بعد رحلة اندماج.. لهذا تضغط الدنمارك الآن لإعادة اللاجئين السوريين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة فاينانشال تايمز أن مساعي الدنمارك لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم تواجه انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية ورفضا قويا من مستشاري الحكومة.

وبعد ست سنوات من فراره من الحرب في سوريا، أصبح بلال تمام المولود في دمشق  "مندمجا بالكامل بنسبة 100 في المائة" في الدنمارك، فهو يدير شركته الخاصة لنقل الأثاث ويستمتع أطفاله بالنوم مع أصدقائهم الدنماركيين.

لكن الوضع يتجه نحو التعقيد، فقد يطلب من عائلة تمام المغادرة قريبا حيث تقول كوبنهاجن إن دمشق والبلدات المحيطة بها آمنة بما يكفي لعودتهم، وهي خطوة أثارت غضب الناشطين واللاجئين.

ليست آمنة

وقال تمام البالغ من العمر 51 عاما والذي ينتظر قريبا إذا كانت السلطات الدنماركية ستجدد تصريح إقامته: "بالطبع سوريا ليست آمنة للعودة إليها.. الذين غادروا من سوريا يعتبرون خونة هناك".

ورغم هدوء القتال في معظم أنحاء البلاد، فإن الناشطين والمحللين الذين يقدمون المشورة للحكومة الدنماركية بشأن سوريا حثوا السلطات على إعادة النظر في القرار ، الذي حذروا من أنه "قد يؤدي إلى اتجاه مقلق في سياسة اللاجئين الأوروبية".

ويخشى المنتقدون أن تحذو بعض دول الاتحاد الأوروبي حذوها وتحاول إعادة اللاجئين إلى البلدان التي تعاني من الصراع. 

وقالت هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي السنوي في يناير/كانون الثاني إن المقترحات الخاصة بتعديل نهج الاتحاد الأوروبي الأوسع في التعامل مع الهجرة واللجوء، والتي نشرت في العام 2020 "أكدت التركيز على إغلاق الحدود وتعزيز عمليات العودة".

ويعيش ما يقرب من 33 ألف لاجئ سوري وعائلاتهم في الدنمارك، فروا من وطنهم منذ اندلاع الحرب الدموية في البلاد في عام 2011، وهي نسبة ضئيلة من 5.6 مليون شخص في البلاد. 

ويشكل المهاجرون حوالي 9 بالمائة من سكان الدنمارك. والجدل الدائر حول الهجرة منذ فترة طويلة مشحون سياسيا، حيث يدعو عدد من الأحزاب اليسارية واليمينية  لفرض قوانين صارمة تسمح، على سبيل المثال، بمصادرة النقود والمجوهرات من المهاجرين.

ولا يزال السلام السوري سرابا بعد عقد من وحشية رئيس النظام بشار الأسد، حيث يضطر اللاجئون - مثل تمام -والذين يعتبرون غير مهددين شخصيا من قبل نظام دمشق وفق سلطان الدنمارك، إلى تجديد إقامتهم كل عام.

 وفي عام 2019 ألغت الحكومة الحماية الشاملة الممنوحة لجميع السوريين.

منذ ذلك الحين، خلص المجلس الدنماركي للاجئين إلى أن الوضع الأمني ​​في دمشق وما حولها قد تحسن بما يكفي لدرجة أن الحاجة إلى حماية الأشخاص "الذين لم يتعرضوا للاضطهاد الفردي، ولكن لديهم تصريح إقامة مؤقتة على أساس الظروف العامة، لم يعد ضروريا". 

وقال ماتياس تسفاي، وزير الهجرة الدنماركي في حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي "كانت الدنمارك منفتحة وصادقة منذ اليوم الأول.. لقد أوضحنا للاجئين السوريين أن تصريح إقامتهم مؤقت".

وقالت وزارة الهجرة والاندماج في أبريل/نيسان 2021، إن 461 سوريا من مدينة دمشق، من المقرر أن يتم إعلامهم بـ"ما إذا كانت تصاريح إقامتهم سيتم الاحتفاظ بها أو تمديدها أو تغييرها أو إلغاؤها أو رفض تمديدها".

وأضافت أن ما يقدر بنحو 50 سوريا "يقيمون الآن في مراكز العودة في الدنمارك" - التي تعتبر مراكز ترحيل.

الوضع لم يتحسن

ومن جهتهم أدان مستشارو الحكومة بشأن سوريا "بشدة قرار الحكومة الدنماركية"، حيث أكدوا "نحن لا نعتبر أن سياسة الدنمارك تجاه اللاجئين السوريين تعكس تماما الظروف الحقيقية على الأرض. تخضع كوبنهاجن لحظر دولي ضد "الإعادة القسرية" للاجئين. 

وقالت سارة كيالي ، الباحثة  في هيومن رايتس ووتش في سوريا والموقعة على البيان، إن قرار الدنمارك "استند إلى حقيقة أنه لم تعد هناك ضربات جوية لأن الحكومة السورية استعادت معظم الأراضي في محافظة دمشق".

مع ذلك، "من الواضح جدا أن سوريا ليست آمنة للعودة إليها الآن. الوضع لم يتحسن عندما نتحدث عن الاعتقالات وسوء المعاملة. إن مخاطر الاضطهاد لا تزال قائمة".

وأضافت "ليس هناك وسيلة لتحديد ما إذا كان شخص ما بأمان في سوريا حتى عودة ذلك الشخص". 

وفي الوقت نفسه، تحول الصراع في سوريا إلى جوع واسع النطاق حيث انهار الاقتصاد بسبب الحرب المدمرة، ودفعته جائحة كورونا إلى حافة الهاوية. 

وتقدر وكالة الغذاء التابعة للأمم المتحدة أن 60 بالمائة من السوريين غير قادرين على الحصول على طعام كاف. 

ومن غير الواضح ما إذا كانت الدول الأوروبية الأخرى ستتبع خطوة الدنماركيين، حيث يشكل السوريون أعلى نسبة من طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2013. 

وبينما أشارت السويد والمملكة المتحدة أيضا إلى أن أجزاء من سوريا أصبحت الآن أقل خطورة، أصبحت الدنمارك أول بلد أوروبي يتحرك لإعادة اللاجئين إلى هناك.

وعمليا، لا تستطيع الدنمارك ترحيل اللاجئين إلى سوريا لأنها لا تقيم علاقات رسمية مع نظام بشار الأسد الذي استعاد معظم أراضي البلاد التي خسرها المعارضون. وبدلا من ذلك، تقدم للاجئين حوافز مالية للعودة من تلقاء أنفسهم. 

أما بالنسبة لأولئك الذين يفقدون الإقامة ويفشلون في مغادرة الدنمارك فهم يواجهون الاحتجاز إلى أجل غير مسمى في مراكز الترحيل الدنماركية. 

وبحسب وزارة الهجرة، عاد حوالي 250 لاجئا طواعية إلى سوريا في عام 2019.

ومنذ فراره من سوريا عن طريق البر والبحر ووصوله إلى الدنمارك سيرا على الأقدام ، عمل السوري تمام في مهام مختلفة من صنع البيتزا إلى التنظيف. وقال إن الدنمارك "أصبحت مثل بلدي، والناس هنا مثل شعبي". 

وانضمت إلى تمام عائلته بعد ثلاث سنوات، حيث يقول إنهم يحبون الدنمارك أيضا "أخبرتني ابنتي الصغيرة، بابا.. لا أريد الرحيل".