بعد الحديث عن اتفاقية "أضنة".. هل تجلس أنقرة مع دمشق؟

أنقرة - الاستقلال | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من رفض تركيا المستمر الجلوس على طاولة حوار مع النظام السوري، ولا سيما حول المناطق التي تعتبرها أنقرة تمثل مصدر قلق لها، إلا أن طرح الرئيس الروسي فكرة العودة للعمل باتفاقية "أضنة"، يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين دمشق وأنقرة في ظل تطبيقها.

ومنذ اندلاع الثورة السورية في 2011، انحازت تركيا إلى الشعب السوري، واعتبرت نظام بشار الأسد فاقدا للشرعية بعد قمع المتظاهرين، ولابد من محاكمته بعدها كـ"مجرم حرب".

ومع تزايد أعداد النازحين السوريين والضغوط الأمنية على تركيا من الخاصرة السورية، ولاسيما المسلحين الأكراد، الذين تعتبرهم أنقرة تنظيمات إرهابية، اقترحت تشكيل منطقة آمنة عازلة لإعادة السوريين وضبط الأمن بين البلدين وإنهاء تواجد هذه التنظيمات.

المنطقة العازلة

ولتأمين حدودها الجنوبية، فإن تركيا ترغب في تنفيذ مشروع "المنطقة العازلة" على مساحة تبلغ 480 كيلومترا وعلى عمق 32 كيلومترا، كما أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفق وكالة "الأناضول".

وهذه المنطقة تغطي مناطق شمال الرقة والحسكة، وتمر من الغرب إلى الشرق، شمال عين عيسى، سولوك، رسلان، شمال تل تيم ، دربسي ، امودي ، كميسلي ، فيردي ، تل حميس ، قحطانية ، يرقبية وماليكية. وتدخل أيضا  في هذا الخط مناطق مثل تاهت التحتاني وعين العرب (كوباني) و تل أبيض ودربسي ومودي وقحطانيا وسيفادي وماليكي.

 ويبدأ الخط من شاطئ نهر الشاغور في شرق منبج. ويمتد على مساحة 32 كيلو متر عن مركز قضاء منبج. في الوقت الذي يحرص فيه نظام الأسد على أن يبقي وجوده في مركز قضاء قامشلي التابع لمحافظة الحسكة والتي هي فعليا داخل مساحة 32 كيلو مترا الداخلة ضمن نطاق المشروع.

من جهته، رأى الكاتب الصحفي التركي حسن يالسن في مقال له، أن "الأولوية الإستراتيجية لتركيا هي تصفية حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. ولكن لا أحد يستطيع أن يحقق مطالبه كلها في يوم واحد".

وأضاف: "هناك فائدة في التقدم خطوة خطوة، وأن المنطقة الآمنة ذات 30 كيلو مترا كانت بالغة الأهمية لأجل أن تخطو تركيا خطوتها في شرق الفرات، فعند إنشائها ستصبح قادرة على التحكم بأهم طريق بري يقطع سوريا إلى تركيا من الغرب باتجاه الشرق. فالتحكم بطريق (4) يعني التحكم بكل شمال سوريا والسيطرة عليها".

وتابع يالسن: "هكذا فبعد إتمام هذه المرحلة تصبح تصفية حزب الاتحاد الديموقراطي أسهل. فبوضع مثل هذا في التعقيد لا أحد يمكنه أن يحقق مطالبه مرة واحدة، المهم التصميم وعدم تشتيت الانتباه عن حزب الاتحاد الديمقراطي".

وفي السياق ذاته، رأى إسماعيل جالار مدير مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية والمجتمعية التركي، أن "الموضوع الرئيسي في المحادثات بين تركيا وروسيا كانت حول مسائل مكافحة الإرهاب والمنطقة الآمنة".

وقال جالار: إن "الدولتين قد اتفقتا في مسألة مكافحة الإرهاب وحتى بوجود إمكانية العمل معا على عملية مشتركة في هذه المسألة".

ولفت إلى أن "روسيا تحاول تفعيل النظام في قضية المنطقة الآمنة"، مشيرا إلى أن "هذا الوضع وصل إلى نقطة فصل بين الدولتين المتفقتين في الشكل العام ، وأن هذا الاختلاف يمكن تقليله وتغطيته كلما تم تحقيق إنجازات ملموسة".

"اتفاقية أضنة"

اقترح الرئيس الروسي فلادمير بوتين في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، إمكانية إعادة تفعيل اتفاقية "أضنة" الموقعة بين أنقرة ودمشق عام 1998.

وبينما كان يتحدث عن المخاوف الأمنية التركية الناشئة عن أنشطة حزب الاتحاد الديمقراطي، ذكر بوتين اتفاقية أضنة الموقعة في سنة 1998 بين تركيا وسوريا، وبرز هذا كعنوان مفاجئ في الحديث عن هذه اللقاءات.

وعلاوة على ذلك، جاء تذكير بوتين بهذه الاتفاقية ذا معنى، حيث إن حديثه جاء في معرض إجابته على أسئلة بشأن الحوارات التي أجريت بين تركيا والولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة في سوريا.

في هذا اللقاء الذي تم بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، ناقش المسؤولون الأتراك- الروس مواضيع عديدة مثل مكافحة الإرهاب، ووضع إدلب والجهود المبذولة في تقديم الحلول السياسية لها، وقد جاءت في بدايتها مسألة إنشاء المنطقة الآمنة على حدود تركيا- سوريا.

بنود "أضنة"

وقعت اتفاقية "أضنة" بين دمشق وأنقرة بمجهودات من المجتمع الدولي ضد إدارة سوريا، التي كانت تغض الطرف عن تعليم ونماء حزب العمال الكردستاني في أراضيها مشكّلة تهديدا كبيرا لتركيا ما بين الأعوام 1980 و1990.

في ذلك الوقت كان رئيس الجمهورية في تركيا سليمان ديميرل، ومسعود يلماز رئيسا للوزراء، وإسماعيل جيم وزيرا للخارجية، بينما كان في رئاسة سوريا حافظ الأسد. ويمكن رؤية أن التهديد الذي تواجهه تركيا اليوم في شمال سوريا من طرف قوات "وحدات حماية الشعب الكردي" هو في أساسه نفس المشكلة التي تعرضت لها تركيا في السابق.

وتحتوي اتفاقية أضنة الموقعة في 1998 خمس مواد هي كالتالي:

  • وفقا لمبدأ المقابلة بالمثل، فإن سوريا لن تسمح بأي فعالية أو نشاط في أراضيها يهدد أمن واستقرار تركيا، ولن تسمح أيضا بتقديم المساعدات سواء بالأسلحة أو بالمواد اللوجستية أو بالدعم المالي أو بأنشطة الدعاية لحزب العمال الكردستاني في أراضيها.
  • تعترف سوريا بحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية. وتحظر جميع أنشطة الحزب وامتداداته، وكذلك المنظمات الإرهابية الأخرى.
  • لن تسمح سوريا لحزب العمال الكردستاني بإنشاء معسكرات وإقامة منشآت للتعليم أو الحماية، ولا بإجراء أنشطة تجارية.
  • لن تسمح سوريا لأعضاء حزب العمال الكردستاني باستخدام أراضيها للانتقال إلى دول ثالثة.
  • ستتخذ سوريا جميع الإجراءات لمنع زعيم حزب العمال الكردستاني من دخول سوريا، وستعطي الأوامر بذلك لجميع الإدارات في النقاط الحدودية.

وفي القسم المتعلق بالالتزامات الخاصة بالاتفاقية المذكورة، فإن الجانب السوري يعد بتنفيذ التدابير اللازمة المذكورة في المواد المذكورة أعلاه وتحقيق نتائج ملموسة.

"أضنة" سارية

اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن أحكام "اتفاق أضنة" الموقع بين دمشق وأنقرة عام 1998 لا تزال سارية المفعول، مصرحا بأن بلاده عازمة على إنقاذ المنطقة من "الكارثة" التي تشهدها.

وقال أردوغان، خلال كلمة ألقاها في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، بولاية غازي عنتاب خلال اجتماع لـ"حزب العدالة والتنمية: "أخبروا من يسأل عن سبب تواجد تركيا في سوريا، أن أحكام اتفاق أضنة لا تزال سارية المفعول".

وتابع: "الأطراف التي ترغب في إبعاد تركيا عن سوريا لا تهدف إلى ضمان حرية الشعب السوري، وإنما على العكس تماما، فهي تسعى إلى تعميق المستنقع".

وأكد أردوغان أن تركيا عازمة على "إنقاذ المنطقة من هذه الكارثة الكبيرة بالتعاون مع الروس والإيرانيين من جهة، والأمريكيين من جهة أخرى، وقبل كل شيء بالتعاون مع الشعب السوري".

وأردف: "أظهرنا للعالم أننا لا نتردد عندما تقتضي الضرورة بتنفيذ العمليات العسكرية في سوريا، وسنأتي بغتة إذا لم تنجح المباحثات السياسية والدبلوماسية". وشدد أردوغان قائلا: "في الوقت الذي نعيش فيه نحن بأمان، لا يمكن أن نترك أشقاءنا تحت رحمة الظالمين وقنابلهم وبراميلهم المتفجرة".

واستطرد: "الجميع يقولون إنهم موجودون بسوريا لمحاربة داعش، لا نعلم ماذا فعلوا بالتنظيم، لكنهم إما تجاهلوا مقتل ما يقرب من مليون شقيق سوري، أو أصبحوا شركاء مباشرين بقتلهم".

في أول رد من النظام السوري على تصريحات أردوغان، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن مصدر مسؤول في وزارة خارجية النظام، قوله إن دمشق "تؤكد التزامها باتفاقية أضنة والاتفاقيات المتعلقة بـمكافحة الإرهاب بأشكاله كافة والموقعة بين البلدين."

وأضاف المصدر: "إلا أن النظام التركي ومنذ عام 2011 كان ولا يزال يخرق هذا الاتفاق عبر دعم الإرهاب وتمويله وتدريبه وتسهيل مروره إلى سوريا، أو عبر احتلال أراض سورية من خلال المنظمات الإرهابية التابعة له، أو عبر القوات المسلحة العسكرية التركية بشكل مباشر".

وتابع: "وبالتالي فإن الجمهورية العربية السورية تؤكد أن أي تفعيل لهذا الاتفاق يتم عبر إعادة الأمور على الحدود بين البلدين كما كانت، وأن يلتزم النظام التركي بالاتفاق ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين، وأن يسحب قواته العسكرية من المناطق السورية التي يحتلها وذلك حتى يتمكن البلدان من تفعيل هذا الاتفاق الذي يضمن أمن وسلامة الحدود لكليهما".

الجلوس مع الأسد

وتعليقا على الموضوع، رأى المحلل السياسي التركي متين غورجان، أنه "حتى لا تبقى تركيا خارج الأمر يجب عليها إجراء محادثات مع الأسد".

وقال غورجان: إن "أنقرة تنظر إلى سوريا على أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني وتنظر من نافذة وحدات الحماية الشعبية، وتعتقد بانتهاء أمر الأخيرة في كل الحالات، وتضعف هذه الحالة الثابتة من قدرة أنقرة على المناورة وبناء اللعبة في سوريا كما أنها  تزيد احتمال تحول سير الأمور إلى الأسوأ".

وتساءل المحلل التركي قائلا: "اليوم؛ قد بدأ سباق إنشاء سيناريوهات جديدة في سوريا؛ ما هي لعبة أنقرة، وما هو السيناريو بالنسبة لسوريا؟"

وأشار غورجان إلى أن "دعم العمليات الديمقراطية ومتابعة عمليات الدستور والانتخابات ووضع قوة تأخذ جميع العوامل المؤثرة بعين الاعتبار دون تمييز في عرق أو لون، لهو أمر مهم للغاية".

وأردف: "فمثلا تستطيع أنقرة العثور على شريك بين الأكراد السوريين في نظام الأسد، وحتى إذا لزم الأمر في حزب الاتحاد الديمقراطي، ويمكنها القيام بذلك خلف الستارة، وإلا فإنها ستكون بعيدة كل البعد عن كونها محددا لقواعد اللعبة في سوريا وستصبح مجرد بيدق".