قوة بحرية وممر إماراتي.. هذا ما أعدته إثيوبيا لمواجهة مصر

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تصعيد الأزمة بين مصر وإثيوبيا آخذ في التطور، مع عزم أديس أبابا على الملء الثاني لخزان سد النهضة خلال الفترة القادمة، الأمر الذي يضع القاهرة في مأزق حرج، وخط زمني ضيق، أمام أكبر تحديات أمنها القومي والإستراتيجي. 

التعبئة الإعلامية والسياسية بين البلدين تجاوزت حد تراشقات الكلام إلى الفعل المباشر، حيث أعلنت مصر عن صفقات سلاح جديدة على رأسها شراء 30 طائرة رافال حربية من فرنسا.

ذكر إعلام القاهرة أنها رسالة موجهة إلى إثيوبيا، وفي الوقت ذاته أعلنت حكومة أديس أبابا تأسيس أول قوة بحرية عسكرية في تاريخها، رغم أنها دولة غير ساحلية، وكانت هذه أكثر نقاط ضعفها. 

هنا لم تكن إثيوبيا وحيدة في طريقها، حيث فتحت لها دولة الإمارات ممرا للبحار عبر صوماليلاند، كمنفذ لها على البحار وعامل قوة إضافية في يدها، ما مثل صدمة للرأي العام المصري.

خاصة وأن أبوظبي كانت تعد الحليف الوثيق للنظام المصري، كما أن ولي عهدها محمد بن زايد من القادة المقربين لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في المنطقة العربية، وبات التساؤل عن تداعيات تلك العملية على الملف المستعر في الأساس. 

في 6 مايو/ أيار 2021، وقعت الإمارات عن طريق موانئ دبي العالمية، اتفاقية مع الحكومة الإثيوبية، للتعاون في مجال البنية التحتية، إلى جانب إقامة ممر تجاري يصل إلى إقليم أرض صوماليالاند شبه المستقلة عن الصومال. 

الهدف الأساسي للاتفاقية الإماراتية الإثيوبية، تمثل في تقديم خدمات لوجستية من البداية إلى النهاية على طول الممر الرابط بين إثيوبيا وميناء بربرة لإطلاق منافع كبيرة لإثيوبيا، وتحقيق نقلة نوعية في فتح منفذ لها على البحار. 

وتعد إثيوبيا دولة حبيسة (غير مطلة على البحر)، وسوف تستخدم ميناء بربرة بأرض الصومال كبديل، وهو ما سيحقق منافع هائلة لأديس أبابا، خاصة في صراعها القائم بين مصر والسودان بسبب أزمة سد النهضة. 

كما أعلنت الحكومة الإثيوبية عن وجود خطة لإنشاء رصيف إضافي في ميناء بربرة، بما يتماشى مع التصاميم، التي بدأت موانئ دبي العالمية تنفيذها، مع إضافة معدات جديدة لتحسين كفاءة وإنتاجية الميناء، خاصة وأن رؤية إثيوبيا نحو البحار تتخطى مجرد المنافع الاقتصادية، إلى مناح عسكرية. 

قوة بحرية

لا توجد لدى إثيوبيا قوة عسكرية بحرية حقيقية، باعتبار أنها دولة غير مطلة على البحار، لذلك لم تمتلك أي قطعة بحرية عسكرية ثقيلة، باستثناء بعض القوارب والسفن صغيرة الحجم. 

غير أنه في 4 مايو/أيار 2021، حدثت مستجدات بإعلان القوات البحرية الإثيوبية، عن إعادة تشكيل قوتها البحرية، ورفعت شعارها الجديد والوسام والزي الرسمي، خلال حفل أقيم في كلية الدفاع الجوي بمدينة "بيشوفتو".

 والشعار الذي تم الكشف عنه هو مرساة، كرمز دولي للبحرية، ومجموعة من الزيتون تكشف عن قدرتها القوية.

وقد ترأس الحفل رئيس أركان الجيش الجنرال بيرهانو جولا، وقائد القوة البحرية كيندو جيزو، في إشارة واضحة إلى بداية عهد عسكري مختلف لقوات إثيوبيا البحرية. 

وتمضي أديس أبابا قدما فيما أعلنه رئيس الوزراء آبي أحمد، في يونيو/ حزيران 2018، عندما تعهد بإعادة بناء القدرات البحرية للجيش.

 بعدها بأشهر قليلة، وقع اتفاقية تعاون دفاعي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتطوير سلاح البحرية الإثيوبي وتدريب البحارة الإثيوبيين على يد القوات المسلحة الفرنسية.

وفي عام 2019 أصدر معهد "جيوبوليتيكا فيوتشرز" الأميركي المتخصص في خدمات التنبؤ الجيوسياسي، تقريره عن تطور إثيوبيا عسكريا، وقال "إن إثيوبيا ترغب في بناء أسطول بحري قوي، وتسعى لاستعادة مجدها القديم وبناء البحرية الإمبراطورية، وذلك ضمن خطتها السياسية". 

وذكر أن "إثيوبيا يراودها حلم الوجود العسكري في مضيق باب المندب والمحيط الهندي وقيادة القوات الدولية التي تحارب القرصنة والتجارة غير الشرعية في سواحل الصومال".

كما أورد أن "الحقول النفطية المكتشفة في مناطق بإثيوبيا وأخرى في سواحل الصومال وحدودها البحرية مع كينيا، يدفع أديس أبابا بقوة نحو بناء قوة بحرية تشارك في حماية تلك المناطق، لا سيما الواقعة في سواحل الصومال الذي ليس لديه جيش قوي قادر على تولي مسؤولية حماية هذه الثروة".

أبعاد المنافسة 

في 17 مارس/ آذار 2019، أكد "مركز مقديشو للبحوث والدراسات الإفريقية"، أن "إثيوبيا تسعى إلى منافسة الدول الكبرى على النفوذ والسلطة في القارة الأفريقية، إضافة إلى حاجتها ملحة إلى الحصول على موانئ في البحر الأحمر والمحيط الهندي".

وأرجع ذلك إلى أن فقدان إثيوبيا الوصول المباشر إلى البحر بعد استقلال إريتريا عام 1993 يثير قلقها ويضعف قدرتها على الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر أو خليج عدن.

وقال: "تريد أديس أبابا أن تصبح القوة الإقليمية الأقوى في إفريقيا والدليل على ذلك أنها أجرت في السنوات الماضية إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة لتعزيز استقرارها الداخلي  والسيطرة على سكان البلاد الذي يبلغ تعدادهم نحو 100 مليون نسمة وتأمين حدودها وتوفير ميناء يساعدها على نقل صادراتها إلى العالم".

ورجح التقرير آنذاك عزم إثيوبيا على بناء قاعدة عسكرية بحرية في إحدى دول منطقة القرن الإفريقي المطلة على البحر، الصومال، أو جيبوتي، أو كينيا أو إريتريا أو السودان، ولم يكن قد تم الكشف عن المكان الذي ستختاره من بين تلك الدول. 

ومرت السنوات حتى ساعدتها الإمارات على تحقيق غرضها، وحققت لها واحدة من أهم مكاسبها الإستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، بفتح ممر لها عبر ميناء بربرة بصوماليلاند. 

ولطالما حاز ميناء بربرة على اهتمام القوى العالمية على رأسهم الولايات المتحدة وروسيا، وذلك بسبب موقعه الإستراتيجي بالقرب من مضيق باب المندب الذي يربط خليج عدن والبحر الأحمر. وتعد الموانئ الساحلية في أرض الصومال من بين الموانئ الأكثر قيمة في المنطقة.

وستمكن أديس أبابا من حماية نفسها حال أي مواجهة عسكرية أو مناوشات مع قوى مناوئة على رأسها مصر، حيث تعتبر البحرية المصرية هي الأكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

طعنة غدر 

الصحفي المصري قطب العربي، كتب تدوينة على صفحته الشخصية بـ "فيسبوك" تعليقا على التعاون الإماراتي الإثيوبي الوثيق ضد مصر، قال فيها: "كنا الأبعد نظرا لدور الإمارات الخبيث، كنا ندرك أن تآمرها ليس فقط ضد الإخوان المسلمين وبقية القوى الإسلامية ولكنه تآمر ضد مصر الوطن والشعب". 

وأضاف "لم تنطل علينا بعض مساعداتها واستثماراتها فهي تستثمر أضعافها في أماكن أخرى، وهي توظف هذه المساعدات والاستثمارات لأغراضها الخبيثة وليس لوجه الله". 

ثم أرف: "كنا الأبعد نظرا في كشف حقيقة موقفها في أزمة سد النهضة، ودعمها للجانب الأثيوبي في بناء السد، ثم جاءت الدلائل  تباعا تصدق رؤيتنا.. أحدث تلك الدلائل توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية بين الحكومة الإثيوبية وشركة موانئ دبي تطور بمقتضاها الإمارات طرقا وخدمات لوجستية في إثيوبيا لربطها بميناء بربرة الصومالي الذي تديره شركة موانئ دبي". 

وأوضح: "بذلك يصبح لإثيوبيا منفذ بحري على البحر الأحمر بمساعدة الإمارات، وهو ما سمح لإثيوبيا بالإعلان عن تأسيس قوة بحرية  رغم أنها ليست دولة بحرية". 

من جانبه صرح الباحث السياسي المصري محمد ماهر، لـ"الاستقلال"، أن "طعنة الغدر الإماراتية في ظهر مصر ليست وليدة الاتفاقية الأخيرة بين إثيوبيا والإمارات".

فمنذ اللحظات الأولى للمضي في إنشاء سد النهضة عام 2011، استثمرت الإمارات مليارات الدولارات في المشروع وفي التعاون التجاري مع أديس أبابا، وهي أقرب الدول العربية للموقف الإثيوبي، ولعبت دورا خطيرا في وصول الأزمة إلى هذه المرحلة، رغم الإعلانات الكاذبة بالانحياز إلى مصر أو الاستعداد للعب دور الوساطة، وفق قوله.

وشدد الباحث المصري: "أن نظام عبد الفتاح السيسي هو المتسبب الرئيس في الأزمة من أساسها، وهو الذي وقع اتفاقية المبادىء (بشأن سد النهضة) وذهب إلى أديس أبابا، وصرح بأن المشكلة انتهت بلا رجعة، وانحنى للإمارات وإرادتها بشكل لم يفعله حاكم مصري في التاريخ".

ويوضح: "حاليا تنطبق على السيسي المقولة الدارجة (كل حلفائك خانوك)، لكن مع الأسف الضرر سيقع على مصر وشعبها والأجيال القادمة". 

وقال: "مخطئ من يظن أن الإمارات كانت عونا لمصر في السابق ثم تقلبت مواقفها، فالإمارات ركيزة أساسية في محور إضعاف القاهرة، منذ دعمها للثورة المضادة والانقلاب العسكري، وصولا إلى سد النهضة".

 فالغرض الأساسي هو تحجيم قوة مصر وقدرتها في المنطقة على طول المدى، وإشكالية السد الإثيوبي ليست المياه فقط، وإنما نزع استقلالية القرار والإرادة المصرية، وجعلها دولة خاضعة إلى الأبد، لا تستطيع الخروج عن السياق المرسوم لها، بحسب قوله.