كيف دعمت السعودية الانقلاب العسكري في السودان؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إذا كان الخبز والوقود هما الأزمات التي أطاحت بالرئيس المخلوع عمر البشير الذي حكم السودان منذ 1989، فإن المملكة السعودية التي كانت أبرز الداعمين له، أعلنت بعد ساعات من تولي الجنرال فريق أول عبد الفتاح البرهان، رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، في اعتراف علني بحكم المجلس العسكري الانتقالي أنّها ستقدم للسودان مساعدات تشمل المشتقّات البترولية والقمح والأدوية.

وكذلك فإنها محاولة لتثبيت أركان رئيس عسكري انتقالي متجاهلة إصرار الشعب السوداني على الإطاحة بكل رموز العسكر وتمسكه بمطالبه بحكومة مدنية، وصمودها في احتجاجاته بالشارع رفضا لمناورة الجيش معه.

دعم سعودي

سارعت السعودية السبت الماضي، قبل غيرها من باقي الدول التي أعلنت موقفها بعدها، بإعلان "تأييدها" للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي، واصفا تلك الإجراءات بأنها تصب في مصلحة الشعب السوداني، ورأت أن ما يفعله المجلس العسكري هو محافظة على الأرواح والممتلكات.

في مشهد أعاد للأذهان موقف المملكة إبان الثورة المصرية، حيث وجهت أيضا حزمة مساعدات مالية لرئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، كانت أحد الأسباب التي مكنته من تنفيذ انقلابه على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، مستخدمة نفس العبارات التي جاءت في بيانها للسودان.

رفض سوداني سعودي

السودانيون أعلنوا رفضهم لمساعدات السعودية، عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وبيان المعارضة، مجمعين على رفضهم لما وصفوها بـ"الصدقة" من السعودية واعتبروها دعما للمجلس العسكري في خطة تبديل الأقنعة التي يتبعها، للالتفاف على مطالب الشعب، مؤكدين أن مطالبهم لن تتحقق إلا بعد إحالة رموز النظام إلى المحاكمة، كما طالبوا السعودية بعودة أبنائهم من حرب اليمن لأنها ليست حربهم.

أما السعوديون، فقد أعربوا عن غضبهم من توجيه المملكة مساعدات غذائية وبترولية للسودان، في نفس اليوم الذي ترفع فيه أسعار البنزين المحلية على شعبها، بنسبة 4 بالمئة تقريبا لـ"بنزين 95" بنسبة ليصبح 2.10 ريال بدلا من 2.02، للتر في الربع الماضي، وبنزين 91 بنسبة 5 بالمئة تقريبا إلى 1.44 ريال من 1.37 ريال، مستنكرين تحكم "الفساد" في البلاد وتبديد السلطات السعودية لثروات المملكة في حرب اليمن وارتفاع تكاليفها، ودعم الانقلابات العسكرية وشراء السمعة وغيرها، فضلا عن مزاعم الإصلاحات الاقتصادية ورؤية 2030.

مصالح سعودية

السودان عضو رئيسي الآن في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن بعد انسحاب بعض الدول منه، وتقدر هذه المشاركة السودانية بستة آلاف شخص رغم وقوع خسائر في صفوفها.

و"البرهان" عرف بأنه "مهندس إرسال السودانيين للقتال في اليمن"، لأنه أبرز الشخصيات العسكرية التي كانت تنسق لإرسال القوات السودانية للمشاركة في الحرب باليمن، ولذلك يرى المراقبون أن الدعم السعودي ليس للشعب السوداني وإنما لتثبيت رجلها في السودان لضمان استمرار مواصلة الجنود السودانيين لحرب "لا ناقة لهم فيها ولا جمل" باليمن.

وبحسب قائد قوات الدعم السريع في السودان، فإن قواته المشاركة في الحرب باليمن، فقدت 412 عسكريا، بينهم 14 ضابطا، ومع ذلك أصر البشير على الاستمرار في التحالف، رغم عدم حصوله على مقابل مادي شبيه بالذي حصل ولا يزال يحصل عليه السيسي، رغم عدم مشاركة قوات مصرية برية في الأمر، وأن كانت بطبيعة الحال هناك بعض المزايا التي دفعته للمشاركة في التحالف، فالسعودية ثاني أكبر شريك تجاري للسودان بعد الصين.

كما أن حجم الاستثمارات السعودية في السودان كبير ويقدر بنحو 13 مليار دولار في نحو 590 مشروعًا تعمل في القطاعات الصناعية والزراعية والتعدينية، كما أن انضمام السودان للرياض في أزمتها مع إيران عام 2016، بل وقيامها بقطع العلاقات معها، ساهم في تعزيز مثل هذه العلاقة، وإن اختلف الأمر بعض الشيء بالنسبة لحصار قطر في يونيو/حزيران 2017، وتفضيل السودان الحياد لحسابات خاصة.

رفض البرهان

تكمن مصلحة السعودية في تثبت أركان النظام السوداني لضمان استمرار دعم حربها في اليمن من ناحية وللحفاظ على استثماراتها هناك من ناحية أخرى، لذلك تجاهلت الرفض السوداني للمجلس العسكري، الذي أعلنته المعارضة السودانية، السبت الماضي، حيث رفضت البيان الأول للبرهان، مؤكدة استمرار الاعتصامات والعصيان المدني الذي بدأه الشعب السوداني في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، حتى تحقيق مطالب الشعب.

المعارضة السودانية من جهتها، أعلنت أن الثورة لن تنتهي بمجرد استبدال واجهات النظام وأقنعته الخادعة؛ وأن الخطوة الأولى في إسقاط النظام تتأتى بتسليم السلطة فورا، ودون شروط، لحكومة انتقالية مدنية تدير المرحلة الانتقالية لفترة 4 سنوات، مشددة على أنه لا تراجع عن مطالب الثورة، ولا مجال للقبول بالوعود دون الأفعال.

وأكدت، أن الاعتصام بالعاصمة القومية، أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة وقبالة مقار حامياتها ووحداتها في أقاليم السودان، قائم ولن ينفض، والإضراب والعصيان المدني مستمر حتى تحقيق المطالب.

مطالب المعارضة

كما أكدت المعارضة تمسكها بسبعة مطالب، وعلى رأسها "الاعتقال والتحفظ على كل قيادات جهاز الأمن والاستخبارات سيئ السمعة، التي تجبرت وأعطت الأوامر على مدى ثلاثين سنة وهي قيادات معروفة بارتكاب جرائم ضد الشعب السوداني، على أن يتم تقديمهم لمحاكمات عادلة وفقاً للدستور".

وطالبت المعارضة بـ"إعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات"، و"حل مليشيات النظام من كتائب ظل ودفاع شعبي وشرطة شعبية وغيرها"، مؤكدة ضرورة "حل كافة أجهزة ومؤسسات النظام والاعتقال الفوري والتحفظ على كل قياداته الضالعة في جرائم القتل والفساد المالي، على أن تتم محاكماتهم لاحقا وفقا للدستور وإجراءات العدالة والمحاسبة".

العسكر للثكنات

بدوره، أكد استاذ العلوم السياسية بالكويت الدكتور عبد الله النفيسي، أن المكان الطبيعي للعسكر هو (الثكنات) وليس (قصور الحُكم)، مشيرا إلى أن السودان والأمة العربية لم يجنوا من حكم العسكر، إلا المر والعلقم والهزائم على جميع النواحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأشار في تغريدات له بـ"تويتر"، إلى أن المواجهة في السودان بين العسكر والقوى المدنية، قائلا: "العسكر يبيعون كلاما معسولا على القوى المدنية ويشترون الوقت لإعادة إنتاج بشير آخر، السودان ليس بحاجة لـ(مجلس عسكري) بل (لحكومة مدنية ) وفوراً وليس بعد عام".

من جهته، قال حسن نافعة، الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن "التاريخ السياسي للسودان شهد نماذج كثيرة لضباط استخدموا المؤسسة العسكرية مطية لتحقيق أحلامهم الزعامية، ونموذجا واحدا لضابط استخدم المؤسسة نفسها كأداة لإعادة السلطة إلى أصحابها الشرعيين".

وأكد في تغريدة له بـ"تويتر"، أن ما يحتاجه السودان الآن ليس سوار ذهب أخر ولكن نموذج حكم يضمن عدم إعادة انتاج نميري أو بشير جديد.

دعم الانقلابات

وتأتي مطالب الشعب السوداني والمعارضة السودانية في إطار استمرار ثورات الربيع العربي التي تصدم دوما القوى المضادة للثورة، المتمثلة في السعودية والإمارات بقيادة الأميرين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، حيث قابل وليا العهد محاولات البلدان العربية للتحرر اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا بالسعي للحفاظ على الأنظمة السلطوية، وعلى رأسهم نظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي في مصر.

وتحت عنوان "سعي الأمير السعودي لإعادة ترتيب الشرق الأوسط"، نشرت مجلة "نيويوركر" الأمريكية في أبريل/نيسان 2018، تقريرا مطولا حول علاقة السعودية ودول الخليج بالولايات المتحدة، والصراع الخليجي القطري، تطرقت فيه إلى دور السعودية والإمارات في دعم انقلاب السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، نكاية في قطر التي كانت تدعم حكم الرئيس مرسي.

وأكد التقرير، تواصل السعودية والإمارات مع وزير الدفاع حينذاك عبد الفتاح السيسي، ووعدوه بـ 20 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد، ثم قاموا بتمويل حركة "تمرد"، وتولي القيادي الفتحاوي المطرود (مستشار بن زايد) محمد دحلان، نقل الرسائل والأموال إلى المتعاونين في الجيش المصري.

ورغم عدم وجود أرقام رسمية حول حجم المساعدات السعودية لنظام السيسي، والتي تم تقديمها خلال السنوات الماضية، فإن خبراء قدروها عام 2016 بنحو 30 مليار دولار ما بين قروض ومنح وودائع لدى البنك المركزي المصري.

ومؤخرا كشفت صحف أجنبية، أن السعودية مولت هجوم الجنرال خليفة حفتر، قائد الثورة المضادة في ليبيا، على طرابلس، حيث نقلت "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين سعوديين، أن الرياض تعهدت بدفع ملايين الدولارات لحفتر من أجل تمويل عمليته العسكرية لاستعادة العاصمة طرابلس.

وأضافت الصحيفة، أن حفتر قبل العرض السعودي الذي تلقاه خلال زيارته للرياض في 27 مارس/آذار الماضي، حيث اجتمع مع ملك السعودية وولي عهده، إضافة إلى وزير الداخلية ورئيس المخابرات.

وأد الربيع

تلك الزيارة كشفت من ناحية النفوذ الكبير الذي تتمتع به الإمارات على قرار حفتر الذي يحظى بدعم غير محدود، كما أكد من ناحية أخرى نفوذ بن زايد وتأثيره على تصرفات وخطوات "بن سلمان" وذوبان الأخير في بوتقة السياسة الخارجية الإماراتية.

من جهته، قال الأكاديمي الإماراتي الدكتور يوسف اليوسف، إن تصرفات السعودية والإمارات منذ بداية الربيع العربي سياسات تخريبية لمنع اَي إصلاح للنظم العربية، مشيرا إلى أن إيقاف مد الربيع العربي في أي جزء من العالم العربي يخدم الغرب والنظم المستبدة.

وأكد في حديثه مع "الاستقلال"، أن الربيع العربي لن يتوقف، مستبعدا أن تصل إلى المملكة السعودية على المدى القصير، متوقعا أن نشوب صراع داخل مؤسسات الدولة تأخذ طابعا عنيفا.

لم يكن الدعم السعودي لقائد الانقلاب العسكري بمصر هو المشهد الوحيد الذي ظهرت به المملكة داعمة للانقلابات العسكرية، ففي تغريدة له بتويتر، قال الخبير القانوني الدكتور محمود رفعت: "حين أعلنت السعودية إرسال حزمة مساعدات لمصر، كانت للسيسي ليبني السجون ويشتري سلاح يسفك به دم الشعب لليبيا. كانت لحفتر ليكون مليشيات تسفك دم الشعب وأخر جرائمه هجومه على طرابلس بملايين الرياض، لليمن حولته لأكبر مأساة إنسانية بالكوكب، اليوم يمد الشيطان يده ليعبث في السودان".

إلى ذلك، قال الباحث والمحلل السياسي الدكتور محمد المختار الشنقيطي، في تغريدة له عبر "تويتر": "حين يقدم خادم الحرمين مساعدات إنسانية إلى السودان، ويكون الإعلان عن ذلك من أبوظبي، فاعلم أن معسكر الثورة المضادة يوشك أن يدفن أحلام الشعب السوداني في مهدها".

دعم الاستبداد

وأكد الناشط السياسي المصري أحمد البقري، عضو الجبهة الوطنية، أن السعودية تدعم الاستبداد وما تفعله الآن في السودان من سرعة للاعتراف بالمجلس العسكري الانتقالي وإعلان دعمه ماليا، هي محاولة لشرائه كما فعلت من قبل مع رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي وأوصلت مصر لما فيه الآن.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن النظام السعودي دعم الثورات المضادة وتآمر على إرادة الشعوب واستقبل على أرضه الهارب بن علي والمخلوع علي عبد الله صالح قبل أن ينقلب عليهم في تحدٍ علني لإرادة الشعوبّ.وشدد البقري على أن النظام السعودي لم يكن يوما داعما لحرية الشعوب في اختيار من يحكمها، بل حارب بشدة ثورات الربيع العربي التي خرجت بصدور عارية تطالب بالعيش والحرية والكرامة.

وبيّن أن السعودية تدعم الانقلابات العسكرية والثورات المضادة لأنها لا تريد يوما للشعب السعودي أن يثور ويطالب بحقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مستطردا: "لذلك مولت بأموالها الفاسدة بكل قوة الثورات المضادة لتقضي على آمال الشعوب في الحرية والكرامة .. ونبقى دول متأخرة قرارنا مرهون بيد سيد البيت الأبيض الذي قال للملك سلمان "الملك لن تستطيع البقاء في الحكم دون حمايتنا عليك أن تدفع الآن".

وأكد البقري، أن الشعوب العربية أصبحت الآن أكثر نضجا من ذي قبل، مدللا على ذلك ببقاء الشعب السوداني والجزائري في الشارع مصرين على تحقيق مطالبهم ورفضهم لتدخل السعودية والإمارات في بلادهم، حتى لا تصير تجربتهم كالتجربة المصرية الأليمة.

"البقري" يضع رسالة مثبتة على حسابه في "تويتر" يناشد خلالها أهل السودان أن يحذروا من خيانات الجيش لثورتهم والانقلاب عليها، وأن يرفضوا أي تدخل لإمارة أبوظبي المارقة وآل سعود لأنهم أعداء الشعوب والحرية، موجها دعوة لهم بالوحدة والاستمرار في الشارع حتى تتحقق مطالبهم.