بعد القطيعة مع "كيانات أجنبية".. هل يتحد المغرب والجزائر اقتصاديا؟

12

طباعة

مشاركة

بدون سابق إنذار، أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، تعليماته للحكومة ومسؤولي مؤسسات اقتصادية عمومية وخاصة، بفك التعاقد خلال مدة أقصاها 10 أيام، مع شركات مغربية وأخرى إماراتية وإسرائيلية.

واعتبر الرئيس، في 6 مايو/أيار 2021، أن مؤسسات اقتصادية في بلاده "تبالغ" في التعاقد مع "كيانات أجنبية"، محذرا من "ربط علاقات تعاقدية لا تراعي المصالح الإستراتيجية والاقتصادية للبلاد".

وتهم الصفقات على وجه الخصوص شركات للتأمين ومجال البرمجيات، وشدد تبون على فسخ كافة العقود "غير المبررة".

صحيفة "الشروق" الجزائرية، قالت في 10 مايو/أيار 2021 إن هذه العقود "تحولت مع مرور الوقت إلى غطاء لتحويل العملة للخارج عبر "الفوترة"، وتعادل الأموال المحولة سنويا بعشرات ملايين الدولارات، مع إمكانية إنجاز هذه البرمجيات في الجزائر بسهولة".

وفتحت وزارة المالية الجزائرية تحقيقات حول تعاقد شركات عمومية وخاصة مع متعاملين فرنسيين وإسبان ومغاربة في مجال إصلاح السيارات.

وكان التعامل مع شركات أجنبية وراء إقالة عدد من مسؤولي المؤسسات العمومية خلال الأشهر الأخيرة، منهم الرئيس المدير العام السابق لشركة الخطوط الجوية الجزائرية، الطاهر علاش، والمدير العام للتلفزيون الجزائري، أحمد بن صبان، مطلع مايو/أيار 2021 بسبب صفقة مع شركة إماراتية.

كم أن وقف العمل مع مكاتب الدراسات الأجنبية في المشاريع الكبرى، كان من أولى القرارات التي اتخذها تبون بعد توليه الرئاسة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، مؤكدا أنها "تستنزف سنويا من خزينة الدولة خسائر بقيمة 10 مليارات دولار"، فيما أشارت تقارير صحفية إلى أن أغلب هذه المكاتب "كانت فرنسية".

وقد كشفت التحقيقات مع رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في تهم فساد، أن "منح العقود لمكاتب الدراسات الفرنسية بطرق غير قانونية وأخرى لم تكن البلاد بحاجة لخدماتها".

الحد الأدنى

في تقرير نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية في 18 مايو/أيار 2021، قالت إنه "رغم التوترات السياسية المتكررة بين الرباط والجزائر العاصمة، لم تتوقف التجارة أبدا، والتي كانت تقدر بأزيد من نصف مليار دولار سنويا".

ووصف التقرير الإجراءات التي كشف عنها تبون بـ"الانتقامية"، وأكد على أن التجارة بين البلدين أقل من المستوى الأمثل الذي ينبغي أن تكون عليه، بالنظر إلى حجم اقتصادات الجارين.

قبل 5 سنوات فقط، كانت الجزائر هي الشريك الإفريقي الأول لجارتها المغربية، حيث بلغت التجارة حوالي 8.5 مليار درهم (نحو 793 مليون يورو نهاية عام 2016)، هذه المكانة فقدت مؤخرا لصالح مصر باعتبارها المورد الإفريقي الرائد للمغرب وكوت ديفوار باعتبارها السوق القاري الرائد للمنتجات المغربية.

وأفاد مصدر من مكتب الصرف الأجنبي للمجلة الفرنسية، بأن "الجزائر لا تزال الشريك التجاري الثاني للمملكة في إفريقيا، لكنها غادرت قائمة أفضل 20 شريكا في العالم".

وبحسب إحصائيات أولية مؤقتة، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5.3 مليارات درهم (الدولار يساوي 9 دراهم)، نهاية عام 2020، وهو رقم يمثل أقل من 1 بالمئة من الواردات والصادرات التي تقوم بها المملكة. 

ويتطلع الخبراء إلى إمكانيات هائلة من تعاون البلدين على المستوى الاقتصادي بشكل مباشر، إذ يمر جزء كبير من الصادرات المغربية عبر العلامات التجارية العالمية، وخاصة الفرنسية، التي تمكنت من التأقلم مع بيئة الأعمال الجزائرية.

ونقلت "جون أفريك" عن مصدر (لم تسمه) من داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهو أكبر تجمع للمقاولات (الشركات) في المملكة قوله: "طالما لا يوجد شيء رسمي، لا يمكننا اتخاذ موقف".

واستطرد المصدر: "لكن الاضطراب الاقتصادي المحتمل سيكون له تأثير ضئيل على المملكة، فمصادر إمدادنا وكذلك أسواقنا متنوعة وميزاننا التجاري مع الجزائر يعاني من عجز يبلغ حوالي 3 مليارات درهم، إن جيراننا هم من سيخسرون أكثر من هذا القرار".

قلب الموازين

ويشعر مستثمرون مغاربة بـ"القلق" من زيادة محتملة في انعدام الثقة بين صانعي القرار في البلدين، وتأخير آخر في التكامل الاقتصادي الإقليمي الذي سيعود بالفائدة على جل شمال إفريقيا.

وبحسب عملاق الأسمدة الإفريقي "المكتب الشريف للفوسفات"، الذي يعد من أهم المصدرين المغاربة للجزائر، "شحنت الجزائر قرابة 55 ألف طن من الأسمدة بجميع أنواعها عام 2020 بقيمة 173 مليون درهم، كما استورد المغرب من حقول النفط الجزائرية ما يعادل 67 ألف طن". 

ينطبق الشيء نفسه على واردات الغاز الجزائري إلى المغرب، الجزائر هي ثاني أكبر مورد للمملكة للبوتان التجاري، بـ 1.9 مليار درهم، وذهب خبراء إلى اعتبار أن لدى البلدين الكثير من الوسائل للتقدم على الولايات المتحدة.

الأمر نفسه بالنسبة للغاز الطبيعي، يظل التبادل متواضعا نسبيا، حيث لا يتجاوز حجم الواردات المغربية من الجزائر 1.4 مليار درهم، بينما تبلغ فاتورة الطاقة في المملكة 50 مليار درهم.

ولا يزال المغرب يعتمد على مورده الجزائري الذي، من جانبه، يمرر جزءا كبيرا من صادراته من الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية.

اتفاقية "خط الغاز المغاربي-الأوروبي"، الذي يعبر المغرب 540 كيلومترا، والذي يعد عملاق المحروقات الجزائري سوناطراك من بين عملائه، ينتهي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بعد ربع قرن من التشغيل، اتفاق كانت السلطات المغربية تفكر في عدم تجديده.

ويستورد المغرب من الجزائر الوقود والتمر والزجاج والمواد الكيميائية، في حين تستورد الجزائر من المملكة مواد عدة، بينها ألواح الحديد والفولاذ والبن والأسمدة، إضافة إلى منتجات النسيج، إذ يقبل الجزائريون على الملابس التقليدية أو الحديثة المصنوعة في المغرب.

منافسة الاتحاد الأوروبي

في تقرير نشره موقع "هسبريس" المغربي، تعليقا على قرار تبون، أفاد بأن المنطقة المغاربية تمثل إحدى المناطق "الأقل اندماجا" في العالم اقتصاديا وسياسيا، وهي بذلك استثناء عالمي، إذ تسجل نسبة المبادلات التجارية داخل المنطقة أقل من 5 بالمائة من إجمالي التجارة الخارجية للبلدان المغاربية.

وأشار تقرير لصندوق النقد الدولي صدر سنة 2018 إلى أن زيادة الاندماج بين البلدان المغاربية ستكون له "انعكاسات إيجابية" من الناحية الاقتصادية، بحيث سيخلق سوقا إقليمية تشمل قرابة 100 مليون نسمة، وسيجعل المنطقة أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر.

كما سيساعد الاندماج على خفض تكاليف التجارة داخل المنطقة وحركة رأس المال واليد العاملة، كما أنه سيجعل المنطقة المغاربية "أكثر مرونة"؛ لمواجهة الصدمات وتقلبات السوق، وفق الموقع.

وأكد التقرير أيضا أن اندماج الدول المغاربية يمكن أن يساهم في زيادة النمو بحوالي نقطة مئوية في كل بلد على المدى الطويل، كما يمكن أن تتضاعف التجارة الإقليمية البينية نتيجة الاندماج، وبالتالي دعم النمو ورفع مستويات التوظيف للشباب الذين يمثلون الفئة الأكبر في البلدان الخمسة.

وحتى يتحقق الاندماج، أوصى "صندوق النقد الدولي" بخفض حواجز التجارة والاستثمار، وربط شبكات البنية التحتية، وتحرير أسواق السلع والخدمات ورأس المال والعمل، والإزالة التدريجية للحواجز أمام التجارة؛ على أن يكون هذا الاندماج مكملا لاندماج بلدان عالميا.

وتشترك بلدان المنطقة في كثير من جوانب التاريخ والثقافة واللغة، وإن كانت متقاربة من الناحية الجغرافية فهي متنوعة من الناحية الاقتصادية، وهو عنصر مهم للتكامل الاقتصادي.

وتحتل الجزائر وليبيا مكانة مهمة في تصدير الغاز والنفط، في حين تمتاز موريتانيا بإنتاج الحديد الخام، أما المغرب فيتسم بتنوع اقتصادي جيد ويحتل مكانة مهمة كمصدر للمنتجات الزراعية والسيارات والأسمدة؛ في حين نجد لدى تونس إمكانات هائلة في المكونات الكهربائية وزيت الزيتون والملابس.

وخلص التقرير، إلى أن هذه المميزات تجعل  التجارة داخل المنطقة المغاربية تكاملية بدرجة كبيرة، إذ إن هيكل صادرات البلدان مطابق لمحتوى وارداتها، ومماثل أيضا لمحتوى واردات الشركاء التجاريين الأساسيين للبلدان المغاربية من خارج المنطقة. 

في حين لم تتمكن هذه الدول من تحقيق التكامل المنشود، لكل بلد علاقات اقتصادية قوية مع بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي، إذ إن إسبانيا وفرنسا هما أكبر شريكين اقتصاديين للمغرب، في حين أن تونس ترتبط ببلدان أخرى أكثر مثل إيطاليا.