​​​​​​​مجرد أرقام.. لهذا انقلب السيسي على "تروسه" في شركة دراما المخابرات

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يمر سوى أسابيع على احتفال مسؤولي شركة المخابرات المصرية "سينرجي"، المسؤولة عن احتكار وتأميم الإنتاج الفني، بنجاحهم في تسويق مسلسلات "وطنية" تمجد شرطة وجيش واستخبارات النظام، حتى ترددت أنباء عن الإطاحة بهم في هدوء.

ورغم نفي "الشركة المتحدة" في بيان 24 مايو/أيار 2021، "شائعات" التغيير، وأنها ستعرض في مؤتمر صحفي "إنجازاتها" و"خططها المستقبلية"، حدث الانقلاب المنشود.

وأقر مؤتمر الشركة، الذي عقد 29 مايو/أيار 2021، التغييرات في قيادات الشركة، وتمت الإطاحة برئيسها تامر مرسي، وتعينه عضوا بمجلس الإدارة وإقالة باقي فريقه.

انقلاب صامت

أعيد تشكيل مجلس إدارة "الشركة المتحدة" ليصبح رجل الأعمال حسن عبد الله رئيسا، وضم أعضاء مجلس الإدارة، محمد السعدي رجل الإعلانات والدعاية، وأشرف سالمان، ومحمد سمير، وعمرو الفقي، إضافة لتامر مرسي.

سبق هذا كتابة "مرسي" عدة تغريدات غامضة، حيث انتقى من مسلسل "الاختيار 2" عبارة "ولا يوجع قلبي زيك يا صاحبي وعشرة عمري"، ومن "القاهرة كابول": "العشرة متهونش غير على ابن الحرام فعلا!".

قريبون من شركات إنتاج فني على علاقة بـ"سينرجي" أو منافسين لها أكدوا في أحاديث منفصلة لـ"الاستقلال"، أن "الانقلاب الصامت" داخل شركة المخابرات يرجع لـ"خسائرها وفساد" من أداروها.

وأرجعوا الفساد إلى "احتكار سينرجي إنتاج الدراما والأفلام وإبعادها الشركات الأخرى، ما نتج عنه تصرف في مليارات الجنيهات ومن ثم إهدار مال عام".

ونبهوا إلى أن "مرسي"، مثل سابقه، أحمد أبو هشيمة، ليسوا سوى أدوات داخل منظومة، وأن هذا "النظام" يغير رجالاته باستمرار، ويعمل وفق نظرية التخلص من الجميع، وأولهم المقربون منه لعدم خلق مراكز قوى "ترهق" النظام. 

واعتبروا الاستعانة بمصرفيين، أبرزهم رئيس البنك العربي الإفريقي السابق، حسن عبد الله، اعتراف من العسكريين بفشلهم في إدارة الإعلام.

وظهر هذا في العرض الذي قدمته الشركة وهي تتحدث عن "الإنجازات"، حين تبين أنها حققت خسائر في موسم رمضان 2017 بلغت 470 مليون جنيه (دولار يعادل 15.6 جنيها)، فيما شهد موسم 2021 تحقيق أرباح وصلت إلى 260 مليون جنيه.

وأظهرت الأرقام المعلنة تحقيق شركة المخابرات خسائر خلال أعوام 2017 و2018 و2019 و2020، ولم تحقق مكاسب سوى رمضان 2021.

ماذا جرى؟

حين تمت الإطاحة برجل الأعمال أبو هشيمة من رئاسة شركة "إعلام المصريين" في ديسمبر/كانون أول 2019، بدعوى شراء كيان المخابرات الجديد "إيغل كابيتال" لشركته، قالت مصادر إن سبب التخلص منه هو "إهدار المال العام".

أبو هشيمة كان في حقيقة الأمر مديرا ماليا لتحالف مكون من المخابرات العامة والجيش وشخصيات نافذة في نظام عبد الفتاح السيسي، هو شركة "إعلام المصريين" للشراء والاستحواذ على صحف وفضائيات.

ووجهت اتهامات لأبو هشيمة بصرف مئات الملايين بصورة تثير الشبهات لاستقدام نجوم رياضة وفن أجانب، وإنتاج برامج مكلفة خاصة بهم، وتحقيق مسلسلات أنتجها خسائر ضخمة.

وكانت شركة المخابرات الأخرى التي تولت السيطرة على الإنتاج الفني والسينمائي (المجموعة المتحدة) أو "سينرجي"، ويديرها تامر مرسي، يثار حولها نفس اتهامات إهدار الملايين رغم إنتاجها "كما ضخما من دراما تلميع السلطة".

لهذا اعتبر متابعون أن التحقيق مع مرسي وفريق عمله، وتعيين مصرفي هو حسن عبد الله؛ محاولة لـ"ضبط الخسائر ووقف النزيف المادي" لأموال المخابرات.

و‏لم يشفع للفريق الذي جرى التخلص منه، تقديمه موسما رمضاني مليئا بالدعاية الدرامية والتسويق السياسي للنظام، لأنهم مجرد "أرقام" في عجلة نظام حريص على تغيير "تروسه" كل فترة قصيرة كي لا تصدأ أو تتمترس وتفسد حسبما جرى في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك.

المعد التلفزيوني ورئيس قسم الفن في صحيفة "المصري اليوم" الخاصة، محمد فتحي كان أول من نشر قصة إقالة مرسي وحبس المدير المالي للشركة، ولم يحذف ما كتبه رغم تهديد الشركة في بيان بـ "اتخاذ الإجراءات القانونية ضد مروجي الشائعات".

ونقل "فتحي" عن "مصادر" من داخل "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" أنه "تم تشكيل لجنة من جهات سيادية لفحص كل ملفات المجموعة التي يرأسها مرسي؛ لوجود "شبهة إهدار مال عام" في الأعمال الدرامية.

و‏أكد أنه "جرى التحقيق مع المشرف العام على الإنتاج، حسام شوقي، والمدير المالي أحمد وجيه في النيابة العامة بتهمة إهدار 800 مليون جنيه".

كما ‏تم فتح ملف وقف العمل بمسلسل خالد بن الوليد، بعد الخلافات بين بطل العمل والمخرج، الذي يمت بصلة قرابة لمرسي وله شركة خاصة تم تكليفها بإنتاج المسلسل.

‏وأيضا ملف مسلسل "الملك أحمس" الذي تم إهدار 55 مليون جنيه مصري فيه، ثم أعلنت الشركة وقف تصويره، ومسلسل "نسل الأغراب" الذي تخطت ميزانيته 100 مليون جنيه، ما "يمثل إهدارا للمال العام".

زاد من انخفاض أسهم "مرسي" لدى المخابرات واقعة إيقافه المخرج محمد سامي، بعد الفشل الكبير لمسلسل "نسل الأغراب" الذي كتبه وأخرجه الأخير.

غضب جهاز المخابرات جاء بسبب ميزانية المسلسل الفاشل التي وصلت 95 مليون جنيه، نال منها سامي 16 مليونا كمؤلف ومخرج، ومن محتوى المسلسل الذي أوحى بغياب الدولة والشرطة عن "أحداث العنف" في مصر.

احتفاء مواقع التواصل بالإطاحة بمرسي وفريق عمله، وربطها بفساد المخابرات ومنظومة الحكم ككل، جاء بنتائج سلبية، دفعت السلطة لفرملة الانقلاب الصامت في الشركة وتغيير القيادات.

سر الإبعاد

المخرج والبرلماني السابق خالد يوسف أكد في تدوينة عبر صفحته على "فيسبوك" نبأ رحيل تامر مرسي عن رئاسة الشركة، قبل الإعلان عن ذلك رسميا، مؤكدا أن ما تردد "ليس إشاعة"، وأنه سيجري تعيين آخرين.

"يوسف" تحدث عن "سيستم" واضح يتبعه النظام ملخصه عدم بقاء أي مسؤول في منصب قيادي لأكثر من 3 أو 4 سنوات، قائلا: "كلوا لا يملك من أمره شيئا"، ومن يثبت عليه فساد "يحول للنيابة أو يطلب منه إرجاع ما سرقه ويتنحى بهدوء".

ما أشار إليه يوسف الذي كان داخل المطبخ السياسي لنظام السيسي قبل استبعاده والغضب عليه وتجريسه بفيديوهات جنسية، من استبعاد عشرات غير "مرسي"، ثبت صحته في قرارات متتالية للسيسي.

اتبع السيسي سياسة التخلص من كل من أوصله للسلطة ودعمه (عبر انقلاب عام 2013)، بمن فيهم جنرالات المجلس العسكري وقيادات وزارة الداخلية والمخابرات وسياسيون، لـ"عدم تمكين أي منهم من تشكيل مراكز قوى ترهق نظامه لاحقا كما حدث في عهد مبارك".

إنزال تامر مرسي عن عرشه في الإعلام والدراما ربما لا يكون له علاقة بالأشخاص وإنما "تغيير تروس عجلة الإنتاج"، ويشجع على ذلك اكتشاف حالات فساد في "أموال المخابرات" لا تتسامح معه، بحسب متابعين للشأن الفني في مصر.

"القصة هي المنظومة التي أنشئت وتم تكريسها السنوات الماضية لتطويع الدراما من أجل خدمة السلطة ما دمر قوة مصر الناعمة (الفن)، ويجري تغيير وجوهها لخدمة النظام لا قوة مصر الناعمة"، كما تؤكد مصادر فنية وسياسية لـ"الاستقلال".

مفارقات صادمة

المفارقة في تعيين المخابرات للمصرفي حسن عبد الله على رأس شركتها بغرض ضبط الخسائر المالية، أن "حسن" نفسه أقيل من منصبه في البنك المركزي سبتمبر/ أيلول 2018 لاتهامه بالفساد وإهدار 9.2 مليارات جنيه!.

وفي مايو/أيار 2019 اشتعل الصراع بين محافظ البنك المركزي، طارق عامر، والعضو المنتدب للبنك العربي الإفريقي الدولي السابق، عبد الله، بعد اتهام البنك المركزي له بإهدار مليارات الجنيهات وارتكاب "مخالفات جسيمة".

وتمثلت الاتهامات في منح كبار العملاء تسهيلات ائتمانية بلغت 9.2 مليارات جنيه، واستخدام جزء منها في سداد تسهيلات وقروض ممنوحة لهم من البنك نفسه بقيمة 2.8 مليار جنيه، وبنوك أخرى بقيمة 191 مليون جنيه.

محافظ البنك المركزي خاض معركة كبيرة حينئذ نجح في إنهائها لصالحه والحصول على موافقة المسؤولين بالكويت على إبعاد "عبد الله" من منصبه الذي ظل فيه 16 عاما، ليفاجأ الجميع بتعيين الأخير على رئاسة شركة المخابرات المتحدة للخدمات الإعلامية بدعوى أنه كان هناك فساد مالي "بينما هو نفسه متهم بالفساد!".

وكان ملفتا في التغيير الأخير لمجلس إدارة شركة المخابرات، تعيين محمد السعدي رجل الدعاية والإعلان الأول في مصر عضوا في مجلس الإدارة.

أحد الأسباب التي قيلت حول إبعاد "مرسي" من رئاسة الشركة هو ظهور هذا المنافس له الذي ترضى عنه المخابرات.

كيان "السعدي- إيهاب جوهر"، نجح في تنظيم حفل نقل المومياوات الملكية، وهناك صراع علني بينه وبين "مرسي" وكان هناك حديث على مواقع التواصل عن أن الإطاحة بالأخير لصالح النجم الجديد "مسألة وقت"، لتحدث بالفعل.

تحالف رجلي الدعاية "السعدي-جوهر" ليس جديدا، فهو من كان يتولى الدعاية للحزب الوطني الحاكم سابقا، كما تولى تنظيم الدعاية لانتخاب السيسي للرئاسة ومؤتمرات الشباب وبرنامج "حديث الرئيس" وغيرها.

مصادر قريبة من فريق "مرسي" وشركته، والثنائي السعدي وجوهر، ممثلين عن شركة "ميديا هب"، أكدت أنباء هذه المنافسة لموقع "مدى مصر" 24 مايو/ أيار 2021.

بينما حظي تحالف "السعدي-جوهر" على رضا السلطة والمخابرات، فيما كان "مرسي" يتعرض للوم بسبب البذخ في إنتاج مسلسلات فاشلة، وإنفاق ملايين على مسلسلات لم تبث في رمضان؛ بسبب سوء إنتاجها مثل "الملك أحمس".

وبعدما استحوذ السعدي مع شريكه جوهر عبر "ميديا هب" على سوق الإعلانات بالكامل، أنتجا أول أعمالهما الدرامية "لعبة نيوتن" الذي حقق نجاحا وهدد "مرسي".

أحد أبرز قرارات مؤتمر شركة المخابرات (المتحدة للإعلام) كان ضم كيانات أخرى أبرزها شركة الدعاية التابعة للسعدي وجوهر.

ومن المفارقات الأخرى أن قائمة المؤسسات التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تم إعلانها عبر الصحف، تضمنت 44 شركة وقناة وراديو، بينها محطة تلفزيون "مصر قرآن كريم".

وأصبح عدد شركات الإنتاج والتوزيع السينمائي والدراما التابعة لشركة المخابرات 3، "سينرجي"، و"سينرجي فيلم"، و"ميديا هب".

وشركات الإعلانات والعلاقات العامة 3 أيضا هي: "سينرجي advertising" و"POD" و"ميديا هب".

أما المؤسسات الصحفية والمواقع الإخبارية 10، اليوم السابع، الوطن، الدستور، الأسبوع، مبتدأ، وأموال الغد، ودوت مصر، egypt today، business today،  وvideo7 (التابعة لليوم السابع)، بالإضافة إلى 14 قناة تليفزيونية، و6 محطات راديو.