الضرب "تحت الحزام".. هذه أسلحة إدارة بايدن لمواجهة صعود تركيا

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الولايات المتحدة لا تعرف مع من تتعامل.. لسنا دولة (قبلية).. نحن تركيا".. عبارات حملت لهجة غضب واضحة، أطلقها مؤخرا الرئيس رجب طيب أردوغان؛ اعتراضا على نهج واشنطن "المتحامل" على أنقرة. 

في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتسع الهوة بين الدولتين، مع ارتجاج في علاقة كل منهما بالآخر، لا سيما أن واشنطن تحركت سلبا ضد أنقرة في مجموعة من الملفات الحساسة والإستراتيجية.

آخر هذه الملفات، اعتراف البيت الأبيض بما أطلق عليها "مذابح الأرمن"، ثم دعم واشنطن الفصائل الكردية المتمردة التي تصنفها أنقرة تنظيمات إرهابية، إضافة إلى العقوبات الأميركية المتتالية على شركات تصنيع السلاح التركية.

هذه المؤشرات تدل على أن سياسة الولايات المتحدة ضد تركيا "ليست إلا تحصيل" لصعودها على الساحة الإقليمية كأحد مراكز القوى في الشرق الأوسط، خاصة أن حكومة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم حققت داخليا وخارجيا عدة قفزات، تؤكد رسوخ قدم الأتراك، ورفعت في الوقت ذاته توتر علاقتها بالغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا.

أحداث الأرمن

في 24 أبريل/نيسان 2021، أغضب بايدن تركيا بوصفه "أحداث الأرمن" عام 1915، خلال عهد الدولة العثمانية بـ"الإبادة جماعية"، وهو تصنيف تجنبه الرؤساء الأميركيون خشية إحداث توتر في العلاقات مع تركيا التي تعد حليفا إستراتيجيا وتاريخيا للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وأحد أعضاء حلف "الناتو" البارزين. 

هذه الخطوة لها رمزية كبيرة في صياغة عقد العلاقات بين واشنطن وأنقرة، حيث تمثل تغيرا جذريا وواقعا جديدا لصدام بين النظامين بشأن عدد آخر من الملفات. 

لكن البعد الآخر الذي أثار تساؤلات متعددة حول تلك المسألة، أن حادثة "الأرمن" وقعت عام 1915، ضمن مشاركة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وأعقب ذلك التاريخ عدم اعتراف أي من رؤساء البيت الأبيض بأن ما جرى "إبادة جماعية"، فلماذا أقدم بايدن على هذه الخطوة؟

وقال الباحث غير المقيم في "المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية"، نيكولاس دامفورث، إن "الرؤساء الأميركيين السابقين تخلوا عن وعودهم الانتخابية بالاعتراف بالمذبحة حرصا على العلاقات مع تركيا". 

وأضاف في حديث نقلته وكالة "رويترز" البريطانية، أنه "في ظل تدهور العلاقات بالفعل لا يوجد ما يمنع بايدن من المضي قدما، حيث إن أنقرة لم يعد لها حلفاء في الحكومة الأميركية يضغطون ضد هذا، وواشنطن ليست قلقة من أن تثير غضب تركيا أكثر". 

وفي 29 أبريل/نيسان 2021، أعرب المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف عن قناعته بـ"وجود دوافع سياسية وراء قرار بايدن للاعتراف بإبادة الأرمن". 

وأرجع السبب تحديدا إلى أن "سيادة تركيا والتزامها بنهج التنمية السيادي يمثل موضع اهتمام متزايد وقلق لدى حلف الناتو والولايات المتحدة".

ورأى بيسكوف أن "النهج الحازم الذي يقود به أردوغان تركيا إلى الأمام لا يعجب واشنطن، وهي كانت تفضل التعامل مع تركيا مذعنة، لكن الأمر ليس كذلك.. هناك الآن تركيا مختلفة تقف بشكل ثابت على قدميها".

التنظيمات الكردية

الأزمات المفتوحة بين الإدارة الأميركية والتركية في اشتدادها، لم تقف على عنصر الأرمن فقط، حيث التنظيمات الكردية وتحديدا (YPG) و(PKK)، الذين مثلوا الوجه الآخر لمعادلة ضغط واشنطن على أنقرة وتحجيم أثرها.

ففي 1 مايو/أيار 2021، وقعت تلك التنظيمات المصنفة إرهابية، اتفاقا هو الأول من نوعه مع جماعة ضغط أميركية في العاصمة واشنطن. 

وأفاد موقع "فورين لوبي" الأميركي، المتخصص برصد أنشطة جماعات الضغط في الولايات، أن "التنظيمات الكردية المعادية لتركيا، وقعوا اتفاقا مع شركة (جيم دورنان للإستراتيجيات)، وأصبح نافذا". 

وكان بايدن قد بدأ أولى خطوات ولايته، تجاه الشرق الأوسط الملتهب، بإعلانه إعادة الدبلوماسي "بريت ماكغورك"، إلى منصب "كبير مديري مجلس الأمن القومي" لمنطقة الشرق الأوسط، وماكغورك من الساسة الأميركيين المعروفين بقربهم من التنظيمات الكردية، وحمله تباينات عميقة ضد سياسة أنقرة.

وأيضا هو على علاقة وثيقة بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، ووحدات حماية الشعب (YPG)، وكلاهما مصنفتين كمنظمات إرهابية لدى أنقرة التي خاضت ضدهما عمليات مسلحة متعددة، ومنعتهما من السيطرة على مناطق إستراتيجية على حدودها المتوترة.

لذلك استقبلت آنذاك وسائل الإعلام التركية، تعيين ماكغورك، بـ"شيء من الاستياء وعدم الترحيب".

وهو ما أعلن عنه بوضوح الكاتب التركي آيتونوتش إيركن في مقاله بصحيفة "سوزجو" بتاريخ 9 يناير/كانون الثاني 2021، تحت عنوان: "ماكغورك.. الذي يسلح وحدات حماية الشعب، يصبح مستشارا لبايدن".

سلاح العقوبات 

الصعود المخيف لتركيا في الصناعات الدفاعية، كان مقلقا للولايات المتحدة، لا سيما أنه بحسب دراسة معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، للعام 2020، فإن "أنقرة استطاعت بشكل كبير خفض إنفاقها على واردات الأسلحة، حيث انتقلت من ثالث أكبر مستورد بالعالم في الإطار الزمني 1995-1999 إلى المرتبة 15 ما بين 2015-2019". 

وأوضح المعهد أن "الصناعات الدفاعية التركية نمت بشكل كبير، خلال العقد المنصرم، حيث ازداد حجم صناعة الأسلحة من مليار دولار عام 2002 إلى 11 مليار دولار في 2020، لتفوق قيمة الصادرات 3 مليارات دولار، ما جعل تركيا تحتل المرتبة الـ14عالميا في حجم الصادرات الدفاعية".

مع ذلك التطور الهائل، أخرج حاكم البيت الأبيض ورقة قانون "كاستا" في وجه أنقرة، حيث فرض عقوبات على تركيا في ديسمبر/كانون الأول 2020، وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، إن "الحظر شمل جميع تراخيص وتصاريح التصدير الأميركية، لصالح إدارة الصناعات الدفاعية التركية". 

كما قضت العقوبات أيضا بتجميد الأصول الخاصة برئيس إدارة الصناعات الدفاعية، إسماعيل دمير، ومسؤولين آخرين، مع فرض قيود تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة عليهم.

هذه الإجراءات قابلها الرئيس التركي بـ"غضب كبير"، حيث وصفها في تصريح له يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، بأنها "اعتداء على السيادة التركية"، معتبرا أن "الهدف الأساسي هو قطع الطريق أمام القفزات التي بدأتها تركيا في الصناعات الدفاعية، حتى لا تعتمد على الخارج".

في نفس اليوم خرج رئيس الصناعات الدفاعية، دمير، أحد المستهدفين بالعقوبات الأميركية، وقدم تفسيرا لنهج واشنطن "العدائي" تجاه حكومة بلاده، قائلا: إن "مواقف الرئيس أردوغان الصارمة والمدافعة عن مصالح تركيا، ولدت انزعاجا لدى بعض القوى العالمية". 

وأضاف: "لقد أثبت بصموده أن تركيا ليست دولة تخضع للإملاءات". 

ورقة المعارضة 

عندما بدأ بايدن، يخوض غمار حملته الانتخابية ضد منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب في أغسطس/آب 2020، سعى إلى الحديث عن السياسة الخارجية المنتظرة في عهده، ووجه انتقادات لاذعة إلى تركيا، وبالأخص رئيسها أردوغان، ووصفه بـ"المستبد".

كما توعد بايدن بالتدخل في شؤون تركيا الداخلية والمحلية، من خلال دعم أحزاب المعارضة، في خطوة لتغيير الوضع القائم الذي لا يروق لصناع القرار الأميركي.

لم يمر الوقت طويلا، حتى صدم الشعب التركي، بتحقيق استقصائي أثار جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية، بعد أن سلط الضوء على العلاقة التي تربط واشنطن، بحزب الشعب الجمهوري (CHP)، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا.

ففي 9 فبراير/شباط 2021، نشر موقع "ساسة بوست" عن أنشطة " الشعب الجمهوري" وتحركاته في الولايات المتحدة، حيث كشف النقاب عن اجتماع ممثل الحزب في أميركا، يورتر أوزجان، مع وزارة الدفاع الأميركية بتاريخ 14 يوليو/تموز 2016، قبل يوم واحد من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا عام 2016.

التقرير الذي تداولته وسائل الإعلام التركية، وانتشر كالنار في الهشيم، رصد اتصالات أوزجان، وكذلك الارتباطات السياسية لبعض الشخصيات التي داوم حزب "الشعب الجمهوري" على التواصل معها. 

من أهم الشخصيات المذكورة في التقرير، الأكاديمي الأميركي والباحث المختص بالشأن التركي، هنري باركي، والذي تتهمه أنقرة بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وقالت صحيفة "يني شفق" بأنه متعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA).

وأصبحت قضية أنشطة "الشعب الجمهوري"، وعلاقته بلوبيات واشنطن، حديث الرأي العام التركي خلال الفترة الأخيرة، ما سبب امتعاضا شديدا لدى الولايات المتحدة، ودفع خارجيتها، لإصدار بيان في 11 فبراير/شباط 2021، أعربت عن "قلقها من ورود اسم باركي في التحقيقات الجارية بشأن الانقلاب، ووصفت الاتهامات ضده بأنها بلا أدلة".

وحول تلك الأزمات المتسارعة بين تركيا والولايات المتحدة، نشر مركز الجزيرة للدراسات، في 3 فبراير/شباط 2021، ورقة بحثية بعنوان "تحالف واشنطن وأنقرة: إما أزمة متجددة أو شراكة مستديمة".

واعتبرت الورقة البحثية أن "تركيا مختلفة أخذت في البروز خلال العقدين الماضيين.. أكثر ثقة بالنفس، تستلهم تاريخها الطويل، وتأمل في لعب دور أكبر في جوارها، وقد نجحت في بناء صناعة عسكرية متنوعة، جعلتها أقل حاجة لحلفائها الغربيين، وأكثر شعورا بالاستقلال". 

وأضافت: "رغم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها حاليا، فإن القاعدة الاقتصادية الصناعية التركية تؤهلها لاحتلال موقع متقدم بين دول الصف الثاني في العالم، وهذا ما فرض تغييرا ملموسا في طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة، ومع الكتلة الأطلسية ككل".