مجلة أميركية: ولادة "جيل جديد" من المتظاهرين العرب.. هذه سماته

12

طباعة

مشاركة

قالت مجلة أميركية إن عددا من دول الربيع العربي "شهدت ولادة جيل جديد من المتظاهرين والناشطين الراغبين في تغيير المعادلة السياسية في بلدانهم من الداخل بعد سنوات من الوقوف على الربوة".

وأوضحت "ذا أتلانتك" في تقرير لها، أنه "بعد 10 سنوات من اندلاعها يمكن الحديث عن فشل الانتفاضات العربية حتى الآن، حيث لا تزال الديمقراطية بعيدة المنال في الشرق الأوسط، فيما يزداد ترسخ الديكتاتوريين في الحكم  بعد أن دمرت الحروب بلدانا بأكملها".

وفيما يبدو الوضع قاتما في هذه الدول، يؤكد الكاتب المساهم في المجلة، كيم غطاس، الزميل الأول غير المقيم في مؤسسة "كارنيغي" الدولية، أن هناك "بصيص أمل، إذ ظهرت مجموعة جديدة من المتظاهرين والناشطين إلى الشوارع منذ عام 2019، في أماكن مثل العراق والسودان ولبنان". 

وأضاف أن "هذا الجيل الجديد قد تعلم درسا رئيسا من أسلافه، وأهم هذه الدروس هو أنه يمكن للثورة أن تساعد في إسقاط النظام، لكنها لا تستطيع بناء دولة".

وأصبح الجيل الجديد من المتظاهرين أكثر تنظيما، حيث بدأ استكشاف السياسة والقوانين الانتخابية، والتخطيط للدولة التي يحلم الشباب ببنائها، دولة تخدم المواطنين وليس الحكام، وفق غطاس.

وتابع: "الأهم من ذلك أن هؤلاء المتظاهرين تعلموا من انتكاسات عام 2011 أن ما ينتظرهم هو جهد طويل وليس هرولة سريعة للفوز في انتخابات واحدة".

جيل صاعد

وفيما بواجه المعارضون والناشطون في كل أنحاء العالم تحديات معتادة، يواجه الناشطون في العالم العربي خطر المطاردة الأمنية أو إطلاق النار عليهم في الشوارع أو حتى في منازلهم، وكذلك الاختطاف أو الموت في السجن رجالا ونساء على حد سواء.

وأكد غطاس أنه "في جميع أنحاء العالم العربي، يتم استهداف وتدمير جيل صاعد من القادة الجدد الواعدين، الذين يمكن أن يلعبوا دورا في بناء مستقبل بلدانهم".

وشدد على أن "جزءا كبيرا من هذا الوضع يعود إلى ثقافة الإفلات من العقاب التي سادت المنطقة منذ فترة طويلة، والتي يحفزها جزئيا الدعم الغربي المستمر منذ عقود للديكتاتوريين".

ولفت الكاتب إلى أن "الاستقرار الذي وفره هؤلاء الدكتاتوريون ظاهريا كان وهما قائما على القمع والتعذيب، مما أدى إلى تغذية الغضب والتطرف والهجرة".

وقال غطاس: "بينما تضع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سياستها في الشرق الأوسط، يجب أن تولي اهتماما وثيقا لهؤلاء المتظاهرين والحركات السياسية الناشئة، ليس فقط كجزء من أجندة حقوق الإنسان التي تناصرها الإدارات الأميركية المتعاقبة، وليس في محاولة لتشجيع تغيير النظام، ولكن لأن هذه المظاهرات أشبه بحركة الحقوق المدنية".

وتابع: "ذلك أن هؤلاء المتظاهرين والناشطين لا يطالبون بالثورة كما فعل المتظاهرون عام 2011؛ بل يطالبون بالإصلاحات ووضع حد للفساد والطائفية، وليس أبسط دليل على ذلك أن هتافات المتظاهرين الداعية إلى ضمان سيادة القانون والعدالة تردد صداها في جميع أنحاء البلاد من أكتوبر/تشرين الأول 2019".

ويروي غطاس "في مارس/آذار 2011، وبعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك مباشرة، سافرت إلى القاهرة مع وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون، بعد  جولة في ميدان التحرير، جلسنا مع الثوار الشباب الذين أسقطوا مبارك".

وعندما سألت كيلينتون هؤلاء الشباب كيف يستعدون للانتخابات البرلمانية المقبلة، ذهلت من إجابتهم حين قالوا لها إنهم  ثوار، لم يمارسوا السياسة قط، لقد كانوا مقتنعين بأن زخم الثورة سيقودهم إلى النصر في صناديق الاقتراع".

واعتبر أن هؤلاء "خسروا، أولا أمام جماعة الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما، ثم أمام الدولة العميقة الراسخة، مع تولي رئيس النظام عبد الفتاح السيسي زمام الأمور في انقلاب عام 2013".

وذكر التقرير أن "إجابة شباب الثورة في مصر تبدو ليست غريبة، فلطالما كانت السياسة في العالم العربي أمرا منبوذا أخلاقيا".

وأوضح أنه "في الجزائر والعراق ومصر وسوريا، يتطلب الانخراط في السياسة عموما أن تكون متعاونا مع الديكتاتور، وبناء علاقات مع الأقوياء، والركوع والإذعان لانتهاكاتهم، وفسادهم، ورفع شعارات فارغة عن المعارك الجيوسياسية التي لا تزيد الناخبين إلا جوعا، و لذلك فإن أي شخص نزيه سيبقى بعيدا عن السياسة".

متعطشون للتغيير

وقد جمعت ورشة عمل في مارس/آذار 2021 نظمتها مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي، ناشطين من دفعة 2011 و2019، من مصر وليبيا وسوريا ولبنان والعراق وتونس والجزائر، وخلال مناقشة افتراضية شارك هؤلاء تحدياتهم المشتركة ودروسهم من العقد الماضي.

ويبدو أن تجاربهم السابقة قد غيرت الكثير حول نظرتهم للمستقبل ولدورهم في بناء الدولة في أوطانهم، وقبلوا فكرة أن محاولة تغيير النظام من الخارج كثوار، لن تنجح وأن الإصلاح "لن يتحقق إلا بالدخول في اللعبة السياسية".

ولكن عددا من التحديات تواجه هؤلاء الشباب المتعطشين للتغيير، إذ سيجدون أنفسهم "مجبرين على المشاركة والتحرك في دائرة نظام فاسد  يتم فيه التلاعب بالقوانين الانتخابية ومحاباة مرشحي النظام، كما يتم إلغاء الانتخابات أو تأجيلها لمجرد نزوة في هذه الدول، ويتعرض المرشحون المستقلون للمضايقة ويتم تصفية الكثير منهم، وفق المجلة الأميركية. 

ولا يوجد طرف واحد يتحمل مسؤولية عمليات القتل والسجن والقمع التي تعرضت لها هذه الفئة الجديدة من الناشطين في الشرق الأوسط، وفق التقرير.

وفي العراق ولبنان، تقف الميليشيات المرتبطة بإيران والخارجة عن سيطرة الدولة وراء جرائم القتل، وخلال احتجاجات العراق التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، قتل ما لا يقل عن 500 متظاهر بالرصاص، بعضهم برصاص قوات الأمن، لكن العديد منهم برصاص قناصة ورجال يرتدون ملابس مدنية سوداء وأقنعة. 

وفي 2020، قتل ما لا يقل عن 30 من الناشطين البارزين وممثلي المجتمع المدني في العراق.

كما عادت موجة الاغتيالات في لبنان، بجهد ممنهج لاستهداف المفكرين التقدميين والسياسيين والصحفيين، مما أدى بشكل فعال إلى قطع رأس القيادة السياسية الناشئة التي يمكن أن تقدم بديلا  بعد سنوات من الاحتلال السوري وتتحدى إيران ودورها في البلاد.

ولا تزال الاغتيالات مستمرة حتى يومنا هذا، وحتى لو أرادت ذلك، لا تستطيع الولايات المتحدة حماية كل ناشط من القتلة المحتملين في بلد مثل العراق أو لبنان، تقول المجلة الأميركية.

وفي أماكن أخرى، في ظل أنظمة أكثر ديكتاتورية مثل تلك الموجودة في سوريا ومصر، كان العنف والاختفاء القسري في الغالب من عمل الدولة.

وبنفس الطريقة تتعامل المليشيات مع أي شخص يفكر أو يعمل بشكل مستقل في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد في سوريا.

لقد تحولت مصر إلى "جمهورية خوف" في عهد السيسي، حيث يقبع 60 ألف سجين سياسي في السجن، بمن فيهم ناشطون علمانيون ومفكرون إسلاميون، بالإضافة إلى صحفيين ومشرعين سابقين، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، تقول "ذا أتلانتك".

ضغط الشارع

ويتطلب السعي وراء المساءلة مسارا مختلفا في كل حالة، ففي العراق ولبنان، يكاد يكون من المستحيل ملاحقة الميليشيات ما لم تجد الدولة طريقة لفرض سلطتها.

أما تحقيق العدالة في الدول ذات النظم القضائية الفاسدة فإنه أمر محبط، لذلك يلجأ الناس إلى محاكم خارج الوطن العربي، إما بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، أو بالاستناد لجنسية الناشطين أو مكان إقامتهم.

ومع ذلك، فإن كل هذه الجهود لبناء الحوكمة في هذه الدول ما بعد الحكم الاستبدادي ستذهب هباء ما لم تتحرك واشنطن من أجل صياغة رؤيتها للمنطقة وفهمها لما يمكن أن يحقق استقرارا دائما في هذه الدول، بحسب المجلة الأميركية.

لكن هناك بعض العوامل قد تغذي الأمل، فعلى سبيل المثال، قد تؤدي التغييرات في القوانين الانتخابية في العراق إلى انتصارات صغيرة للمرشحين الشباب ذوي العقلية الإصلاحية في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وخلال ورشة عمل "كارنيغي"، تحدث محمد علوية، وهو طبيب أسنان من النجف وناشط في الاحتجاجات، عن ضرورة تشكيل أحزاب سياسية وطنية غير طائفية جديدة تجمع العراقيين من جميع أنحاء البلاد بعيدا عن الانقسام الطائفي، مما قد يولد "حماسا جديدا وإقبالا أكبر للناخبين".

وفي لبنان، هناك ما لا يقل عن 12 جماعة معارضة جديدة نشأت بعد سنوات من الاحتجاجات تستعد بنشاط للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها العام المقبل.

ورغم أنهم ما زالوا يكافحون من أجل تقديم جبهة موحدة ضد مؤسسة سياسية راسخة وفاسدة تتكون في جزء من أمراء الحرب السابقين وحزب الله، إلا أن اندفاعهم واعد ويتضمن أول جهد على الإطلاق، لهؤلاء الناشطين والمتظاهرين لتقديم أنفسهم كبديل سياسي ومحاولة تغيير الوضع في بلدهم.

وفي السودان، تبدو الأمور مبشرة لكنها هشة، فقد أجرت الحكومة الانتقالية المدنية العسكرية تغييرات ملحوظة، بما في ذلك إلغاء 30 عاما من الشريعة الإسلامية، وبالتالي فصل الدين عن الدولة، وتعيين أول امرأة في البلاد رئيسة للقضاة.

ورغم عدم وجود احتجاجات في السودان عام 2011، إلا أن المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في 2018 وأطاحوا بعمر البشير كانوا جزءا من عملية التغيير الأكبر في المنطقة، حيث تعلموا من الثورات السابقة.

وفي منتدى افتراضي نظم مؤخرا، تحدث ناشطون في لبنان مع ثوار سودانيين للتعلم من تجربتهم.

وخلال مناقشة كارنيغي، تأرجح الباحث الجزائري الشاب بجامعة جلاسكو البريطانية، زين العابدين غبولي، بين خيبة أمل لم تحققها احتجاجات 2019 بعد، والأمل في أن تكون هذه بداية لعملية التغيير.

وقال غبولي: إن "ضغط الشارع قد يجبر الدولة على تقديم بعض التنازلات لكنه لن يغير النظام.. لقد انتظرنا في كثير من الأحيان أن يأتي الحل من الخارج وربما من دول عربية أخرى أيضا، لكنها لن تفعل ولسنا في حاجة إليها، إذا كنا قادرين على المطالبة بالحرية، فنحن قادرون على بناء دولنا".

لكن التقرير يؤكد أنه "للقيام بذلك، سيحتاج هذا الجيل أولا إلى البقاء على قيد الحياة!".