سابقة تاريخية.. ماذا وراء وصول 3 طائرات روسية من إسرائيل إلى سوريا؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في سابقة تاريخية تحدث لأول مرة منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948، حطت على الأراضي السورية خلال أسبوع فقط، ثلاث طائرات روسية قادمة من مطار بن غوريون الإسرائيلي في تل أبيب، حيث استقرت في قاعدة حميميم العسكرية بريف مدينة اللاذقية.

وفي نهاية أبريل/ نيسان 2021، رصدت مواقع تتبع حركة الطائرات أن جميع الطائرات الروسية التي وصلت إلى تل أبيب كانت قادمة من العاصمة الروسية موسكو، لتكمل طريقها في ذات اليوم إلى مطار حميميم الذي تتخذه القوات الروسية مقرا رئيسا لها في سوريا.

وكتب الصحفي الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية آفي شارف، تغريدة على "تويتر" في 27 أبريل/ نيسان 2021، إن "طائرة روسية أقلعت من تل أبيب إلى اللاذقية، وأنه توجد رحلة أخرى مباشرة من هناك إلى نفس الوجهة بعد ثلاثة أيام من اليوم".

وكان موقع "ذا وور زون" (The war zone)، المختص في التحليلات العسكرية، رصد أعمال توسيع لمدرجي الطيران الرئيسين في القاعدة. 

وقال الموقع، في 5 من فبراير/ شباط 2021، إن صور الأقمار الصناعية التي حصل عليها لموقع قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا تظهر استمرار العمل لتوسيع أحد مدرجيها الرئيسين بحوالي 1000 قدم (305 أمتار).

وأوضح أن ذلك سيسمح بدعم المزيد من عمليات النشر المنتظمة للطائرات الأكبر والأكثر حمولة، بما في ذلك الرافعات الجوية الثقيلة وحتى القاذفات المحتملة. 

ووقعت موسكو مع النظام السوري، في 2017، عقد إيجار جديد طويل الأجل للقاعدة لمدة 49 عاما، فضلا عن عقد مماثل في مرفأ طرطوس، قدمه رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

دلالات عدة

الرحلات القادمة من إسرائيل، أثارت تساؤلات بخصوص دلالاتها، ولا سيما أنها تأتي قبل أقل من شهر على انتخابات الرئاسة التي يعتزم النظام السوري إجراءها في 20 مايو/ أيار 2021، وكذلك عقب تقارير أشارت إلى احتمالية لجوء النظام إلى التطبيع مع إسرائيل.

تعليقا على ذلك، قال الخبير العسكري والإستراتيجي السوري العقيد المعارض، أحمد حماد، إنه "منذ اليوم الأول للدخول الروسي عسكريا وبشكل مباشر في سوريا لصالح الأسد أقيم خط ساخن بين حميميم وتل أبيب وكان هناك تنسيق بين الطرفين وإعلام الجانب الروسي بزمن الغارات الإسرائيلية قبل حدوثها".

ورأى حماد في حديث لـ"الاستقلال" أن "الرحلات الجوية اليوم تعبر عن تنسيق جديد وربما تهدف لخلق علاقات بين النظام وإسرائيل، لأن الروس يهمهم استقرار أوضاعهم في سوريا وضمان أمن قواتهم حتى يستثمروا في سوريا من كل النواحي، وأن البوابة الإسرائيلية تشكل لهم رافعة عالمية لذلك".

وتابع: "ربما يبحث الروس عن رفع العقوبات المفروضة على النظام من هذا الباب، ولا أستبعد أن تكون هناك علاقات علنية بعد العلاقات السرية على غرار ما حدث مع دول عربية طبعت مع كيان الاحتلال".

من جهته، قال الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، إن حركة الطائرات الروسية ما بين تل أبيب واللاذقية، تحمل وجهات نظر وتحليلات عديدة، وإن كانت كلها تهدف إلى مساعدة النظام لكن تبقى الأفكار الروسية والثمن الذي سيدفعه النظام غير واضحين.

وأضاف بربندي خلال تصريحات صحفية في 30 أبريل/ نيسان 2021، أن حركة الطائرات إن كانت تحمل مهمة تطبيع بين نظام الأسد وإسرائيل، فإن هذا الأمر غير وارد بوجود إيران.

إضافة إلى أن تل أبيب إن أرادت التطبيع مع الأسد فإنها ستضع شروطا أبرزها نسيان ملف الجولان المحتل، وإخراج إيران من سوريا أو حتى احتواء نفوذها، وهذا أمر لا يستطيع الأسد أو الروس الإقدام عليه أو التعهد به.

الأمر الآخر، بحسب الدبلوماسي السوري السابق، هو أن حركة الروس بين سوريا وإسرائيل قد تكون محاولة تعويم لنظام بشار الأسد عربيا وأميركيا عبر البوابة الإسرائيلية.

غير أن هذا السيناريو أيضا يصطدم بطهران كون الدول العربية مشكلتها في سوريا هي إيران التي باتت قاسما مشتركا فيما بينها إضافة إلى إسرائيل.

واعتبر الدبلوماسي السابق بسام بربندي، أن التحرك الأميركي الإسرائيلي الأخير بإنشاء لجنة مشتركة مهمتها متابعة ملف إيران الصاروخي في المنطقة، لن يقتصر على سوريا وإنما المنطقة بكاملها، وهذا يبين صعوبة تنفيذ ما تصبو إليه روسيا من تعويم الأسد من البوابة الإسرائيلية.

"التحضير لشيء"

أما المصادر الإسرائيلية، فقد توقعت أن التحركات الروسية ربما تخفي وراءها أحداثا وتغييرات قادمة ستشهدها سوريا والمنطقة عموما.

 إذ يقول المحلل السياسي الإسرائيلي شمعون آران، خلال تغريدة على "تويتر" في 27 أبريل/ نيسان 2021 إن "تلك التحركات الغامضة تدل على أن شيئا سريا يحدث بعيدا عن الأضواء في سوريا".

وفي السياق ذاته، قال الصحفي الإسرائيلي المتخصص بمجال الطيران إيتاي بلو منتال خلال تصريحات صحفية في 28 أبريل/ نيسان 2021 إن "الطائرة تحمل شخصيات كبيرة ورفيعة"، غير أنه لم يشر إذا ما كانت الشخصيات روسية أم إسرائيلية أم من كلا الجانبين.

بدورها أوردت صحيفة "هآرتس" في 28 أبريل/ نيسان 2021 أن الطائرات الروسية التي تنتقل بين إسرائيل واللاذقية، تحمل على متنها شخصيات سياسية روسية كبيرة، دون الكشف عن طبيعة المهمة التي يحملها السياسيون الروس في رحلاتهم بين تل أبيب واللاذقية.

في المقابل، اعتبر الصحفي أحمد دراوشة، خلال تصريحات صحفية في 30 أبريل/ نيسان 2021 أن "الرحلات الجوية بين تل أبيب واللاذقية، هي نقطة فارقة، إذ رصدت ثلاث رحلات في غضون أسبوع".

ورجح دراوشة أن الروس قد يجعلون خط سير طائراتهم من موسكو إلى تل أبيب فاللاذقية، وهذا شيء مستغرب عمليا، لافتا إلى أن "الترشحات تشير إلى أن الطائرات الروسية تنقل عسكريين كانوا قادمين إلى تل أبيب".

وتابع: "وهذا يطرح تساؤلا: لماذا يزور العسكريون الروس إسرائيل ومن ثم سوريا؟، وهذا يرجح أن تل أبيب رصدت تحركا إيرانيا غير طبيعي ومن المحتمل أنها تتواصل مع الروس بشأنه".

ولفت إلى أن "الأسئلة المطروحة هي أكبر من الإجابات، هل الأمر يقتصر على تحرك سياسي إسرائيلي مع نظام الأسد، خصوصا أن الرحلات الجوية لم يتم الإعلان عنها من إسرائيل أو سوريا وروسيا".

ونوه دراوشة إلى أن "الرحلات لم تعد إلى تل أبيب، وإنما كان خط مسارها تل أبيب اللاذقية، وهذا يشير إلى أن الرحلات لم تكن تحمل وفودا إسرائيلية، مما يشير إلى أن الرحلات حملت ضباطا ومسؤولين روسيين فقط".

استكمال اللقاءات

وربطت تقارير الرحلات الجوية بين تل أبيب واللاذقية باللقاءات السابقة التي عقدها النظام مع مسؤولين إسرائيليين برعاية روسية في قاعدة حميميم، إذ تدرك روسيا أنه "لا يمكن تجاوز إسرائيل في أي تسوية للملف السوري".

وفي يناير/ كانون الثاني 2021، كشفت تقارير صحفية أن قاعدة حميميم الجوية احتضنت اجتماعات ضمت مسؤولين سوريين وشخصيات أمنية إسرائيلية برعاية روسية، في خطوة أثارت لغطا كبيرا.

وفي تفاصيل اللقاء، كشف مركز "جسور" السوري المعارض للدراسات، في 18 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "قاعدة حميميم شهدت في ديسمبر/ كانون الأول 2020، لقاء جمع بشار الأسد بمسؤول أمني إسرائيلي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي".

وأوضح التقرير الذي أعده مدير المركز محمد سرميني، أن "اللقاء حضره من الجانب السوري رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، ومستشاره الخاص للشؤون الأمنية والإستراتيجية اللواء بسام حسن".

ومن الجانب الإسرائيلي، حضر الجنرال غادي إيزنكوت من رئاسة هيئة الأركان، والجنرال السابق في الموساد آري بن ميناشي، وبحضور أليكساندر تشايكوف قائد القوات الروسية في سوريا، حسب التقرير.

ولفت إلى أن "الأسد عرض في اللقاء مطالب عدة، أبرزها العودة لجامعة الدول العربية، والحصول على مساعدات مالية لسداد الدين الإيراني، وبالتالي فتح المجال لنظامه لإخراج إيران من سوريا".

كما عرض الأسد أيضا دعمه لتثبيت حكمه، وإعادة العلاقات مع المحور السني العربي، ودعم نظامه اقتصاديا، ووقف العمل بالعقوبات المفروضة على سوريا وإيقاف قانون العقوبات "سيزر" (قيصر)، وفق التقرير.

وفي المقابل، طلب الجانب الإسرائيلي تفكيك ما يسمى بـ"محور المقاومة والممانعة"، وإخراج إيران وقوات حزب الله اللبناني وكامل المليشيات الأجنبية من سوريا بشكل كامل.

كما طلبت تل أبيب أيضا "تشكيل حكومة بالمناصفة مع المعارضة السورية، وإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية السورية بشكل كامل، وإعادة الضباط المنشقين بضمانة روسية أميركية إسرائيلية، وفقا للتقرير.

وأكد سرميني أنه رغم أن هذا اللقاء الأولي الذي لم ينته إلى اتفاقات محددة، إلا أنه يشكل بداية لمسار تدفع روسيا باتجاهه بقوة، ويعتقد أنه سيشهد توسعا كبيرا في عام 2021.

ويقول إن موسكو ترى أن بناء علاقة مباشرة بين نظام الأسد وتل أبيب يمكن أن يشكل طوق النجاة للنظام، وبالتالي لمسعاها في الحصول على الاعتماد الدولي لمشروعها بشأن الحل السياسي في سوريا.