الأكثر إثارة للنقاش هي تلك التي تسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2030، لا يزال الدستور المعدل يحدد عدد الفترة الرئاسية بولايتين، لكنها تمتد من 4 إلى 6 سنوات (المادة 140) ما يسمح للرئيس الحالي بتمديد فترة ولايته الحالية حتى عام 2024 - بدلاً من 2022 - السنوات الأربع المقررة، والترشح لفترة جديدة مدتها 6 سنوات أخرى (المادة 241).

وأكد بودوان لونج أنه ليس هذا هو التغيير الوحيد، حيث إن التعديلات تنص أيضًا على إمكانية تعيين نائب للرئيس الذي قد يُطلب منه أن يحل محل الرئيس، لكن لن يتمكن من الترشح للرئاسة بعد فترة مؤقتة، وأيضا إنشاء مجلس للشيوخ يضم 180 عضوًا (المواد 248-253)، ويعين رئيس الجمهورية ثلث أعضائه (المادة 250)، أما النصوص الأخرى فتقلل من عدد النواب في البرلمان وتفرض حصة 25 ٪ للنساء (المادة 102).

وأشار الباحث إلى أن الدستور المنقح يمنح رئيس الجمهورية سلطات تقيد استقلالية القضاء، إذ سيترأس المجلس الأعلى للقضاء ويجوز له تعيين رؤساء المحاكم الرئيسية، وكذلك النائب العام ورئيس المحكمة الدستورية العليا (المادة 185)، وستقتصر مدتهم على 4 سنوات.

أما التعديلات الأخرى، فيبين الباحث، أنها "تتعلق بالجيش، ويتمثل دوره في الدفاع عن الدستور والديمقراطية وكذلك حماية أسس الأحوال المدنية والحقوق الفردية والحريات (المادة 200)، وفي حين أن دستور 2014 سمح بالفعل بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في حالة وقوع هجوم مباشر، لكن النص المعدل يزيل كلمة مباشر، وبالتالي يوسع نطاق تدخل المحاكم العسكرية (المادة 204)".

وقال بودوان مؤلف كتاب "مصر من مبارك للسيسي: صراعات على السلطة وإعادة تشكيل سياسي: "إن هذه التعديلات تسمح للسيسي بتعزيز السلطة الرئاسية، ومع ذلك، لا يوطدها على حساب التعددية بقدر منافسيه في الداخل، ففي الواقع التعددية السياسية وجميع أشكال الديمقراطية أعيقت منذ زمن طويل".

وبين أن "الدستور المعدل لن يغير كثيرًا، فالسلطوية موجودة بالفعل، كما يتضح من إغلاق الساحة السياسية والقمع وإزالة أي مصدر للمعارضة، لقد أظهرت الانتخابات الرئاسية لعام 2018 ذلك بوضوح".

كما أكد أن "المرشح الوحيد ضد عبد الفتاح السيسي أظهر دعمه لرئيس الدولة! وكان الآخرون قد منعوا بشكل منهجي، وبعد هذه الحلقة، لا يمكن لأحد أن يصدق أن السيسي سيقبل منافسة مفتوحة أو أنه سيتردد في تمديد فترة رئاسته إلى ما بعد عام 2022".

شرعنة الاستبداد

وتابع: "لذا فإن عملية تعديل الدستور تدور حول تعزيز الاستبداد من خلال شرعنته، ليس لأن النص سيكون له قيمة وغير قابل للتغيير، ولكن لأنه يسمح للنظام بالاعتماد على مصدر للشرعية يعتمد إلى حد كبير على وضع القانون باعتباره المعيار النهائي الذي سيتم فرضه على الجميع".

بالإضافة إلى ذلك، "تعد هذه التعديلات جزءًا من إستراتيجية رئاسية مناهضة للانقلاب تستهدف الجهات الفاعلة المؤسسية التي يمكن أن تتحدى سلطة السيسي، إذ أظهرت الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار 2018 أن الرئيس كان يخشى قبل كل شيء أن ينقلب عليه من أتى به إلى السلطة، بعد أن شارك بنفسه في الإطاحة بحسني مبارك (كان آنذاك أصغر عضو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة) ومن ثم محمد مرسي بينما كان وزيراً للدفاع، فهو يعلم تمام المعرفة أنه قد يستهدفه أيضًا انقلاب إذا لم تعد إدارته مناسبة للجيش".

وأكد الباحث أنه منذ ذلك الحين، ومنذ الانتخابات الرئاسية لعام 2018، كان التحدي أمام الرئيس هو "تعزيز سلطته، خاصة ضد الجيش. إنه يحتاج، مثل سابقيه، لنشر إستراتيجية لمكافحة الانقلاب. ففي الوقت الذي اعتمد فيه حسني مبارك بشكل خاص على وزارة الداخلية والحزب الوطني الديمقراطي لتحقيق التوازن مع قوة الجيش، فإن تفوق المؤسسة العسكرية مهم للغاية اليوم بالنسبة للسيسي حتى يتمكن من وضعه في منافسة مع الجهات الفاعلة الأخرى".

وأكد "لذلك تبنى إستراتيجية عدم السماح للقادة العسكريين بتوحيد سلطتهم داخل المؤسسة. منذ صيف عام 2017، تم استبدال معظم مسؤولي الأمن الأكثر إستراتيجية: وزراء الدفاع والداخلية، ورئيس أركان الجيش، ورئيس المخابرات العامة، رئيس الاستخبارات العسكرية".

يمكن بالتأكيد تفسير ذلك بإطالة أمد الحرب في سيناء ضد تنظيم الدولة وعجز الجيش المصري لوضع حد له، يقول لونج: "لكن تهميش المسؤولين العسكريين السابقين في صالح إستراتيجية السيسي لمكافحة الانقلاب، كما أن التعديلات الدستورية الجديدة المتعلقة بالقضاء هي جزء من إستراتيجية تهدف إلى منع ظهور معاقل المقاومة داخل القضاء، الذي كان يتمتع باستقلالية معينة، وقد ظهر هذا بالفعل في عهد مبارك وقدرته على معارضة النظام".

موازين هشة

وأشار الباحث إلى أنه تم إعداد مسودة التعديلات، التي قدمها عبد الهادي القصبي في أوائل فبراير/شباط 2019، لفترة طويلة تحت رعاية جهاز المخابرات العامة، الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى الرئيس، والتي ينظر إليه بشكل متزايد على أنه الأداة المفضلة للسيسي لإنشاء قوة مضادة محتملة ضد الجيش، حيث كان الرجل الرئيسي في هذا المشروع هو نجل الرئيس، العقيد محمود السيسي، الذي تم إعداد التعديلات تحت إشرافه.

وأكد أن التعديلات النهائية، حتى لو لم تتناقض بشكل جوهري مع المعنى المقصود من واضعي المشروع الأولي، فهي تعكس التوازن غير المستقر داخل النظام الاستبدادي وتؤكد حدود السلطة الرئاسية، وهو ليس نتيجة ضغط يمكن أن تمارسه المعارضة، حيث فعل النظام كل شيء لهزيمة معارضي التعديلات الدستورية.

فبالإضافة إلى الدعاية لصالح التعديلات، لم تتم دعوة أي معارض للمشاركة في النقاش الوطني الذي نظمه البرلمان، وتم حجب 34 ألف موقع إلكتروني من أجل عدم ترك الفرصة لمعارضي التعديلات للتعبير عن أنفسهم، كما أن الاستفتاء بدأ بعد 3 أيام من نشر النسخة النهائية، والتي لا تترك وقتًا لحملة معارضة محتملة، وهذا يعكس الموقف الذي لا يزال هشاً للرئيس الذي يتعين عليه التعامل مع مختلف هياكل النظام: البرلمان والجيش والقضاء.

وقال الباحث: إن "التركيز على دور الجيش لا يبدو إلا أنه يقوي المؤسسة العسكرية وهو تنازل جديد؛ لأنها ستتمتع بالتالي بمصدر شرعي في حال كان يجب عليها التدخل مرة أخرى لإقالة الرئيس الذي سيظل لفترة طويلة في السلطة.

ولفت إلى أن ما مرت به نصوص مسألة فترة ولاية السيسي توضح أن بقائه في الرئاسة لمدة 20 عامًا غير مضمونة، ليس بسبب وجود معارضة ليس لها رأي، ولكن لأنه يكافح لفرض نفسه داخل النظام نفسه.

وتابع: "من الواضح أن السيسي من الممكن أن يخطط لتعديلات دستورية جديدة، لما وراء عام 2030، وحينها سيكون عمره 76 عاما، وهو نفس سن وزير دفاع مبارك، المشير طنطاوي  في 2011، عندما اختار الإطاحة بسيده".

وفي النهاية أكد الباحث أن التعديلات الدستورية عززت السلطوية في مصر، لكن القوة الشخصية للسيسي لا تزال هشة.