"خيار سياسي".. هل يتهرب النظام في الجزائر من محاكمة بوتفليقة؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت يقضي فيه رئيس وزراء الجزائر الأسبق، عبد المالك سلال، عقوبته الحبسية في سجن "كوليا" بالعاصمة، بعد الحكم عليه بـ12 سنة نافذة في قضية فساد، يظل أمله معلقا في رؤية الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في قاعة المحكمة كـ"شاهد".

ونقلت مجلة "جون أفريك" الفرنسية في تقرير نشرته في 26 أبريل/نيسان 2021، عن مصدر مقرب من عائلة سلال أن عبد المالك "لا يخفي مرارته وخيبة أمله من موقف بوتفليقة الذي يلتزم الصمت المطلق بشأن الإدانات في حق وزرائه السابقين".

أوامر الرئيس

في يونيو/حزيران 2020، كشف سلال لأول مرة، تفاصيل خاصة بطريقة إدارة البلاد بعد مرض بوتفليقة في أبريل/نيسان 2013، وقال ردا على أسئلة القاضي خلال إحدى محاكماته "أنا من كنت أسير البلاد".

سلال البالغ من العمر 72 عاما، شغل منصب الوزير الأول (2012-2017)، وأيضا منصب وزير الموارد المائية من 2004 حتى 2012، ووزير الداخلية والجماعات المحلية (1998-1999)، ووزير الشباب والرياضة (1999-2001).

ويواجه سلال وهو أحد رجالات بوتفليقة، تهما بـ"الفساد" رغم نفيه المستمر لتورطه فيها، كما أشار في وقت سابق أنه "يحس بدنو أجله ولا يريد أن يقضي ما تبقى من عمره مدانا بالفساد في السجن".

ومنذ استقالته القسرية في 2 أبريل/نيسان 2019، لم يتحدث الرئيس المعزول بوتفليقة قط عن الإجراءات المتخذة بحق من عمل تحت قيادته خلال 20 عاما في السلطة، وصمته عن هذه المحاكمات يجعل "خدام السلطة" القدماء يشعرون بـ"الاستياء".

ورغم طلبات بعض المحامين والمتهمين، يرفض القضاء استدعاء بوتفليقة للاستماع إليه في قضايا فساد تورط فيها معاونوه السابقون.

ويقضي سلال عقوبته بعد اتهامه في عدة قضايا، منها "صفقة السيارات" وتمويل حملة بوتفليقة الانتخابية لولاية خامسة (عام 2019)، وفي كل هذه القضايا دافع سلال عن نفسه من اتهامات الاختلاس أو الفساد أو تبييض الأموال، موضحا أنه "كان يطبق فقط برنامج الرئيس وتعليماته".

وقال محاميه مراد خضر: "لا توجد ورقة أو وثيقة تثبت أن سلال خالف القانون، وقد حكم عليه لارتكابه أعمال إدارة سيادية، هذه محاكمات سياسية".

وفي وقت سابق، قال دفاع الخزينة العامة (الهيئة المسؤولية عن تسيير أرصدة الدولة المالية) إن ملف "تجميع السيارات" كبد الدولة خسائر فاقت 1.2 مليار دولار، فيما كشفت مصادر إعلامية أن ملايين الدولارات خصصت لتمويل حملة بوتفليقة الرئاسية في 18 أبريل/ نيسان 2019، للحصول على ولاية رئاسية خامسة.

محاكمة بوتفليقة

خلال إحدى هذه المحاكمات، في مارس/آذار 2020، لم يتردد سلال في إشراك بوتفليقة مباشرة من خلال طلب مثوله.

وأوضح للقاضي الذي استجوبه في ملفي "تجميع السيارات" وتمويل الحملة الانتخابية أن الجزائر "لم تكن تعرف عدالة ولا برلمانا، والسلطة الوحيدة القائمة كانت سلطة الرئيس"، مضيفا "أول شخص يتولى المسؤولية هو بوتفليقة، ويجب أن يكون حاضرا كشاهد".

سلال ليس الوحيد الذي يرفع مطلب مثول بوتفليقة أمام القاضي، رئيس وزرائه الأسبق أحمد أويحيى، المتهم في عدة قضايا فساد، يرى أن ظهور بوتفليقة من شأنه أن "يعيد الثقة بين العدالة والمواطنين، وتغيير الممارسة السياسية في الجزائر".

دعوات أقرب رجال بوتفليقة، تجعل المراقبين يتساءلون هل سيحاكم الرئيس المخلوع ذات يوم "على مسؤوليته في الفساد وتبديد المال العام خلال 20 عاما من حكمه؟".

وتذهب الكثير من الآراء إلى أن "لا شيء يمنع القضاء اليوم من استدعائه بعد تصريحات رئيسي وزرائه السابقين، سلال وأويحيى، خاصة إذا كانت هناك إرادة سياسية للسير في اتجاه جزائر جديدة".

ولم يتوقع بوتفليقة أن يطالب سلال، الذي قاد في فبراير/شباط 2019، الحملة لإعادة انتخاب الرئيس لولاية خامسة باستدعائه إلى المحكمة للتحقيق معه في تولي إدارته لشؤون البلاد.

وتبنى أويحيى نفس الإستراتيجية الدفاعية، عندما اتهم بـ"منح مزايا لوكلاء سيارات تسببوا في أضرار مالية بقيمة 856 مليون يورو للخزانة العامة"، مؤكدا أنه "طبق فقط برنامج الرئيس".

ويستغرب عدد من المتابعين أن بوتفليقة "قد نجا"، خصوصا وأن رؤساء وزرائه ووزراءه في قفص الاتهام بعدة قضايا فساد، باعتباره المسؤول الأول عن الوضع الحالي الذي تمر منه البلاد، وأنه ملزم بالرد على سؤال: "أين ذهب مبلغ 1.2 تريليون دولار الذي أنفق خلال فترة حكمه".

خيار سياسي

من الناحية القانونية، لا يحق إلا لـ"المحكمة العليا للدولة" محاكمة رئيس الجمهورية، وقد نص على ذلك القانون الأساسي المعلن في المادة 177 من الدستور، والذي تتمثل مهمته في "تحديد" أعمال "الخيانة العظمى".

وقد يكون القانون "صوريا"، لكن يمكن للرئيس الحالي عبد المجيد تبون تفعيله بسهولة، في حين يرى الكثيرون عدم فعل ذلك "خيارا سياسيا".

واعتبر مراقبون أن الرئيس المخلوع لا يزال يتمتع بالحماية التي تقيه من المحاكمة في الوقت الحالي، إذ يمكن لقضاة المحكمة العليا أن يكونوا مسؤولين عن التحقيق بأنفسهم في القضايا المتعلقة ببوتفليقة، وقد تم تطبيق هذا الإجراء بالفعل على سلال وأويحيى، اللذين يمنحهم القانون الحصانة. 

وتم سجن العديد من كبار المسؤولين ورجال الأعمال في نظام بوتفليقة (1999-2019)، مع متابعتهم على نطاق واسع في الجزائر وعلى المستوى الدولي، في حين لم تتم متابعة بوتفليقة.

من جهته، لا يتردد المحلل السياسي محمد حناد، في تسليط الضوء على إيجابيات محاكمة الرئيس المخلوع، قائلا: إن طلب تقديم بوتفليقة إلى العدالة أمر جيد، يمكن بعد ذلك اتهامه بـ(الخيانة العظمى)، والتي سيكون لها مغزى رمزي، من المرجح أن يعيد الثقة بين العدالة والمواطنين ولتغيير الممارسة السياسية في البلاد".

وتتعالى مطالب "ملحة" و"متزايدة" من الدوائر السياسية والمجتمع المدني خلال الأشهر الأخيرة، لمحاكمة بوتفليقة عن تورطه ومعاونيه في ملفات "الفساد"، ويرى المحلل حناد أن ذلك هو "التعهد الوحيد بالمصداقية الذي يمكن أن تقدمه السلطة للشعب"، وفق ما نقلت عنه مجلة "جون أفريك" الفرنسية في 20 مارس/آذار 2020.

ويصر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (علماني)، على تقديم رئيس الجمهورية الأسبق إلى العدالة، فيما يرى الدبلوماسي عبد العزيز الرحابي، أن "بوتفليقة كان مسؤولا عن الفساد، ومحاكمته هي الحل الوحيد لاستعادة الحقيقة".

وختم حناد حديثه بالقول: "حتى إذا كانت الحالة الصحية لرئيس الجمهورية السابق لا تسمح له بالدفاع عن نفسه، فإن وجوده (دعوته للمحاكمة) ضروري باعتباره المسؤول الأول عن تدمير البلاد".