الانتخابات التشريعية في الهند.. هل يحافظ اليمين المتطرف على الصدارة؟

محمد العربي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

على مدار ستة أسابيع تشهد الهند أكبر انتخابات تشريعية يعرفها العالم، حيث يشارك فيها 900 مليون ناخب، كما تعد الانتخابات التي بدأت بالفعل في 11 أبريل/ نيسان الجاري، ومن المقرر أن تنتهي في 19 مايو/ آيار المقبل، واحدة من أهم الانتخابات التي يترقبها العالم، بعد أن أصبحت الهند لاعبا أساسيا في العديد من الملفات الدولية والإقليمية الهامة.

ورغم أن نتيجة الانتخابات العامة تكاد تكون محسومة لصالح الحزب الحاكم بزعامة نارندرا مودي رئيس الوزراء الحالي، إلا أن عودة عائلة غاندي للمشهد السياسي من خلال منافسه، راهول غاندي المنحدر من سلالة غاندي-نهرو، يجعل الأمور غير مضمونة لصالح مودي الذي يصفه الهندوس بأنه تكرار للتجربة الأردوغانية ولكن في شبه القارة الهندية.

وترجع أهمية الانتخابات في الهند، ليس لكونها فقط أكبر وأطول وأغلى انتخابات يعرفها العالم، وإنما أيضا لتشابك الهند في عدد من القضايا الإقليمية، كما أنها تحدد بشكل كبير شكل العلاقة المتوترة بين الجارتين النوويتين (الهند وباكستان)، وهي العلاقة التي شهدت منحنيات خطرة خلال الولاية الأولي لحكم مودي، كما تمثل العلاقات العربية الهندية سببا في أهمية هذه الانتخابات، إذا ما تم وضعها في مقارنة مع العلاقات الأخرى بين الهند وإسرائيل.

أرقام وإحصاءات

وتتكون الهند من 36 ولاية بالإضافة لإقليم جامو وكشمير، وقد منح الدستور الهندي 29 ولاية منهم حق الحكم الذاتي، حيث يتم انتخاب برلمان وحكومة محلية لكل ولاية لمدة 5 سنوات، وهو نفس الوضع مع إقليم جامو وكشمير الذي تجري به الانتخابات كل 6 سنوات، إضافة إلى 7 أقاليم اتحادية تحكمها الحكومة المركزية مباشرة.

ويتشكل البرلمان المركزي في الهند من غرفتين، الأولى تعرف باسم "لوك سبها" أي مجلس النواب ويبلغ عدد أعضاءه 545 عضوا، ومنه تتشكل الحكومة المركزية للحزب أو الائتلاف الحزبي الذي يحقق 272 مقعدا بحد أدني.

أما الغرفة الثانية فتعرف باسم "راجيا سبها" والمقصود به مجلس الشيوخ، ويبلغ عدد أعضاءه 543 عضوا، يتم انتخاب 250 منهم فقط، والعدد المتبقي يتم تعيينه من الشخصيات العامة التي لها إسهامات ملموسة في الهند وفق تقدير الحكومة المنتخبة.

ويبلغ عدد الناخبين في الهند 900 مليون نسمة، من إجمالي عدد سكان يتخطى 1.3 مليار نسمة، ومن المتوقع أن تعلن نتيجة الانتخابات التشريعية المركزية في 23 مايو/ آيار المقبل، وهو اليوم الذي يتم فيه فرز الأصوات النهائية للناخبين، ويتم الاقتراع بنظام التصويت الإلكتروني، في قرابة مليون مركز اقتراع، يشرف عليها أكثر من 11 مليون موظف انتخابي وضابط أمن.

ويتعرض نظام التصويت الإلكتروني لانتقادات من أحزاب المعارضة، مؤكدين أن آلة التصويت الإلكتروني، يتم قرصنتها، أو برمجتها لصالح حزب معين، كما يتم تعطيلها عمداً حيث تعمل بالبطارية، ولكن حتى الآن لم يتم إثبات أي من هذه الادعاءات من قِبَل الأحزاب الشاكية.

وتحتل انتخابات 2019 رقم 17 بين الانتخابات التشريعية التي شهدتها الهند منذ بدء التجربة الديمقراطية عام 1951، ويتنافس فيها 2293 حزبا سياسيا مسجلا لدى لجنة الانتخابات.

منافسة ساخنة

وقد شهدت انتخابات 2014 إقصاء حزب المؤتمر الوطني بزعامة راهول غاندي، والذي يعد الآن أكبر الأحزاب المعارضة، وأشرس المنافسين لحزب بهاراتيا جاناتا اليميني الهندوسي الحاكم بزعامة ناريندرا مودي، الذي يطمع في الفوز بولاية ثانية.

وحسب تقارير صحفية عديدة فإن فرص الحزب الحاكم قوية في تكرار تجربة 2014، إلا أن الانتخابات التي جرت بالهند في 3 ولايات عام 2018، شهدت فوز كاسح لحزب راهول غاندي، وهو ما مثل جرس إنذار لحزب بهاراتيا جاناتا، ولكن فشل حزب راهول غاندي في التوصل لاتفاق مع عدد من الأحزاب السياسية الأخرى للتحالف ضد بهاراتيا جاناتا، حافظ على فرصة الأخير في الوصول للولاية الثانية.

وفيما يتعلق بالبرنامج السياسي فقد ركز حزب بهاراتيا جاناتا على الأمور المتعلقة بالقومية الهندوسية، كما وعد بإلغاء المادة الخاصة في الدستور والتي تمنح امتيازا خاصا لشعب جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، وهو ما ترجمته آخر تغريدة لمودي قبل ساعات من فتح أبواب الاقتراع حيث دعا المواطنين إلى الخروج للتصويت بـ "أعداد قياسية".

على الجانب الآخر ركز حزب المؤتمر الوطني على الأزمات الزراعية والبطالة وضمان تمرير مشروع قانون حماية المرأة، وتعزيز مخصصات التعليم، ووضع حد أدنى للأجور بما يعادل 1034 دولارا سنويا للأسر الأكثر فقرا، محذرا في الوقت نفسه من استمرار القوميين الهندوس في الحكم، وهو ما عبر عنه غاندي وسط حشد لأنصاره قال فيه: "تنتخبون اليوم من أجل روح الهند.. من أجل مستقبلها.. انتخبوا بحكمة".

وحسب مراقبين فإن الانتخابات التشريعية في الهند تكتسب أهميتها من أكثر من جانب أبرزه  وقوع شبه القارة المترامي الأطراف في قلب طريق الحرير القديم والجديد، وأن الاستقرار السياسي سوف يمكن الهند من اللحاق بركب قطار التنمية الأسيوي الذي تقوده الصين بقوة ومعها كل من اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايلاند وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا، وإن كانت النسب بينهم متفاوتة.

المسلمون كلمة السر

وحسب تحليل لمركز مبتدأ البحثي المصري فإن كشمير تستخدم كورقة في الانتخابات التي تشهدها الهند حاليا، وخاصة من جانب رئيس الوزراء مودي، والذي استغل الهجوم الأخير الذي شنته جماعة جيش محمد، التي تنطلق من الأراضي الباكستانية وأدى لمقتل 40 جنديا هنديا، سببا في دعم موقفه لإلغاء الامتياز الذي منحه الدستور الهندي لسكان الإقليم ذات الأغلبية المسلمة، ويعتمد مودي في ذلك على مصطلح حماية الأمن القومى، وكيفية تحقيق ذلك فى كشمير.

ووفق هذه الرؤية فقد اعتمد البرنامج الانتخابي لمودي على إلغاء المادة 35أ، من الدستور الهندي، والذى يمنع بموجبه تملك أو شراء الأراضى من قبل أى شخص لا يسكن فى الولاية، واعتبر الحزب الحاكم أن هذا القانون معوق للتنمية، بينما حذر زعماء سياسيون من أن إلغاء القانون سيفجر توترات واسعة فى كشمير التى تقطنها الأغلبية المسلمة، وتواجه فيها الهند تمردًا مسلحًا ضد حكمها منذ انفصال الهند عن باكستان.

ورغم ما سبق فإن المسلمين يلعبون دورا مؤثرا في الانتخابات الهندية، حيث يتجاوز عددهم 186 مليون نسمة، ويشكلون قرابة 15% من عدد السكان الإجمالي في البلاد.

ويمثل حزب المؤتمر بزعامة راهول غاندي المرجعية السياسية الأولي للمسلمين في الهند، ولكنهم مع ذلك شعروا فيه بخيبة أمل كبيرة نتيجة تردي أدائه الاقتصادي خلال توليه الحكم، ما أثر عليهم باعتبارهم جزءا من النسيج الاجتماعي للبلاد.

وقد نشرت مجلة "إيكونومست" تقريرا مطولا خلال ولاية حزب بهارتيا جاناتا، عن أوضاع المسلمين في الهند، أكدت فيه أن أول ما يلاحظه المتابع لدى اطلاعه على الصحف الهندية هو غياب ذكر المسلمين فيها، رغم وجود 186 مليون مسلم في الهند، يشكلون ما يقارب الـ15% من عدد السكان.

وحسب تحليل المجلة، فإنه "رغم عدم معاناة مسلمي الهند من الاضطهاد الرسمي، ولا المضايقة للخروج إلى المنفى، ولا الاستهداف الممنهج من المجموعات الإرهابية، إلا أنهم عانوا من الاضطهاد بطرق أخرى، مثل قلة عدد الضباط المسلمين في الجيش، كما أن نصيبهم من رتب الشرطة العليا يكاد لا يذكر، كما أنهم بشكل عام الأفقر والأكثر عرضة للتمييز الجنسي، والأقل في الحصول على التعليم، حيث تبلغ نسبتهم في الدراسات العليا في الجامعات الراقية 2% فقط".

وتضيف المجلة أنه منذ الفوز الكاسح للحزب القومي الهندوسي بهارتيا جاناتا عام 2014، فإن بعض الثغرات اتسعت أكثر، حيث أصبح عدد الوزراء المسلمين في الحكومة الوطنية أقل من أي وقت مضى منذ الاستقلال، بالرغم من زيادة نسبة المسلمين في عدد السكان (هناك وزيران فقط من 75 وزيرا).

مودي وإسرائيل

ويحظي حزب مودي اليميني الهندوسي المتطرف بعلاقات متطورة مع الإسرائيليين، بدأت بزيارات متبادلة بين تل أبيب ونيودلهي، وانتهت إلى عبور الطيران الهندي للأجواء السعودية في رحلاته إلى تل أبيب، كما استخدمت القوات الجوية الهندية قنبلة "سبايس 2000" الإسرائيلية أثناء اشتباكات كشمير الأخيرة.

وقد كشف الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقال بصحيفة "الإندبندنت"، نشره في مارس/ آذار الماضي عن الدعم الذي قدمته إسرائيل لحزب بهاراتيا جاناتا، في النزاع الأخير مع باكستان، موضحا أن الأشهر الأخيرة شهدت وقوف إسرائيل لجانب الحكومة الهندية، ضد المسلمين هناك، في تحالف غير رسمي وغير معترف به، في وقت أصبحت الهند نفسها الآن أكبر سوق لتجارة الأسلحة الإسرائيلية.

ويشير فيسك إلى أن الهند كانت أكبر زبونة لإسرائيل في مجال السلاح خلال عام 2017، إذ دفعت 702 مليون دولار، مقابل الحصول على سلاح دفاع جوي إسرائيلي، وأنظمة الرادار والذخيرة، بما فيها صواريخ جو - أرض أخُتبر معظمها أثناء الهجمات العسكرية الإسرائيلية على الفلسطينيين والأهداف في سوريا.

ويكشف المقال كذلك أن ما لا يقل عن 16 من عناصر فرقة "غارود" الهندية - وهم جزء من وفد عسكري هندي قوامه 45 شخصاً- يقيمون منذ وقت طويل في قاعدتَي نيفاتيم وبالماشيم الجويتين في إسرائيل، في إطار التعاون المشترك بين البلدين لمواجهة عناصر تنظيم الدولة.

ويشير فيسك في مقاله إلى أنه مع ختام عام 2016، لم يذهب سوى 23 رجلاً من الهند للقتال مع تنظيم الدولة في العالم العربي، في وقت أن بلجيكا، والتي لا يتجاوز عدد سكانها المسلمين نصف مليون، أنتجت نحو 500 مقاتلا، وهو ما يعني أن الهدف من التحالف هو نقل تجربة القومية الصهيونية لنظيرتها الهندوسية.

الهند والعرب

ورغم العلاقات القوية بين الهند وإسرائيل من جهة، وتوتر العلاقات مع باكستان المسلمة من جهة أخرى، وحدوث العديد من المذابح ضد المسلمين في كشمير وغيرها من الولايات الهندية من جهة ثالثة، إلا أن العلاقات الهندية العربية الاقتصادية وخاصة مع دول الخليج شهدت تطورا كبيرا خلال حكم مودي، وهو ما يرجع في الأساس للتطور الاقتصادي الذي تشهده الهند ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة بين دول العالم الأكثر استيرادا للنفط.

بينما على الصعيد السياسي فقد تراجع موقف الهند الداعم لقضايا العرب والمسلمين، حتى بالرغم من زيارة مودي للأراضي الفلسطينية في إطار الجولة الرباعية التي قام بها صيف 2017 لعدد من الدول العربية شملت الإمارات وسلطنة عمان والأردن، وهو التراجع الذي اعتبره المختصون نتيجة طبيعية لتطور العلاقات الاستراتيجية بين الهند وإسرائيل، خاصة في المجالات العسكرية.

ويعتبر المراقبون أن العلاقات الهندية العربية أصبحت من الملفات الحيوية ذات الأهمية المتنامية في الوقت الحاضر، في ظل الدور المتزايد الذي يضطلع به الطرفان على الساحتين الإقليمية والدولية.

فالهند تُعدُّ من القوى العالمية الناشئة التي يُنتظر أن يكون لها تأثير في الساحة الدولية في المستقبل المنظور، بينما تظل منطقة الخليج العربي ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة للقوى الدولية، نظراً للممرات المائية المهمة في المنطقة، وأيضاً باعتبارها مخزوناً للطاقة، فضلاً عن المكانة الاقتصادية التي باتت تحتلها في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

كما تلعب الجالية الهندية في العالم العربي عموماً، ودول الخليج تحديدا، دورا في تعزيز الجانب الاقتصادي، ما أدى إلى اهتمام الحكومة الهندية بتلك الدول، وتنشيط علاقاتها معها، حيث يعد المهاجرون الهنود مصدر قوة لاقتصاد الهند، ما جعلها أكبر مستقبل لتحويلات المهاجرين منذ عام 2011، حيث بلغت هذه التحويلات أكثر من 64 مليار دولار، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند عام 2014 نحو 55 مليار دولار.

وتشير أرقام معهد الأمن والدفاع في الهند، إلي أن الهند تستورد 45 % من حاجاتها من النفط من دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن عدد العاملين الهنود في دول الخليج يصل إلى 7 ملايين عامل، وتبلغ تحويلاتهم النقدية نحو 6 مليارات دولار سنوياً.