مفاوضات النووي.. لماذا أصبحت أبرز أوجه الصراع في "رئاسيات" إيران؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية المزمع إجراؤها 18 يونيو/ حزيران 2021، تتصاعد حدة التنافس بين قطبي السياسة، الإصلاحيين والمحافظين، فيما يعتبر موضوع مفاوضات الملف النووي واحدا من أبرز أوجه هذا الصراع المحموم بين الطرفين.

الملف النووي أصبح طاغيا حتى على الاهتمامات المتعلقة بالحملات وعملية الاقتراع المقبلة، إضافة إلى أن الإقبال على إعلان الترشح شبه منعدم مثلما حدث في انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) التي شهدتها البلاد في فبراير/ شباط 2020، وأظهرت إحجاما قياسيا عن المشاركة بلغت نسبته 57 بالمئة.

منافسة ساخنة

وبخصوص تصاعد حدة التنافس في إيران، سلطت صحيفة "فايننشال تايمز" خلال مقال للكاتبة "نجمة بوزورغمهر" في 16 أبريل/ نيسان 2021، الضوء على التأثيرات المتبادلة بين ملفي المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، من جهة، والمنافسة الساخنة على السلطة في إيران، من جهة ثانية.

وقالت الكاتبة إن "علي خامنئي اعتاد ارتداء وشاح أبيض عليه خطوط سوداء فقط في المناسبات الخاصة، العسكرية بشكل أساسي، مثل زيارات جبهات الحرب مع العراق في الثمانينيات".

"لكن منذ عام 2000، أصبح من النادر مشاهدة المرشد الأعلى، أعلى سلطة في البلاد لأكثر من 30 عاما، في العلن دون أن يكون مرتديا الوشاح على كتفيه"، وفق "نجمة بوزورغمهر".

وأوضحت أنه "منذ فوز الرئيس الإصلاحي، محمد خاتمي بالرئاسة عام 1997، ووعوده بالتطور السياسي في الداخل والانفتاح على الغرب، أصبح الوشاح رمزا خارجيا للمقاومة في عقول الإيرانيين - دفاع حازم عن الأيديولوجية الإسلامية في الداخل والخارج تغطي كل شيء من برنامجها النووي إلى السياسات الإقليمية والعسكرية والعلاقات مع الغرب".

وتنقل الكاتبة عن أحد أقرباء خامنئي قوله: "سيظل يرتدي الوشاح طالما أنه يعتقد أن الجمهورية الإسلامية مهددة من خلال إصلاحات جذرية، لإظهار أنه لن يتنازل عن المبادئ.. ولن يسمح للولايات المتحدة وإسرائيل والإصلاحيين بدفع إيران إلى الوراء في المنطقة مرة أخرى، أو تقويض برنامج الصواريخ الباليستية أو التشكيك في سلطته المطلقة".

وحسب الكاتبة، فإنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 18 حزيران/ يونيو 2021، يخشى الإصلاحيون أن يهيمن المتشددون عليها. إذ يمكن لمثل هذه النتيجة أن تحد من مجال التفاوض بشأن الاتفاق النووي بعد الانتخابات.

وفي المقابل، يخشى المعسكر الإصلاحي، كما يوضح المقال، من أن تغذي حكومة متشددة في طهران وجهات نظر متشددة في واشنطن، وكذلك قوى إقليمية مثل إسرائيل والسعودية، ما قد يعني المزيد من الضغط الاقتصادي على إيران.

وتشير الكاتبة إلى أن "المتشددين يقولون إن بإمكانهم مواصلة المحادثات ولكن كيف ذلك وهم يرفضون الجلوس على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، يتساءل الإصلاحيون".

وفي 17 شباط/فبراير 2021، أكد المرشد الأعلى علي خامنئي أن المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تعكس "الحماسة الثورية"، وتقترن بـ"اختيار صحيح" لانتخاب رئيس "فعال".

فرصة أخيرة

ومع وصول الديمقراطي جو بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة، وفتحه الباب من جديد لعودة الاتفاق النووي، أصبح أمام الرئيس حسن روحاني، فرصة أخيرة لإحياء الاتفاق، وإعادة بناء المشهد الداخلي بما يعزز من نفوذ التيار الإصلاحي، ويحسن من موقفه في الانتخابات القادمة، وفقا لتقارير.

وأعرب روحاني في يناير/ كانون الثاني 2021 عن رغبته في فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة والغرب، حيث أكد استعداد إيران للعودة إلى الامتثال الكامل لالتزامات الاتفاق النووي الأصلي.

واشترط روحاني عودة الولايات المتحدة عن سياسة "الضغط القصوى" التي فرضتها إدارة ترامب حول الاقتصاد الإيراني على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018.

ورغم وحدة الموقف الإيراني بتياريه الإصلاحي والمحافظ، بشأن رفض المفاوضات حول "إستراتيجية الردع الإيرانية" الخاصة بملفي الصواريخ الباليستية، وتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، فإن التيار المحافظ يرى أن قبول أية مفاوضات جديدة لإعادة إحياء الاتفاق النووي سيكون من شأنه تقديم المزيد من التنازلات، وتهديد للأمن القومي.

وأفادت تقارير صحفية في 2 فبراير/ شباط 2021، بأن نجاح مساعي روحاني لبدء المفاوضات بشأن الاتفاق النووي قبل عقد الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران المقبل، يعد هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، خاصة أنه يصب في مصلحة الجانبين.

فبالنسبة للجانب الإيراني يعتبر بدء المفاوضات خطوة إيجابية، خاصة إن أسفرت خلال الأشهر القادمة عن تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية، وتحسين أوضاع البلاد، بما يدعم موقف التيار الإصلاحي في الانتخابات، حسب التقارير.

أما بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، تشير التقارير إلى أنه سيصب هذا السيناريو في مصلحتهم لسببين: أولهما: تجنب تصعيد الأزمة مع الجانب الإيراني وتهديد أمن المنطقة، لا سيما بعد قرارات البرلمان الإيراني بزيادة معدلات تخصيب اليورانيوم، وتشديد قيود التفتيش على المنشآت النووية.

وثانيهما: أنه من الأفضل عقد المفاوضات مع الإدارة الحالية لإيران بقيادة الرئيس روحاني، كونها الأكثر مرونة ودعما لإحياء الاتفاق، مقارنة بالتيار المحافظ في حال فوزه في الانتخابات القادمة.

وفي مارس/آذار 2021، قال المرشد الأعلى علي خامنئي في خطاب له، إنه لم ينحز إلى أي طرف في النزاع الداخلي، لكنه أكد إن إيران ليست في عجلة من أمرها للعودة إلى المحادثات مع الولايات المتحدة. وأضاف "ستعود إيران إلى جميع التزاماتها في الاتفاق بمجرد أن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات".

من جهته، اتهم روحاني خلال تصريحاته في مارس/آذار 2021 "أقلية من المخربين" بإحباط جهود رفع العقوبات، قائلا إنهم يرتكبون "الخيانة".

وقال روحاني إنه في حين أن إيران مستعدة للعودة إلى الامتثال - طالما أن واشنطن تتخذ الخطوة الأولى - فقد أشار أيضا إلى أن خصومه سيرغبون في تأجيل أي اتفاق مع الولايات المتحدة إلى ما بعد انتخابات يونيو، حيث يتم إجراء دبلوماسية سريعة.

أزمة مرشحين

وعلى صعيد المرشحين للرئاسة من الطرفين (الإصلاحيين، المحافظين) يقول  المحلل السياسي الإيراني أمير محبيان خلال تصريحات صحفية في 25 فبراير/ شباط 2021: "حتى الآن، تبقى الأجواء الانتخابية باردة والتيارات السياسية تحاول رفع حرارتها، (لكن) الناس لا يعيرون (الأمر) اهتماما".

ويقول حميد رضا ترقي، القيادي في حزب "المؤتلفة الإسلامية" المنضوي في "تحالف القوى المحافظة" الفائز بانتخابات البرلمان 2020، خلال تصريحات صحفية 25 فبراير/ شباط 2021 إن "خطة المحافظين هي الاتفاق على مرشح واحد".

ويمكن أن يمهد عدم التوافق الطريق أمام سياسيين يصنفون "معتدلين" للتقدم إلى الانتخابات، مثل الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، أو وزير الخارجية محمد جواد ظريف، حسبما أشارت تقارير صحفية في 25 فبراير/ شباط 2021.

أما التيار الإصلاحي الذي يعاني من أزمة سياسية منذ أعوام، فمن غير المؤكد أن ينجح في الاتفاق على اسم، أو حتى أن ينال أي مرشح يطرحه، مصادقة "مجلس صيانة الدستور" الذي يحظى المحافظون بغالبية فيه، وله الكلمة الأخيرة في المصادقة على الترشيحات، وفقا للتقارير.

لكن في ظل التجاذب بين طهران وواشنطن حول من يجدر به الإقدام على الخطوة الأولى للعودة إلى التزامات اتفاق 2015، تبدو العقوبات الأميركية ومسألة رفعها من عدمه، مؤثرة في المسار الانتخابي، وفقا للتقارير.

ونقلت وكالة "فرانس برس" خلال تقرير لها في فبراير/ شباط 2021، عن السفير الفرنسي السابق لدى طهران فرانسوا نيكولو، قوله: "لروحاني كل المصلحة في انتصار دبلوماسي يعيد البريق إلى ولايته التي تشارف على الانتهاء".

وأضاف أنه في حال رفع العقوبات "سيستعيد تياره السياسي، الوسطي والمعتدل، بعضا من رونقه"، وفق تعبيره.

لكن مبعوث الرئيس جو بايدن إلى إيران روبرت مالي، قال خلال مقابلة مع موقع أكسيوس الأميركي، في 10 مارس/آذار 2021، إن الانتخابات الرئاسية الإيرانية ليست عاملا في المفاوضات النووية.

وأضاف: "لا ننوي أن نبني وتيرة مناقشاتنا مع إيران على الانتخابات الإيرانية، بل بمدى الملائمة مع الدفاع عن مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة".

ويرجح موقع "أكسيوس" أن يكون الرئيس الإيراني المقبل أكثر تشككا في الدبلوماسية النووية مع الولايات المتحدة. لكن مالي قال: "ستكون إدارة بايدن مستعدة للنظر في تخفيف بعض العقوبات عن إيران، فقط بعد استئناف المحادثات بين الطرفين وكجزء من عملية تبادل".