رغم ضعفه.. معهد أميركي: العراق أصبح "جسر مصالحة" بين الخليج وإيران

12

طباعة

مشاركة

أكد معهد بروكينغز الأميركي للدراسات أن العراق ورغم حالة الضعف التي يعيشها فإنه قادر على أن يكون جسر مصالحة بين إيران والسعودية.

يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات السعودية العراقية تحسنا تدريجيا منذ عام 2015. وجرى افتتاح معبر عرعر الحدودي الرئيس بين البلدين لأول مرة منذ 30 عاما في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وفي أواخر مارس/ آذار 2021، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الرياض، وقع البلدان عددا من الاتفاقيات التي تغطي العلاقات الاقتصادية والثقافية.

الأهم من ذلك، التزام المملكة بزيادة كبيرة في الاستثمار في العراق، تصل إلى 3 مليارات دولار، من الإجمالي الحالي البالغ حوالي 500 مليون دولار. 

بعد أقل من 10 أيام على رحلة الكاظمي إلى السعودية، استضافت حكومته محادثات مباشرة بين الرياض وطهران.   

وفي 18 أبريل/نيسان، كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن محادثات مباشرة جرت بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبار، في محاولة لإصلاح العلاقات بين الخصمين الإقليميين، بعد سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية.

وأضاف تقرير الصحيفة نقلا عن أحد المسؤولين، أن الجولة الأولى من المحادثات السعودية الإيرانية جرت في بغداد في 9 أبريل/نيسان وتضمنت نقاشات بشأن هجمات جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران على السعودية. وأوضح التقرير نقلا عن مصادر مطلعة، أن المحادثات كانت إيجابية.

وكان السعوديون قد قطعوا العلاقات مع إيران بعد اعتداء متظاهرين على منشآتهم الدبلوماسية في إيران.

وفيما كان على الأرجح مصادفة، وقبل يومين من قطع السعوديين العلاقات مع إيران، أعادت المملكة رسميا فتح سفارتها في بغداد لأول مرة منذ 26 عاما، وهو مشروع كان قيد الإعداد منذ العام السابق. 

ويعتبر العاهل السعودي الملك سلمان وابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكثر القادة معاداة لإيران في تاريخ المملكة  لذا فإن قرارهم بفتح قنوات الحوار الآن هو خطوة كبيرة.

وأشار مسؤول عراقي في تعليقه على المحادثات إلى أن الكاظمي "حريص للغاية" على أن يلعب العراق دور "الجسر" بين جارتيه المتعاديتين. 

وتنذر المحادثات التي يستضيفها العراق بديناميكية جديدة محتملة في العلاقة بين إيران والعراق والمملكة العربية السعودية، اللاعبون الأساسييون الثلاثة في الخليج العربي.

منذ عام 2003، غالبا ما نظر المعلقون الخارجيون إلى الخليج على أنه نظام ثنائي القطب ، شكله التنافس بين إيران والسعودية، لكن الحقيقة هو أن الشرق الأوسط المعاصر متعدد الأقطاب. ومن منظور تاريخي، من الأفضل فهم منطقة الخليج العربي على أنها ثلاثية الأقطاب. 

تغير التوازنات

ابتداء من أوائل السبعينيات، عندما انسحبت بريطانيا من المنطقة، تنافست إيران والعراق والسعودية على الهيمنة. 

حاولت إيران التي كانت آنذاك تحت حكم الشاه وأكبر وأقوى اللاعبين الثلاثة، فرض سيطرتها على المنطقة بأكملها، فيما سعى العراق البعثي، ثاني أكبر اللاعبين الثلاثة، إلى ترسيخ هيمنته على الجانب العربي من الخليج، وسيطر على ممالك الخليج العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. 

وكانت السعودية أضعف القوى الثلاثة فبالكاد تملك جيشا يمكن الحديث عنه، بحسب المعهد.  

وفي المناقشات مع العراق وإيران حول أمن الخليج، كان هدف السعودية هو إحباط المؤسسات المهيمنة لجيرانها الأكبر، مع تأكيد سيطرتها على الإمارات الأصغر المطلة على الخليج.

في هذا السياق، يمكن اعتبار السعودية وفقا للنظرية الواقعية  البلد "صاحب الميزان"، أو "الموازن"، في نظام توازن القوى.

وهي بمثابة دولة لا تتفق بشكل دائم مع أي دولة أخرى أو تحالف دول، هدفها تحقيق التوازن بين المحاور المتنافسة، والتأرجح ذهابا وإيابا حسب الضرورة. 

وفي حالة السعودية في سبعينيات القرن الماضي، كان الشرط الأساسي لقدرتها على لعب دور الموازن هو أن لديها علاقات أفضل مع كل من إيران والعراق من العلاقات مع الأخرى.

 وكان السعوديون بالتأكيد متشككين في طموحات الشاه الإمبريالية، لكن بلاده مثل بلادهم، كانت موالية للولايات المتحدة. بالمثل، فإن السعوديين لم يثقوا في الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لكنه على الأقل كان رجلا سنيا عربيا. 

وعندما دفع الشاه أو صدام بسياسة إقليمية لم تعجب السعوديين، تحول هؤلاء نحو الجبهة الأخرى لإفشال المبادرة. 

وقد أزعجت الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية عملية التوازن الدقيقة للسعوديين، الذين ينظرون إلى إيران الثورية على أنها التهديد الأكبر، ووقفوا في تلك الحرب مع العراق البعثي. 

وعلى الرغم من أن العديد من المحللين يشيرون إلى هذا على أنه اللحظة التي بدأ فيها التنافس السعودي الإيراني، كان هدف السعوديين في ذلك الوقت هو إعادة التوازن بين أكبر لاعبين في الخليج. 

وبالرغم من أن العراق بدأ تلك الحرب الرهيبة بلا شك، فإن إيران كانت الخصم الذي رفض إنهاءها حتى عام 1988. ودعم السعوديون العراق طالما استمرت إيران في الحرب، لكن الأهم من ذلك أنهم ظلوا يتواصلون مع طهران. على سبيل المثال، سافر وزير الخارجية السعودي آنذاك سعود الفيصل إلى طهران في عام 1985، في ذروة الحرب. 

ووصلت العلاقات السعودية الإيرانية إلى أدنى مستوياتها بعد موسم الحج عام 1987، عندما بالغت قوات الأمن السعودية في رد فعلها تجاه مظاهرة إيرانية وقتلت 402 حاج معظمهم إيراني.

 لكن في حج العام التالي الذي تزامن مع نهاية الحرب، قدم السعوديون بادرة حسن نية مهمة للإيرانيين، حيث أعرب الملك فهد عن حزنه لغياب الحجاج الإيرانيين، نتيجة اندلاع الحرب في العام السابق. 

وكان هدف السعوديين هو إعادة تأسيس علاقة وظيفية مع إيران حتى يتمكنوا من إعادة التوازن الخليجي بمجرد انتهاء الحرب. وصدم غزو صدام حسين للكويت عام 1990، الرياض وعلق بشكل دائم قدرة السعوديين على التأرجح بين إيران والعراق.  وقطع السعوديون العلاقات مع العراق وكانوا يأملون في أن يتم استبدال صدام. 

وفي حين أنهم لم يكونوا متحمسين لغزو إدارة جورج دبليو بوش للعراق للإطاحة بصدام، فقد دعموا في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين خططا لإثارة انقلاب في بغداد واستبدال صدام بزعيم عراقي جديد، يكون جنرالا عربيا سنيا يمكنهم العمل معه.

وبعد الغزو الأميركي الذي لم يجلب دكتاتورا عربيا سنيا آخرا، بل جاء بنظام برلماني يهيمن عليه الشيعة، رأى الملك السعودي عبد الله، الذي حكم من 2005 إلى 2015، أن العراق الجديد بقيادة الشيعة لا يمكن أن  يكون شريكا لموازنة إيران، بل رأى في بغداد حليفا لطهران وتابعة لها ومنصة انطلاق لطموحاتها في الهيمنة.

كان هذا رد فعل مبالغا فيه من جانب الملك عبد الله وفق التقرير حيث إن القيادة السعودية الحالية أكثر استعدادا لعراق بقيادة الشيعة، حتى لو كان لديها حنين عميق إلى قيادة سنية.

وكان الملك عبد الله محقا في شيء واحد وهو أنه عندما كان صدام في السلطة، كان السعوديون هم اللاعب الخليجي الذي كان لديه أفضل العلاقات مع كل من العراق وإيران.  

وبمجرد أن أصبح الشيعة العراقيون الذين تربطهم صلات عميقة بإخوانهم في إيران، متمكنين في بغداد، فقد السعوديون هذه الميزة.

ومن المرجح دائما أن يتمتع العراق بقيادة شيعية وبعلاقات أفضل مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية أكثر من العلاقات التي ستقيمها كل منهما مع الأخرى.  

وفي حين أن المملكة العربية السعودية كانت تتمتع ذات مرة بميزة القدرة على التأرجح بين جارتيها الأقوى، فإن هذا الامتياز يعود الآن إلى العراق. 

ورغم أن العراق الذي عانى من عقود من الحرب أصبح اليوم أضعف لاعب في الخليج، فإنه يحتل اليوم موقع صاحب "الميزان الخليجي" الذي احتلته المملكة العربية السعودية من قبل.

دور جديد للعراق؟

في السنوات الأخيرة، سعى العراق إلى اتباع سياسة خارجية تقوم على عدم الانحياز، مع علاقات متوازنة مع كل من إيران والسعودية. 

وغالبا ما يجدول رؤساء الوزراء العراقيون رحلات إلى طهران والرياض معا من أجل إظهار هذا التوازن. 

وكما قال رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي في عام 2017، فإن العراقيين "يرفضون أن يكونوا جزءا من سياسة المحاور رغم أن العراق كان "ضحية" للمنافسات الإقليمية".

وميزة العراق في هذا الموقف غير المنحاز هي أنه بمرور الوقت - إذا كان بإمكانه أن يظل غير منحاز - سيكون قادرا على اللعب مع جارتيه الخليجيتين الأقوى بعيدا عن بعضهما البعض، كما فعلت السعودية منذ سنوات.

كما  يمكن أن يكون العراق أيضا بمثابة جسر بين إيران والسعودية، كما يبدو أن  رئيس الوزراء الكاظمي يخطط له اليوم.   

ويبدو العراق، المكان الطبيعي لإيران والسعودية لحل خلافاتهما كما لاحظ مسؤول عراقي في تعليقه على المحادثات التي تستضيفها بغداد.

وقال المسؤول الذي لم يكشف عن اسمه إن "من مصلحة العراق أن يلعب هذا الدور".

وتابع أنه "كلما زادت المواجهة في المنطقة، زادت قيمة هذا الدور "، لأن الانفراج السعودي الإيراني يعني منطقة أكثر هدوءا وعراقا أكثر هدوءا.

وعلى المدى القريب، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان العراق سيكون قادرا على القيام بهذه المهمة.

وليس من المؤكد على الإطلاق أن السعودية وإيران لديهما بالفعل الإرادة للمصالحة.  

وبحسب ما ورد فقد ركزت المحادثات حتى الآن على اليمن، حيث غرق السعوديون  في مستنقع كلفهم  الكثير أمام تنامي قوة وتهديدات المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

ويحتاج السعوديون إلى إيران لإقناع الحوثيين بإنهاء الحرب في الوقت الذي تتعرض فيه المدن السعودية لتهديد مستمر بالهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة. 

وإذا أسفرت المحادثات التي يتوسط فيها العراق عن وقف إطلاق النار، فسيكون ذلك بمثابة تحسن كبير في التوترات الإقليمية ويساعد في تخفيف أسوأ كارثة إنسانية في العالم. 

ومن المرجح أن العراق لا يزال أضعف بكثير من ممارسة نوع من النفوذ على جارتيه من شأنه أن يساعد في دفع عجلة المصالحة. 

لكن المحادثات السعودية الإيرانية التي قيل إنها جرت في العراق في وقت سابق من هذا الشهر قد تنذر بديناميكية ستظهر بشكل كامل في المستقبل. 

ويخلص التقرير إلى أن منطقة الخليج ليست ثنائية القطب، بل ثلاثية الأقطاب، حيث سيعود العراق الذي كان خارج الخدمة لسنوات عديدة كلاعب رئيس. 

 وبمجرد حدوث ذلك، يمكن أن يساعد العراق في تخفيف التوترات بين إيران والسعودية. 

ودعا التقرير الولايات المتحدة إلى دعم الجهد العراقي، ذلك أنه ومن مصلحة واشنطن خفض التوترات الطائفية في المنطقة، "فكما جعل الرئيس الأميركي جو بايدن إنهاء الحرب في اليمن أولوية، يمكنه مساعدة بغداد في إنهاء هذه المأساة".