"مبادرة العار".. كيف دعت الإمارات السودان للتنازل عن أراضيه؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

موجة غضب شعبية في السودان، عقب الإعلان عن مبادرة إماراتية بشأن مناطق "الفشقة" الحدودية المتنازع عليها مع إثيوبيا منذ سنوات طويلة.

ووصف الغاضبون المبادرة بـ"العار والصادمة"، كونها تطالب باقتسام الأرض واقتطاع أجزاء منها للإثيوبيين.

والنزاع في مناطق "الفشقة" قديم، لكنه ظل بين مزارعين إثيوبيين وسودانيين، إذ يهاجم مسلحون إثيوبيون مزارعين سودانيين، بغرض السلب والنهب، وكثيرا ما سقط قتلى وجرحى.

لكن في 30 مارس/آذار 2020، أعاد الجيش السوداني انتشاره، بعد غياب استمر لنحو 25 عاما، في منطقة "الفشقة الصغرى" الحدودية، المتنازع عليها.

وأمام هذه الاشتباكات المستمرة، دخلت الإمارات على الخط كوسيط لحل الأزمة، وهو ما تسبب بردود فعل غاضبة في الشارع السوداني على المستوى الشعبي والإعلامي.

مبادرة صادمة 

انشغل الرأي العام السوداني بالحديث عن مبادرة الإمارات لـ"تقسيم" أراضي الفشقة المحررة، خلال الفترة الماضية، بعد الكشف في 23 مايو/أيار 2021، عن تفاصيل مبادرة أبوظبي "الصادمة".

وتنص المبادرة، على انسحاب الجيش السوداني إلى وضع ما قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وتقسيم الفشقة بنسبة 40 بالمئة للسودان و40 بالمئة للإمارات (تحت مظلة شركات)، و20 بالمئة للمزارعين الإثيوبيين، تحت إدارة مشروع استثماري تقيمه أبو ظبي في المنطقة الحدودية. 

المبادرة رفضت شكلا وموضوعا من الشعب السوداني، وشخصيات سياسية وحكومية بارزة، وقال عضو مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار: إن "الإمارات التي تقع خلف البحار تريد توزيع وتقسيم أرض السودان مناصفة مع إثيوبيا".

وخلال ندوة بالعاصمة الخرطوم في 9 أبريل/نيسان 2021 (قبل الإعلان عن تفاصيل المبادرة)، وجه عقار انتقادات حادة للمبادرة الإماراتية حيث وصفها بـ"السخيفة".

فيما أصدر حزب الأمة القومي، بيانا بعد ذلك حول المبادرة الإماراتية شدد فيه "أن الشعب السوداني بموارده البشرية قادر على استثمار كامل أراضيه بنفسه، دون التنازل عن أي شبر منها". 

كما أصدر "تجمع الأجسام المطلبية واللجان الأهلية الخاصة بأراضي الفشقة"، بيانا أبدى فيه تحفظه الكامل على المبادرة الإماراتية.

ودعا التجمع، إلى ضرورة تمسك السودان بحقه القانوني في المساحات التي استعادها، مؤكدا أن "مسألة التفاهمات والاتفاقيات حول الاستفادة من الأرض أو كيفية زراعتها شأن سوداني خالص لا مجال للمساومة فيه".

وأمام هذا الرفض الجارف، وفي 15 أبريل/نيسان 2021، أعلن وزير الدفاع ياسين إبراهيم، موقف الخرطوم من المبادرة الإماراتية لأول مرة (كانت مجهولة التفاصيل آنذاك)، وتمسك بالحق القانوني للسودان في أراضي الفشقة،

وأكد ياسين أن السودان رهن موقفه من المبادرة بوضع العلامات الحدودية وفقا لاتفاقية عام 1902، كأساس لأي تعاون أو تفاهمات لاحقة. 

فيما أعلن الأمين العام لحزب الأمة، الواثق البرير، في 10 مايو/أيار 2021 أنه "لن يكون هناك احتلال جديد لأراضي الفشقة تحت أي اسم (المبادرة، الاستثمار، التعاون)".

وأضاف عبر صفحته على "فيسبوك": "شعب السودان قادر على زراعة أرضه بأيديهم، ومن المستخلصات الجيدة من التاريخ أن الازدهار كان دائما نتاجا وطنيا".

حرب الفشقة

بعد أكثر من عقدين على سيطرة "المليشيات" الإثيوبية على الفشقة، وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، دخلت القوات السودانية إلى آخر نقطة على الحدود مع إثيوبيا وهي منطقة خورشيد، معلنة الانتصار، وتحرير أراض السودان.

وبالتزامن أرسل الجيش السوداني تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الحدود الإثيوبية، مع إحكام السيطرة الكاملة على منطقة الفشقة المحتلة، من أجل الحفاظ عليها من هجمات المليشيات الإثيوبية المدعومة من حكومة أديس أبابا، وفق الخرطوم.

ووفقا لوكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) فإن"القوات المسلحة السودانية واصلت تقدمها في الخطوط الأمامية داخل منطقة الفشقة". 

وفي 8 أبريل/نيسان 2020، قام رئيس المجلس السيادي السوداني، عبد الفتاح البرهان، بصحبة ضباط هيئة العمليات ومدير الاستخبارات العسكرية بزيارة الفشقة.

جاء ذلك وسط تصاعد التوترات في المنطقة، بعد احتشاد القوات العسكرية الإثيوبية بمحاذاة الفشقة.

وكان الجيش الإثيوبي قد توغل في منطقة "شرق سندس" بالفشقة بمساحة تقدر بـ55 ألف فدان، وهي عبارة عن مشروعات زراعية تخص مزارعين سودانيين بالقضارف، وهو ما أثار غضب الدولة السودانية وحفزها للتقدم في حسم ذلك الملف. 

ثم شهدت ولاية القضارف في 28 مايو/أيار 2020، توترات جديدة بعد تسلسل مليشيات إثيوبية للحدود، واعتدائها على المشاريع الزراعية بمنطقة "بركة نوريت" و"قرية الفرسان"، و"منطقة الفشقة"، كما اشتبكت مع قوة عسكرية سودانية في معسكر "بركة نورين"، ما أدى إلى مقتل نقيب في الجيش السوداني وطفلة، إلى جانب إصابة عسكريين ومدنيين.

وفي 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، استرد الجيش السوداني، لأول مرة منذ زمن بعيد، مساحات زراعية في منطقة الفشقة التابعة لمحلية الفريشة على الشريط الحدودي المحاذي لإثيوبيا، وأسست ارتكازا عسكريا ثابتا هناك لحماية المواطنين السودانيين، من هجمات العصابات الإثيوبية المدعومة حكوميا.

تطور الموقف السوداني، دعا إثيوبيا إلى مطالبة جارها السودان، بـ"إنهاء تحركاته العسكرية بشكل عاجل في المناطق الحدودية المتنازع عليها".

قصة الفشقة

تعود قصة منطقة "الفشقة" السودانية، المتنازع عليها، إلى تاريخ اتفاقية ترسيم الحدود التي جرت بين بريطانيا وإثيوبيا في مايو/أيار 1902، وهو الاتفاق الذي غابت عنه السودان آنذاك، باعتبارها أرضا محتلة تخضع لبريطانيا التي مثلتها في الاتفاقية، وخلفت ثغرات في بعض النقاط.

وتسبب هذا الأمر في وقوع حوادث كبرى مستمرة حتى يومنا هذا، بين السودانيين والمزارعين الإثيوبيين، الذين يأتون للعمل في أراضي السودان التي تقع ضمن حدوده. 

وتعتبر منطقة "الفشقة الصغرى" التي تشهد اندلاع نزاع شرس يلوح في الأفق بين الخرطوم وأديس أبابا، إحدى المحليات الخمس المكونة لولاية القضارف شرق السودان، وتحتل إثيوبيا عبر "مليشيات" تابعة لها نحو مليون فدان من هذه الولاية.

و"الفشقة" عبارة عن مثلث حدودي، تقع قاعدته على الحدود الدولية بين السودان وإثيوبيا المتاخمة لإقليم الأمهرا الإثيوبي، أما رأس المثلث في نقطة التقاء نهري العطبراوي والباسلام عند قرية سودانية تسمى (حلة حكومة)، حيث يجري العطبراوي من الجنوب إلى الشمال، والباسلام من الغرب إلى الشرق.

ويقع في جنوب الفشقة "جبل حلاوة" وهو جبل طولي، على النقطة الحدودية بين البلدين وفقا لترسيم 1902، حيث يقع منتصف الجبل في السودان (جهة الغرب)، ونصف في إثيوبيا (جهة الشرق)، وهو مثل واحدة من النقاط الثلاث التي أثارت الخلاف عام  2006، بين الحكومتين، وأوقفت عمل لجنة إعادة ترسيم الحدود.

وتستمر المناوشات بين الحين والآخر بين العصابات الإثيوبية، تحديدا "الشفتا" والمليشيات القبلية المسلحة، وبين السودانيين، وكثيرا ما تم طرد وقتل المزارعين السودانيين وعمالهم والاستيلاء على آلياتهم ومعداتهم الزراعية، من قبل تلك العصابات.