قنصلية في حلب.. هذه أسباب هيمنة إيران على عاصمة سوريا الاقتصادية

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تواصل إيران ترسيخ وجودها في سوريا غير آبهة بتخلخل دورها العسكري على رقعة الشطرنج، نتيجة للضربات الإسرائيلية على مصانعها السرية ومواقع تمركز ميليشياتها في عدد من المحافظات السورية.

وفي تطور لافت يدل على دعم نظام بشار الأسد لإستراتيجية طهران طويلة الأمد التي تنتهجها منذ تدخلها إلى جانبه في قمع ثورة الشعب السوري في مارس/آذار 2011، افتتحت إيران قنصليتها العامة بمدينة حلب في 22 مايو/أيار 2021، برعاية وزيري خارجية إيران محمد جواد ظريف والنظام السوري فيصل المقداد عبر تقنية  "الفيديو كونفرانس".

وحضر مراسم افتتاح القنصلية السفير الإيراني في دمشق مهدي سبحاني، الذي جرى تعيينه في 11 مايو/أيار 2021، بناء على اقتراح ظريف خلفا للسفير السابق جواد ترك آبادي، وفق ما أكدته وكالة "فارس" الإيرانية.

ومهدت زيارة ظريف الأخيرة لسوريا افتتاح بلاده للقنصلية في محافظة حلب، الذي أعلن للصحفيين موافقة الأسد على افتتاحها خلال لقائه به بالعاصمة دمشق في 12 مايو/أيار 2021، وفق "فارس".

وتنبع أهمية محافظة حلب من كونها عاصمة الاقتصاد والصناعة السورية، إضافة إلى موقعها الإستراتيجي عند تقاطع الطرق التجارية الدولية بسوريا، أي بين بادية الشام وضفاف نهر الفرات والبحر المتوسط وجبال الأناضول.

وحتى عام 2017، قدر وزير الصناعة السابق في حكومة النظام أحمد الحمو، حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع العام الصناعي في حلب، بنحو 675 مليار ليرة سورية (1.3 مليار دولار) حينما كان الدولار الواحد يساوي 517 ليرة سورية.

غرفة عمليات

الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني، حدد لـ"الاستقلال"، جملة من أسباب هامة تقف وراء إعلان إيران افتتاح قنصلية في حلب التي تقع في المرتبة الثانية من ناحية الأهمية في سوريا بعد العاصمة.

أولا، اكتساب الشرعية السياسية لتحركاتها في المدينة، بحيث تشكل القنصلية غرفة عمليات لرسم وتنفيذ خطط إيران التي تستهدف المدينة على غرار سفارتها والمستشارية الثقافية التابعة لها بدمشق.

ثانيا، افتتاح القنصلية يأتي ضمن التنافس الروسي الإيراني الواضح في عموم سوريا، وخاصة أن طهران لا تريد ترك حلب لموسكو التي منعتها من التمادي عسكريا في المدينة، وفق حوراني.

ثالثا، بحسب الباحث، فإن القنصلية ستكلف بتنفيذ سياسات إيران الناعمة ونشر التشيع وتنظيم الزيارات لأماكن تزعم أنها تعود لآل البيت، على غرار تنظيم الزيارات للسيدة زينب وقبر الإمام الحسين في دمشق.

رابعا، يرى حوراني أن "القنصلية الإيرانية تهدف لتنفيذ مهمات تتعلق بالتجسس وزرع العملاء في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شمال سوريا، وإرباكها بالاغتيالات على غرار ما تقوم به طهران في محافظة درعا بالتعاون مع أجهزة النظام الأمنية".

وبدا واضحا "عين إيران المسمرة" نحو حلب، خاصة مع زج فصائل شيعية قادمة من العراق وأفغانستان وباكستان في معركة السيطرة على حلب عام 2016 وتهجير أهلها عقب ذلك.

وتنقسم حلب من حيث السيطرة إلى ميليشيات شيعية أجنبية ومحلية تابعة لإيران، وأخرى تتبع لوجستيا وعسكريا لروسيا، خاصة في الأحياء الشرقية التي هجر منها مئات آلاف السكان نحو مناطق المعارضة نهاية عام 2016، بعد حملة عسكرية شرسة لقوات الأسد بدعم روسي إيراني.

لكن إيران تمكنت من السيطرة على مواقع إستراتيجية كبيرة في المحافظة، وعلى رأسها مطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري، فيما جعلت من منطقة "مخيم النيرب" نقطة لتجمع مليشياتها السورية المحلية. 

وهذا ما أكده المحلل العسكري والإستراتيجي، أحمد حمادة، لـ"الاستقلال"، بقوله إن "إيران تمكنت من زرع مليشياتها في الريف الجنوبي لحلب وحول مطار المدينة وشكلت مليشيات محلية تابعة لها، أبرزها لواء الباقر ونبل والزهراء".

وأشار إلى أن إيران "بنت حسينيات في حلب وسيطرت على جامع سمته (النقطة) في حي الأنصاري"، مبينا أن تلك الخطوات تندرج "ضمن عمليات التغيير الديموغرافي الحاصلة في حلب والرقة ودير الزور".

ولفت حمادة إلى أن خطوة افتتاح القنصلية الإيرانية يصب بشكل رئيس في "خدمة المواطنين التابعين لها، وكذلك لتنظيم وتسهيل الرحلات السياحية والثقافية إلى إيران من المتشيعين".

وكذلك "لخدمة مليشياتها كفاطميون وزينبيون وعصائب أهل الحق وغيرها ممن تسعى لتشكيلهم محليا في المستقبل، عبر استغلال الحالة الاقتصادية السيئة والحالة الأمنية"، وفق حمادة.

من جانبه، أوضح عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، زكريا ملاحفجي، لـ"الاستقلال" أن أهمية حلب تكمن في كونها "تشكل ثلثي اقتصاد سوريا، لذلك تركز إيران على ترسيخ وجودها أكثر في حلب ليس فقط عبر القوة الصلبة (العسكرية) والناعمة (الإغاثية) بل حتى وجودها الدبلوماسي".

وألمح ملاحفجي إلى "تعاظم دور ونشاط المليشيات التابعة لإيران في حلب بات واضحا من خلال القيام ببعثات من حلب إلى إيران شملت ذوي الولاءات من القادة المحليين وعمل أنشطة إغاثية ومدنية فيها".

وأكد أن "وجود قنصلية إيرانية في حلب يعني وجود ملاحق ثقافية ومتابعات ونقطة ارتكاز قانونية فيها والتي تصب في النهاية في أطماع توسيع النفوذ في سوريا".

مركز وصل

وتنظر إيران إلى حلب على أنها مركز وصل تصلها بمدينة اللاذقية الساحلية على البحر المتوسط التي بدأت طهران بتثبيت قدمها هناك كنقطة اقتصادية متقدمة.

لا سيما في حال اكتمال مد سكة حديد من منفذ شلمجه الحدودي إلى مدينة البصرة في العراق وصولا إلى ميناء اللاذقية - أهم مرفأ تجاري في سوريا، والتي تؤكد المعلومات الصحفية نقل النظام إدارته لطهران.

وتعول إيران على نافذة الصين إلى أوروبا التي ستكون عبر سوريا، من خلال سكة الحديد آنفة الذكر، خاصة أن النظام السوري يأمل بأن تصبح البلاد مركزا (ترانزيت) تدر عليه عائدات كبيرة بالعملات الأجنبية.

ومما دل على مركزية حلب في المخطط الإيراني، هو سرعة طهران عقب السيطرة عليها في عمليات التبشير الثقافي الشيعي وبناء الحسينيات وتحويل عدد من المساجد لعقد الندوات الدينية والاهتمام بالأطفال وعمليات تجنيد الشباب في صفوف الميليشيات المحلية، وفق متابعين لـ"الاستقلال".

كما أولت إيران أهمية بالغة في شراء عقارات ذات رمزية تاريخية في المدينة، خاصة في أطراف قلعة حلب الشهيرة والجامع الكبير والأسواق القديمة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تعاقد النظام السوري مع إحدى الشركات الإيرانية لتأهيل محطة كهرباء حلب، حيث بلغت الجدولة المالية التي أدرجت في العقد مع الشركة (93 مليون دولار)، حسب صحيفة "الوطن" الموالية.

وتتراوح نفقات إيران في سوريا "ما يقرب من 100 مليار دولار من ثروات الشعب الإيراني"، حسب تقديرات سابقة قدمها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لـ"الاستقلال".  

وشقت إيران الطريق الاقتصادي قبل الإعلان عن افتتاح القنصلية في حلب، وتمثل ذلك عبر زيادة نفوذ رجال أعمالها الذي نجحوا في عقد اتفاقيات تجارية عدة مع فعاليات اقتصادية في حلب منذ مطلع 2021.

وقدم رئيس الغرفة الإيرانية السورية المشتركة، كیوان كاشفي، خلال زيارته رفقة وفد إيراني لحلب في فبراير/شباط 2021 جوانب تطوير العلاقات الاقتصادیة، وذلك من خلال إقامة المعارض لمنتجات البلدين للتعريف بها وبنوعيتها، وكذلك قيام الشركات الإیرانیة الكبيرة بدعم الشركات والمصانع السوریة المدمرة لإعادة الإعمار عن طريق الشراكة.

إضافة إلى تزويد إيران لرجال الأعمال السوريين بالمواد الأولية التي تحتاجها السوق السوریة، لإعادة الإعمار وإنشاء طريق بري لعمليات النقل والشحن بالتعاون مع العراق، وفق كاشفي نقل حديثه "تلفزيون سوريا" في 12 فبراير/شباط 2021.

نبش التاريخ

ووفق تقديرات أهلية فإن إيران تمكنت في حلب من افتتاح أكثر من 30 حسينية ونحو 10 مراكز ثقافية، بدعم مالي مباشر من مليشيا "الحرس الثوري"، فيما بلغت عناصر المليشيات المحلية والأجنبية التابعة لإيران نحو 40 ألفا.

وحول هذه الجزئية، استعرض الصحفي السوري المختص بالشأن الإيراني، حسن النايف، إستراتيجية إيران منذ 2016 على نبش تاريخ حلب والتخفي وراء شعارات الدفاع عن المقدسات الشيعية كحجة "واهية" للتدخل بسوريا.

وأوضح النايف لـ"الاستقلال"  أن "اهتمام طهران بالمواقع ذات الرمزية الدينية للشيعة هدفه خلق طبقة جديدة من المتشيعين الجدد بإغراءات من قادة المليشيات المحلية الذي تغدق عليهم إيران بالعطايا المالية وباتوا وكلاء محليين لها، ترتكز عليهم في تمرير مشاريعها في المدينة وتحقيق التغلغل الثقافي".

وأشار إلى أن إيران "استخدمت قادة مليشياتها المحلية في شراء عقارات وخلق طبقة تجار جدد بدأت تتمدد بشكل كبير في حلب، حيث تسعى طهران إلى السيطرة على تجارة المدينة وذلك عبر رجال أعمال إيرانيين كثفوا الزيارات وعقدوا الاتفاقيات الاقتصادية بحلب للبدء بتنفيذ المشاريع التي سيعود ريعها لطهران".

وختم النايف حديث بالقول: إن "محاولة إيران ابتلاع صناعة حلب ووضع يدها على إعادة عجلة اقتصادها وتأمين المواد أولية وقطع غيار لمصانعها المدمرة أو الجديدة من خلال محاولات النظام جذب رؤوس أموال خارجية عبر مراسيم استثمارية جديدة، بهدف قطع الطريق أمام تركيا".