موقع أميركي: الساحل الإفريقي لن يستقر إلا بتخلص فرنسا من نهجها

12

طباعة

مشاركة

اعتبرت مؤسسة "أتلانتيك كانسل" الأميركية، أن مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي كان نتيجة لقصور الرؤية الفرنسية للاستقرار في ليبيا وتشاد ومنطقة الساحل الإفريقي.

وفي 20 أبريل/نيسان 2021، بعد اشتباكات بين الجيش التشادي والمتمردين في منطقة كانم شمال تشاد، قتل ديبي الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود.

وبوفاته، فقدت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة لتشاد، أحد أقرب حلفائها في منطقة الساحل، وهي منطقة قاحلة تمتد من السنغال إلى السودان، حيث توسع نفوذ المليشيات بسبب إخفاقات الحكم في الدول المجاورة.

و"أتلانتيك كاونسل" مؤسسة بحثية غير حزبية، مؤثرة في مجال الشؤون الدولية، تأسست عام 1961 في واشنطن، وتدير عشرة مراكز إقليمية وبرامج وظيفية تتعلق بالأمن الدولي والازدهار الاقتصادي العالمي.

الداعم الأكبر

وقالت المؤسسة، في تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني، إنه خلال جنازة ديبي في 23 أبريل/نيسان، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "لن ندع أي شخص يشكك أو يهدد استقرار تشاد وسلامة أراضيه".

لم يكن هذا التصريح مفاجئا، إذ كانت فرنسا الداعم الأكبر لحكم ديبي منذ أن دعمت الانقلاب الذي أوصله إلى السلطة في 1990.

وغالبا ما تم نشر القوات الفرنسية وطائرات الاستطلاع والطائرات الحربية لدعم ديبي كلما حشد المتمردون وجماعات المعارضة لإسقاطه.

لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا، إذ نجح المتمردون في الإطاحة بديبي وقتله على خط المواجهة، فيما يعد نتيجة ثانوية مباشرة لسياسات قصر النظر لحليفه الغربي الرئيس (فرنسا) في ليبيا المجاورة.

وتوضح وفاة ديبي العيوب المتأصلة في السياسة الخارجية الفرنسية في ليبيا وتشاد، وأوجه القصور في دافع باريس لدعم المستبدين في إفريقيا.

وكان المتمردون الذين شنوا توغلا في شمال تشاد من جبهة الوفاق من أجل التغيير في البلاد، وهي جماعة متمردة أسسها ضباط منشقون عن الجيش التشادي في عام 2016، بهدف واضح هو الإطاحة بديبي. 

وفي ليبيا، عمل مقاتلو الجبهة لسنوات كمرتزقة وقدموا خدماتهم لمن يدفع أعلى سعر. كما استفادت الجبهة من المعدات التي توفرها أطراف النزاع وزادت إيراداتها من خلال الأنشطة الاقتصادية الإجرامية، مثل الإتجار والتهريب وتعدين الذهب. 

وكان معظم مقاتلي المجموعة متحالفين ويقاتلون نيابة عن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.

وبصرف النظر عن الاستفادة من الأسلحة التي زود بها حفتر من قبل داعميه الأجانب ، فقد تلقى مقاتلو  الجبهة تدريبات من مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية كجزء من محاولة انقلاب الجنرال - التي حرضتها فرنسا سياسيا ودعمتها عسكريا - ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في  طرابلس عام 2019.

لم يكن هذا الدعم جديدا. ولسنوات، كانت فرنسا هي الداعم السياسي الرئيس لحفتر في دوائر صنع السياسة الغربية، على الرغم من تطلعاته الاستبدادية الواضحة.  

وغالبا ما تردد صدى ادعاء حفتر ببناء مؤسسة عسكرية محترفة من قبل باريس على الرغم من كونها مغالطة تهدف إلى إخفاء أسلوب حكم شخصي للغاية. 

وقد تم تكذيب ذلك من خلال تسليم الجنرال لأبنائه مناصب رئيسة، والاعتماد على الجماعات القبلية غير النظامية، وتمكين الفصائل السلفية المتشددة، والاستعانة بالمليشيات الإجرامية المحلية والمرتزقة لمخططاته الأوسع نطاقا. 

ولطالما كانت القوات الأجنبية - مثل المتمردين السودانيين والتشاديين - قوة احتجاز وقتال رئيسة في صفوف قوات حفتر، على الرغم من أن الكثير من اهتمام وسائل الإعلام الدولية كان فقط على مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية الذين يعملون الآن في الأراضي التي يسيطر عليها الجنرال. 

حلفاء انقلابيون

وعلى الرغم من الهجمات ضد المدنيين وجرائم الحرب من قبل مزيج القوات الخاصة بحفتر، لم تراجع فرنسا أبدا دعمها الطويل الأمد للجنرال.

 وغالبا ما كان هذا الإصرار على دعم حفتر محيرا للمراقبين لأنه و"على عكس ديبي في تشاد، فإن دعم جنرال مريض مثله لا يمكن اعتباره عمليا". 

وفي الحالات النادرة التي تم فيها الاعتراف بدعمهم لحفتر، غالبا ما برر صناع السياسة الفرنسيون شراكتهم مع الجنرال بتصويره على أنه حليف يمكنه مواجهة "المليشيات" الليبية التي لها صلات بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة.

ومن خلال دعمهم لحفتر، كانوا يتوقعون تأسيس تحالف عسكري فرنسي إفريقي آخر لتعزيز أمن منطقة الساحل.

 ودفعت هذه الإستراتيجية فرنسا إلى دعم العمليات العسكرية لحفتر في بنغازي في عام 2015 بشكل سري، ونشر طائرات استطلاع لدعم توسعه الإقليمي، ودمج القوات الفرنسية التي تشغل صواريخ مضادة للدبابات أميركية الصنع مع قواته خلال انقلاب 2019 الفاشل.

وعلى الرغم من إدراكها التام أن المرتزقة كانوا جزءا لا يتجزأ من قواته، منحت فرنسا الشرعية الدولية لحفتر من خلال دعم حضوره الدبلوماسي والذي استكمل بدعم عسكري لم يهدأ أبدا.  

وكان الدعم الفرنسي الذي أضاف حليفا غربيا رئيسا للقوى الأجنبية العديدة - مثل مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة - التي تدعم الجنرال بالفعل، متناقضا تماما مع رؤية باريس للاستقرار في المنطقة.

وبعد تخلي حفتر عن التحول السياسي في ليبيا وخلق مساحة للمليشيات للنمو من خلال الدخول في حرب أهلية  "دولية"، تسببت  أفعاله المدعومة من فرنسا الآن في عدم استقرار مباشر في منطقة الساحل.

ويشير التقرير إلى أن رؤية أحد شركاء فرنسا الأكثر موثوقية - ولكن كذلك الأكثر استبدادا - يقتل على يد مرتزقة استفادوا من الدعم العسكري وعدم كفاءة سلطوية أخرى في ليبيا تدعمها باريس، هو تحول مثير للسخرية.

ويسلط مسرح الحرب في تشاد وليبيا الضوء على تجاهل فرنسا لسجلات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وازدراء القيم الديمقراطية لصالح نظرة أمنية ضيقة تعطي الأولوية للشعور الزائف بالأمن والاستقرار الوهمي.

ومع رحيل ديبي بشكل غير متوقع، فإن انتقال تشاد معلق في الميزان بينما تدفع فرنسا لدعم ما هو فعليا انقلاب آخر - من قبل ابن ديبي - تحت ستار الحفاظ على الاستمرارية. 

 ويختم التقرير بالتأكيد على أن باريس يجب أن تنتبه وتستخلص الدروس من مأزقها الحالي في تشاد لتعديل سياستها تجاه ليبيا.

ويرى أن تشاد وليبيا ومنطقة الساحل لا يمكن أن تكون مستقرة حقا إلا عندما تتخلص فرنسا من نهجها المعيب طويل الأمد تجاه المنطقة.