"تصطاد عدة عصافير بطلقة".. ماذا تعني صفقة الدرون بين المغرب وتركيا؟

سلمان الراشدي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"باهتمام كبير" تلقف المغاربة خبر عقد بلادهم صفقة لشراء طائرات درون "بيرقدار" التركية، بهدف تعزيز ترسانة المملكة العسكرية، وذلك في أول عملية من هذا النوع بين الرباط وأنقرة.

"المثير في ذلك" أن المغرب كسر حاجز شركائه التقليديين (أميركا، روسيا، فرنسا، إسبانيا..)، ولجأ إلى دولة (تركيا) يحاول بين الفينة والأخرى وضع حاجز معها قدر الإمكان، خاصة بعد "الشنآن العابر" بسبب ملفات اقتصادية، وأيضا للغياب الدائم للتنسيق السياسي.

هذه الصفقة اعتبرها خبراء، أنها "ضربة معلم" تمكنت فيها الرباط من أن "تصطاد عدة عصافير بطلقة واحدة"، منها أنها بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين المغرب وتركيا، و"جرأة" الرباط في البحث عن مصالحه بعيدا عن التبعية للدول التقليدية، ومزاحمة جاره الجزائر في شريكه العسكري الكبير.

سرب كامل

في 16 أبريل/نيسان 2021، كشف موقع "أفريكا أنتلجنس" الاستخباراتي الفرنسي، أن المملكة تعاقدت مع شركة بيرقدار التركية، لشراء سرب كامل يتكون من 13 طائرة بدون طيار من طراز "بيرقدار TB2" ومعداتها الأرضية، بمبلغ يقدر بـ70 مليون دولار.

وأوضح الموقع، أن العقد الجديد الخاص بالطائرات، "لن يغير من التوازن العسكري بين المغرب والجزائر، التي تعتبر حليفا للنظام التركي". واستدرك: "غير أن الطائرات الجديدة ستسهم على الخصوص في تعزيز قدرات سلاح الجو المغربي على تأمين الأقاليم الجنوبية للمملكة".

وأوضح أن "الطائرات التي تنتجها الشركة التركية، محط اهتمام إقليمي، خلال السنوات الثلاث الماضية، لا سيما بعدما نسب إليها الفضل فيما تحقق بعمليات عسكرية نفذتها القوات المسلحة التركية، في عدة مناطق، لا سيما شمال سوريا، وكذا تدخلاتها في الصراع الليبي وأذربيجان".

وفي تعليق له عن هذه الصفقة باعتبارها صفحة جديدة بين تركيا والمغرب، قال الخبير في الشأن العسكري والأمني، محمد شقير: "العلاقات بين الدول لها عدة أبعاد، وبالتالي هناك تعامل ذو صعيد إما اقتصادي أو تجاري أو سياسي أو عسكري، والعلاقات بين الدول بشأن التعامل في مجال ما، ليس بالضرورة أن يكون بنفس التعامل في مجال آخر".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الدليل على ذلك، نموذج إسبانيا والمغرب، حيث يتميزان بتعاون اقتصادي كبير، لكن هناك توتر سياسي، ما يعني أن التعامل مع الدول ليس بالضرورة يكون بنسب متقاربة ومتساوية في جميع المجالات".

وأشار شقير إلى أنه "وفق هذا المنظور يمكن أن نرى أن العلاقات بين أنقرة والرباط على المستوى الاقتصادي عرفت نوعا من التوتر وعدم التفاعل، نظرا لأن المغرب اعتبر أن اتفاقية التبادل الحر (دخلت حيز التنفيذ عام 2006) هي مربحة أكثر لتركيا مقابل أن المملكة لم تستفد منها، ولم تكن في صالحها، وكانت تؤثر على ميزانها التجاري".

وتابع: "كان دائما الميزان التجاري لصالح تركيا، بحكم أنها استفادت من هذه الاتفاقية من خلال إنجاز مجموعة من المشاريع، سواء كانت على مستوى الأسواق أو المشاريع الصناعية في وقت عانى فيه المغرب من هذه المشاريع خاصة في مجال النسيج".

وأردف: "هذا ما جعل السلطات المغربية تطالب بإعادة النظر في هذه الاتفاقية، لتعديل بعض البنود والطلب من أنقرة أن تقيم استثمارات تساهم في استفادة المغرب من هذا الاتفاق".

وفي 24 أغسطس/آب 2020، اتفق المغرب وتركيا على تعديل اتفاقية التبادل الحر، بسبب اختلال في الميزان التجاري، حيث بلغت قيمة الواردات المغربية من تركيا 2.3 مليار دولار في 2019، في المقابل، بلغت قيمة صادرات المغرب إلى تركيا، حوالي 700 مليون دولار.

صفقة ضخمة

على المستوى العسكري، أكد شقير أن "المغرب في حاجة إلى نوعية خاصة من الأسلحة، وعلى رأسها الدرون، نظرا لأنه في المناطق الصحراوية على مستوى الجدار العازل، يعاني من تحركات جبهة البوليساريو التي تقصف بين الفينة والأخرى هذا الجدار، ما جعل المغرب يفكر في ضرورة اقتناء درون بمواصفات مميزة".

وأضاف أن "نظرية الإستراتيجية الحالية لمواجهة الخصم تقوم بالأساس على اقتناء هذا النوع من الطائرات، وسبق للمغرب أن أبرم اتفاقية مع الولايات المتحدة للحصول على مجموعة من المسيرات، وفي هذا السياق المغرب يريد أن ينوع مخزونه من الطائرات، وأن يلائم أولا مسرح العمليات العسكرية في الصحراء وهذا السبب الذي دفعه لذلك".

وأوضح أن "إستراتيجية المغرب في التزود بالأسلحة هو التنوع، حيث اقتنى أقمارا اصطناعية من فرنسا وفرقاطات من إسبانيا، وإن كانت واشنطن المزود الرئيس للمغرب، وهذا لا يمنع من أن المغرب ينوع دائما من طبيعة احتياجاته للسلاح وعدم الخضوع لمزود وحيد، لأنه ربما يكون هناك اضطراب في العلاقات أو اختلاف في الرؤى".

ورغم أن الموقع أشار إلى أن العقد الجديد الخاص بالمسيرات "لن يغير من التوازن العسكري بين المغرب والجزائر التي تملك علاقات متقدمة وإستراتيجية مع أنقرة"، إلا أن الصحفي نصرالدين السويلمي قال عبر "فيسبوك" إن "ضخامة الصفقة والمعركة التاريخية الطاحنة الصامتة بين الجارتين على خلفية الصحراء، أمور قد تسهم في خدش التناغم الجزائري التركي".

فيما أوضح الخبير في الشأن العسكري شقير أن "السياسة الخارجية لكل دولة هو البحث عن مصالحها، وكون تركيا لها علاقات مع الجزائر والمغرب هذا لا يمنعها من الاستفادة من العلاقتين حسب المجال الذي تحتاجه، فمثلا الرباط له اتفاقية التبادل الحر مع تركيا فيما يغيب ذلك مع الجزائر، وهذا ما يعني أن التعامل الخارجي تحكمه المصالح المتبادلة".

من جهته، اعتبر موقع "لوديسك" المغربي "عملية شراء الدرون التركية غير مسبوقة من شأنها أن تعزز مكانة المغرب في ميزان القوى العسكري مع الجزائر، وخصوصا مع البوليساريو".

ولفت الموقع في خبر مقتضب نشره في 16 أبريل/نيسان 2021، إلى أن هذه الأسلحة التركية "أثبتت فعاليتها ضد المتمردين، وحتى في الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا"، في إشارة إلى دور الطائرات المسيرة التركية في تحرير إقليم "قره باغ" من الاحتلال الأرميني في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار تحت رعاية أممية.

وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستقبل لاجئين من الإقليم.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت واشنطن اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أميركية بمدينة الداخلة في الإقليم.

ومنذ إعلان واشنطن اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، يشهد الجدار الفاصل مناوشات بين الفينة والأخرى، يرد عليه الطرفان بالقصف المدفعي.

سمعة عالمية

هذا الاهتمام الكبير داخل المغرب وخارجه، فتح الباب للإشادة بطائرات الدرون التركية، حيث قال الإعلامي محمد واموسي: "هذه المسيرات تتميز بفاعليتها وقدرتها على حمل أوزان تصل إلى 150 كيلوغراما، إضافة إلى التحليق لمدة 24 ساعة كاملة دون توقف، من علو 20 ألف قدم من على سطح الأرض".

وأضاف في تدوينة عبر "فيسبوك": "هذه المسيرات التي تتميز بقدرتها على المراقبة والرصد الليلي وضرب الأهداف بدقة عالية، حققت سمعة عالمية كبيرة، بفضل الدور البارز الذي لعبته في تغيير الموازين في العديد من مناطق الصراع، كان آخرها في إقليم قره باغ الذي انتزعته أذربيجان من أرمينيا بالقوة".

من جانبه، قال موقع " le360" المغربي إن "اقتناء هذه الطائرات التي لها مهمة دفاعية، ستمكن القوات المسلحة الملكية من التوفر على أداة حاسمة، من شأنها أن تحدث فرقا في أي نزاع مسلح محتمل، خاصة أن هذه الصفقة تأتي في سياق توتر في المنطقة بسبب تجاوزات البوليساريو بدعم من النظام العسكري الجزائري".

من جهته، شدد شقير على أن "المثير في هذه الصفقة، طبيعة ونوعية هذا السلاح، الدرون أصبح حاليا من أحدث الأسلحة التي تتنافس على اقتنائها مجموعة من الدول، والمغرب بحكم عقده للصفقة، خاصة إذا تمت، يثير الاهتمام ويجعل المتتبعين يركزون بالأساس على هذه المسأله".

وقال: "هذه الطائرات أصبح لها وزن وفعالية قتالية ظهرت في أفغانستان والعراق، وكل الدول تحاول أن تقتني هذه الطائرات، واستباق المغرب لشرائها سواء من أميركا أو تركيا جعل هذا الاهتمام بهذه الصفقة يكون بهذا الشكل".