مقارنة بباقي دول الساحل الإفريقي.. لماذا تحظى تشاد باهتمام فرنسي كبير؟

إسطنبول - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

للمشاركة بجنازة الرئيس التشادي المقتول إدريس ديبي، في 23 أبريل/نيسان 2021، توجه عدد من رؤساء الدول وممثلي المؤسسات الدولية، أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى العاصمة التشادية نجامينا.

وفور وصوله، اجتمع "ماكرون" بالسيدة الأولى هندا ديبي إيتنو، ونجل الراحل، محمد، رئيس اللجنة العسكرية الانتقالية التي تترأس البلاد في المرحلة الحالية.

مجلة "جون أفريك" الفرنسية، قالت إن "الجنازة تحولت إلى قمة"، باجتماع رؤساء دول الساحل، فيما اعتبرت "واشنطن بوست" حضور ماكرون "فصلا جديدا في تاريخ طويل من النفوذ الفرنسي وسط وغرب إفريقيا".

أعلنت السلطة في تشاد عن تشكيل مجلس عسكري لقيادة البلاد، مباشرة عقب إعلان وفاة الرئيس الذي حكم تشاد طيلة 30 عاما، ودعمت باريس الخيار الذي يتعارض مع الدستور التشادي.  ولكن لماذا تدعم فرنسا الخيار الديكتاتوري في البلاد؟ 

"صديق شجاع"

أسندت مهام رئيس الجمهورية ومنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة لنجل الرئيس المقتول، رغم أن دستور تشاد ينص على أن يتولى رئيس البرلمان رئاسة البلاد مؤقتا عند وفاة الرئيس أو عجزه عن أداء مهامه، وتجرى انتخابات رئاسية جديدة خلال 45 يوما على الأقل، و90 على الأكثر من تاريخ الشغور، وهو ما اعتبر انقلابا على دستور البلاد.

في 23 أبريل/نيسان، أعلنت جماعة متمردة في تشاد، تعرض مركز قيادتها للقصف من طرف قوات فرنسية، فيما كانت البلاد تستعد لتشييع جنازة ديبي، فيما ذكرت مصادر دبلوماسية وعسكرية فرنسية أن "باريس تدرس بجدية التدخل إذا اقترب المتمردون من نجامينا، وهددوا استقرار البلاد".

في فبراير/شباط 2021، أمر الرئيس السابق، إدريس ديبي، بإرسال 1200 جندي إلى "المثلث الحدودي" بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو لمواجهة الجماعات المسلحة في هذه المنطقة، بعد أن أعلنت فرنسا تقليص وجودها العسكري، والخروج من المنطقة بعد حرب طاحنة كلفت مليارات الدولارات وأرواح عشرات الجنود الفرنسيين.

وفي تقرير مصور بثته قناة "الجزيرة" عن إدريس ديبي بعد وفاته، قالت إنه ارتبط خلال فترة حكمه بعلاقات متقلبة؛ لكنها كانت صلبة مع فرنسا، وتميزت مسيرته بإعادة علاقات بلاده مع إسرائيل، كما انخرطت أعداد كبيرة من المقاتلين التشاديين بليبيا.

يعتقد أستاذ العلاقات الدولية بالجزائر، البروفيسور عمر بغزوز، أن حضور ماكرون إلى جنازة إدريس ديبي يعبر -بغض النظر عن تعاطف ودعم فرنسا لتشاد في مثل هذه المناسبات الحزينة- عن قلق شديد من وراء البحر لما يحدث في هذا البلد الإفريقي المتوتر.

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال"، أن ارتباك فرنسا غير نابع فقط من فقدان "صديق شجاع" تكون في المدرسة الحربية لباريس، ووصل إلى السلطة في 1990 عن طريق انقلاب، أيده هذا البلد، وإنما هذا نابع عن تداعيات المرحلة ما بعد ديبي، والتي يمكن أن تعرف خارطة ووضعا سياسيين لا يخدمان مصالح الفرنسيين.

فرنسا، وفق المتحدث، لا تريد أن تترك تشاد يدبر لوحده المرحلة المقبلة في البلاد طالما هذا يهدد مصالحها الحيوية هناك، وفي منطقة الساحل بصفة عامة. 

وأوضح أن ما يريده ماكرون هو استمرارية نمط الحكم العسكري الذي يسود في تشاد لأن أي تغيير نحو ديمقراطية حقيقية من شأنه أن يؤدي إلى مطالبة الشعب بالتحرر النهائي من الوصاية الفرنسية، وتدرك فرنسا ذلك، وهي التي ساندت الانقلابات العسكرية المتعاقبة في تشاد.

راعية الانقلاب

ما يخشاه ماكرون، بحسب بغزوز، في الظرف الراهن هو الانفلات الأمني الذي قد ينجر عن احترام المسار الديمقراطي لو تم الامتثال إلى الدستور التشادي. غير أن الواقع يفند ذلك حيث لاحظنا تفاقم العنف في نجامينا، في سياق استيلاء ابن الرئيس الراحل على السلطة.

واعتبر الخبير، أن أصابع الاتهام تبقى موجهة ضد المجلس العسكري الانتقالي المدعم من طرف فرنسا حتى وإن كان قد أعلن رئيس الجمعية الوطنية بعدم استعداده مبايعة السلطة مؤقتا بموجب الدستور، مما يوحي بأن هذا هو الخيار الوحيد للعودة بعد 18 شهرا إلى المسار الديمقراطي العادي. 

وأفاد أن ما يريده التشاديون هو تداول فعلي على السلطة في إطار نظام ديمقراطي حقيقي وهذا سيناريو قد لا يساعد فرنسا لأنه لا يضمن لها المكانة المهيمنة التي تحتلها اليوم في الساحل.

وقال إت تدخل فرنسا لترسم المعالم السياسية المقبلة لتشاد تملؤه سياستها الخارجية وعقيدتها العسكرية في إفريقيا، قارة رئيسة بالنسبة لمصالحها الأمنية والتجارية وحتى الثقافية. 

يرى بروفيسور العلاقات الدولية تناقضا صارخا في السياسة الإفريقية لفرنسا، فمن جهة تدعي أنها دولة ديمقراطية تسعى إلى تصدير هذا النموذج إلى الخارج، ومن جهة ثانية فإنها تعمل على تكريس الديكتاتورية والحكم الفردي لا سيما في مستعمراتها السابقة في إفريقيا.

في الواقع، يتابع المتحدث: "ما يهم القادة الفرنسيين هنا هو الاستقرار الذي يكفل لهم حماية مصالحهم، وهم يفضلون التعايش مع الوضع المتناقض بدلا من القفز في المجهول في سياق متفجر".

واعتبر بغزوز، أن فرنسا تعتقد أن تدعيمها لحكم عسكري مركزي في تشاد سيحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي في هذا البلد الذي سيسمح بدوره بتعزيز وصايتها وهيمنتها على مواردها الاقتصادية وحماية رعاياها، لكن التجربة أثبتت أن الاستقرار دون ديمقراطية، وهم وضلال".

وقال إن تشاد دولة مستقلة منذ 1960 ولم تحقق بعد الديمقراطية المرجوة، بل هي تعيش باستمرار في وضع متأزم وغير مستقر على خلفية الانقلابات العسكرية واستحواذ القوى الأجنبية على خيرات البلاد. 

يمكن كذلك القول إن هناك علاقة وطيدة بين الاستقرار والتنمية التي يطمح إليها التشاديون، فإرساء الديمقراطية من شأنه أن يؤدي إلى رفع مستوى الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي سيؤدي بدوره إلى تحقيق النمو الاقتصادي في حين الدكتاتورية تؤدي إلى عنف وهدم استقرار سياسي يخلف ذريعة للحكم التسلطي وللتدخل الخارجي.

هذا السيناريو الأخير ما فتئت فرنسا تدعمه كما تفعل حاليا بتأييد ابن الرئيس الراحل دون العودة إلى البرلمان ولا إلى الانتخابات.

لماذا تشاد؟

يرى بغزوز أن باريس لا يزعجها أن يتم توريث السلطة في تشاد كما في كل إفريقيا، كما لا يقلقها أن تداس الدساتير الموجودة ما دامت القيادات الجديدة تابعة للقوة الاستعمارية السابقة.

في هذا السياق يصعب الاعتقاد بأن المستعمر القديم سيكون السباق لتكريس الديمقراطية في تشاد، وفق المتحدث، ويمكن تصنيف المصالح التي تريد فرنسا حمايتها في تشاد إلى ثلاثة أنواع: أمنية - جيوسياسية - اقتصادية.

على الصعيد الأمني يعتبر تشاد حليفا استراتيجيا لفرنسا في منطقة الساحل خاصة في مجال مكافحة الإرهاب الذي كثيرا ما يجد منبعه في هذه الأراضي الإفريقية الفقيرة.

تحتضن العاصمة التشادية انجامنا المقر الرئيس لقوات "برخان" المناهضة للمقاتلين في الساحل، وهي عملية تقودها فرنسا منذ 2014 بعد حملتي "ابرفيي" (صقر) ضد ليبيا في 1986 وسيبرفال في مالي في 2013. 

يشكل الجنود التشاديون أكبر وحدات برخان، وهم غالبا ما يتصدرون جبهة القتال، وعليه يعد تشاد الحلقة الأقوى في منظومة الأمن الهشة في منطقة الساحل والعضو البارز في "مجموعة 5 ساحل" المدعمة من طرف فرنسا التي تسهر كذلك على سلامة رعاياها في هذه البؤر الساخنة.

أما على الصعيد الجيوسياسي، يرى أستاذ العلاقات الدولية، أن أهمية تشاد بالنسبة لفرنسا تكمن في كونها بوابة مفتوحة على ستة بلدان إفريقية، تتركز في مصالح عديدة إلى جانب تهديدات أمن أوروبا برمتها.

لهذا تحرص فرنسا على جعل تشاد والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى وغيرها، ميادينا لتدريب قواتها التدخلية في الساحل وإفريقيا.

أما في المجال الاقتصادي، فتدخل فرنسا في تشاد بهدف حماية استثماراتها هناك، حيث تستحوذ شركة "توتال" البترولية على معظم حصة السوق، كما تسعى باريس إلى تعزيز وجودها في القطاعات الاقتصادية الأخرى كالصناعات الغذائية والعسكرية وغيرها.

وقال بغزوز: من جهتها، تولي السلطة في تشاد أهمية كبرى للوجود الفرنسي بالساحل لأنه يسمح لها بالحفاظ على السلطة والحماية ضد المتمردين الذين يحاولون الزحف نحو العاصمة انجامينا لإزاحتهم من الحكم وتغيير النظام، ما يهم القيادة في تشاد كما هو الحال في كثير من الدول الإفريقية، هو ضمان أمن النظام القائم مهما كان الثمن.

وزاد: الدكتاتورية متجذرة في إفريقيا، حيث نجد العسكر يحكم عدة بلدان بطريقة وراثية، وتحت غطاء الشراكة الإستراتيجية ومكافحة الإرهاب، تستفيد السلطة في تشاد من الدعم الفرنسي لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب مصلحة الشعب التشادي برمته.

تسخير الديكتاتورية

رئيس المركز المغاربي للدراسات في موريتانيا، الدكتور ديدي ولد السالك، قال إن ديبي هو رجل فرنسا القوي في منطقة الساحل والصحراء، منذ أن نفذت عبره الانقلاب في 1990 على حسين حبري. ومنذ ذلك التاريخ وهي تحميه من كل أنواع التمرد.

بالتالي هو كان أداة لهم يحرصون على استمرارها في السلطة، لكنهم ونتيجة تحكمهم في كل دول المنطقة استطاعوا أن يعيدوا ترتيب هيكلة التشكيل العسكري الذي كان يحكمه ديبي، وأن يحكمه ابنه بنفس الأساليب التي تريد فرنسا تسيير تشاد بها ولعب الدور الذي تريده في المنطقة.

ومضى إلى القول: عندما توجد فرنسا في أي بلد فمن الطبيعي أن توجد فيه 3 أنواع من المشاكل، الهوية والفساد والدكتاتورية، وهي عوامل مرتبطة.

ففرنسا عبر شبكة "فرانس أفريك" التي أسسها ديغول في الخمسينيات عندما بدأت تفكر في الانسحاب من دول غرب إفريقيا التي كانت تحتلها، تقوم بتدبير المصالح الفرنسية والتحكم في الدول التابعة لمحمياتها. 

أوضح ولد السالك في حديث مع "الاستقلال" أن الفرنسيين يحرصون على التحكم في مصالحهم، عبر إبقاء مستعمراتهم القديمة تحت أيديهم، يحكمونها من خلال الديكتاتور المتسلط، إدريس ديبي، وأمثاله في كل بلد يمثل النفوذ الفرنسي. 

ومضى إلى القول: لفرنسا مصالح كبيرة في دول غرب إفريقيا، إذ يعتمد اقتصادها على احتلال والسيطرة على هذه الدول، وقبل سنتين أصدر مجلس الشيوخ الفرنسي تقريرا من 500 صفحة، قال فيه: إن فرنسا إذا فقدت نفوذها في إفريقيا ستبقى دولة عادية من دول الجنوب وتفقد كل نفوذها في العالم.

وبالتالي استمرارية ذلك قائمة على استمرار استعمارها بالشكل الحالي للدول الإفريقية، وتعميق الفساد فيها وعبر تحكيم أنظمة دكتاتورية. 

وأفاد أن تشاد تمتاز عن باقي دول إفريقيا بكونها تتوفر على قوة عسكرية مقاتلة محترفة، وهذا ما تحتاجه فرنسا لمحاربة الإرهاب والوجود في المنطقة.

إذ يعرف التشاديون بشراستهم وشجاعتهم في الحروب، كما أنهم القوة الأولى المقاتلة حاليا في المنطقة نظاميا، والتي تساعد فرنسا على وجودها المعنوي والاكتفاء بالإشراف فقط، بدل الوجود العسكري الذي كلل بالفشل في عملية برخان، ما جعلها مضطرة أن تنسحب عسكريا من المنطقة.

 لكنها مجبرة على البقاء لحماية نفوذها وتشرف مباشرة على قوات دول الساحل والصحراء عبر التدريب والمخابرات، وفق ولد السالك.