الإعلام الغربي يكشف الصراعات على تركة البشير في السودان

12

طباعة

مشاركة

قالت وسائل إعلام غربية، إن الصراع على وراثة تركة الرئيس السوداني عمر البشير وتشكيل مستقبل السودان، مرتهن بحالة عدم الثقة بين طرفي المشهد عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، فضلا عن مدى تأثير القوى الإقليمية والدولية.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أنه برغم الفرحة التي شعر بها المتظاهرون السودانيون عقب الإطاحة بالبشير من السلطة التي تشبث بها 30 عاما، إلا أن السؤال بالأساس يدور حول، من سيقود البلاد العسكريون أم المدنيون؟

من سيقود البلاد؟

وأشار التقرير إلى أن أنصار البشير هم من يتولون المسؤولية الآن من داخل المقرات العسكرية، منوها إلى أن "الجنرالات، المتمرسين في الحرب والموصومين بالفساد، ينخرطون في محادثات حساسة مع قادة ـ غير معروفين حتى الآن ـ لهذه الانتفاضة الشابة والنادرة".

وأضافت الصحيفة: "لكن لا يبدو أي من الطرفين متأكدا من هو الحليف أو العدو، وكذلك يزداد انعدام الثقة، خاصة بين المحتجين الذين يخشون أن يخدعهم الجنرالات في النهاية بإحباط العودة الموعودة إلى الحكم المدني".

ونقلت عن سلمى علي، المعلمة التي انضمت إلى الاحتجاجات، قولها: "لقد قطعوا الرأس (في إشارة لنظام البشير)، لكن الجسم لا زال موجودا".

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الجنود أصروا، الاثنين الماضي، على تطهير المنطقة من المتظاهرين، حتى يتمكنوا من تمشيطها، فيما اعتبره المتظاهرون خدعة لتفريقهم.

وتابعت: "مرة أخرى، انتهت المواجهة بين الجيش والمدنيين - القوى التي تقاتل من أجل صياغة مستقبل السودان - إلى طريق مسدود".

شبح الثورات يخيّم

ولفتت الصحيفة إلى أن "شبح الثورات الماضية يخيم على انتفاضة السودان، حيث يشعر البعض بالقلق من أن البلد، الذي هو أحد أكبر وأفقر بلدان إفريقيا، يمكن أن يلقى مصير ليبيا، حيث أدى سقوط معمر القذافي، بعد 40 عاما من الحكم، إلى دخول البلاد في دوامة فوضوية لم ينته منها بعد".

وأضافت: "بينما يرى آخرون نموذجا أكثر تشجيعا وهو نموذج جنوب أفريقيا، حيث وضعت نهاية للفصل العنصري في التسعينيات من خلال مفاوضات سلمية بين نظام الأبارتاهيد والمعارضة، بقيادة نيلسون مانديلا، وهي المعارضة التي كانت تسعى لهدمه".

ومضت "نيويورك تايمز" تقول: "في السودان، بدا الأمر في كثير من الأحيان وكأن الأحداث تسير وفق رغبة المتظاهرين منذ سقوط البشير الدراماتيكي".

وأشارت إلى أن "الطغمة العسكرية التي أطاحت بالرئيس السوداني تبدو في كثير من الأحيان مترددة وقلقة، حتى أنها تراجعت عن قراراتها (حيث أطاحت بأول قائد مؤقت لها بعد يوم واحد)، وقدمت سلسلة من التنازلات لإرضاء المتظاهرين المعسكرين خارج مقرهم".

وأضافت: "خلال عطلة نهاية الأسبوع، قال المجلس العسكري الانتقالي، الذي يسيطر على البلاد، إنه ألغى حظر التجول الذي تم الإعلان عنه قبل أيام وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. كما أعلن المجلس العسكري أن رئيس المخابرات المخيف صلاح قوش، الذي اعتبره المتظاهرون غير مقبول، سيتنحى".

حليف السعودية القوي

وبحسب الصحيفة، فقد أعلن المجلس العسكري، خلال عطلة نهاية الأسبوع، عن تعيين الفريق أول محمد حمدان، والمعروف باسم "حميدتي"، نائبا لرئيس المجلس.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن حمدان قائد شبه عسكري اكتسب سمعة سيئة باعتباره قائد ميليشيا ارتكبت سلسلة من الفظائع ضد المدنيين في منطقة دارفور بغرب السودان.

وتابعت الصحيفة الأمريكية أن السعودية، التي تعتبر حليفا قويا للجنرال حمدان، أصدرت بيانا عبّرت فيه عن موافقتها على هذا الاختيار. وبعد ذلك بيوم، تم تصوير الجنرال السوداني وهو يصافح القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، ستيفن كوتيس.

ومضت تقول: "أيضا لدى اللواء عبد الفتاح البرهان، رئيس الحكومة المؤقتة، علاقات وثيقة مع السعودية، التي تزود السودان بإمدادات حيوية من النفط المدعوم. وكان الجنرال البرهان، حتى وقت قريب ، يقود فرقة من القوات السودانية التي تقاتل في اليمن تحت مظلة التحالف الذي تقوده السعودية".

ولفت تقرير "نيويورك تايمز" إلى أنه "إذا كان أعضاء الطغمة العسكرية معروفين في السودان، فإن قادة المظاهرات غير معروفين خارج أسوارهم".

وبيّنت أنه "على مدى ثلاثة عقود من الحكم القاسي، قام البشير بحظر أو تهميش العديد من النقابات ومنظمات المجتمع المدني. كما تم سجن النقاد أو فروا إلى المنفى. ومات بعضهم في زنازين التعذيب".

وأضافت الصحيفة: "لكن حركة الاحتجاج التي أجبرت البشير في النهاية على السقوط كانت بقيادة مجموعة جديدة، هي تجمع المهنيين السودانيين، وهو التجمع الذي ولد من الطبقات الوسطى السودانية المحبطة".

دور تجمع المهنيين

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فقد قامت مجموعة من المتخصصين بقيادة أطباء ومهندسين، بتسخير موجة الغضب التي اندلعت خلال احتجاج على ارتفاع سعر الخبز في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وجعلته حركة جماعية مستدامة.

وساعد تجمع المهنيين السودانيين في تشكيل تحالف واسع من النشطاء واللجان المهنية ومناطق مزقتها الحرب، ومع ذلك، ظل زعماؤه، باستثناءات قليلة، سريين لتجنب الاعتقال.

وقال مصعب عبد الناصر (19) عاما، وهو مصور ومحتج: "لقد قادونا إلى الحرية، لكننا لا نعرف عنهم شيئا".

وبحسب "نييورك تايمز"، فإن هذا الحجاب من السرية قد تراجع تدريجيا في الأيام الأخيرة، حيث تفاوض الجيش والمتظاهرون على شكل حكومة مؤقتة لتوجيه البلاد حتى يمكن إجراء الانتخابات.

ولا يتفق الطرفان على طول الفترة الانتقالية، لكن الجيش وافق على أن يدير المدنيون جميع الوزارات باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية.

"النقطة الشائكة"

ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن "النقطة الشائكة الرئيسية هي من سيكون مسؤولا بالفعل، أي ما إذا كان المجلس العسكري سوف يتمتع بحق النقض، وبالتالي السيطرة الفعالة على رئيس وزراء مدني".

ونوهت إلى أن "المحادثات ستختبر أيضا وحدة المحتجين"، موضحة أن "الجيش استبعد الأحزاب الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، أداة البشير السياسية، من المحادثات. كما أن الجماعات المتمردة من دارفور وغيرها من المناطق النائية غير ممثلة".

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مجدي الجزولي، وهو خبير سوداني في معهد ريفت فالي، وهو مركز أبحاث، قوله: إن "المحتجين بحاجة إلى التوصل إلى موقف موحد قبل أن يتلاعب بهم العسكريون".

وأضاف الجزولي: "هناك الآن انفجار في النشاط السياسي في الخرطوم. لكن النافذة قد لا تكون مفتوحة لفترة طويلة. يحتاج المتظاهرون إلى معرفة ما يريدون الاستفادة منه قبل إغلاقه".

وقال عبد المتعال غيربش من المركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني في السودان، إن "الشعب السوداني يدرك جيدا كيف خرجت حركات الاحتجاجات الجماهيرية عن مسارها كما حدث في مصر في عام 2011، وهذه المرة، مصممون على تحقيق نتائج مختلفة".

وأضاف: "لقد رأينا ما حدث، ونعتقد أننا سنكون قادرين على تجنب تكرار ذلك مرة أخرى".

الصراعات بين فصائل الجيش

أما مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فقد ركزت على الصراعات الموجودة بين فصائل الجيش السوداني، معتبرة أن استقالة رئيس المجلس العسكري السوداني عوض بن عوف بعد 30 ساعة من إطاحة الرئيس عمر البشير تشي بوجود صراع على السلطة خلف الكواليس.

وبحسب المجلة، فإن بعض المحللين يرى أن استقالة بن عوف، قد تشير إلى أن فصائل داخل قوات الأمن السودانية لا تزال تتنافس على السلطة وراء الكواليس.

وأشارت إلى أن "بن عوف استقال من منصبه كرئيس للمجلس العسكري الحاكم في السودان يوم الجمعة، بعد يوم واحد فقط من قيادة انقلاب ضد البشير، دون أن يشرح أسباب استقالته، لكنه سرعان ما عين جنرالا آخر وهو، عبد الفتاح البرهان، بديلا له".

وتابعت المجلة: "كان هذا الإعلان بمثابة أحدث دراما سياسية تتكشف في السودان، حيث يحتج المتظاهرون منذ شهور، ويطالبون بإصلاحات اقتصادية وسياسية. وكان تعديل يوم الجمعة، أحدث علامة على أن الاضطرابات في السودان لم تنته بعد".

"السيناريو الكابوسي"

ونقلت المجلة عن سوزان ستيجانت، مديرة برامج إفريقيا بمعهد السلام بالولايات المتحدة: "لم يتفق أحد حقا على من سيشارك ومن سيخرج. هناك خطر تصاعد العنف بين تلك الفصائل".

وقال بايتون كنوبف، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي عمل في السودان، إنه "يتعين على الولايات المتحدة التركيز على ضمان عدم تصدير المنافسات الإقليمية إلى هناك"، مضيفا: "السيناريو الكابوسي هو أن إقحام المعسكرات المختلفة في الشرق الأوسط على الوضع في السودان. والولايات المتحدة لن تحل هذا الأمر بنفسها، لكن يمكنها أن تقود إجماعا دوليًا إلى انتقال بقيادة مدنية".

من جهتها، قالت ويلو بيرجيد، الباحثة في شؤون السودان في جامعة نيوكاسل، إنه في الأشهر التي سبقت إزاحته، كان البشير يجري محادثات مع القطريين والسعوديين من أجل المزيد من الإغاثة الاقتصادية، في محاولة اللعب على الخصمين الإقليميين، مضيفة: "الضباط العسكريين الذين يحكمون السودان الآن قد يحاولون لعب نفس اللعبة".

وبحسب المجلة الأمريكية، فقد دعا المسؤولون الأمريكيون إلى انتقال ديمقراطي للسلطة في السودان، لكنهم امتنعوا حتى الآن عن لعب الدور الرائد في التوسط في الأزمة.

وذكرت "فورين بوليسي"، أن التغيرات المفاجئة في السودان تمثل نفس المعضلة التي واجهها منظمو الاحتجاج منذ عقود: كيف يقومون بتفكيك عصابة القادة العسكريين الذين يحكمون البلاد؟ بينما النشطاء منقسمون حول كيفية تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية.

وقالت المتحدثة باسم جمعية المهنيين سارة عبد الجليل: "يجب على المجتمع الدولي الآن التركيز على منع وقوع مذبحة في السودان. في أواخر عام 2013، تم الزعم بأن الحكومة السودانية قتلت حوالي 200 شخص شاركوا في المظاهرات".

وتابعت: "لقد وصلنا إلى 70 قتيلا منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهناك تهديد مستمر بأنه يمكن أن يحدث هذا مرة أخرى. نحن قلقون للغاية من استخدام العنف".