فرصة أم تهديد.. ما تأثير انتشار العملات المشفرة على القارة السمراء؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة الإندبندنت البريطانية الضوء على دور وتنامي التعامل بالعملات الإلكترونية المشفرة في القارة الإفريقية.

وقالت النسخة التركية للصحيفة في مقال للكاتب يوسف كنعان كوتشوك إن "مغني الراب السنغالي الأميركي أكون، أعلن في أغسطس/آب 2020 أنه يخطط لتأسيس مدينة مستقبلية تحمل اسمه في موطنه السنغال، وسيتم استخدام عملة مشفرة تسمى أكوين (Akoin) في المدينة الذكية التي ستكون قائمة على الاستدامة".

كما ذكر لاعب كرة القدم السابق من توغو، دونالدسون ساكي، أنه يريد تقديم حل بديل للشرائح التي لا يمكنها الوصول إلى الخدمات المصرفية في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتشكل أكثر من نصف السكان البالغين، قائلا: إنه دفع بعملة "Timeless Capital Coin" إلى سوق العملات المشفرة.

ورغم أنه من غير المعروف مصيرهما، إلا أن المشروعين المعنيين يمثلان مؤشرين على أن إفريقيا تحتل مكانها بين المهتمين بالعملات المشفرة في جميع أنحاء العالم.

وكما هو معروف، ظهرت العملات المشفرة لأول مرة مع تأثير الأزمة المالية العالمية عام 2008، يقول الكاتب.

وأضاف: "الآن أصبح هناك أكثر من 9 آلاف عملة مشفرة وأكثر من 3500 بورصة عملات مشفرة حول العالم، وأصبحت الشركات العالمية مثل مايكروسفت وتيسلا وستار بكس تقبل المدفوعات بالعملات المشفرة، بينما تمنح فيزا وماستر كارد العملاء بطاقات تسمح باستخدام العملات المشفرة".

الصورة الحالية

وبحسب كوتشوك، يتزايد الاهتمام بالعملات المشفرة في البلدان الإفريقية حالها حال بقية البلدان في العالم، حيث يتم إنشاء العشرات من العملات المشفرة الجديدة في القارة كل عام من مثل "Kobocoin" التي أنشأها رجل أعمال نيجيري و"Ambacoin" التي تم تطويرها لدعم استقلال منطقة أمبازونيا الانفصالية في الكاميرون.

وأردف قائلا: إلى جانب ذلك، تعقد المؤتمرات في إفريقيا كل عام لزيادة الاعتراف والتداول بالعملات المشفرة وتكنولوجيا "blockchain".

وتبرز كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا من بين 10 دول تملك أعلى معدل لاعتماد العملات المشفرة في جميع أنحاء العالم، وذلك وفقا لموقع "تشين أناليسيز"، الذي ينشر بيانات وتحليلات حول العملات المشفرة.

ومن المعروف أن قرارات الإغلاق والحظر خلال فترة وباء كورونا ساهمت أيضا في زيادة وتضاعف حجم المعاملات في الدول الإفريقية بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2020.

وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، من المتوقع أن تصبح إفريقيا مركزا مهما لمعاملات العملة المشفرة على مستوى العالم في الفترة القادمة، وفقا للكاتب التركي.

واستدرك قائلا: "مع ذلك، تتميز القارة السمراء بميزة مهمة عن المناطق الأخرى في العالم حيث تستخدم العملات المشفرة في المعاملات التجارية بإفريقيا، بينما تستخدم في المعاملات المالية في بقية أنحاء العالم، الأمر الذي يعزز من وظيفة العملات المشفرة كوسيلة تبادل في الأنشطة الاقتصادية".

أسباب تزايد الاهتمام

ولفت كوتشوك إلى أن "السبب الرئيس لانتشار العملات المشفرة في القارة يعود إلى أن غالبية البلدان الإفريقية تعاني من مشاكل في استقرار اقتصادها الكلي، حيث يضطر الأفراد والشركات إلى اتخاذ تدابير لحماية قيمة ممتلكاتهم في ظل انخفاض قيمة العملات الوطنية بسبب ارتفاع التضخم".

وقال: "فمثلا، أدى التضخم الذي شهدته زيمبابوي في الفترة 2008-2009 إلى تخلي الناس عن عملتهم الوطنية، دولار زيمبابوي، واستخدام العملات الأجنبية حتى في مشترياتهم اليومية".

ومن المعروف أن انخفاض قيمة العملة الوطنية "نيرة" بنسبة 24 بالمئة ونقص العملة الأجنبية في نيجيريا كانا فعالين في تزايد الاهتمام بالعملات المشفرة في البلاد.

وتابع كوتشوك: "أما السبب الثاني فيعود لعدم تطور الأنظمة المالية والمصرفية في بلدان القارة، وفي هذا السياق لا يملك أكثر من نصف السكان فوق سن 18 في إفريقيا جنوب الصحراء حسابا مصرفيا، وقد تم استخدام نظام (تحويل الأموال عبر الجوال) على نطاق واسع في القارة منذ عام 2007 وذلك للتغلب على هذه المشكلة".

وأردف قائلا: "وبما أم 60 بالمائة من استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول في جميع أنحاء العالم يحدث في إفريقيا، فإن هذا الإلمام بتحويل الأموال عبر الجوال يجعل من السهل تبني واعتماد العملات المشفرة في إفريقيا طريقة في المعاملات التجارية، كما توفر العملات المشفرة إمكانية تخزين القيمة، وهو أمر غير متوفر بالتحويل عبر الجوال".

من ناحية أخرى، لا يبدو من الممكن للغالبية العظمى من الأفارقة الاستفادة من الخدمات المصرفية الأساسية مثل الاقتراض، ذلك لأن 9 من أصل 10 يعملون بطريقة غير شرعية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، كما أن ثلثا الناتج القومي الإجمالي من الاقتصاد، غير رسمي، وفقا للكاتب.

وأضاف: "وبما أنه لا يمكن للأفراد والشركات الذين لا يستطيعون إثبات أنشطتهم الاقتصادية رسميا الحصول على قروض من البنوك، فقد أصبحت العملات المشفرة هي البنك والمقرض وآلية تحويل الأموال الوطنية والدولية لأصحاب الأعمال الصغيرة في إفريقيا".

واستدرك كوتشوك قائلا: "فيما يعود السبب الأخير إلى وجود شريحة ترغب في كسب لقمة عيشها بسهولة أو أن تصبح ثرية إن أمكن ذلك كما في بقية العالم، ويتجه هؤلاء إلى العملات المشفرة، حيث يرى الناس في البلدان الإفريقية التي ترتفع فيها معدلات البطالة، لا سيما الشباب منهم في ذلك وسيلة استثمار وثراء مهمة مع أنها محفوفة بالمخاطر".

وأضاف: "جدير بالذكر أن التكلفة المنخفضة للعملات المشفرة واستخدامها لتحويل (التحويلات) عامل يضخم في الإحصاءات المتعلقة باستخدام العملات المشفرة في إفريقيا، وإن كان هذا لا يغير من حقيقة تزايد تداول العملات المشفرة في القارة".

ومن المتوقع أن تؤدي الآثار الاقتصادية الناجمة عن الوباء وتدهور الاقتصاد العالمي إلى زيادة استخدام العملات المشفرة في القارة الإفريقية.

عوائق ومخاطر

وأشار كوتشوك إلى أن الاهتمام المتزايد بالعملات المشفرة لا يعني خلو هذا القطاع من المشاكل، فقبل كل شيء تسعد العملات المشفرة مستثمريها من حين لآخر إلا أنها قد تودي بهم اقتصاديا أيضا، إلى جانب أنه لا يوجد تنظيم قانوني بشأن العملات المشفرة في معظم البلدان الإفريقية.

من ناحية أخرى، لا تزال جنوب إفريقيا مترددة في استخدام العملات المشفرة لما لها من دور في إخراج رأس المال من البلاد.

فيما أمر البنك المركزي النيجيري البنوك التجارية بإغلاق الحسابات التي استخدمت في تحويلات العملات المشفرة، بقرار اتخذ في أبريل/نيسان 2021، وتشكل مثل هذه القرارات خطر تقويض سوق العملات المشفرة في البلاد والإضرار بمستثمريها، بحسب ما يراه الكاتب التركي.

وأضاف: "هناك قضية أخرى، وهي تتمثل في انتشار الأمية المالية، حيث يستثمر العديد في العملات المشفرة بالمعلومات التي تناقلتها الشائعات فقط دون معرفة حقيقية".

ولهذا فإن المبادرات التي تدعي أنها أموال مشفرة وهي في الواقع "هابي تشين" أكثر منها "بلوك تشين" وبورصات العملات المشفرة التي تقوم بالاحتيال على عملائها، تشكلان أكبر تهديدين.

وقد حدث ذلك من قبل وسرق مالكو بورصة العملات المشفرة في جنوب إفريقيا المسماة بـ"Mirror Trading International" أكثر من نصف مليار دولار من أموال عملائهم العام الماضي،وتم تسجيل هذه الحادثة على أنها أكبر عملية احتيال في العملات المشفرة عام 2020.

فرص سانحة

ويرى كوتشوك أن "العملات المشفرة توفر فرصا مهمة للشعوب والبلدان الإفريقية، مع ما تحمله العملات المشفرة من مخاطر".

ويتمثل أهمها في إمكانية حل مشاكل الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية مثل البنوك والقروض والوصول إلى العملات الأجنبية، والتي ذكرت بإيجاز أعلاه.

وقال كوتشوك: "وفقا لوكالة رويترز البريطانية، بدأ رواد الأعمال الأفارقة في الدفع لمورديهم في الخارج بالعملات المشفرة بالفعل، وهكذا يمكن للعملات المشفرة أن تسهل تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي دخلت حيز التنفيذ في 1 يناير/كانون الثاني 2021، وتملك تأثيرا مضاعفا على زيادة التجارة داخل القارة، بشكل كبير".

ومع ذلك، فإن تحقيق ذلك يتطلب من الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء تنظيم قضايا مثل إعداد وصولات الدفع في التجارة داخل القارة بطريقة تسمح بالتداول بالعملات المشفرة.

من ناحية أخرى، يمكن للعملات المشفرة، التي ستفتح الطريق أمام الاقتصاد غير الرسمي وتسهل التجارة داخل القارة، أن تساهم أيضا في الحد من الفقر الذي يعد أحد المشاكل المزمنة في إفريقيا. ذلك لأن من يعملون في هذه القطاعات في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، هم في الغالب من الفقراء ومنخفضي الدخل، بحسب الكاتب.

وأردف: "لذلك، يمكن للعملات المشفرة، التي ستزيل بعض الحواجز الهيكلية أن تلعب دورا مهما في تنمية القارة من خلال الحد من الفقر، وإن كان من غير المعروف بالنسبة لنا حتى الآن ما ستؤول إليه حال العملات المشفرة في المستقبل".

ولفت إلى أنه "من المتوقع أن يتزايد الاهتمام بالعملات المشفرة في إفريقيا بشكل عام، بما أن الحكومات لم تتمكن من توفير الضمانات الاقتصادية المتوقعة منها، ولم تجد حلا لمشكلة الفقر، وانتهكت حقوق الملكية للأفراد بالتلاعب بالسياسة النقدية".

وختم كوتشوك مقاله: "البلدان الإفريقية في حاجة إلى اتخاذ تدابير لحماية مستثمريها أثناء تنظيم استخدام العملات المشفرة في التجارة المحلية والدولية بمقاربة ليبرالية، وذلك من أجل توجيه أداة التبادل والاستثمار هذه، والتي يقال إنها ستؤدي إلى ثورة مالية في جميع أنحاء العالم".

واستدرك قائلا: "حتى لو لم تحدث هذه الثورة المتوقعة، يمكن للبلدان الإفريقية الاستفادة من ظاهرة العملات المشفرة لزيادة رفاهية شعوبها".