سلاح فعال.. كيف فضح الإضراب الفلسطيني الشامل عورة الاحتلال؟

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكن صواريخ المقاومة الفلسطينية وحدها في معركة "سيف القدس"، ما يربك الاحتلال الإسرائيلي ويسبب له خسائر متنوعة في الأرواح والأرزاق على مدار 11 يوما، من 11 وحتى 21 مايو/أيار 2021.

بل شهدت المدن والمناطق الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر، إضرابا شاملا في 18 مايو/أيار 2021، تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والاعتداءات في القدس المحتلة، والتجييش العنصري ضد المواطنين العرب في الداخل الفلسطيني (الخط الأخضر) منذ 13 أبريل/ نيسان 2021.

وأتى الإضراب استجابة لدعوة وجهتها "لجنة المتابعة العليا لشؤون العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر" (مدن الـ48)، إلى كافة المواطنين في المدن والقرى والبلدات، حيث حثتهم على الدخول في إضراب شامل.

ونقلت الوكالة الفلسطينية للأنباء "وفا" أن "الإضراب الشامل، عمّ محافظات الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، وأراضي الـ48، تنديدا بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني".

وأوضحت أن الإضراب شمل كافة مناحي الحياة التجارية، والتعليمية، بما فيها المؤسسات الخاصة والعامة، وأغلقت المدارس والجامعات أبوابها وكذلك المصارف، وتوقفت وسائل النقل العام، ليشل حركة اقتصاد الاحتلال.

وبداية من 15 مايو/أيار 2021، نفذت كافة المحلات والدكاكين التجارية في رام الله إضرابا عاما تضامنا مع عائلات الشهداء في مختلف أنحاء فلسطين، واحتجاجا على الاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون وقوات الأمن الإسرائيلية في عموم مدن وقرى فلسطين، وتصاعدت حدة الإقفال تدريجيا حتى بلغت ذروتها 18 مايو/أيار.

نهج نضالي

"إضراب الثلاثاء"، لم يكن الأول في الأراضي المحتلة، فقد سبق للفلسطينيين اللجوء إلى الإضراب الشامل في عدة محطات خلال المائة عام الماضية. 

وقال المحاضر الجامعي بلال سلامة، لموقع "الجزيرة نت" في 18 مايو/أيار 2021 إن "الخطوات التي استخدمها الفلسطينيون ضد المحتل كثيرة، كان الإضراب واحدا منها". 

ويعود سلامة إلى أواخر القرن الـ19 عندما نفذ الفلاحون في المدن الساحلية أول إضراب عام 1892، ضد السياسات التي كانت تستغل الفئات المهمشة. 

تلاها احتجاجات عام 1917 ضد "وعد بلفور" الشهير، ثم بعد ذلك الهبات الجماهيرية في عشرينيات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني، وصولا إلى الإضراب العام والاحتجاجات الضخمة عام 1936، مشيرا إلى أن إضرابات عام 1936 أكدت "هوية الفلسطينيين كشعب واحد".

وكان يوم الأرض عام 1976  عاملا أساسيا في توحيد المجتمع الفلسطيني، وإعادة لحمته بعد أن شكل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 على أكثر من 70 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية، متغيرات ميدانية وجغرافية حالت دون الوحدة الداخلية، وفقا لسلامة.

كما ساهم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة وغياب التواصل الجغرافي بينهما، وتشتيت الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في الحيلولة دون توحدهم، واستمر هذا الحال بعد أن احتلت إسرائيل بقية الأرض الفلسطينية عام 1967، وبدأت بتمييزهم حسب موقعهم الجغرافي.

لكن انتفاضة الأقصى عام 2000 عقب اقتحام المسجد الأقصى من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، وحدت الفلسطينيين مرة أخرى عبر المظاهرات التي أدت إلى انتفاضة عارمة في كل فلسطين، قبل أن تعود وتنحسر في الضفة وغزة.

وهذا ما ظهر جليا أيضا في الإضراب الشعبي الذي نفذ 18 مايو/أيار.

هدف الإضرابات

وكان الإضراب الشامل سلاح الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى أو ما يعرف بانتفاضة الحجارة عام 1987، والتي تركزت أكثر في الأراضي المحتلة عام 1967، كما شكل سلاحا فعالا على أكثر من صعيد داخل الأراضي المحتلة.

ويرى الصحفي اللبناني جواد العلي أن "الصورة التي نقلتها وسائل الإعلام عن الإضراب الفلسطيني وكيف تلاحمت الأيادي والصرخات، كانت لها دلالات كبيرة إيجابية على الداخل الفلسطيني، وعلى فلسطينيي الشتات".

وأضاف العلي في حديثه لـ"الاستقلال" أن "أبناء الداخل أظهرو أنهم أهل وحدة في مواجهة الاحتلال وغطرسته، وهذا بحد ذاته يرفع من معنويات المقاتلين ويثلج صدور الرأي العام المؤيد والمناصر للقضية الفلسطينية".

وشدد على أنه "يجب الاستثمار في هذا الإضراب فلسطينيا، بمعنى جعله محطة لتأطير خطاب وطني موحد، يأتي تحته مشروع فلسطيني متكامل تجمع عليه الفصائل المختلفة". 

عضو الكنيست الأسبق، الأكاديمي الفلسطيني إمطانس شحادة، قال لـ"الاستقلال: إن "الإضراب الذي شمل فلسطينيي الداخل أكد تجذرهم وعمقهم الفلسطيني، وأفشل محاولات الاحتلال سلخهم عن شعبهم وأسرلتهم عبر تدجينهم وكي وعيهم".

وأضاف : "كما أفشل الإضراب محاولات دفع فلسطينيي الداخل للاكتفاء بالقضايا المعيشية اليومية، وهو ما سيغير قواعد اللعبة والوعي وهو الأهم بهذا المجال".

من جانبه، اعتبر الباحث طلال الدهيبي أن "الإضراب كان ناجحا وآتى ثماره نظرا لارتباك العدو في التعامل معه، وما شهدناه داخل أراضي 48، أعاد نفض الغبار عن فكرة يروج لها إعلاميا، مفادها أن فلسطيني 48 لا حول لهم ولا قوة، وأن الأسرلة (تدشين مشاريع لتعميم الانطباع بأن المدينة تمثل عاصمة  لإسرائيل) أسرتهم وأبعدتهم عن القضية الأساس".

وقال في حديث لـ"الاستقلال": "ما ظهر بين عكس ذلك، وأكد لنا أن وحدة الشعب الفلسطيني هي المرتكز لأي مطالبة بحق، كما هي جوهر القضية التي يحاولون طمس معالمها ومقوماتها تارة بصفقة قرن وتارة أخرى بإعلان يهودية الدولة الإسرائيلية".

وأشار الدهيبي إلى أن "ترافق الإضراب مع استمرار صواريخ المقاومة على المستعمرات أوجد دافعا سياسيا ونفسيا لكل عربي وفلسطيني، أنه يمكن الاستمرار بالنضال وصولا إلى تحرير الأرض، ولفت انتباه الجميع إلى أهمية إظهار المجتمع الفلسطيني على غير صورة الانقسام التي طبعته في الفترة الماضية".

فيما يرى العلي أن هذا الإضراب "له أبعاد وطنية وسياسية كبيرة تجسدت خلفها وحدة فلسطين التاريخية، وأن الأهم حاليا هو العمل على تعزيز أواصر الوحدة الداخلية، لما لها من ضرر كبير على الكيان الإسرائيلي الغاصب، الذي فضحت صواريخ كتائب القسام مدى ذعره، وبينت الوسائل السلمية كالإضراب قدرة الشعب الفلسطيني على التأثير فيه".

إنهاك الاقتصاد

اقتصاديا، أوجع الإضراب الكيان الإسرائيلي، ورغم أنه لا يزال من المبكر الحديث عن معطيات دقيقة بشأن الخسائر الاقتصادية، لكن مجلة "ذا ماركير" العبرية قالت إن "الإضراب العام شل جزءا كبيرا من قطاع المواصلات والنقل".

وفي تقرير نشرته المجلة في اليوم التالي للإضراب، وترجمته جريدة الأخبار اللبنانية في 19 مايو/أيار 2021، أظهرت المعطيات أن 50 بالمئة من مجمل السائقين العموميين في قسم الحافلات والقطار الخفيف لم يأتوا إلى العمل، وأن 4 آلاف سائق عربي يعملون في هذا القطاع الذي يعتمد بنسبة كبيرة على العرب.

كما أن أكثر من 90 بالمئة من السائقين العاملين في منطقة "بيت شيمش" التزموا بالإضراب.

وعلى خلفية تلك المعطيات، أعلن رئيس "مجلس ماتي بينيامين الإقليمي"، يسرائيل غانتس، نيته البدء في بناء منظومة رديفة من السائقين العموميين لا تعتمد على الفلسطينيين، وهو ما اعتبره السائقون العرب "تصريحات تفتقر إلى المسؤولية وتصب الزيت في النار". 

وفي السياق نفسه، كشفت مصادر "الأخبار" أن متاجر رجل الأعمال الإسرائيلي رامي ليفي، مثلا "شهدت التزاما كبيرا في غالبيتها، ومعظم فروعها أغلقت أبوابها بسبب إضراب العمال الفلسطينيين وعدم حضورهم إلى العمل، وهذا ينطبق على بقية العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل".

وأضافت أن "عاملين في مصنع كبير يزود جيش الاحتلال بالإمدادات الغذائية أضرب غالبيتهم عن العمل أيضا".

كما أكدت المصادر أن "السلطات الإسرائيلية وأصحاب المصانع والشركات والعمل من المستوطنين أطلقوا تهديدات مختلفة للعمال الفلسطينيين لمحاولة إخضاعهم ودفعهم إلى التراجع عن الإضراب، لكن دون فائدة، وهذه التهديدات وصلت عبر الوسطاء الفلسطينيين الذين يرتبطون بعلاقات مع أصحاب العمل ويعملون كمشرفين على العمال".

وينطبق هذا الأمر، على كافة القطاعات الحيوية في إسرائيل التي يشغلها عدد كبير من العمال الفلسطينيين الذين يتمتعون بالمقدرة على شل حركتها حال التزموا جميعا بالإضراب كما حصل في 18 مايو/أيار.

ويقدر عدد العاملين في القطاع الصحي لدولة الاحتلال بنحو 8140 طبيبا، يشكلون نحو 21 بالمئة من الأطباء، فيما يمثل الفلسطينيون أيضا 24 بالمئة من الممرضين، و50 بالمئة من الصيادلة. 

أما العمال في قطاع البناء فيشكلون 50 بالمئة من مجمل عمال البناء في إسرائيل.

وتشير دراسة نشرت على موقع "شبكة السياسات الفلسطينية"، للباحث إبراهيم الشقاقي، إلى وجود نحو 150 ألف فلسطيني من الضفة وعدد قليل من غزة يعملون في السوق الإسرائيلية.

فيما يصل عدد العرب في أراضي 48 إلى ما نسبته 21.1 بالمئة (1.956 مليون نسمة) من سكان هذه الأراضي المحتلة، وفقا لإحصاءات إسرائيلية، وهؤلاء ينخرطون بشكل أو بآخر في الاقتصاد الإسرائيلي، وتوقف نسبة من هؤلاء عن العمل يعرض الاقتصاد لـ"خلل حقيقي".

ووفق بيانات مركز معلومات وبيانات الكنيسيت، فإن الفلسطينيين (العرب بحسب توصيفهم في الوثائق الرسمية الإسرائيلية) يمثلون 12.2 بالمئة من الموظفين في القطاع الرسمي بدولة الاحتلال، علما أن ثلثي العرب العاملين في القطاع الرسمي يعملون في نظام الرعاية الصحية.