مسلمو فرنسا.. هكذا يعيشون تحت مقصلة الإعلام اليميني العنصري

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"ضغوطات كبيرة" يعيشها مسلمو فرنسا، جراء تعرضهم لحملات عنصرية ممنهجة من اليمين المتطرف، الذي يصعد من لهجة العداء ضدهم على مستوى الحياة العامة، وفي وسائل الإعلام.

وباتت المواد الإعلامية الخاصة بمهاجمة المسلمين تحظى بمشاهدات كبيرة، حتى أن القنوات الكبرى بدأت تتبنى ذلك الخطاب، ما يساهم في خطورة بالغة على مسلمي فرنسا ومستقبلهم.

ووصفت الحملات الإعلامية لقناة "CNews" الفرنسية الإخبارية المكثفة ضد المسلمين، بتشابهها مع طريقة شبكة تلفزيون "Fox News" المتطرفة في الولايات المتحدة، التي تبنت خطابا معاديا  للمسلمين في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

فيما قال سابقا الصحفي الفرنسي المخضرم، آلان جريش أن "الصحافة في فرنسا يتحكم فيها رجال بيض يمينيون لا يحبون الإسلام".

ويعد الإسلام هو ثاني دين بعد المسيحية انتشارا في فرنسا، حسب الأرقام التي قدمها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، ويتجاوز عدد المسلمين الفرنسيين في عموم البلاد 5 ملايين نسمة. 

قناة الكراهية

"غزو المسلمين لفرنسا" تحت هذه العبارة التحريضية، تستقطب قناة "CNews" ومذيعوها، المشاهدين، ضمن محتوى يحض على الكراهية والعنصرية ضد ملايين المسلمين المقيمين في البلاد، من مواطنين ومهاجرين. 

وفي 5 مايو/أيار 2021، نشرت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، تقريرا عن القناة الفرنسية وسياستها التحريرية المناهضة، حيث قالت: إن "CNews المعروفة بخطابها السجالي، تصدرت نسب المشاهدة في فرنسا، متجاوزة العديد من شبكات الأخبار الفرنسية البارزة، في ظاهرة تدل على مدى تحول الرأي العام في البلاد نحو الآراء اليمينية المتطرفة تجاه المسلمين". 

وأوردت الصحيفة البريطانية أن "مذيعي CNews يتبنون خطابا استفزازيا، يستقطبون عبره كل ليلة قرابة مليون مشاهد، ويرددون في البرامج وجهات نظر ثابتة وصريحة قائمة على العداء للمهاجرين (المسلمين) وربطهم بالجرائم، وبما يطلقون عليه (الغزو الإسلامي لفرنسا)، وذلك على طريقة خطاب مارين لوبان وغيرها من مرشحي اليمين القوميين المتشددين". 

وأوردت مجلة "L'Obs" الفرنسية، أن خطاب القناة يتماشى مع أجواء سياسية مضطربة، يتوقع أن يحصد فيها اليمين الفرنسي المتطرف، خاصة حزب "انهضي فرنسا" لزعيمه نيكولا دوبون إينيون، أكثر من ثلث أصوات الناخبين في رئاسيات 2022. 

وبدأ بث "CNews" في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1999، كقناة توفر تغطية إخبارية محلية وعالمية على مدار 24 ساعة، وتصنف على أنها ثاني أكبر شبكة إخبارية مشاهدة في فرنسا. 

أما حاليا، أصبحت القناة بوقا للأصوات اليمينية، ومرتكزا لدعاية الكراهية، بعد أن وظف مالكها، رجل الأعمال الملياردير فنسنت بولوريه، الكاتب الفرنسي اليهودي، إريك زمور، المعروف بتطرفه الشديد ضد المسلمين والمهاجرين عموما. 

يهودي متشدد

إريك زمور، أحد أبرز أوجه إعلام اليمين المتطرف، الذي يوجه الرأي العام ضد المسلمين في فرنسا، وهو كاتب مقالات يهودي، ولد في 31 أغسطس/آب 1958، وعليه 3 أحكام قضائية سابقة بتهم تتعلق ببث خطاب كراهية، والتلاعب بتنسيق البرامج ومحتواها لمصلحة هيمنة الآراء اليمينية.

ومن أشهر كتبه "الانتحار الفرنسي" الذي ذكر فيه أن الفرنسيين فقدوا الثقة بمستقبل بلادهم وأن الدولة ضعفت سيطرتها على بعض الأمور مثل القضايا المتعلقة بالمسلمين المهاجرين، حيث دعا لأخذ منهجية أكثر صرامة في مواجهتهم.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، أدلى زمور بتصريحات عنصرية صادمة لصحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية، عندما قال: إن "حالة الشعب داخل الشعب هذه، والمسلمين بين الفرنسيين ستجرنا إلى حرب أهلية".

وعندما سئل عما إذا كان يقترح ترحيل 5 ملايين مسلم فرنسي، فأجاب "من كان يتخيل أن يغادر مليون فرنسي من الأقدام السود الجزائر بعد الاستقلال، أو أن يترك ما بين 5 و6 ملايين ألماني أوروبا الوسطى والشرقية حيث كانوا يعيشون منذ قرون"، في إشارة منه إلى إمكانية ترحيل المسلمين من فرنسا.

هذه التصريحات تسببت في موجة غضب عارمة في الأوساط الفرنسية آنذاك، حتى أن قناة "i-Télé" الفرنسية أنهت التعاقد مع زمور بسبب تلك الأفكار "المتشددة"، ضد شريحة واسعة من المجتمع. 

ويذكر أنه في سبتمبر/ أيلول 2016، انتقد زمور، في لقاء تلفزيوني، وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي، لإطلاقها اسما عربيا على ابنتها، وقال إن "تسميتها (زهرة) يجعلها أقل فرنسية من الآخرين، كونه لا يأتي من قائمة الأسماء الفرنسية المسيحية الرسمية"، وهو التصريح الذي ردت عليه الوزيرة المسلمة بأنه "تصريح مرضي". 

ماض استعماري 

في 9 مارس/آذار 2021، خلال مقابلة له مع وكالة الأناضول التركية (حكومية)، صرح البروفيسور الفرنسي أوليفييه لو كور، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "إيفري فال ديسون"، أن "عداء بلاده للإسلام مرتبط بماضيها الاستعماري، حيث لا يمكن فهم موقف باريس المعادي للإسلام اليوم دون فهم هذا الماضي".

وقال لو كور: إن "ما يكتب عن الإسلام في فرنسا يعد استمرارا لما كان يكتب منذ نهاية القرن التاسع عشر".

وأضاف: "هناك محاولات الآن للترويج لنظريات معادية للإسلام تعد مشتقة من النظريات والادعاءات المعادية للإسلام إبان الحقبة الاستعمارية".

وأردف لو كور: "يوجد إعادة إحياء الادعاءات التي تقول أن الإسلام في فرنسا يشكل تهديدا على مبادئ الجمهورية والعلمانية والمساواة بين الجنسين".

وفي 18 فبراير/ شباط 2020، أثناء عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشروع قانون حول ما أسماه "الانعزالية الإسلامية" أعلن: أنه "يهدف إلى هيكلة الإسلام في فرنسا" وتوعد "سنمارس عليهم ضغطا هائلا (المؤسسات الإسلامية)، والفشل غير مسموح به". 

وقال إن "الحكومة الفرنسية قررت تأسيس 80 مركزا تدريبيا في إطار الجهود التي تبذلها بلاده لمكافحة تصرفات الإسلاميين. هناك 47 حيا بباريس (أغلبيتهم من المسلمين) ستخضع للمراقبة المشددة، في إطار جهود التصدي للتطرف". 

مستقبل مخيف 

عضو الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، خالد رزاق، قال لـ"الاستقلال" إن "المستقبل أصبح مخيفا بالنسبة للمسلمين في ظل حكومة ماكرون، وصعود اليمين المتطرف بشكل مبالغ فيه في أوساط الحياة السياسية والاجتماعية الفرنسية". 

وأضاف: "لا يكاد يخلو يوم تقريبا دون وجود عشرات الحوادث العنصرية ضد المسلمين في المؤسسات والأماكن العامة والحكومية، إما بسبب المعتقد أو الزي أو الشكل، والمنظمات الحقوقية قوات الشرطة ترصد هذه الحوادث وتتعامل معها". 

وأكد رزاق أنه: "لا يمكن فصل الإعلام عن العنصرية ضد المسلمين في البلاد، فالشبكات التلفزيونية والصحف، تستضيف شخصيات عنصرية وحزبية يمينية متطرفة، معظمهم ينتمون إلى حزب (الجبهة الوطنية/تتزعمه لوبان)، حيث يحرضون على المسلمين بشكل فج وغير مسؤول، وكثيرا ما يتم وصفهم بالغزاة، مع مطالبات بطردهم أو سحق هويتهم الدينية". 

واستطرد: "أحيانا يصل الأمر إلى مناقشة الأسماء الإسلامية لمسلمي فرنسا على القنوات الإخبارية وفي البرامج، حيث يطالب بعض أعضاء اليمين إلى تغيير هذه الأسماء لتصبح فرنسية، أو فرض أسماء فرنسية على المواليد الجدد، وحظر استخدام الأسماء الإسلامية على غرار ما كان سابقا في جمهوريات الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية قديما". 

وختم رزاق حديثه بالقول إن "اللوبي اليهودي متحكم في جزء كبير من إعلام فرنسا عبر التمويل والدعاية، وكثيرا من ملاك القنوات والصحف في الأساس رجال أعمال يهود متنفذون في الحكومة والبرلمان ومتحكمون في البورصة والبنوك، لذلك يحركون تلك الحملات بلا حسيب أو رقيب، مدعومين من الحكومة، والذي يدفع الثمن هو المواطن الفرنسي المسلم".