عقوبات أوروبية على مسؤولين.. هل تنهي أزمة تشكيل الحكومة في لبنان؟

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور أشهر عدة، ما زال اللبنانيون يتذكرون جيدا مشهد نزول طائرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاصمة بيروت، في 6 أغسطس/آب 2020، ومنذ ذلك اليوم ظلت آمالهم معلقة على حل أزمات بلادهم، وعقاب مسؤوليهم.

وجاءت زيارة ماكرون على وجه السرعة، إثر الانفجار الذي تعرّض له مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، وأدى إلى تدمير نصف العاصمة تقريبا، ووفاة أكثر من 200 شخص، وإصابة ما يزيد على 3 آلاف.

هذه الزيارة، مُنحت فيها باريس مفتاح لبنان ودخلت من خلاله بقوة إلى المشهد السياسي في "بلاد الأرز"، عبر باب تقديم الحلول للخروج من الأزمة السياسية التي يتخبط فيها.

بعدها قدمت مبادرة للحل عرفت بـ"المبادرة الفرنسية"، إثر زيارة ثانية لماكرون إلى بيروت في 31 أغسطس/آب 2020، واجتماعه مع رؤساء الأحزاب والكتل النيابية، ووافق هؤلاء جميعا على تطبيق "المبادرة".

قامت فلسفة المبادرة على تشكيل "حكومة مهمة"، من اختصاصيين مستقلين لا ينتمون إلى الأحزاب الحاكمة (تكنوقراط)، ترفع لواء الإصلاح المالي ومكافحة الفساد.

لكن باريس اصطدمت بـ"تذاكي" الأحزاب اللبنانية، وتمسك كل منها بمصالحه الشخصية على حساب "الوطن"، وفي مقدمة هؤلاء رئيس الجمهورية ميشال عون الذي "يريد وتياره السياسي أن يكون له الحصة الأكبر في الحكومة العتيدة"، ومفق متابعين.

ترافق ذلك مع انهيار كبير للعملة المحلية (الليرة) مقابل الدولار، وازدياد نسب الفقر والبطالة في لبنان، دون وجود أي بوادر لحل المعضلة التي تفتك باللبنانيين.

عقوبات البروليكس

مع تعنت السياسيين ومكابرتهم، حذر وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان هؤلاء من خطورة المسلك الذي يسلكونه، مؤكدا في الوقت نفسه أن باريس وكذلك الاتحاد الأوروبي "لا يمكنهما أن يتركا لبنان ينهار".

وأوضح خلال تصريح له في 29 مارس/آذار الماضي، أنه "يجب فورا إنهاء التعطيل المتعمد للخروج من الأزمة السياسية"، مشيرا إلى أن "الاتحاد الأوروبي يبحث سبل ممارسة ضغوط على الجهات التي تعرقل إيجاد مخرج من الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية في لبنان".

وبحسب لودريان "لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقف مكتوف الأيدي فيما لبنان ينهار"، لتحيل فرنسا الملف إلى الاتحاد، بهدف فتح باب العقوبات على "المعطلين" تشكيل الحكومة اللبنانية.

لكن ظل سؤال الشارع، هل تشكل العقوبات دفعا نحو ذلك، أم أن مصيرها سيكون كمصير "المبادرة الفرنسية" الفشل أمام تعنت السياسيين في بيروت؟.

وتطبِق المجموعة الأوروبية عادة عقوبات لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، أو لتعزيز أهداف السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، كدعم الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، والدفاع عن مبادئ القانون الدولي.

وتستند لجنة "البروليكس" المعنية بالعقوبات داخل الاتحاد، إلى المادتين 30 و31 من معاهدة الاتحاد لفرض عقوبات على كيانات معنوية أو شخصيات.

ولها أن تفرض مجموعة واسعة من الإجراءات التقييدية، تشمل العقوبات الدبلوماسية كقطع العلاقات، وتعليق الزيارات الرسمية، أو عقوبات تجارية عامة، أو قيود الدخول كمنع السفر، وعقوبات مالية كتجميد الأموال، وغيرها.

وسبق للاتحاد أن اتخذ عقوبات شبيهة بالتي يبحث بإمكانية فرضها على مسؤولين لبنانيين.

ونقلت الخبيرة في الشؤون الفرنسية، الصحفية رندة تقي الدين، المقيمة في باريس عن مصدر أوروبي مطلع، قوله إن "الاتحاد الأوروبي سيطلق العمل لإنشاء الإطار المناسب للعقوبات على المسؤولين اللبنانيين الذين يعطلون تشكيل الحكومة".

وأوضحت في مقالة لها في جريدة "نداء الوطن" اللبنانية، أن "ليس هناك لائحة أسماء ولا تحديد للعقوبات بعد".

وأشارت إلى أن "العمل جار لوضع نظام عقوبات خاص بلبنان، لكن من الصعب التكهن مسبقا بمواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول الموضوع".

وقالت: "الأمر هو كناية عن وضع نظام قانوني للعقوبات على شخصيات لبنانية، من خلال نصوص تشريعية تمكن لاحقا من تحديد الأسماء بموجبها".

بلا نتائج

وفي 19 أبريل/نيسان الجاري، انعقد اجتماع المجموعة الأوروبية، وشهد نقاشا وتباينا في الرأي حول ماهية العقوبات ونوعيتها والأسماء التي ستطالها.

وأفاد مصدر مطلع لـ "الاستقلال" بأن "القادة الأوروبيين سيعاودون الاجتماع مرة جديدة".

وعلقت آمال كثيرة على هذا الاجتماع على حد قول الإعلامي اللبناني يحيى الصديق، خاصة من ناحية مناقشة ورقة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حول لبنان. 

لكن الآمال تبخرت يقول الصديق لـ"الاستقلال"،  و"لم يتم اتخاذ القرارات المناسبة بخصوص لائحة العقوبات وأخرى بالأشخاص الذين ستفرض عليهم مع آلية واضحة".

من جانبه، ذكر الصحفي ميشال نجم في تقرير له عبر صحيفة "الشرق الأوسط" في 23 أبريل/نيسان الجاري، أن الأمور تبدو متجهة لمزيد من "الانتظار الذي سيطول".

ووفقا لـ"نجم" فإن الوزراء ناقشوا الملف اللبناني الذي كان واردا تحت باب "المسائل الراهنة" التي تتشكل من "لائحة طويلة" ونظروا في "المحفزات" و"التدابير" التي من شأنها الدفع لتشكيل حكومة.

لكن "لم يتم التوصل إلى أي شيء ملموس" على هذا الصعيد الأمر الذي يعني الحاجة لمزيد من الاجتماعات والمناقشات.

فيما أفادت مصادر دبلوماسية فرنسية بأن باريس "مستمرة في العمل مع شركائها الأوروبيين لتحديد كامل التدابير التي يمكن أن تخدم هدف تشكيل الحكومة"، مضيفة أن "على المعطلين أن يعلموا أننا لن نقف مكتوفي الأيدي"، وفق الصحيفة.

وفي هذا الصدد، قال سفير فرنسي سابق لجريدة "الشرق الأوسط" أن هناك 4 عوائق تحول دون إصدار عقوبات أوروبية، وهي افتقاد الأساس القانوني لها، والحاجة إلى الحصول على إجماع دول الاتحاد على العقوبات، وتفاصيلها، والأشخاص الذين ستطالهم.

كذلك مفاوضات "فيينا" بين المجموعة الأوروبية وأميركا مع إيران والرغبة في عدم اتخاذ أي قرار بإمكانه أن "ينعكس سلبا على مسار هذه المفاوضات مثل فرض عقوبات على حزب الله أو حلفاء إيران".

بالإضافة إلى وجود قضايا أخرى تستحوذ على اهتمام دول الاتحاد، كالوضع في أوكرانيا وتوتر العلاقات مع روسيا والعلاقة مع تركيا، ومواجهة فيروس كورونا وتبعاته الهائلة على الاقتصاد الأوروبي، وبالتالي "لا وقت لديهم للانشغال بممحاكات السياسيين اللبنانيين المملة والفارغة".

وقد تزامن الحراك الأوروبي تجاه لبنان، مع رسالة وقعها أكثر من 100 شخصية لبنانية من المجتمع المدني، نشرت في صحيفة "لوموند" الفرنسية، حضت على إصدار تعليمات "من أجل تطبيق الآلية القانونية لتجميد الأصول المشكوك في مصدرها التي يملكها في فرنسا سياسيون واقتصاديون لبنانيون".

نتائج عكسية

وقال الصحفي اللبناني أحمد الأيوبي لـ"الاستقلال": إن "العقوبات الأوروبية على المسؤولين اللبنانيين تدبير في غاية الضرورة والأهمية، فهؤلاء الذين يعطلون مسيرة الخروج من الأزمة القاتلة التي نعيشها".

واعتبر أن "تحرك الاتحاد الأوروبي أتى متأخرا ولبنان ينهار، لذا عليه التعجيل في فرض العقوبات عساها تكبح انزلاقنا الكبير نحو الهاوية، وتردع المسؤولين اللبنانيين غير الآبهين بمصير البلاد والعباد، لأن من شأن هذه العقوبات أن تسرع بتشكيل (حكومة المهمة) بالإصلاحات التي نصت عليها المبادرة الفرنسية".

لكن هناك خشية جدية من أن تؤدي هذه العقوبات إلى نتائج عكسية، كما حدث مع العقوبات الأميركية على جبران باسيل صهر الرئيس عون حليف حزب الله، وبعض الوزراء المقربين من حزب الله، حيث توقفت آنذاك مفاوضات تشكيل الحكومة التي كان يقودها الرئيس المكلف مصطفى أديب.

وشكك الصحفي نبيل خوري في مقال له بموقع "المدن" بـ"جدوى فعالية أية عقوبات أوروبية محتملة على مسؤولين لبنانيين مفترضين، من خلال تجميد أصولهم في دول الاتحاد الأوروبي مثلا".

وقال خوري: "أوروبا عاجزة عن التصدي لمشكلة الجنات الضريبية وما تمثله من ملاذ للتهرب الضريبي في دولها الأعضاء".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، اتهم"الاتحاد الدولي للمنظمات الخيرية" (Oxfam)، الاتحاد الأوروبي بـ"افتقاده للشجاعة السياسية اللازمة من أجل محاربة الجنات الضريبية". 

وتساءل خوري "كيف للاعب دولي كبير، بحجم أوروبا، يعاني من محدودية في مكافحة بؤر التهرب الضريبي وغسل الأموال، أن تكون تدابيره العقابية فعالة بحق متورطين في الإثراء غير المشروع في لبنان، خصوصا أن هؤلاء قد يكونون نقلوا أموالهم المنهوبة بطريقة يدوية، ووضعوها في أماكن آمنة توفرها لهم تلك الجنات الضريبية المحمية؟".

عقوبات وحوافز

فيما استبعد الصديق في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "تستخدم باريس سلاح العقوبات على الطريقة الأميركية للضغط على السياسيين اللبنانيين، فهذا الإجراء معقد كثيرا، ويحتاج تطبيقه لآلية خاصة تتضمن أدلة مثبتة بوثائق ومستندات، كما حصل مع تجميد أصول غير شرعية في فرنسا لبعض القادة الأفارقة ونائب رئيس النظام السوري السابق رفعت الأسد".

وأشار إلى أن "هذه الإجراءات تمت بضغط من جمعيات أهلية في باريس واستغرقت أعواما من التحقيقات وتجميع الأدلة الدامغة".

ونظرا لذلك، يبدو أن الدول الفاعلة في الاتحاد الأاوروبي أصبحت مدركة تماما لـ"أساليب المراوغة التي تتقنها النخب الحاكمة في لبنان، وأن سياسة العقوبات قد لا تؤدي إلى الهدف المرتجى منها ألا وهي إنقاذ لبنان من محنته".

لذلك يطرح الوزراء الأوروبيون ورقة خيارات تتضمن عقوبات مع حزمة من الحوافز المالية التي قد تسهم في إخراج الدولة اللبنانية من النفق المظلم وتدفع قادتها إلى التعاون على قاعدة "العصا والجزرة".

ففي تقرير نشرته جريدة "الشرق الأوسط" في 23 أبريل/نيسان الجاري، ذكر أن "ورقة الخيارات التي يجري مناقشتها شملت تأييد استئناف محادثات فاعلة وعاجلة مع صندوق النقد الدولي لدعم الإصلاحات الاقتصادية الأساسية في لبنان، على أن يتم إقرار برنامج أوروبي للمساعدة المالية الكلية، بمجرد الاتفاق مع صندوق النقد على برنامج الصرف الخاص به".

كما تضمنت الورقة عرضا أوروبيا لبدء مفاوضات لأولويات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدولة اللبنانية بين 2021 و2027 مشترطة لذلك "تشكيل حكومة جديدة".

كما يمكن أن تدعم بروكسل إرسال بعثة من صندوق النقد الدولي إلى لبنان للتعاون مع الحكومة فور تشكيلها، ودعم حوار رسمي وغير رسمي مع بيروت تسمح للأوروبيين باتخاذ إجراءات تتعلق بالعجز التجاري بلبنان.

بالإضافة إلى ذلك، وفق الورقة، رفع مستوى دعم المجتمع المدني اللبناني وتجديد العقد الاجتماعي ووقوف بروكسل على "أهبة الاستعداد لإرسال بعثة لمتابعة انتخابات عام 2021 وتحفيز المساعدة الفنية وكذلك بعثة مراقبة انتخابات عام 2022".