بدء المغرب بناء ميناء بإقليم الصحراء.. هكذا يهدد علاقاته مع موريتانيا

الرباط - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بدأ المغرب أعمال بناء ميناء الداخلة الأطلسي في إقليم الصحراء الغربية، وأعلن استعداده إنشاء ميناءين آخرين جنوب الداخلة يحملان اسم "امهيريز" و"لكويرة".

تقارير مغربية استقرأت من الخطوة فرض السيطرة ميدانيا على منطقة كانت إلى وقت قريب ضمن المنطقة العازلة وأيضا فرض منافسة قوية على ميناء نواذيبو الموريتاني.

كشف موقع "الصحيفة" المغربي، أنه خلال التقارب الموريتاني المغربي الأخير، جرى الحديث عن اتفاق بعدم التضييق على ميناء نواذيبو الذي يشكل رافدا مهما لاقتصاد البلاد.

فهل دفع الموقف الموريتاني من "أزمة الكركرات" المغرب إلى التراجع؟ وهل يخلق ذلك أزمة جديدة بين البلدين؟ 

علاقات متأرجحة

احتدم النقاش في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في الوسطين الموريتاني والمغربي، بسبب موقف السلطة في موريتانيا، بعد أن تصاعدت وتيرة النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وعرقلت عناصر من الجبهة عبور شاحنات مغربية إلى موريتانيا، عبر معبر "الكركرات" الذي يعد بوابة اقتصادية تربط الرباط بعدة عواصم إفريقية، والوحيد بين المملكة ونواكشوط.

عقب اشتعال الأزمة، أعلنت موريتانيا متابعة التوتر المتزايد بين المغرب وجبهة البوليساريو، على حدودها الشمالية في منطقة الكركرات، "بقلق بالغ".

وبعد أيام من تحرك الجيش المغربي وجه رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، برقية لملك المغرب محمد السادس في 17 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عبر فيها عن حرصه على تعزيز علاقات بلاده مع الرباط وتطوير التعاون بينهما.

موقف نواكشوط وصفته تقارير صحفية موريتانية بـ"الضعيف" باعتبارها طرفا متضررا من الأزمة، إذ تعبر من "الكركرات" واردات موريتانيا الغذائية القادمة من المغرب.

في فبراير/شباط 2021، توقع مصدر خاص لصحيفة ”أنباء أنفو” الموريتانية، أن تعلن حكومة بلاده، وقبل انتهاء الولاية الرئاسية الحالية، سحب الاعتراف بجبهة البوليساريو.

وفي 31 مارس/آذار 2021، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والموريتانيين في الخارج، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في جولة مغاربية كان من المنتظر أن تبدأ من المملكة المغربية، قبل أن تلغى دون إفصاح عن الأسباب.

تزامن تاريخ الزيارة الملغاة مع أخرى أجراها مسؤولون من جبهة البوليساريو إلى موريتانيا للقاء الغزواني، حول آخر التطورات المتعلقة بالوضع في إقليم الصحراء الغربية.

اللقاء جعل العلاقة المغربية الموريتانية تدخل نفق الغموض مرة أخرى، فيما ذهبت تقارير إلى "وجود ضغط جزائري على موريتانيا لتغيير موقفها الحيادي من قضية الصحراء".

وتشدد موريتانيا في كل مناسبة على أنها تميل إلى "الحياد الإيجابي" بحسب الوصف الموريتاني، وتؤكد أن موقفها من النزاع في الصحراء يهدف في الأساس للعمل من أجل إيجاد حل سلمي للقضية يجنب المنطقة خطر التصعيد.

أزمة في الأفق

في مقال له على وكالة الأخبار الموريتانية المستقلة، قال المتخصص في الثروات الطبيعية، يربان الحسين الخراشي، إن مشروع ميناء مدينة الداخلة الجديد، الذي تقدر تكلفته بحوالي 1.1 مليار دولار، تسعى المغرب من وراء إنشائه إلى تحقيق عدة أهداف تنموية، وجيوسياسية بل حتى أمنية.

على رأسها الإفلات من كماشة "الكركرات"، والتواصل والتجارة مباشرة مع إفريقيا في سابقة لم يعرفها التاريخ المشترك لشعوب المنطقة، كما أن المشروع يعد استجابة طبيعية من المملكة على التنافس الإقليمي المحموم في ميدان النقل البحري.

يرى الخراش أن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي لا يخدم المغرب لوحدها بل تعول عليه الولايات المتحدة الأميركية في تنفيذ مبادرة "ازدهار إفريقيا"، التي تتخذ من المملكة مقرا لمكتبها.

إذ تعتزم رصد 5 مليارات دولار من الاستثمارات بالمغرب، وعبره إلى المنطقة خاصة إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما سيعزز من دور الرباط كبوابة للاستثمارات الأميركية في القارة. 

وأشار إلى أن العودة القوية لواشنطن إلى المنطقة عبر حليفها التقليدي المغرب قد لا تكون لأسباب تجارية واقتصادية فحسب بل وأمنية وجيوسياسية، وقد يمكنها الميناء من مراقبة متقدمة للدور الصيني، والروسي المتنامي في القارة. 

أفاد المقال بأن موريتانيا تقع على مفترق طرق المنطقة، ويمكنها استغلال الموقع الإستراتيجي لمنطقة نواذيبو الحرة المفتوحة على إفريقيا، والعالم العربي، وأوروبا.

 وذلك بربطها بمبادرة الحزام والطريق عن طريق إنشاء ميناء في المياه العميقة متعدد الأغراض، وبطاقة منافسة إقليميا مع إمكانية التوسيع مستقبلا عند الحاجة لتحويل المنطقة إلى ممر اقتصادي، ومنطقة تخزينية تصديرية أولا، وتصنيعية ثانيا تستهدف بشكل رئيس الأسواق الإقليمية ثم العالمية.

الصحفي الموريتاني، محمد سالم محمد، قال إنه لم يصدر لحد الآن أي تصريح رسمي أو شبه رسمي عن السلطات المغربية، بشأن لكويرة، معتبرا أن "الأمر لا يعدو لحد الآن فرقعة إعلامية تمارسها بعض الأذرع الإعلامية المغربية، في سعي للتشويش والإثارة.

وهذا نظرا لما يمكن اعتباره تذمرا مغربيا من ممارسة موريتانيا لسيادتها وقرارها المستقل بشأن النزاع في الصحراء الغربية، وكذا لفتح جبهة نقاش آخر تصرف المغاربة بعض الشيء عن ملف التطبيع المغربي الذي يمثل كبوة مؤلمة للتضامن العربي مع القضية الفلسطينية.

وذهب إلى القول في تصريح للاستقلال، "عموما موريتانيا لن تقبل بإقامة أي منشأة في لكويرة من المغرب ولا من غيره، لأنها منطقة موريتانية خالصة، وهذا الموقف الموريتاني الثابت، يتكرر التذكير به دائما وبوسائل واضحة، كلما حاول المغرب تجاوز الحقائق الماثلة".

وأضاف المتحدث: "عمليا فإن لكويرة ما هي إلا جزء من منطقة وادي الذهب، بما فيه مدينة الداخلة، التي هي أرض موريتانية بموجب اتفاقية مدريد، المعروفة، وإن كانت أحد الأنظمة العسكرية الحاكمة سابقا لموريتانيا قد تخلت وانسحبت من هذه الأراضي، نهاية السبعينيات، مما مكن المغرب من احتلالها وفرض سلطة الأمر الواقع".

وشدد سالم على أن "الوضعية الآن في منطقة لكويرة، وضعية خاصة، فهي منطقة موريتانية، ليست صحراوية ولا مغربية، ولا يمكن لأي طرف أن يقيم عليها أية منشأة إلا بإذن موريتاني، وهو ما لا يمكن توقعه، لأن لكويرة منطقة موريتانيا ومنصة مهمة للأمن القومي الموريتاني". 

تقدير "غير متوازن"

هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة "القاضي عياض"، بمدينة مراكش بالمغرب، قال إن ملك المغرب محمد السادس، دعا خلال أكثر من مناسبة، إلى إطلاق مشاريع استثمارية كبرى في الصحراء.

 كما أنه في سنة 2016، أي قبل أكثر من 5 سنوات، قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو المؤسسة الدستورية المتخصصة في إبداء الرأي حول السياسات العمومية والمساهمة في صناعتها وتقييمها، بإصدار تقرير يتضمن نموذجا تنمويا جديدا للأقاليم الجنوبية المغربية. 

وأوضح المتحدث لـ"الاستقلال"، أن في تشخيصه لسياسة الدولة في الصحراء، لاحظ المجلس المذكور أن الدولة تشجع الولاء القبلي وتعزز التماسك الاجتماعي عبر توزيع الإعانات المباشرة والوظائف العمومية على الصحراويين. 

واستطرد أستاذ العلاقات الدولية: "لكن ضرورة الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، والحد من فرص العمل المبالغ فيها داخل القطاعات الحكومية من ناحية، والتطورات الدولية التي عرفتها قضية الصحراء، خصوصا بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب عليها، من ناحية أخرى، كلها مؤثرات من الطراز الإستراتيجي".

هذه المؤثرات تحفز ضخ نفس جديد في سياسة الدولة في الصحراء، عبر عقلنة الدعم العمومي المباشر وتطوير البنية التحتية وبناء التجهيزات الأساسية، من أجل تشجيع القطاع الخاص على استغلال فرص الاستثمار التي يعج بها المجال الصحراوي، وفق قوله.

وأفاد برجاوي بأن تشييد التجهيزات الأساسية، من طرق سيارة وسكك حديدية وموانئ ومطارات،  وتوطين المرافق العمومية  الصحية والتعليمية وغيرها، أدوات تنفيذ رؤية جديدة حول الصحراء، تروم إدماجها في المنظومة الاقتصادية المغربية، بشراكة مع القطاع الخاص ومع الشركاء الدوليين للمغرب، وكذا إعطاءها دورا مهما في تنفيذ السياسة الإفريقية للمغرب. 

"أما الزعم بأن تشييد ميناء الداخلة، الذي أفصح المغرب عن نية بنائه قبل أحداث الكركرات بسنوات، قد يشكل تضييقا على ميناء نواذيبو الموريتاني"،  فيبدو تقديرا غير متوازن للوقائع، وفق قوله.

ورأى أنه، على العكس من ذلك، فإن ميناء الداخلة سيساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب وموريتانيا، كما أنه يشكل فرصة مناسبة لتعبئة وتعاضد موارد البلدين الجارين من أجل علاقات ثنائية مفيدة لكليهما.

مع أو ضد

بدوره اعتبر خالد الشيات أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة (شرق المغرب)، أن بناء ميناء الداخلة هو إستراتيجية وطنية خالصة، وقد أتى على لسان عاهل البلاد في أحد خطاباته منذ فترة.

ورأى أن الأمر يندرج ضمن الخطة الملكية لتنمية الأقاليم الجنوبية تم وضعها منذ سنوات في إطار النسق الاقتصادي المرتبط بالنسق السياسي في إطار تطبيق الجهوية الموسعة أو الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمغرب.

وأفاد المتحدث لـ"الاستقلال"، بأن المشروع هو داخلي ذاتي، يهدف إلى التوازن ما بين الجهات داخل المغرب، وتنمية هذه الأقاليم التي تعد من أهم المناطق إستراتيجيا، خاصة في تنفيذ وتنزيل الإستراتيجية المغربية في علاقتها مع الفضاء الإفريقي عموما.

رأى الشيات أن في العلاقات الثنائية مع موريتانيا، لم تعبر الأخيرة عن مسار متوافق مع الرباط، ليس على المستوى السياسي فقط بل الاقتصادي أيضا، إذ لم تعبر عن انسجام وتوافق وطموح للتنمية الاقتصادية المشتركة، والمغرب لا يمكنه أن ينتظر إلى ما لا نهاية أن تتحسن العلاقات وأن تكون في مستوى جيد.

يعتقد خبير العلاقات الدولية، أن المواقف السياسية لموريتانيا متوازنة وتصب في مصلحتها في علاقتها الإستراتيجية مع المغرب، الذي يعتبر امتدادا جغرافيا طبيعيا وجارا مباشرا، لكن تعاملها لم يرق إلى مستوى تطلعاته.

وأضاف: لا يخفى على أحد أن مشروع الاتحاد المغاربي يعرف ترهلا واندحارا، بل موتا سريريا، وبالتالي يراهن المغرب على الجانب الوطني الداخلي والتنمية المرتبطة بدولة مستقلة بعيدا عن الرهانات الإقليمية. 

لم تكن موريتانيا، بحسب المتحدث، مستقرة في علاقاتها مع المغرب إلا في محطات قليلة، وكثيرا ما توازنها بعلاقاتها مع الجزائر، وهذا أمر بحسب خبير العلاقات الدولية، "لم يعد يرضي المغرب بتاتا".

قال الشيات، إنه: في الإستراتيجية المغربية الإفريقية، تعتبر المعابر البرية مع موريتانيا مهمة في مرحلة أولية، لكنها قد تفقد هذه الأهمية على مستوى بناء هذه الموانئ، ما قد يجعلها تصبح مهمشة بناء على إستراتيجية الرباط.

لكن لم يستبعد الأستاذ الجامعي في الوقت نفسه، أن تكون محطة أساسية في هذا المسار، إذ يرتبط الأمر بفتح حوار جديد بين البلدين للتفكير الإستراتيجي العام وللعمل المشترك في القادم من السنوات، وهو أمر يبدو في يد موريتانيا بما أن هناك مجالا في هذه المرحلة على الأقل.

قبل أن يختم: وإلا فإن المغرب عازم على أن يمتد ويقيم سياساته بطريقة منفردة بعيدا عن أي شكل من أشكال التعاون عن الدول التي لم تعبر عن رغبتها في المشاركة في هذه السنوات التي تعد بانية ومحورية ومؤسسة لإستراتيجية مغربية عامة في إفريقيا وباقي دول العالم.