تواجه 3 جبهات.. هل تتصدر قوى "تشرين" برلمان 2021 بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسعى قوى وحركات عراقية ناشئة، تشكلت عقب احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إلى إيجاد موطئ قدم في العملية السياسية التي تسيطر عليها الأحزاب التقليدية منذ عام 2003، وذلك من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية المبكرة.

وإثر الاحتجاجات، قررت الحكومة العراقية إجراء انتخابات مبكرة، تلبية لإرادة الشارع الذي نادى بالقضاء على الفساد، وتوفير الخدمات، وإنهاء البطالة، إضافة إلى محاسبة الفاسدين، ومحاكمة قتلة المتظاهرين.

وفي آخر اجتماع عقدته 9 قوى منبثقة من الاحتجاجات في 21 أبريل/ نيسان 2021، تمخض عن اتفاق أولي بشأن المشاركة في الانتخابات المبكرة، حيث اتفقت على أن القرار حول الانتخابات "سيحسم قبل شهر فقط من موعدها في تشرين الأول/أكتوبر 2021".

لكن التساؤل الأهم الذي أثير عقب تدارس هذه الحركات المشاركة في السباق، هو مدى نجاح الأخيرة في الحصول على ثقة العراقيين والوصول إلى البرلمان، لا سيما أنها دعت العراقيين إلى الاستعداد للمشاركة الفاعلة والواسعة في هذه الانتخابات؟

غياب التكافؤ

وفي هذا الصدد، رأى الكاتب والمحلل السياسي العراقي، إياد العنبر خلال مقال نشره موقع قناة "الحرة" الأميركية في 25 أبريل/ نيسان 2021، أن "القوى الشبابية الصاعدة عندما تقرر الدخول في التنافس الانتخابي مع القوى السياسية التقليدية فهي تدرك جيدا أنها تدخل معركة غير متكافئة الأطراف".

وأوضح العنبر أن "أحزاب السلطة تملك الخبرة في إدارة الانتخابات، ولديها القدرات المالية والمؤسسات الإعلامية، فضلا عن سيطرتها على المؤسسات والموارد الاقتصادية للدولة التي نجحت في توظيفها لصالح إيجاد طبقة من الزبائنية السياسية".

وفي المقابل، تدخل قوى تشرين الانتخابات معتمدة على الإمكانيات المادية البسيطة جدا ورمزيات الاحتجاجات، وهم يدركون جيدا أن معركة الانتخابات غير متكافئة، لكنهم أيضا كانوا يدركون بأن خروجهم لساحات الاحتجاجات بصدورهم العارية كانوا يواجهون قوى السلطة التي تمتهن القتل والتنكيل والتغييب القسري، وفقا للكاتب.

من جهته، رأى عامر هاشم عواد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، أن "الذين كانوا في مظاهرات تشرين/أكتوبر ليست لديهم الفرصة القوية للمنافسة، لكن ستعمل بعض الجهات السياسية على ضمهم إليها، على اعتبار أنهم وجوه جديدة مقبولة من الجماهير من أجل الادعاء بأن هناك تغييرا سيطرأ على العملية السياسية".

وتوقع عواد خلال تصريحات صحفية في 11 فبراير/ شباط 2021، أن "التغيير الذي سيطرأ سيكون مختصرا بالصراع السياسي بين الأطراف المتناقضة، إذ إن أغلب القوى السياسية لا سيما الجديدة منها حسمت خياراتها في هذا الاتجاه".

وناشدت القوى المجتمعة، الأمم المتحدة لـ "أخذ دورها الحقيقي والفعال لمتابعة ملف عدالة ونزاهة الانتخابات"، محذرين من "عدم تحقيق مطالب الشعب الذي يمثل مصدر إعطاء الشرعية للنظام السياسي"، حسب بيان قوى تشرين.

3 جبهات

العنبر تحدث عن 3 جبهات أخرى في معركة الانتخابات، الأولى: هي خطاب التشكيك بجدوى المشاركة بالانتخابات، ولعل هذا الخطاب كان له الدور الفاعل في انتخابات 2018. وقد يستهوي قوى السلطة التقليدية تكرار نفس السيناريو بإشاعة خطاب النكوص عن المشاركة بالانتخابات. حتى يكون التنافس بين مرشحي الأحزاب التقليدية محصورا بين زبائن الإقطاعيات السياسية.

ونظرا لذلك، رأى العنبر أن "على قوى احتجاجات تشرين أن تستعد لمواجهة هذه الجبهة من خلال تقديم خطاب سياسي جديد قادر على إقناع الجمهور المتردد بالمشاركة الفاعلة والتصويت لصالح مرشحي قوى تشرين".

أما الجبهة الثانية، بحسب الكاتب، فهي السلاح الأقوى الذي يمكن من خلاله إحداث نقلة نوعية في معركة الانتخابات ويتمثل في قدرتها على جعل خطاب الرفض والمقاطعة أقلية غير مؤثرة في قناعات الجمهور، ولا يمكن لقوى تشرين كسب هذه الجولة في المعركة إلا من خلال تقديم برنامج سياسي صريح وواضح المعالم والخطوات، وأن تعلن أن موقفها من التحالفات السياسية سيكون رهنا على قبول تحقيق هذا البرنامج.

وفيما يخص الجبهة الثالثة، أكد العنبر أنها "سؤال ما بعد الانتخابات أن العمل السياسي لا يحقق غاياته بالأمنيات وإنما بتراكم التجربة والممارسة والقدرة على تجاوز الأخطاء والهفوات.

مؤكدا أن الانتقال من الفعل الاحتجاجي إلى العمل السياسي "يجب أن يراهن على تحقيق كل الشعارات والمطالب بمجرد دخول الانتخابات، فالمعركة في بدايتها، وفاعلية العمل السياسي لا تكون بحجم المقاعد التي يجري الحصول عليها داخل قبة البرلمان، وإنما تبدأ بإقناع الجمهور بالقدرة على فرض واقع التغيير من خلال المشاركة في مؤسسات السلطة وكسر هيمنة القوى التقليدية، والثبات على مبادئ وشعارات الإصلاح أمام مغريات منظومة السلطة".

وفي السياق ذاته، رأى الخبير السياسي والقانوني، طارق حرب خلال تصريحات صحفية في 18 يناير/ كانون الثاني 2021 أن "غالبية الشعب متجهة للمشاركة في الانتخابات، وأن النسبة ربما ترتفع من 20 بالمئة التي كانت عليها الانتخابات السابقة إلى نحو 80 بالمئة".

ولفت الخبير السياسي أن "نسبة الـ20 بالمئة في الانتخابات السابقة تمثل جميع الكيانات السياسية الموجودة حاليا في البرلمان، لكن نسبة 80 بالمئة المتبقة، لو ذهب منها 60 بالمئة للمشاركة لتحولت الـ20 بالمئة إلى ثلث أعضاء البرلمان، وتحول الثلثان إلى النواب الجدد".

وعلى حد رأي حرب، فإن "الأحزاب السياسية التقليدية لا تمثل ثقلا كبيرا في الشارع، وأن الإقبال الكبير من العراقيين على صناديق الاقتراع من شأنه فقط منح التشكيلات الجديدة فرصا أقوى للفوز والتقدم".

وأكد الخبير السياسي أن "للأحزاب الجديدة فرصة محتملة للتقدم بالنظر إلى تراجع ثقة الشارع بالأحزاب التقليدية القائمة، بدليل ما حصلت عليه تلك الأحزاب من نسبة 80 بالمئة في انتخابات 2018".

عقبات كثيرة

وعلى الصعيد ذاته، يرى الكاتب العراقي أحمد سعداوي خلال مقال نشره في 13 يناير/ كانون الثاني 2021، أنه "لا يبدو مشهد المشاركة السياسية للتشرينيين متسقا أو واضح المعالم حتى الآن" لافتا إلى أن "الأحزاب الكبرى ذات المليشيات المسلحة ما زالت تستمر في عمليات التصفية والملاحقة للناشطين والمتظاهرين، وتمنع توفر ظروف طبيعية لمشاركتهم كطرف منافس في الانتخابات القادمة".

ولفت الكاتب إلى أن "هناك في الحقيقة أكثر من تيار سياسي يعلن نفسه ممثلا عن تشرين أو منبثقا عنها، لكنه إما واجهة سياسية لأحزاب موجودة في السلطة وإما كيان يفتقر إلى القواعد الشعبية بين المحتجين".

وأشار إلى أن "الكثير من ناشطي تشرين يجمعون على فكرة أن التغيير الذي يطمحون إليه لا يتحقق بمجرد المشاركة في الانتخابات، وأن طريق الإصلاح السياسي طويل، خصوصا أن الأحزاب المتحكمة في المشهد لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى الأجيال الجديدة من الشباب تزاحمها على ما في أيديها".

وأكد سعداوي أنه "في كل الأحوال لا توجد حتى الآن أية مؤشرات على أن يوم الاقتراع المعلن سيكون مناسبا لإجراء انتخابات سليمة لا يتحكم فيها السلاح المليشياوي، فضلا عن أن مطلب اعتماد البطاقة البايومترية في تحديد هوية الناخب، وهو مطلب تشريني لمنع التزوير، لن يكون متحققا على الأغلب وسيجري اعتماد البطاقة الانتخابية السابقة".

وأردف: "كما أن وجود مراقبة دولية للانتخابات أمر غير مضمون هو الآخر، خصوصا مع حقيقة أن المجتمع الدولي سيرضى بنتائج الانتخابات أيا كانت، والدليل على ذلك نتيجة التصويت الضعيفة في انتخابات 2018 والمقاطعة الشعبية الواسعة لها، ومع ذلك جرى اعتمادها في تشكيل البرلمان ومن ثم الحكومة".

وخلص سعداوي إلى أن "توفير الظروف المناسبة لمشاركة التشرينيين في الانتخابات، إن كانوا كيانات سياسية أو قواعد شعبية انتخابية، سيمثل نوعا من إعادة الثقة بالعملية السياسية وترميما للمشهد الاجتماعي المنقسم بشكل حاد حاليا، وتوفير فرصة لمشاركة التشرينيين في المؤسسة التشريعية وصناعة الحلول للأزمات المتفاقمة في العراق اليوم".

وعلى ضوء ذلك، يشير مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن الانتخابي مهند نعيم إلى مسارين قانونيين، سيتم العمل عليهما لحظر مشاركة الأحزاب التي تمارس أنشطة مسلحة، من خلال "معاقبة الأفراد بعقوبات تصل إلى السجن في حال ثبوت استخدامهم السلاح للتأثير على الانتخابات، أو من خلال سحب تسجيل الأحزاب التي يثبت امتلاكها أجنحة مسلحة وتحرم من الحياة السياسية".

وأوضح نعيم خلال تصريحات صحفية في 14 أبريل/ نيسان 2021 أن "بإمكان الأحزاب الفتية وغير المسلحة تحريك الشكاوى إلى مفوضية الانتخابات لسحب تسجيل الأحزاب قبل الانتخابات استنادا لقانون الأحزاب لعام 2015".

ويتحدث نعيم عن مسار آخر أكثر حدة في التعاطي مع الأحزاب والمرشحين الذين يثبت انتماؤهم لجماعات مسلحة، ويكشف عن "تحرك واسع يجري من قبل رئاسة الوزراء لتعديل قانون استبدال أعضاء البرلمان".

وحسب نعيم، فإن القانون ينص على "سحب عضوية أي نائب في البرلمان المقبل يثبت قيامه بأنشطة مسلحة أو الانتماء لجماعات مسلحة، واستبداله بالمرشح الذي يليه في دائرته الانتخابية".

موضحا أن هذه الفقرة "ستحفز الأحزاب المتضررة إلى ملاحقة هؤلاء"، ويكشف نعيم عن "تعاط إيجابي من قبل قادة الكتل البرلمانية مع هذا التعديل خلال جلسة جرت أخيرا معهم"، لافتا إلى أن "مسودة التعديل رفعت إلى البرلمان بانتظار تمريرها".

ووفق تقارير إعلامية، فإن مفوضية الانتخابات سجلت منذ بداية عام 2020 وحتى 28 أبريل/ نيسان 2021، 40 حزبا سياسيا، منحت إجازات تمكنها من ممارسة عملها الحزبي وخوض الانتخابات ليصل عدد الأحزاب المسجلة إلى إجمالي 270، فيما لا يتجاوز عدد "القوى التشرينية" الـ20 في عموم البلاد، بعضها مسجل رسميا والبعض الآخر ما زال غير مسجل.