أرض بني شنقول.. هل تفقدها إثيوبيا بعد إنكار الاتفاقيات مع السودان؟

محمد السهيلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أعاد سجال إثيوبي سوداني بشأن الاتفاقيات التاريخية حول مياه النيل، آمال الخرطوم في استعادة أراضي إقليم "بني شنقول" التي يقام عليها سد النهضة، وكانت أرضا سودانية قبل نحو 119 عاما؛ وهو ما قد يحدث تغييرات بملف مياه النيل.

ومنذ 10 سنوات، يشهد إقليم وادي النيل، أزمة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، إثر بناء الأخيرة منذ العام 2011، سدا على النيل الأزرق المورد الموسمي والأكبر لنهر النيل والذي يبلغ ارتفاعه 509 أقدام وتصل تكلفته 4.8 مليارات دولار، حيث تتخوف دولتا المصب من فقدان حصصهما التاريخية بمياه أطول أنهار العالم.

عقد كامل فشلت خلاله مفاوضات الأطراف الثلاثة في حل الأزمة التي تفاقمت أحداثها مؤخرا مع إصرار أديس أبابا على ملء ثان لحوض السد بنحو 18.4 مليار متر مكعب في يوليو/تموز 2021، دون اتفاق مع دولتي المصب.

وترفض أديس أبابا أية وساطة دولية غير الاتحاد الإفريقي، بينما توجهت القاهرة والخرطوم في أبريل/نيسان 2021، بخطابات رسمية للأمم المتحدة تدعوها للتدخل وتكشف عن مخاوف البلدين من أخطار السد الإثيوبي.

مساومة على السيادة

ووسط سيل التصريحات والتصريحات المضادة، أغضبت وزارة الخارجية الإثيوبية، السودان بتصريح تنصلت فيه من الاتفاقيات التاريخية لمياه النيل الموقعة في القرن الـ20، والتي تتمسك بها القاهرة والخرطوم كأساس لمفاوضاتهما مع أديس أبابا حول مياه النيل.

المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، قال يوم 27 أبريل/نيسان 2021، إن "الاتفاقيات التاريخية لمياه النيل التي تتمسك بها دولتا المصب لا يمكن قبولها وغير معقولة"، منتقدا استخدام السودان ومصر لها "كنقاط مرجعية للتفاوض".

الرد السوداني جاء غاضبا في 30 أبريل/نيسان 2021، حيث قالت وزارة خارجيتها إن التنصل من هذه الاتفاقات يعني "المساومة على السيادة" على منطقة بني شنقول، والتي كانت تخضع لسيادتنا حتى اتفاقية 1902.

وأضافت في بيان أن "الادعاء الإثيوبي بكون الاتفاقيات ذات الصلة هي إرث استعماري هو مغالطة للحقائق التاريخية"، موضحة أن "إثيوبيا كانت دولة مستقلة وذات سيادة وعضوا بالمجتمع الدولي وقت إبرام تلك الاتفاقيات، بينما كان السودان خاضعا للاستعمار".

السجال هنا حول الاتفاقيات التاريخية بشأن مياه النيل، بداية من العام 1902 بين المملكة المتحدة ممثلة لمصر والسودان وبين إثيوبيا ووقعها ملك الحبشة، الإمبراطور منليك الثاني، والتي تمنع إثيوبيا من بناء محطات مائية عبر النيل الأزرق تؤثر على التدفق الطبيعي للنهر، فيما منحت السيادة على بني شنقول السودانية لإثيوبيا.

وعام 1929، وقعت مصر وبريطانيا، اتفاقية تقضي بعدم إقامة أي أعمال فوق النهر إلا باتفاق مسبق، وسرت اتفاقية ثالثة بالعام 1959، حول توزيع حصص المياه على دولتي المصب بواقع 74 مليار متر مكعب، (55 لمصر و18 للسودان)، كما وقعت أديس أبابا عام 1993، إطار تعاون مع القاهرة يقضي بعدم تنفيذ مشاريع للمياه تضر بمصالح الآخر.

حكاية بني شنقول

الباحث إيهاب عمر، كتب بحثا بعنوان: "تاريخ بني شنقول.. إقليم سوداني تحت الاحتلال الإثيوبي"، نشره بصفحة "المرصد المصري"، 26 أبريل/نيسان 2021، قال فيه إن "بني شنقول كانت تابعة للسودان ثم مصر قبل أن تقوم إنجلترا بسلخها وضمها لإثيوبيا".

وأكد أن المنطقة جزء من السودان، ولعبت دورا رئيسا بتاريخ سلطنة الفونج (1521-1804) السودانية، وسكانها قبائل سودانية يطلق عليها (برتا) أو (برثا)، هاجروا من شرق السودان لبني شنقول بالقرنين 16 و17.

وأوضح عمر أنه "بعد سيطرة العثماني محمد علي باشا على السودان، ضمت مصر بني شنقول لمحافظة خط الاستواء المصرية عام 1868، بالاتفاق مع زعماء القبائل بها".

وبين أنه "مع الاحتلال الإنجليزي لمصر والسودان، دخلت القوات الإثيوبية بني شنقول في 1898، واتفقت إثيوبيا والإدارة الإنجليزية للسودان عام 1902 على استئجار أديس أبابا للإقليم".

وأكد عمر، أن "الشنقوليين عانوا من الاحتلال الإثيوبي الذي يعتبرها دولة عربية مسلمة مصرية سودانية يجب إخضاعها ومحو ثقافتها، وفي 1931 بدأت أولى ثورات بني شنقول ضد الاحتلال الإثيوبي، وحتى اليوم".

سفير مصر لدى واشنطن معتز زهران، كتب بمجلة "فورن بوليسي" الأميركية، 29  أبريل/نيسان 2021، تحت عنوان: "وحدها واشنطن تستطيع إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن"، مخاطبا صانع القرار الأميركي والرأي العام الغربي، ومنتقدا تنصل إثيوبيا من الاتفاقيات التاريخية.

وقال زهران: إن "إثيوبيا تشوه سمعة السودان ومصر بالرواية المضللة التي تصف المخاوف بشأن سد النهضة على أنها متجذرة في الاستعمار، مدعية أن جيرانها يعارضون تنميتها ويحاولون فرض المعاهدات الاستعمارية".

واعتبر أن "إثيوبيا تستخدم هذا الوصف الخاطئ لتحويل الانتباه عن التزاماتها القانونية الدولية تجاه جيرانها، والتي تشمل المعاهدات الدولية التي وقعتها إثيوبيا جميعها، كدولة مستقلة أعوام 1902، 1993، و2015".

من جانبه، قال الدبلوماسي السوداني علي يوسف، لصحيفة "المصري اليوم" مطلع مايو/أيار 2021، إن "عدم اعتراف إثيوبيا باتفاقيات الحدود الاستعمارية يعطي السودان الحق باستعادة الأرض المقام عليها السد والتي تسكنها حتى الآن قبائل سودانية".

الباحث المصري علاء عواد، أكد أن تلويح السودان بسيادته على بني شنقول، يترتب عليه "توفير الغطاء القانوني لتحرك عسكري سوداني مصري لاسترداد الإقليم الذي منح لإثيوبيا بموجب اتفاقية أصبحت لا تعترف بها".

ولفت عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى أن ذلك يعد "دفعة معنوية لشعب بني شنقول وجبهته العسكرية التي تخوض معارك الاستقلال ضد إثيوبيا"، معتقدا أن "إقليم بني شنقول مقر سد النهضة سيصبح محور نهاية أحداث لعبة الحرب الدائرة منذ نهاية 2020، بين التحالف المصري السوداني ضد تحالف مليشيات أمهرة ورئيس إثيوبيا أبي أحمد والجيش الإريتري".
 

نقطة تحول

أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، وفي رؤيته لما قد يترتب على تلويح السودان بسيادته على بني شنقول، قال: "ربما يكون ذلك نقطة تحول للمطالبة بالإقليم، بعد إنكار إثيوبيا اتفاقية 1902، واختراقها لبنودها ببناء السد دون اتفاق".

وفي حديثه مع "الاستقلال"، يرى شراقي، أن "إثيوبيا تخطئ برفض الاتفاقيات التاريخية حول النيل، وأن غطرستها أوقعتها بمأزق"، مشيرا لـ"ضرورة استغلال" مصر والسودان ذلك الأمر.

الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، السيد أبوالخير، شارك شراقي، الرأي حول خطأ إثيوبيا برفض الاتفاقيات التاريخية، مؤكدا أنها "عقدت لتنظيم الانتفاع بمياه النيل، وتلتزم بها إثيوبيا بداية من بروتوكول العام 1891، حول حقوق مصر والسودان بالنهر، والمبرم مع إيطاليا صاحبة الولاية على الحبشة وقتها".

وأكد لـ"الاستقلال"، أن "إثيوبيا التزمت بهذا البروتوكول في خلافها مع الصومال، كما تمسكت باتفاقيات 1902، و1929، و1959، ما يعني كذلك حفاظها على حصص مصر والسودان التاريخية".

ويرى أن التصريح الإثيوبي فرصة للسودان للمطالبة بالإقليم، "بل ويترتب عليه آثار قانونية كاملة، ولا يمكن اجتزاء جزء من الاتفاق وتطبيقه دون الجزء الآخر"، مبينا أنه وفقا للقانون الدولي "يمكن للسودان اللجوء للأمم المتحدة لعمل حق تقرير مصير الإقليم، بمشاركة مصر؛ لأن الإقليم كان جزءا منها".

الأكاديمي المصري، أكد أنه "إذا توافرت الإرادة لمصر والسودان وهذا محل شك، فالرفض الإثيوبي للاتفاقيات التاريخية يمنح الغطاء لتحرك قانوني ودولي بل وعسكري سوداني مصري لاسترداد الإقليم".

وشدد على ضرورة دعم شعب بني شنقول، مشيرا إلى أن "الحركة العسكرية لبني شنقول، حركة تحرر وطني أوجب القانون الدولي على الدول مساعدتها سياسيا وإستراتيجيا ولوجستيا وحتى عسكريا".

لكن أبوالخير، شكك في "إقدام مصر والسودان على فعل شيء لإيقاف حتى الملء الثاني للسد"، معتقدا أن "كل ذلك رسائل للداخل المصري والسوداني لا تتعدى الحدود".

من جهته، قال الخبير في الشؤون الإفريقية، مصطفى الجمال: إن "الحجج القانونية تدخل حيز السجال الإعلامي، ولا قيمة لها إلا إذا ترجمت على الأرض حتى لو سلم بها المجتمع الدولي"، مشيرا إلى "عائق آخر وهو أن النظام السوداني منقسم ويخشى تبعات غضب أميركا وإسرائيل".

وقلل الجمال في حديثه لـ"الاستقلال"، من "قيمة أي خطوة سودانية قانونية للمطالبة بأرض بني شنقول"، مؤكدا أن "الاتحاد الإفريقي يعطي قدسية للحدود الاستعمارية؛ ولو انتظر السودان حكم محكمة دولية بأحقيته بالإقليم بعد سنوات سيكون السد اكتمل".

ويرى أنه "لم يعد هناك مجال للقانون، والكلمة للقوة والتهديد باستخدامها، وحتى الحل الأميركي لأزمة مياه النيل مرتبط بموازين القوى وجدية التهديد بها".

واعتبر الجمال، أن "إثيوبيا أخطأت بإنكار الاتفاقيات التاريخية، لكن رد الفعل السوداني بأحقيته ببني شنقول لن يدفع أديس أبابا للتخلي عن إنكارها، فهي مستهترة بكل شيء لأنها تتصور أنه بعد أسابيع سيكون زمام كل الأمور بيدها".

فوضوية واضطراب

وعلى نفس المنوال، سار الباحث والمحلل السياسي السوداني عباس محمد صالح، معلنا أن "الرد السوداني يعكس مدى الفوضوية والاضطراب التي تسيطر على صناعة قرارات السياسة الخارجية، وبالتالي التسرع بحرق أوراق القوة عند لحظات التفاوض الحقيقي، بما في ذلك قضية بني شنقول".

وفي حديثه مع "الاستقلال"، يعتقد صالح أن "طرح هذه القضايا في الأساطير عبر الأسافير، وليس بالكواليس والقنوات الدبلوماسية المتاحة، خاصة التحركات الدولية تجاه التوترات بملفي السد والحدود مع إثيوبيا؛ هو محض جهل دبلوماسي خطير".

الباحث السوداني، يظن أن تصعيد الخرطوم بشأن ملف بني شنقول "لن يؤثر كثيرا بتغير الموقف الإثيوبي بقدر ما يعقد العلاقات الثنائية وغيرها، بملف السد وقضايا التعاون المشترك مستقبلا".

ويرى أنه "كان بالإمكان تحدي التعاطي الإثيوبي الانتقائي مع (الاتفاقيات الاستعمارية) داخل أوراق التفاوض، وتحديدا إعادة تحديد مبادئ التفاوض وإنهاء الاحتكار الإثيوبي له، وكذلك فرض أجندة عملية التفاوض بكل الملفات؛ وهنا -فقط-  يمكن للسودان المطالبة باستعادة بني شنقول".

واعتبر صالح أن "هذه التصريحات لن تمنح أي غطاء أو شرعية لتحركات السودان ومصر، بعمل سياسي أو عسكري، إذ سيكون سقف هذه التحركات محكومة بالمناورات الإثيوبية ما لم ينجحا بتفكيك تلك المناورات، ومن ثم الحصول على الدعم الدولي اللازم".

من جانبه، قال الكاتب والباحث الإثيوبي عبدالرحمن يوسف: إن "التصريحات السودانية تندرج في إطار النهج التصعيدي الذي تتبعه الخرطوم، وهي محاولة لخلط الأوراق، وإدخال قضايا الحدود ضمن قضايا المياه واستخداماتها".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، جزم يوسف بأن "السد وبني شنقول، قضيتان منفصلتان تماما، ولا يمكن ربطهما بأي حال؛ وإلا فالسودان سيكون الخاسر الأكبر، فكثير من أقاليمه إنما ضمت للسودان الحالي بعهد الاستعمار، كما أن مبادئ الاتحاد الإفريقي واضحة في الحفاظ على الحدود التي وضعها المستعمر".

ولكن النقطة الأهم، وفق الباحث الإثيوبي، هي أن "أديس أبابا لم تتنصل في الأساس من أي اتفاق، لأنها ليست طرفا بتلك الاتفاقيات التي تصفها إثيوبيا بأنها استعمارية، والتي أعطت مصر والسودان حق احتكار مياه النيل وحق الاعتراض على بناء المشاريع في دول المنابع".

ويرى أن "اتفاقية 1929، كانت بين بريطانيا ودول المنابع الاستوائية، واتفاقية 1959، بين مصر والسودان، وإثيوبيا أعلنت عدم اعترافها بتلك الاتفاقيات منذ إبرامها، ووجهت رسائل بذلك للأمم المتحدة".

وقال يوسف: "ولعل السودان يشير لاتفاقية 1902، والتي ورد فيها بند يتعلق بالتزام إثيوبيا بعدم بناء أي منشأة توقف تدفق النهر؛ أقول إن هذا البند أيضا لا يمنع إثيوبيا من حق استخدام مياه النيل الأزرق، وإثيوبيا ملتزمة بهذه الاتفاقية ولم تتنصل منها".

وأضاف: "لن يستطيع أحد إيقاف تدفق النيل الأزرق، وسد النهضة مشروع كهرومائي يولد الكهرباء بتمرير المياه، كما أن السد صمم بطريقة تسمح بتدفق المياه طوال العام عبر البوابتين اللتين تم الانتهاء منهما مؤخرا". 

وختم يوسف حديثه بالقول: إن "محاولة خلط الأوراق بهدف الإبقاء على الاتفاقيات الاستعمارية الاحتكارية لم يعد ممكنا، بل المعادلة الكسبية التي تكفل لجميع الدول حق الانتفاع من مياه النيل هي الطريق الأمثل للوصول لحل مرض لكافة الأطراف".