تحصدهم أمواج الموت.. يمنيون في رحلة البحث عن وطن

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"لم نعد نشعر بأننا ننتمي لهذه الأرض، صرنا منفيين في أوطاننا وملاحقين في مدننا وقرانا، نعيش حالة اغتراب حقيقية، تغير وجه المدينة، فقدنا الوظائف والشعور بالأمان، لم يعد البلد قادرا على إعطائنا شيئا، حتى التعليم، أصبح متوقفا تقريبا، والصحة متردية بعد هجرة عدد كبير من الأطباء وإحلال كوادر حديثة عهد بالطب مكانهم، مؤهلهم الوحيد أنهم موالون للجماعة الانقلابية". بهذه الأسطر اختصر أحمد عاطف حكايته في حديثه لـ"لاستقلال".

يعمل أحمد عاطف مدرسا للأدب العربي في إحدى مدارس العاصمة صنعاء، لكنه فقد كل شيء، حد قوله، بعد اجتياح الحوثيين العاصمة، وسيطرتهم على مؤسسات الدولة.

وأضاف: "لم يعد هناك سبب يدعوني للبقاء، وإهدار ما تبقى من كرامتي، حتى السفارات والقنصليات التي كانت تمثل لنا أملاً في كسر العزلة والحصار المفروض، غادرتْ، ولم يعد من الممكن التقديم عبرها لأي بلد، لهذا فأنا أبحث عن طريق الهجرة الأقل خطرا، والخيارات المتاحة عندي هي مفاضلة بين المخاطر، بين البحر والصحراء".

بداية القصة

ابتدأت القصة، عندما اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء، واحتلوا مؤسسات الدولة، تم تعليق معظم الوظائف، وتوقفت مرتبات مليون ومائتي موظف، هم قوام الجهاز الإداري، يعولون ستة مليون مواطن، ترافق ذلك مع حملة ملاحقات أمنية واعتقالات واسعة النطاق طالت كل مدينة وقرية، عبر مشرفين حوثيين حلوا محل الجهاز الأمني، موزعين بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي.

إلى جانب ذلك توقفت العملية التعليمية، وتراجع مستوى الخدمات الصحية إلى حد كبير، وتوقفت مشاريع الخدمات العمومية، الكهرباء، المياه، وانعدمت المشتقات النفطية في معظم الأوقات، وشهد الريال انهيارا كبيرا، ارتفعت على إثر ذلك أسعار المواد الأساسية.

تسبب كل ذلك بحالة من الإحباط واليأس وفقدان الأمل لدى كثير من المواطنين وخاصة من فئة الشباب، وأصبح الكثير يبحث عن بدائل أخرى تمكنه من إكمال مشواره في الحياة.

كان السفر هو البديل، والهجرة هي الفكرة التي تطرق رأس معظمهم، لكن لأن السفارات والقنصليات غادرت من اليمن، فقد مثل ذلك انعدام الفرص بالهجرة النظامية، لهذا لجأ معظم الشباب لبحث حلول غير شرعية، تمكنهم من العثور على وطن بديل.

طرق الهجرة  

كانت الهجرة إلى أوروبا إحدى الخيارات المطروحة بقوة لدى الشباب، وكانت الهجرة غير النظامية وتقديم اللجوء هما الوسيلة التي حفزت الشباب لخوض مغامرات محفوفة بالمخاطر.

تعددت طرق الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، لكنها كلها تمر بصحارى وبحار ومخاطر ليس لها سقف، فمن خلال مقابلات عدة مع صحيفة "الاستقلال" مع من سبق لهم السفر، أو في طريقهم للسفر برا أو بحرا، تبين أن إحدى تلك الطرق هي السفر بطريقة شرعية إلى السودان، ومن ثم التهرب عبر الصحراء إلى ليبيا، ثم عن طريق المدن المطلة على البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا، أو إلى السودان فتونس ثم إلى إيطاليا، وطريق ثالثة من السودان ثم ليبيا فالجزائر، ومنها إلى إسبانيا.

أو السفر إلى مصر، ثم التهرب بحرا من مدينة الاسكندرية إلى ايطاليا عبر البحر. هناك طريق أخرى وهي السفر إلى الجزائر أو المغرب بطريقة شرعية، ثم التهرب إلى مدن إسبانية على الأراضي المغربية، كمدينة مليلية، وطريق أخرى شرقا، عبر السفر إلى عُمان بطريقة شرعية ، ثم التهرب بحرا إلى إيران، ومنها برا إلى تركيا، فاليونان عن طريق البحر، بالطبع هناك طرق أخرى، لكن تلك المسارات هي الأكثر شيوعا لدى المهاجرين غير الشرعيين.

تحديات مضاعفة

غدت الهجرة هاجسا عند كثير من الشباب اليمنيين، وأضحى منتهى أمل عدد كبير منهم هو ترك أوطانهم، ومثلت الهجرة غير النظامية تحديين في آن واحد، التحدي الأول تمثل في قرار الهجرة الذي يعني البدء في الحياة من الصفر، وترك كل شيء خلف الظهر، والتحدي الثاني يتمثل بعدم شرعية طريق الهجرة، والتهرب عبر مسارات محفوفة بالمخاطر، احتمالات الموت فيها أكثر من احتمالات الحياة.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال أحمد عامر: "انتقلت إلى مصر من أجل التهرب عبر البحر إلى أوروبا، لم يعد لي وطن، فالوطن بالنسبة لي هي الأرض التي تحفظ كرامتي كحد أدنى، لهذا فأنا عندما أرحل فإنني أذهب للبحث عن الكرامة، والحد الأدنى من القدر الذي يجعلني أحافظ على آدميتي، فإن قُدر لي أن أموت، فإني راض بالموت، بل أفضّله على الحياة التي أعيشها الآن".

يأس وإحباط

من جهته، قال أحمد ناصر، في حديث لـ"الاستقلال": أسكن في مدينة أزمير التركية حيث أدرس، وأقابل العشرات من أبناء بلدي، الذين أتوا لتركيا بطريقة شرعية أو غير شرعية، من أجل التهرب إلى أوروبا عن طريق البحر، أنصح كثيرين منهم بعدم المخاطرة برحلة مجهولة المصير، وأشرح لهم المخاطر، بعضهم يعدل عن رأيه وقراره، وبعضهم يواصل رحلته".

وأضاف: "معظم الذين عزموا على شق البحر، بدوا شبابا يائسين، وفي حالة قنوط، حيث يقول بعضهم، لم أعد أخف من الغرق أو الموت، أنا في حكم الميت، وإن كان لي أمل في الحياة، فسآخذه، وإن قدر لي الموت فلا شيء جديد".

وبخصوص مصير من يقرر الإبحار، فيقول ناصر: "بعضهم انقطعت أخباره عني تماما، ولست أدري ما إذا كان قد غرق أو نجا، والبعض تم إلقاء القبض عليه من سلطات خفر السواحل التركية، وإعادتهم، والقلة استطاعوا العبور إلى اليونان، وهم الآن هناك مقيمون غير شرعيين، والقلة القليلة هم الذين وصلوا للوجهة التي كانوا يريدونها".

أما  كمال حيدرة، فيقول لـ"الاستقلال": قرر خمسة من أصدقائي المغامرة عبر البحر باتجاه أوروبا، كان بينهم أحد أقربائي الذين حاولت جاهدا ثنيه عن قرار متهور كهذا، ولكنني لم أفلح، انطلقوا إلى ليبيا ثم إلى إيطاليا عبر البحر، بعدها بأيام انقطعت أخبارهم، وكانت النهاية أن غرق اثنان منهم بينهم جمال حيدرة، أحد أقربائي، ومحمد مسعد الظاهري من أبناء قريتي، بينما نجا اثنان، هما عمري صويلح ووليد الدبيسي، والخامس تضاربت الأنباء عنه.

السعوَدة قادت للموت

لم تكن الأوضاع في اليمن وحدها هي ما اضطرت اليمنيين إلى المغامرة و خوض رحلة الموت عبر البحار والصحاري، بل كانت القرارات السعودية إحدى الأسباب التي دفعت اليمنيين للمخاطرة، بعد فقدان أعمالهم وتجارتهم هناك، وشعورهم بالخذلان واليأس، جراء صدور القرارات السعودية بتوطين و "سعودة" (حصرها بالمواطنين السعوديين) المهن في عدة قطاعات، وفرض رسوم باهظة تتجاوز دخلهم، ما أثر على حياة أكثر من مليون يمني مقيم في السعودية قبل صدور القرارات بـ"السعودة".

وبحسب موقع "الخليج اونلاين"، فإن وزارة العمل السعودية أقرّت، في مارس/آذار 2016، توطين قطاع الاتصالات، وهي خطوة تضرّر من جرائها نحو 37 ألف يمني، وفقا لأرقام رسمية، فضلا عن أولئك الذين فقدوا أعمالهم من جراء توطين مهن أخرى؛ مثل العقارات، وتجارة الإكسسوارات، والأقمشة، ولا تزال عملية توطين الوظائف مستمرة.

وذكر موقع قناة "دويتشه فيله" الألمانية، أن منع العمل والرسوم وفرض ضرائب جديدة وارتفاع الأسعار إلى جانب إجراءات إدارية وأمنية يتخللها القسر والعنف والإهانة، أدت إلى مغادرة وترحيل ملايين العمال العرب والأجانب خلال الأعوام الأربعة الماضية بشكل سريع يثير القلق على مصير الباقين منهم هناك. 

 وعلى حد قول مغتربين يمنيين، فإن القوانين الجديدة ألحقت خسائر كبيرة بتجار يمنيين، تُقدر بملايين الريالات، إثر اضطرارهم لبيع محلاتهم أو تصريف بضائع مخزنة، بسعر يقل نسبته عن 40 بالمئة من قيمتها الحقيقية.

من جانبه، قال فهد الأهدل، لـ"الاستقلال" إن "صديقي أيمن علي كان شابا كالبدر، يعمل في هندسة الجوالات، لكنه خسر عمله بعد القرارات السعودية، لم يستطع الصمود، فقد عاش ستة أشهر، هي أسوأ أيام حياته، حيث صار عاجزا عن الإيفاء بالمصاريف الشهرية التي كان يرسلها لعائلته في اليمن، وعاجزا عن تغطية نفقاته الشخصية، فقرر أيمن بعد تفكير طويل، السفر إلى أوروبا، وإعادة ترتيب حياته هناك، إذ لم تكن العودة إلى اليمن خيارا مطروحا بالنسبة له، إذ لا وظائف في اليمن ولا أعمال، كما أن اليمن تعيش حربا وأزمة إنسانية طاحنة، انعدمت فيها فرص العمل، وزادت فيها المخاطر الأمنية".

وحاول أيمن علي، بحسب صديقه، الحصول على تأشيرة إلى هولندا، لكنه فشل، حاول بعد ذلك الحصول على تأشيرة إلى المغرب، كي يتمكن بعد ذلك من العبور لإسبانيا، ففشل أيضا، فقرر السفر إلى مصر، ومن هناك استطاع الوصول إلى ليبيا، ومن مدينة طرابلس الليبية أبحر به القارب، وكان هذا آخر تواصل لي به، فقد انقطعت أخباره منذ نحو سنة، وقد ترجح لي بأنه  قد غرق في جملة من غرق.

وأضاف الأهدل بنبرة ملؤها الحزن: هناك يمنيون كثر غادروا بنفس الطريقة، غرق البعض ونجا البعض الآخر، وآخرون سافروا عبر السودان ثم صحراء أفريقيا، انقطعت أخبارهم أيضا، ويرجح أن يكونوا قد تاهوا أو لقوا حتفهم هناك.

لا توجد أرقام رسمية تتناول عدد المهاجرين ومصائرهم؛ لأنها هجرة غير شرعية، لم تمر عبر القنوات الرسمية، التي تمكن من إعداد أرقام وإحصاءات، كما لا توثيق لمن فقد منهم في عرض البحر أو بطن الصحراء.