شهادات جديدة.. هكذا تحولت الإمارات إلى مركز عالمي لغسيل الأموال

12

طباعة

مشاركة

كشفت مستندات داخلية من شركة مالية مقرها دبي كيف تحولت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مركز عالمي لغسيل الأموال، ومدى تكيّف ممارساتها مع قوانين التهرب الضريبي، من سويسرا إلى بورتوريكو مرورا بهذه الدولة الخليجية.

وقالت مجلة "لونوفيل أوبسيرفاتور" الفرنسية، إن الورثة ورجال الأعمال والأطباء، أو كبار المسؤولين عهدوا بثروتهم إلى "هيلان"، وهي شبكة دولية للتهرب الضريبي أنشأها الأمير البلجيكي هنري دي كروي.

وتمكنت وحدة التحقيق في المجلة، بالشراكة مع "فرانس3 " و "راديو فرنسا" والمجموعة الإعلامية السويسرية "تميديا"، من الوصول إلى الوثائق الداخلية لهذه الشركة ومقرها الإمارات العربية، حيث اعتمد التحقيق على التدقيق في عشرات الآلاف من المستندات: شركات البريد السريع والمذكرات والفاكسات وبيانات الحسابات والفواتير، خلال الفترة من عام 2002 إلى ربيع عام 2018، كما أن الأدلة مدعومة بشهادات العملاء الذين يؤكدون عمليات الشركة.

شركة "هيلان"

هذه الشركة تدعى "هيلان"، وتأتي في صدارة الكيانات التي تقود هذه الأنشطة المالية الخارجة عن القانون، ويتم إدارتها من قِبل أشخاص فرنسيين أظهروا براعة كبيرة لحماية هوية العملاء، الذين لم يقم الكثير منهم بتنظيم أوضاعهم مع إدارات الضرائب الفرنسية والبلجيكية أو الإيطالية.

ويوجد مقر هذه المجموعة في إمارة رأس الخيمة بالإمارات، وتدير ثروة "نحو مئتي عميل، منهم أباطرة المال ورجال أعمال ومدراء مقاولات كبرى ورياضيون، ورجال من النخبة الثرية الروسية القريبة من السلطة، بالإضافة إلى أرستقراطيين ورؤساء مقاولات فرنسية".

وأشارت المجلة إلى أن نظام "هيلان"  كان نشطا عام 2018 واستمر في ذلك على الرغم من قضية "كاهوزاك 2013" - وزير الميزانية الفرنسي السابق جيروم كاهوزاك – و"سويس ليكس 2015 " و "أوراق بنما 2016".

أمير بلجيكي

وأكدت أنه وراء "هيلان"، رجل مولود في فرنسا ونشأ في بلجيكا، يدعى هنري دي كروي مع شقيقه إيمانويل، وهؤلاء تخصصوا في إدارة الثروات وإدارة الشركات الخارجية. بلجيكا، سويسرا، الإمارات العربية المتحدة، بورتوريكو، موريشيوس، حيث تتنقل أموال العملاء في مواجهة الاضطرابات مثل قضايا المحاكم، أو قوانين مكافحة التهرب الضريبي، موضحة أن "الأخوة كروي تعاونا مع فرنسي، وهو المصرفي السابق ورجل الأعمال برنارد وزان".

وبحسب المجلة، فإنه من بين عملائها، يوجد أولئك الذين تلقوا حسابات بنكية عن آبائهم أو أجدادهم في الخارج ولم يتم الإعلان عنها للسلطات الضريبية، حيث تختلف هذه المبالغ ولكن يمكن أن تصل إلى 25 مليون دولار لشخص واحد.

وأوضحت أنه من بين هؤلاء أودري – اسم مستعار- عندما اكتشفت أنها وشقيقاها يرثان حسابا مصرفيا في الخارج، يكون الموضوع من المحرمات، "أنا اكتشفت ذلك، وكأنها أموال مسروقة. وهذا يعني أننا يجب ألا نتحدث عن ذلك. يجب أن تظل سرية تماما، وإلا فسوف أتعرض، مع أخي وأختي، وجميع أفراد الأسرة للخطر".

وتبين المجلة، أن وضع أودري  يشبه وضع العشرات من الورثة الآخرين الذين اكتشفوا وجود حسابات خارجية. لماذا لا تكون مقننة النظام؟ اتصل البعض بالسلطات الضريبية، وعند سؤال أودري عن كيفية مواجهتها هذا الموقف عندما كشفت وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم في عام 2016 عن الأسماء الكبيرة للمحتالين في أوراق بنما؟

أجابت: "تلقيت خطاب مطمئن للغاية من هنري دي كروي الذي أخبرني أنني محظوظة لأنني لم أحافظ على الحساب في سويسرا"، حيث كان هذا الخطاب مطمئن بما يكفي لعدم الظهور، لكن أودري لن تستفيد من Bercy حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2017 والتي تضمن التساهل النسبي للمحتالين الذين قرروا الكشف عن وضعهم.

من جهته، قال أندريه- الذي عينه والده لإدارة حساب مصرفي في سويسرا ورثه من جده-، إنه تلقى تعليمات من الأب لاستخدام المال فقط لرعاية والدته، التي تعاني من مرض خطير، حيث كانت التكلفة أكثر من أن يتم تغطيتها بواسطة المعاش.

ذهب أندريه وأودري، للقاء هنري دي كروي أو شقيقه إيمانويل، حيث أوضحوا وضعهم الضريبي لمحاوريهم، وكان الحل المقدم لهما في كلتا الحالتين هو فتح ائتمان في قبرص أو هونج كونج مع حساب مصرفي لإيداع الأموال السويسرية. وسيتم توفير هذا الدور من قبل إحدى الشركات في مجموعة "هيلان".

لفواتير الزائفة

من بين عملاء "هيلان"، تظهر ملفات أخرى، منهم رجال الأعمال الذين قرروا  منذ نهاية عام 1990 حتى عام 2010 إعداد نظام فواتير للخدمات مبالغ فيها أو حتى وهمية وإرسال الأموال إلى الحسابات المصرفية الخارجية.

وذكرت المجلة، أن "هيلان" جعلت هذه الترتيبات ممكنة من خلال توفير شركات في لندن وهونغ كونغ، ويمكن أن تصل الفواتير الزائفة إلى مئات الآلاف من اليورو سنويا. ويمكن إصدار فواتير للشركات في العديد من المجالات: صناعة الأدوية، والاتصالات، والعقارات، والتجارة في منتجات النظافة، وفقا للمجلة.

وبحسب "لونوفيل أبوسيرفاتور"، فإنه في كل مرة، يكون النمط هو نفسه، حيث يتم إبرام عقد بين الشركة الفرنسية وواحدة من شركات مجموعة "هيلان" بمجرد دفع الفواتير يتم نقل الأموال عبر شركة أخرى قبل وضعها في الحساب المصرفي غير المعلن لمدير الشركة.

وتأخذ "هيلان" عمولة حوالي 7 بالمئة على جميع المعاملات، و 3 بالمئة يعود إلى وسطاء الصفقات. شخص رئيسي في نظام التهرب الضريبي.

وسطاء الصفقات

وأشار تحقيق المجلة، إلى أن وسطاء الصفقات محاسبون قانونيون أو مصرفيون أو محامون، وهم يلعبون دور المراقب نيابة عن مجموعة "هيلان"، وفقا لأحدهم ، ويدعى مارتن، الذي وافق على الإدلاء بشهادته، بدأ هنري دي كروي وشقيقه إيمانويل في أوائل عام 2000 في "حملة بحث" واسعة في فرنسا. وكانت تهدف في المقام الأول إلى المأثرين الذين سيتوسطون بين العملاء والاتصال مع "هيلان".

ولفتت إلى أحد رجال الأعمال الفرنسيين الرئيسيين في مجموعة "هيلان" هو محام باريسي يدعى باتريك موشكوفيتش، ظهر اسمه في عام 2002 في وثائق "هيلان" الداخلية، وأنه الوحيد الذي تمكن من التفاوض على عمولة تصل لـ 50 بالمئة من الهامش الذي حققته المجموعة في العمليات التي يقوم بها "زبائنه".

ووفقا للمجلة، فمنذ عام 2002، سمح لنحو 15 عميلا فرنسيا بالاستفادة من خدمات "هيلان" من بينها إنشاء شركات تدار من الإمارات، حيث تشير الوثائق الداخلية لـ"هيلان"، إلى أن "باتريك موشكوفيتش كان نفسه عميلا للمجموعة وكان المستفيد الاقتصادي لشركة خارجية في رأس الخيمة تسمى سوليرجي المحدودة. شركة ما زالت نشطة  منذ عام 2018، ولديها حسابات مصرفية في جزر البهاما والإمارات وبورتوريكو.

بطاقات مجهولة المصدر 

وتطرقت المجلة إلى أنه من الحيل التي لجأ إليها مبيضو الأموال داخل "هيلان" إصدار "بطاقات سواء" مدفوعة مسبقا دون أن تتوفر على اسم مالكها بحيث يتم الاكتفاء بألقاب تحيل إلى المالك المتخفي، إضافة إلى القروض المزيفة.

وهذه الخدمات التي تقدمها "هيلان" إلى عملائها  بما في ذلك الفرنسيون، تساهم في "توفير" النقود، وهذا هو الجزء الأخير من هذا المخطط الكبير للتهرب الضريبي، وذلك عبر بطاقات يمكنها، كما يتضح من العديد من المذكرات، سحب ما يصل إلى 250 ألف يورو سنويا، بما في ذلك البطاقات المدفوعة مسبقا، التي لا يتم دعمها بواسطة أي حساب مصرفي، ويكون من الصعب تتبعها.

ومنذ أن كشفت المجلة في تحقيق استقصائي بعنوان "أوراق دبي" عن التهرب الضريبي وغسل الأموال انطلاقاً من إمارة رأس الخيمة، تسارعت التحقيقات في سويسرا ودبي وموريشيوس، حيث سمحت هذه التحقيقات بفهم مدى انتشار أنشطة مجموعة هيلان.

وكانت صحيفة "الجارديان" البريطانية، قد ذكرت في يونيو/حزيران 2018، أن دبي تخطت جزيرة كوستا ديل كرايم الإسبانية، المعروفة بأنها أسوأ مكان في العالم من حيث غسل الأموال، مشيرة إلى أن بريطانيين كلفوا الخزينة البريطانية خسارة مليارات الجنيهات الإسترلينية.

وأشارت إلى أن محققين بريطانيين يدرسون معلومات مسربة للعقارات في دبي، تبين أن بريطانيين استخدموا دبي لإخفاء 16.5 مليار جنيه إسترليني كضرائب للمملكة المتحدة، ما بين عامي 2005 و2016.

وبيّن رود ستون، مساعد مدير وحدة التنسيق الوطنية للإيرادات والجمارك الخاصة بالجريمة المنظمة، أن المحتالين كانوا يودعون البضائع في دبي عام 2005 لشل قدرة سلطات الضرائب على معرفة تحركاتها.