مزيد من التوتر.. لماذا صنفت الجزائر "ماك" الأمازيغية منظمة إرهابية؟

12

طباعة

مشاركة

فصل جديد من الصراع الداخلي تشهده الجزائر بعد إعلان رئاسة البلاد في 18 مايو/أيار 2021، وضع حركة "استقلال منطقة القبائل" المعروفة اختصارا باسم "ماك" على قائمة "المنظمات الإرهابية"، بتهمة "محاولة زعزعة استقرار البلاد".

تزامن هذا القرار مع استماع الشرطة الفرنسية في اليوم نفسه إلى زعيم "ماك"، فرحات مهني، ضمن التحقيق في تهمة "غسل الأموال المنظم من قبل العصابات". 

تشكيك في التهمة

قبل الإعلان الرئاسي، وتحديدا بين مارس/آذار وأبريل/نيسان 2021، قالت الأجهزة الأمنية في الجزائر، في بيانات منفصلة، إنها فككت شبكة متخصصة في المراهنات الرياضية بقيمة إجمالية قدرها 450 ألف يورو.

وظهر اسم مهني وتفاصيل بطاقته المصرفية في التحقيق، لذلك ركزت جلسة الاستماع في باريس على تورطه المزعوم في هذه القضية وعلى المدفوعات التي زُعم أنه حصل عليها فيما يتعلق بهذا الاتجار.

فيما اعتبر محامي مهني، جيرالد بانديلون، أن موكله هو "أكثر من ضحية" في هذه القضية منذ أن سرقت بطاقته المصرفية، وقال للصحفيين: "لم أر قط مثل هذا الملف الفارغ، والدليل أن الحجز لم يطل وأنه خرج بدون مقابل"، في إشارة إلى أن التهمة ملفقة من النظام الجزائري.

وفي ندوة صحفية عقدها بالعاصمة باريس في 19 مايو/أيار، قال مهني: "لا علاقة لي بهذه القضية، مضيفا "لا يسعني إلا الربط بين كل الأحداث التي تجري في الآونة الأخيرة وهذه القضية التي تم استجوابي بشأنها".

ورفض مهني، اتهامات السلطات الجزائرية التي قررت تصنيف حركته بأنها "منظمة إرهابية" في نفس اليوم الذي كان فيه رهن الاحتجاز لدى الشرطة.

إلا أن الرئاسة الجزائرية قالت عبر بيانها في 18 مايو/أيار 2021، إن "المجلس الأعلى للأمن نظر في الأعمال العدائية والتخريبية التي يرتكبها ما يسمى بحركة (ماك) لزعزعة استقرار البلاد والاعتداء على أمنها، وقرر في هذا السياق تصنيفها في قائمة المنظمات الإرهابية والعسكرية".

تهمة الإرهاب

منذ عقدين من الزمن، لجأ مهني إلى فرنسا، حيث أسس الحركة عام 2002 في أعقاب "الربيع الأسود" في منطقة القبائل، والذي أودى بحياة 126 ضحية بين عامي 2001 و2003. 

وفي نيسان/أبريل 2001، تفجرت انتفاضة دامية باسم الدفاع عن الهوية الأمازيغية في منطقة القبائل بالجزائر عرفت بـ"الربيع الأسود".

ودافعت الحركة لأول مرة عن استقلال القبائل، قبل أن تتحول إلى منظمة انفصالية، وفي يونيو/حزيران 2010، شكل مهني "حكومة قبائلية" مؤقتة في المنفى.

وكان مهني مغنيا سابقا، مناضلا لقضية الأمازيغ منذ السبعينيات، عضوا نشطا في حزب المعارضة العلمانية (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)، الذي تأسس عام 1989، وبسبب الخلافات السياسية مع مؤسس الحزب، سعيد سعدي، غادر مهني التنظيم منتصف 1995؛ لمتابعة مسيرته كمغن وناشط من أجل الاستقلال. 

وفي عام 2006، صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية من قبل المحاكم الجزائرية.

ويوجد نشطاء الحركة بشكل رئيس في منطقة القبائل (شمال شرق الجزائر)، وينظمون مسيرات ومظاهرات كل عام لإحياء ذكرى ربيع الأمازيغ عام 1980، أو ثورة الربيع الأسود عام 2001، ويتعرضون بانتظام لاعتقالات وتهديدات وترهيب من قبل الأجهزة الأمنية، وفي الخارج، ينشطون بشكل خاص في أوروبا وكندا.

ومنذ استئناف الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2021، غيرت السلطات الجزائرية موقفها تجاه الحركة بعد فترة طويلة من التغاضي عن أنشطتها سابقا.

وحاليا، الحركة متهمة بـ"الإرهاب ومحاولة زعزعة الاستقرار والتآمر على أمن الدولة"، فيما اتهم زعيمها بـ"تلقي تمويله من المغرب وإسرائيل".

وفي أبريل/نيسان 2021، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية "تفكيك خلية انفصاليين من مقاتلي الحركة، الذين خططوا لشن هجمات ضد مسيرات الحراك الشعبي الاحتجاجي".

وأفادت الوزارة في بيان بأن "المتورطين خططوا لتنفيذ تفجيرات وأعمال إجرامية وسط مسيرات وتجمعات شعبية بعدة مناطق في الجزائر"، إضافة إلى "حجز أسلحة حربية ومتفجرات كانت موجهة لتنفيذ مخططات الحركة الإجرامية".

وأضافت أن "حركة ماك كانت تخطط لاستغلال صور تلك العمليات في حملاتها المغرضة والهدامة كذريعة لاستجداء التدخل الخارجي في شؤون بلادنا الداخلية، حيث تورط في هذا المخطط عدة عناصر منتمية للحركة، تلقت تدريبات قتالية في الخارج وبتمويل ودعم من دول أجنبية".

من باب الحراك

في 1 مايو/ أيار 2021، احتجت الجزائر على وصف وكالة الصحافة الفرنسية (AFP) الحركة بـ"المنظمة الديمقراطية"، وجاء ذلك في رد للسفير الجزائري لدى باريس محمد عنتر داود موجه إلى الرئيس التنفيذي للوكالة.

وقال الدبلوماسي الجزائري: إن وكالة الصحافة الفرنسية نشرت تقريرا يوم 26 أبريل/نيسان الماضي، روجت من خلاله لمسؤولي "حركة استقلال القبائل التخريبية".

ونشرت "AFP" تقريرا حمل عنوان "حركة ماك القبائلية تدحض أي خطة لشن هجمات"، واصفة إياها بـ"المنظمة المؤهلة والمؤيدة للديمقراطية".

وتأسست حركة "استقلال القبائل" عام 2002، ويوجد معظم قادتها في فرنسا، وتطالب منذ إنشائها باستقلال محافظات يقطنها أمازيغ شرقي الجزائر، وأعلنت في 2010 تشكيل حكومة مؤقتة لهذه المنطقة.

واعتبر السفير داود، أن مجرد فتح المجال أمام مسؤولي هذا التنظيم الانفصالي هو "صيغة لمنح الشرعية والتعاطف مع ممثليه".

وفي 24 أبريل/نيسان 2021، قال الكاتب والمحلل السياسي الجزائري، إسماعيل خلف الله، إن "إقامة رئيس حركة ماك الانفصالية في باريس، قد يؤدي لمزيد من التوتر في العلاقات الجزائرية الفرنسية"، مشيرا إلى أن "هناك محاولات خارجية لزعزعة الاستقرار في المنطقة المغاربية". 

وأضاف لـ"راديو سبوتنيك" الروسي، أن "خطورة هذه الحركة التي تحمل أجندة إرهابية، يتمثل في كونها حركة انفصالية تقوم بالاعتداء على قوات الأمن بهدف الذهاب إلى مزيد من التصادم واستغلال هذه الصورة للمطالبة بتدخلات خارجية"، بحسب قوله.

واعتبر خلف الله أن "حركة ماك الانفصالية، استغلت ما يسمى بـ(انتفاضة فبراير) وتغلغل أفرادها في صفوف الحراك، وأصبحوا ينظمون تظاهرات أسبوعية".

وأفاد بأن "هناك تيارات من الحراك الشعبي ما زالت تطالب السلطة بتحقيق مطالب الحركة الانفصالية، وتستغل هذه التحركات لإقحام هذه الحركة كأنها تمثل منطقة القبائل، وذلك على عكس الواقع".

صلة بإسرائيل

التلفزيون الجزائري بدوره، بث تقريرا يتهم مهني بـ"السعي لنشر الفوضى والدمار في الجزائر"، وتحدث التقرير عن "العلاقات السياسية والمالية المفترضة بين مهني والمغرب وإسرائيل".

من جانبه، لا يخفي مهني الذي يصف السلطة الجزائرية بـ"النظام الاستعماري"، صلاته بإسرائيل التي زارها في مايو/أيار 2012، في زيارة استغرقت 5 أيام نظمها جاك كوبفر، المسؤول عن العلاقات الخارجية بحزب الليكود - بقيادة بنيامين نتنياهو - والمعروف بقربه من اليمين المتطرف. 

ومنذ انتقاله إلى فرنسا، حصل مهني على حق اللجوء السياسي وتنازل عن الجنسية الجزائرية، ومع ذلك، يقول إنه تخلى عن وضع "لاجئ، وأنه راض عن جنسيته القبائلية".

وحول صلات الحركة بالخارج، قال خلف الله: إن "هناك مساع خارجية لتعكير الأجواء في المنطقة المغاربية، وهذا واضح من خلال التطورات الحاصلة في ليبيا وتشاد والساحل، وهناك دول لها مصالح في وجود حرب بالوكالة في هذه المنطقة".

وأرجع خلف الله سبب ذلك، إلى أن "الجزائر تبنت مواقف سياسية ربما أقلقت هذه الدول، سواء موقفها من القضية الفلسطينية، أو من ضرورة إجراء استفتاء أممي لحسم قضية (إقليم) الصحراء".

ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" حول الصحراء الغربية، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها في الصحراء، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.