"مسرحية مبتذلة".. إعلام روسي يفضح نوايا فرنسا من ترحيل اللاجئين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة روسية الضوء على مستجدات قضية اللاجئين الشيشان في فرنسا، على خلفية ترحيل اللاجئ الشيشاني محمد غاداييف من باريس في 9 أبريل/نيسان 2021 ونفيه إلى الأراضي الروسية.

وقالت "نوفايا غازيتا" في مقال للصحفية يلينا ميلاشينا، إن "مصادرها ذكرت أن غاداييف وصل الأراضي الشيشانية بعد إرسال قوة تابعة لوزارة الداخلية لجلبه من مدينة نوفي أورينغوي الروسية". 

مسرحية الشرطة 

وأشارت الكاتبة إلى أن "الاتفاق بين المخابرات الروسية في الشيشان وبين الجهاز المركزي للمخابرات وقسم أمن الحدود التابع له كان هو إرسال غاداييف إلى الشيشان على أول رحلة بمجرد وصوله مطار شيريميتوفا في موسكو".

غير أن الوجود الكثيف للصحفيين والمختصين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان حال دون ذلك، حيث سمح قسم أمن الحدود بتوجه غاداييف إلى مدينة نوفي أورينغوي مكان إقامة شقيقه.

وأضافت ميلاشينا أنه "في اليوم التالي تم تحديد مكان وجود غاداييف ومحاميه سيميون تسفيتكوف من قبل ممثلي الجالية الشيشانية المحلية في مدينة نوفي أورينغوي".

وأشارت إلى أن "ممثلي الجالية في الواقع، منعوا غاداييف ومحاميه المرافق من مغادرة الشقة التي كانوا فيها".

ونظرا للتهديد الحقيقي والخطر على حياة غاداييف، فقد تم تقديم طلب إلى شرطة نوفي أورينغوي لحمايته، وقيدت الشرطة حركة غاداييف بحجة ضمان سلامته، وفي اليوم التالي سلمته إلى ضباط الشرطة الشيشانية، الذين وصلوا إلى المدينة لاعتقاله ونقله إلى الشيشان".

في الوقت نفسه، فإن الأشخاص الذين عرفوا أنفسهم بأنهم ضباط شرطة شيشانيون لم يقدموا أنفسهم بأي شكل من الأشكال ولم يقدموا أية وثائق تبرر احتجاز غاداييف، مما دفع مفوضة حقوق الإنسان في روسيا، تاتيانا نيكولايفنا ماسكالكوفا، للتدخل في هذه القضية.

وقامت ماسكالكوفا بالاتصال بقيادة وزارة الداخلية في الاتحاد الروسي، ورئيس إدارة الشرطة في نوفي أورينغوي، ونائب وزير الداخلية في الشيشان، وبهذا أوصلت المفوضة مسكالكوفا رسالة إلى السلطات الشيشانية أن القضية "أصبحت تحت متابعتها ومراقبتها".

وأوضحت الكاتبة أنه "بفضل تدخل ماسكالكوفا اضطرت داخلية الشيشان للإفصاح على أن السبب الرسمي وراء احتجاز غاداييف وإرساله من نوفي أورينغوي إلى الشيشان، هو قضية جنائية وجهت الاتهام إليه في نفس يوم ترحيله من فرنسا، وأن القضية -بزعم الشرطة الشيشانية- تمت على خلفية واقعة ترتبط بالعثور على مخبأ للأسلحة في الشيشان".

تفاعل الصحافة

من جهة أخرى، ذكرت ميلاشينا أن أول تفاعل للصحافة الفرنسية مع قضية غاداييف كانت في 12 أبريل/نيسان الجاري، حيث نشرت صحيفة "لوموند" خبرا بعنوان "الشيشاني المنفي من فرنسا مختطف في روسيا من قبل عملاء رمضان قديروف".

وقد جاء في المقال: "رغم أن وزارة الداخلية الفرنسية تفيد بأن غاداييف كان على اتصال مباشر بالحركات الإسلامية والجهاد العالمي إلا أنه كان يصنف في روسيا كمعارض لقديروف وقد أدلى بمعلومات مهمة عن سجون سرية للديكتاتور الشيشاني".

كما علقت "لوموند" أن قضية غادييف "هي انعكاس لتوجه جديد للحكومة الفرنسية بنفي المواطنين الروس من أصول شيشانية من أراضيها".

وعرجت الكاتبة على تصريحات وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين التي أدلى بها في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020 على خلفية أحداث مدرسة صموئيل التي أقدم فيها مراهق شيشاني في الـ18 عاما من عمره على قتل معلم فرنسي بدعوى "إهانة النبي".

وقد تبعت تلك التصريحات زيارة للوزير الفرنسي لموسكو بحث فيها مع نظيره الروسي السماح باستقبال عشرات اللاجئين الشيشان الذين تنوي باريس نفيهم، رغم الحالة الصعبة التي فرضتها جائحة كورونا على حركة السفر عبر العالم.

كما زار "دارمانين" كلا من المغرب والجزائر لنفس الغرض، وبحسب مرافقي الوزير الفرنسي فإن باريس لا تسعى لنفي كل الأشخاص الذين منحوا حق اللجوء في أراضيها بل تسعى لنفي اللاجئين الموجودين على رأس قائمة قاعدة بيانات "أس" المتعلقة بـ(التطرف ذي الطبيعة الإرهابية). 

ممارسات قمعية

وأكدت الكاتبة أن "العادة في التعامل مع قضايا نفي الإرهابيين أو المشتبه بارتباطهم بالإرهاب بين الأجهزة الفرنسية والروسية جرت بأن يتم إرسال ملف القضية الذي يضم أدلة دامغة أو على الأقل الأسباب التي دفعت للاشتباه في انتماء المتهم لمنظمات إرهابية".

بينما في حالة غاداييف لم يتلق جهاز المخابرات الروسية أية ملفات من هذا النوع من الطرف الفرنسي ما اضطر قسم أمن الحدود التابع للمخابرات بإجراء تحقيق مع غاداييف استمر لعدة ساعات وانتهى بعدم وجود أي سبب مهني للحجر عليه، توضح ميلاشينا.

وقالت: "للأسف لم يذكر تقرير داخلية فرنسا حول غاداييف حيثية مهمة من المستحيل أن تجهلها الوزارة، وهذه الحيثية ترتبط بمساعدة الوزارة نفسها لجنة التحقيق الروسية باستجواب غاداييف كشاهد رئيس في قضية سجون الشيشان السرية والإجراءات القمعية الممنهجة التي قامت بها الداخلية الشيشانية من عمليات خطف وحبس وقتل خارج نطاق القانون".

فقد كان غاداييف أحد ضحايا تلك الممارسات القمعية وقد قدم شهادة مفصلة في قضية اعتقال وقتل إسلام عمرباشايف التي لا يزال ملفها مفتوحا في المحاكم الروسية.

وخلال الاستجواب الذي تم عام 2012، تعرف غاداييف على ضباط الشرطة الشيشان الذين كانوا يحتجزونه بشكل غير قانوني في قاعدة الشرطة الخاصة الشيشانية (أومون)، الذين عذبوه وهددوه بإطعامه حيا للدب الذي كان يجلس في قفص مجاور.

وبحسب الكاتبة فإن "شهادات غاداييف التي أدلى بها هي التي دفعت المحكمة الوطنية الفرنسية لحق اللجوء (CDNA) لتحذير باريس بأن نفي غاداييف إلى روسيا يعني تخلي فرنسا عن التزاماتها الدولية".

وأشارت إلى أنه "رغم قرار المحكمة بمنع السلطات الفرنسية من نفي غاداييف بالإضافة إلى الاستئناف أمام القانون الدولي فإن ذلك كله لم يمنع فرنسا في 9 مارس/آذار الماضي من اقتياد غاداييف عنوة إلى رحلة باريس – موسكو التي حاول فيها غادايف مقاومة نفيه إلى مصير محتم إما بالقمع والإجراءات التعسفية التي قد تصل إلى قتله".

سياسة قذرة

ولفتت ميلاشينا إلى أن "منظمة العفو الدولية كانت قد أصدرت في 11 أبريل/نيسان الجاري، وهو يوم إلقاء الشرطة الشيشانية القبض على غاداييف بيانا طارئا جاء فيه: إن القانون الدولي يحظر نفي أي شخص -بغض النظر عن الظروف- إلى إقليم قد يتعرض فيه لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ".

كما أطلقت منظمة العفو الدولية في فرنسا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي طالبت فيها الرئيس إيمانويل ماكرون بضمان عودة غاداييف إلى فرنسا.

وأكدت ميلاشينا أن "هذا النفي يتعارض مع القانون الدولي، الذي تتهم السلطات الفرنسية دائما روسيا بإهماله".

وأضافت "أما اليوم فإن فرنسا ذهبت أبعد من روسيا بمراحل في هذا المجال، وكي لا تظهر باريس بمظهر المنافق الصريح، قدمت الداخلية الفرنسية على لسان وزير داخليتها بعد طرد غاداييف وسقوطه في أيدي الشرطة الشيشانية اتهاما للرجل بالتورط في الإرهاب! بصراحة، ربما كان إغراق غاداييف في نهر السين أكثر إنسانية من تلك المسرحية المبتذلة". 

في ختام مقالها نوهت الكاتبة إلى ما نقلته صحيفة "لوموند" عن جيرارد ساديك، ممثل جمعية "لا سيماد" (La Cimade) الدولية لدعم المهاجرين واللاجئين، أن طرد غاداييف "يتوافق مع الأولويات السياسية لوزير الداخلية دارمانين".

واتهمت الجمعية الوزير بـ"الإسراع في طرد اللاجئين من أصول شيشانية بعد عملية مدرسة صموئيل باتي، بل إن موقف الداخلية الفرنسية هذا ليس موجها ضد اللاجئين الشيشان فحسب، ولكنه أيضا تجاه الأكراد والسوريين والسودانيين والأفغان واللاجئين من المجتمعات الأخرى".

واعتبرت أن "السبب وراء ما يقوم به الوزير ليس الحرب على الإرهاب، بل الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي من المرجح أن تكون زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، المعروفة بصداقتها مع الرئيس بوتين أكبر منافسي الرئيس ماكرون فيها، حيث يعرف عن السيدة لوبان آراؤها اليمينية المتطرفة والمناهضة لوجود اللاجئين".

وأوضحت الجمعية أنه "في هذا الصراع السياسي الصعب يحاول الرئيس الفرنسي اللعب على أرض الخصم لاستقطاب جزء من الناخبين اليمينيين، مع العلم أن الداعم الأول لماكرون ووزير داخليته الحالي دارمانين كان في شبابه عضوا نشطا في جماعة اليمين المتطرف المتهمة بقضايا عنف لم تغلق ملفاتها في المحاكم الفرنسية حتى الآن".