الأناضول: هكذا استهدفت إسرائيل قطاع غزة والمجتمع الدولي معا

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال مايو/أيار 2021، لم تهاجم إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزة بالأسلحة فحسب، بل استهدفت بهذه الموجة العدوانية وعي وذاكرة المجتمع الدولي أيضا. 

وهكذا يكافح الشعب الفلسطيني ضد لغة مشتركة للمتحدثين باسم الإدارة الأميركية والدولة الإسرائيلية، وفق ما نشرت وكالة "الأناضول" التركية.

وقالت الوكالة الرسمية في مقال للكاتب محمد كانجي: "تحاول واشنطن وتل أبيب أن تقنعا العالم أجمع أن حركة (المقاومة الإسلامية) حماس تستهدف المدنيين الإسرائيليين بالصواريخ، وأن إسرائيل لا تمارس إلا حقها في الدفاع عن نفسها، وأن هذا هو ما تعنيه القضية الفلسطينية".

وتتماشى سياسة الولايات المتحدة في استهداف الشعب الفلسطيني مع موقفها تجاه تركيا فيما يتعلق بأحداث عام 1915 (التي تطلق عليها واشنطن وصف "إبادة الأرمن").

فهم يهدفون إلى إخراج وعزل القضية من سياقها ومجرياتها التاريخية وقطع العلاقة بين الأسباب والنتائج، لإقناع العالم بواقع صنعوه زورا باستغلال الوقائع التاريخية التي تصب في مصالحهم، يقول الكاتب التركي.

"الحقيقة" الجديدة

واستدرك كانجي قائلا: بدأت عملية إعادة صنع الحقيقة في فلسطين في العاشر من مايو/أيار.

 فقد اتهمت إسرائيل قوات المقاومة في غزة بأنها "الطرف المعتدي" لأنها لجأت إلى الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامها لحماية الفلسطينيين الذين تعرضوا للانتهاكات في منازلهم في حي الشيخ جراح بشرق القدس ولصد هجمات قوات الأمن الإسرائيلية على المسلمين في المسجد الأقصى. 

وتابع: ليتم نسيان جميع أعمال الاستفزاز والمضايقات والهجوم الذي قام به الإسرائيليون اليمينيون المتطرفون في شرق القدس منذ أبريل/نيسان، بعد إطلاق الصواريخ من غزة. 

وبدأت الجوقة الأميركية الإسرائيلية، وخاصة الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي، تتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة.

ويتساءل الكاتب ساخرا: ماذا عن الفلسطينيين الذين تمت مداهمة منازلهم في حي الشيخ جراح منذ شهر، ومن تعرضوا للاعتداء في المسجد الأقصى أثناء إفطار رمضان.

وماذا عن الفلسطينيين الذين تعرضوا للقتل العشوائي في المدن المحتلة عام 1948. من الواضح أنهم لا يملكون حق الدفاع عن أنفسهم، بحسب البيت الأبيض والإدارة الإسرائيلية.

ويضيف: وعلى صعيد آخر يظهر أن العملية الإسرائيلية الأخيرة ضد غزة لها أهداف تتجاوز تدمير القدرات العسكرية لمجموعات المقاومة. 

فقد كانت الهجمات الإسرائيلية، تستهدف نقاطا من شأنها أن تعزل سكان غزة عن المجتمع الدولي إعلاميا، وماليا مثل، وزارة المالية، والبنوك. 

ويتابع: لينضم وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى جوقة إعادة صنع الحقيقة، ويشدد على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ويدين حماسا على استهداف المدنيين، وذلك في بيانه حول لقائه بوزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس. 

وذلك في الوقت الذي كان فيه قد استشهد في غزة وحدها 41 طفلا و23 امرأة في 15 مايو/أيار، مع العلم أن العدد ارتفع إلى أكثر من ذلك.

وأردف قائلا: كان ذلك في نفس اليوم عندما أدركت إسرائيل أنها بحاجة إلى حركة حاسمة لعزل الرأي العام الدولي عن غزة، فقصفت مبنى في مخيم الشاطئ في غزة منتصف ليل 14 مايو/أيار.

 وكان الهدف هذه المرة يوسف أبو حطب أحد قادة حماس. وبما أن أبو حطب لم يكن في المنزل حينذاك، قتل في الهجوم 8 مدنيين، منهم 6 أطفال. 

وعندما أثارت صور الجثث المنتشلة من تحت الأنقاض غضب الرأي العام الدولي بدأت إسرائيل في استهداف وسائل الإعلام، ليتم تدمير المبنى الذي يضم مكتب وكالة أسوشيتيد برس الأميركية وقناة الجزيرة القطرية في 15 مايو/أيار، ثم يتم تدمير البرج الذي يضم مزود خدمة الإنترنت بالقنابل في ثوان، وفقا للكاتب.

وبهذا اتضح سبب نشر صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية للتحليل الذي كتبه سيث فرانتزمان، والذي يستهدف الإعلام التركي. 

فلم تكن تركيا تحتل مكانا كبيرا في الأنشطة الأكاديمية والصحفية للمواطن الأميركي فرانتزمان، الذي كان يقوم بدراسات على حكومة إقليم كردستان العراق وإيران وصناعات الدفاع.

وأردف: لقد كان مقاله الذي نشر في الصحيفة بالتزامن مع استهداف المؤسسات الإعلامية في غزة مثيرا جدا للاهتمام. 

فقد عبر فرانتزمان عن الانزعاج الذي شعرت به تل أبيب عندما نقلت وكالة الأناضول وقناة تي آر تي التركيتان التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي غزة إلى العالم.

ووفقا لفرانتزمان، فإن وصف وكالة الأناضول للفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم في العدوان على غزة بأنهم "شهداء"، وإصرار قناة تي آر تي على ذكر تل أبيب عاصمة لإسرائيل دليل على دعمهما للعناصر التي تعتبرها دولة إسرائيل إرهابية. 

وبالنظر إلى كل هذا، لا ينبغي أن يكون من الصعب فهم أن الصواريخ التي دمرت المباني التي تقع فيها المؤسسات الإعلامية ومزودات خدمة الإنترنت نتاج نفس العقلية المشوهة، بحسب الكاتب التركي. 

بصيص ضوء

ويرى كانجي أن هيلغا بومغارتن، وهي أكاديمية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، كانت واحدة من أكثر من لفتوا إلى خطر سياسة الثنائي الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ربط وحصر القضية الفلسطينية في إطار التهديد الذي تشكله الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة. 

وذكرت بومغارتن، التي تعيش في القدس منذ عام 1993، المجتمع الدولي بالقضايا التي يتم إغفالها أثناء تناول القضية الفلسطينية في ظهورها على قناة "ZDF" الألمانية. 

وأشارت إلى أن الفلسطينيين شعب يعيش في ظل الاحتلال لما يقارب من نصف قرن، وأكدت أنه لا يمكن لأي مجتمع أو فرد أن يتحمل العنف المستمر الذي يمارسه الجيش والمستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين. 

وأشارت بومغارتن إلى أن الفلسطينيين يتعرضون لقمع عنيف في حياتهم اليومية، موضحة أن حواجز الجيش الإسرائيلي أصبحت مصدرا لإرهاب المجتمع الفلسطيني. 

وفي إشارة إلى أنه لا يمكن توقع ألا يحرك المجتمع الذي يواجه العنف الاقتصادي والتهديدات المستمرة بالإخلاء ساكنا، تقول الأكاديمية الألمانية إنه يجب التشكيك في سياسات حكومة نتنياهو غير المنطقية والمنحرفة عن أهدافها، وفقا للكاتب.

وأضاف: ولفتت بومغارتن إلى أنه يجب فتح تحقيق حول الهدف من إحاطة قوات الأمن الإسرائيلية للفلسطينيين الذين تجمعوا للإفطار ودخول قوات الشرطة للحرم الشريف.  

ولا ينبغي أن يكون من الصعب تخيل حجم الانزعاج الذي خلفه حديث بومغارتن في أوساط اليمين المتطرف في إسرائيل وحملة التشهير التي شنت ضد عضو الأكاديمية.

واستدرك الكاتب: ومع ذلك، وبعد اجتماع دام لأربع ساعات لمجلس الأمن الإسرائيلي يوم الأحد (16 مايو/أيار)، أعلنت إسرائيل أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار وأن الهجمات على غزة ستستمر.

 وكان عدد الأطفال الذين لقوا حتفهم في غزة قد بلغ وقتها 58، وعدد النساء اللواتي لقين حتفهن 34، حين الإعلان. 

وعقب بالقول: وبعد هذا القرار، الذي أعلن أيضا ـ وبشكل غير مباشر ـ أن إسرائيل لن تستجيب لنداءات الأمم المتحدة، لن يكون غريبا أن تصبح الصحافة الدولية في غزة والضفة الغربية هدفا لهجمات جديدة. 

كما لا ينبغي أن يكون من المفاجئ أن تقطع حكومة نتنياهو الإنترنت بالكامل لعزل غزة عن العالم تماما. 

وشدد قائلا :هنا يتعين على المجتمع الدولي، التي تحاول تركيا جهدها لحشده، أن يكثف جهوده الآن لمنع الاعتداءات والهجمات الأكثر خطورة. 

وتابع: "وجدت المقاومة المخرج من الحصار والسجن التي فرضته إسرائيل على الناس هناك بالجدار الذي أقامته حول غزة، في حفر الأنفاق منذ عام 2005".

وبينما كانت هذه الأنفاق تعين المقاومة ضد إسرائيل، كانت تلعب دورا مهما في تلبية الاحتياجات الضرورية لسكان غزة.

 لكن إسرائيل اتخذت في عام 2017، إجراءات لقطع هذه الأوردة الحيوية وبدأت في بناء جدار الحماية الثاني. وتم الانتهاء من هذا الجدار الذي تقدر تكلفته بنحو 900 مليون دولار والمزود بأجهزة استشعار، قبل شهرين.

ويحذر: "يقول الخبراء الذين يتابعون المنطقة عن كثب أن هذا الجدار بني لدوره المهم في العملية البرية الإسرائيلية ضد غزة في ساعة الصفر أكثر منه لقطع أنفاق التهريب".

 في حال تنفيذ خطة "صفقة القرن" المزعومة للسلام، لن يكون من البعيد أن تهجر إسرائيل الشعب الفلسطيني القاطن في غزة إلى مدينة ستبنى في شبه جزيرة سيناء بالاتفاق مع مصر، وفق تقديره.

ويختم كانجي مقاله وهو يشير إلى أن التطورات تجعل من الواجب على المجتمع الدولي الذي حافظ على ضميره ضد مخططات نتنياهو، أن يؤسس تعاونا أقوى مع الحكومة الفلسطينية في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والإعلام والصحة والتعليم بما أن الظروف مواتية في ظل عدم الاستقرار في البلاد وتزايد موجة اليمين المتطرف. 

كما يبدو أن قيام الأنظمة الملكية العربية في منطقة الخليج، والمقيدة باتفاقات أبراهام، بمبادرات من شأنها أن تفتح قنوات الدبلوماسية مع إسرائيل من خلال الضغط بورقة ردود الفعل الاجتماعية الصاعدة في شوارعها، هي الطريقة الوحيدة لحماية الشرق الأوسط من ظهور اضطرابات أكبر.