محاولات جديدة.. هل تنجح السعودية وإيران في تطبيع العلاقات؟

12

طباعة

مشاركة

شكل كل من السعودية وإيران ركائز السياسة المزدوجة التي طورتها الولايات المتحدة لحصار السوفييت في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة. 

بقيت السعودية حليفا تقليديا للولايات المتحدة منذ عام 1932، أما نظام الشاه في إيران الذي كان حليفا لواشنطن أيضا فقد انهار مع ثورة عام 1979.

لتتغير بعدها سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتتغير العلاقات الأميركية الإيرانية والعلاقات السعودية الإيرانية، وفق ما تقول وكالة الأناضول في مقال للكاتب محمد رقيب أوغلو.

فبعد الثورة، اتخذ النظام الإيراني الذي وصف الولايات المتحدة بـ"الشيطان الأكبر"، موقفا مضادا لها فضلا عن حلفائها. 

وأصبحت السعودية عدو طهران لأنها تمثل "دمية" الولايات المتحدة ومركز الحركة الدينية (الوهابية) ضد عقيدة النظام (شيعة الإثني عشرية) بنظر إيران. 

وبالمثل كان الأمر بالنسبة للسعودية، فقد شكل النظام الجديد في إيران تهديدا أمنيا عليها، بحسب الكاتب.

وأردف قائلا: إن تصميم إيران على نشر الثورة بين الشيعة في الرياض والخليج، وتبنيها لها في الصراعات العسكرية بعد الثورة أثر سلبا على العلاقات السعودية الإيرانية. 

حتى أن بعض الخبراء الإقليميين وصفوا التنافس بين البلدين الذي بدأ بعد عام 1979 بأنه "الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط".

التعاون والمنافسة

وقال رقيب أوغلو: "رسمت العلاقات بين البلدين مسارا متعرجا على مدى التاريخ".

 فقد بدأت بذور التنافس في النمو بين البلدين بعد تحول الصفويين من المذهب السني إلى المذهب الشيعي في القرنين السادس عشر والسابع عشر واعتماد السعودية للمذهب الوهابي في القرن الثامن عشر. ومع ذلك كان التعاون يتخلل هذا الصراع من حين لآخر.

وأوضح ذلك بالقول: بعد وفاة (المرشد الأعلى) آية الله الخميني عام 1989، حدث تطور إيجابي في العلاقات. فقد أرسلت السعودية مساعدات إنسانية عقب الزلزال الذي ضرب إيران في يناير /كانون الثاني 1990.

 وأقيمت علاقات دبلوماسية بين طهران والرياض في عام 1991 بعدما أعلنت الولايات المتحدة الحرب على العراق، ودشنت العداء على إيران والسعودية. 

وتابع: أما في عام 1997، فقد التقى الرئيس الإيراني محمد خاتمي بالملك فهد في جدة بالمملكة العربية السعودية. 

واتفق البلدان على المبادئ التي من شأنها أن تؤثر بشكل إيجابي على العلاقات الثنائية مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض واحترام السيادة الوطنية.  

وذكر في الاجتماعات التي عقدت خلال قمة منظمة التعاون الإسلامي أنه لا عائق أمام تنمية التعاون بين البلدين حال وجود إرادة سياسية من قبل الجانبين. وأجرى خاتمي زيارة إلى الرياض عام 1999 أيضا. 

لكن التوتر والتنافس بدأا يسودان في العلاقات بعد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وأدت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وغزو أفغانستان والعراق إلى زيادة نفوذ إيران في المنطقة، والتي تسببت بدورها في تزايد المخاوف الأمنية السعودية، وفقا للكاتب التركي. 

وأضاف: كما كانت اتفاقية 5+1 (الاتفاق النووي) التي تم توقيعها مع إيران في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وكذلك موجة الثورات العربية التي غيرت الوضع الإقليمي لصالح إيران وضد السعودية، عوامل أخرى أثرت سلبا على العلاقات بين البلدين.

 لتكون المظاهرات التي اندلعت في عام 2016 بعد إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات الثنائية. 

واستدرك قائلا: أما خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فقد لقيت سياسات الأخير تجاه إيران ترحيبا من قبل السعودية، وأصبح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رائد السياسات المناهضة لإيران. 

ودخلت الرياض وطهران في صراع على السلطة في مناطق كثيرة وخاصة في اليمن. إلا أن الأخبار الأخيرة التي أشارت إلى اتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات بين البلدين وعقد مفاوضات في هذا الإطار وجدت صداها في الصحافة.

السيناريوهات المحتملة

فبحسب رقيب أوغلو ظهرت مزاعم تقول بأن مسؤولين كبارا من الرياض وطهران، من بينهم رئيس المخابرات الوطنية السعودية خالد بن علي الحميدان، أجروا محادثات في بغداد في 9 أبريل/نيسان.

 وصرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده بأنهم مستعدون لعقد لقاء علني مع السعودية دون أن يؤكد أو ينفي المزاعم حول هذا الاجتماع.

وقال سفير إيران في بغداد إيرج مسجدي في 20 أبريل/نيسان، إن طهران والرياض بدأا المفاوضات بوساطة العراق، وإن كان لم يتم إحراز أي تقدم يذكر حتى الآن. 

وهنا لا ينبغي أن يتم تقييم جولة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الخليجية بمعزل عن هذا الاجتماع، يقول الكاتب.

ويشرح ذلك بالقول: يبدو أن الكاظمي يحاول تخفيف أجواء التوتر والصراع في العراق من خلال إقامة علاقات ودية مع الدول الخليجية وإيران.

 إضافة إلى أنه يقال إن الكاظمي يريد القيام بأنشطة وساطة من أجل إنهاء التوتر بين إيران والدول الأخرى في المنطقة من مثل الأردن ومصر.

ويضيف: يمكن القول إن هناك عدة أسباب وراء الموقف السعودي الإيجابي من الحوار مع إيران التي يصعب محاربتها لما تملكه من نفوذ في المنطقة، أولها وأهمها تغيير الرئيس في الولايات المتحدة. 

فقد دفع رحيل ترامب الذي دعم السعودية حتى في قضية الصحفي مقتل خاشقجي، الرياض إلى التراجع. واتخذ ابن سلمان وفريقه الذي أنهى أزمة قطر المصطنعة، خطوات حقيقية لإنهاء الحرب في اليمن.

وأردف قائلا: كما يمكن القول إن السبب الثاني متعلق بتزايد المخاوف الأمنية للسعودية بعد فشلها في محاربة الجهات المدعومة من إيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. 

إذ إن المخاوف الأمنية لدول مثل السعودية، التي يرتبط أمنها بضمانات القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والتي تشعر أن نظامها تحت التهديد، تؤثر بشكل مباشر على قرارات السياسة الخارجية.

وهكذا فإن تزايد خطر المليشيات المدعومة من إيران في اليمن والعراق عام 2021، أجبر الرياض على مد غصن الزيتون وإرسال حمام السلام إلى طهران.

لتعلن بذلك فشل سياستها الخارجية العدوانية التي انتهجتها منذ عام 2015 في محاولة لزيادة نفوذها في المنطقة، والتي رسمها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، يقول الكاتب.

ويضيف: كما ويظهر إعلان السعودية وقف إطلاق النار أن إستراتيجية الرياض في طهران قد تغيرت. 

أي أن السعودية قد ترغب في تطبيع العلاقات مع إيران لمواكبة الظروف الدولية والإقليمية المتغيرة من مثل تغير سياسة الغرب تجاه طهران مع قدوم جو بايدن.

وعلى صعيد آخر، يمكن القول إن المخاوف الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا يمكن أن تقرب بين البلدين. 

لدرجة أن إضعاف الوباء للتجارة العالمية قد يدفع الجهات الفاعلة الإقليمية إلى تبني إستراتيجيات من مثل تطوير العلاقات التجارية الثنائية لتعويض الخسارة التجارية. ومع ذلك هناك بعض العقبات أمام هذا السيناريو الإيجابي. 

عقبات متجذرة

ويعقب رقيب أوغلو قائلا: يمكن الإشارة إلى تأثير ولي عهد أبو ظبي في السياسة السعودية كواحدة من أهم هذه العقبات.

 وإن كانت بعض التطورات مثل خطوة نفط خام مربان في أبو ظبي ومطالبة السعودية الشركات الدولية بنقل مقراتها الرئيسة إلى المملكة تكشف عن وجود بعض التمزقات في خط أبو ظبي ـ الرياض.

ويضيف: لذا فقد يتم التطبيع بين الرياض وطهران في حال تركت السعودية السياسة الراديكالية لابن سلمان.

 وهنا يمكن القول إن كلا البلدين قد اتخذ خطوات نحو التقارب لما يرغبان به من رسم صورة إيجابية أمام الرئيس الأميركي بايدن.

 فمن المعروف أن السعودية فعلت الكثير لتحسين صورتها في الولايات المتحدة والغرب بعد اغتيال خاشقجي كاستضافة المنظمات الرياضية والثقافية والفنية والإعلان عن حزم الإصلاح.

وبينما يرغب ابن سلمان وفريقه بتطبيع العلاقات مع إيران لرسم صورة بكونه "الطرف الذي أنهى الأزمة" أمام بايدن، يبدو أن ميل الإصلاحيين للعودة إلى الاتفاق النووي وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والمملكة هي الأسباب الدافعة لتطبيع طهران، يلفت الكاتب.

ويضيف: أما الولايات المتحدة التي قلصت وجودها العسكري في أفغانستان والعراق والخليج، فتريد إنهاء التوتر مع إيران والعودة إلى سياسة "دمج طهران في النظام الدولي من خلال الحوار". 

وقد دفع إعلانها الصريح بإنهاء الدعم غير المشروط للسعودية، الرياض للمشاركة في المفاوضات النووية مع إيران.

ويختم رقيب أوغلو مقاله بالإشارة إلى أن "الخطابات الدينية التي تلهب العداء بين شعبي إسرائيل والإمارات تبرز كأكبر عقبة أمام التقارب بين الرياض وطهران".

 فقد تمكنت إسرائيل من التطبيع مع الإمارات والبحرين وأقامت تحالفا "من تحت الطاولة" مع دول الخليج الأخرى من خلال التهديد الإيراني، الأمر الذي قد يدفع تل أبيب وأبوظبي لمحاولة منعها. 

ويضيف: كما وأن انعكاس العداء الذي يلهبه وينميه خطاب النظام الوهابي في السعودية والأوساط المتطرفة في إيران بين الشعوب، على الساحة السياسية تبرز كعقبات رئيسة أخرى أمام التطبيع. 

لكن يمكن أن نتوقع أن يحدث تطبيع نسبي بين البلدين وتكون هناك زيارات متبادلة وذلك بتشجيع من بايدن أو إكراه منه، يقول الكاتب.