مكرم محمد أحمد.. صحفي مصري دافع بإخلاص عن الأنظمة المستبدة

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن رحيل الكاتب الصحفي المصري مكرم محمد أحمد، في 15 أبريل/ نيسان 2021، خبرا عابرا، بل مثل مسيرة صحفي قضى معظم سنوات حياته الطويلة (85 عاما) في رحاب السلطة وداعما لها.

طالما ساهم قلم مكرم بإخلاص في الدفاع عن النظم المستبدة، وتحديدا خلال حقبة الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي حكم البلاد طيلة 3 عقود، وترك مكرم خلفه إرثا ضخما لا ينسى بين أبناء نقابته من مواقف امتدت لأكثر من 60 عاما، بانحيازه إلى أنظمة لطالما اعتقلت الصحفيين وأودت بهم في غياهب السجون.

مسيرة طويلة

ولد مكرم محمد أحمد يوم 25 يونيو/ حزيران 1935، في مدينة منوف بمحافظة المنوفية في دلتا مصر، تلقى تعليمه الابتدائي في منوف، ثم انتقل إلى العاصمة القاهرة، ليحصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة عام 1957.

في القاهرة بدأت مسيرة مكرم الصحفية، عندما عمل محررا بصحيفة الأخبار، ثم مديرا لمكتب الأهرام بالعاصمة السورية دمشق، ثم مراسلا عسكريا لتغطية حرب اليمن حتى عام 1967. 

شهد العام 1980 بداية صعود مكرم في المناصب القيادية بالصحف القومية، حيث أصبح رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيسا لتحرير مجلة المصور.

خلال حقبة الثمانينيات التي مثلت الثلث الأول من حكم حسني مبارك، وقعت حادثة من أهم وقائع تلك الفترة، عندما قام المجند المصري سليمان خاطر في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1985، بقتل 7 إسرائيليين، حاولوا عبور الحدود المصرية، دون أن يستجيبوا لنداءات التحذير، فأرداهم جميعا قتلى. 

تم تحويل سليمان إلى محاكمة عسكرية، واهتز الرأي العام المصري المتضامن مع المجند، هنا لعب مكرم محمد أحمد دوره، مع إجراء حوار لمجلة المصور مع سليمان خاطر، وتعمد طرح أسئلة تغضبه أمام المصور، والطبيب النفسي الذي كان يرافقه، ثم خرج تقرير مكرم قبل (قتل) سليمان خاطر بأيام ليقول إن "سليمان مريض نفسي ويقترب من الجنون، ما يخشى معه على حياته".

كان هذا تمهيدا لرواية انتحاره بعد ذلك بتعليمات من الأجهزة الأمنية، ففي 7 يناير/ كانون الثاني 1986، أعلنت الإذاعة ونشرت الصحف أن سليمان انتحر في ظروف غامضة، لكن الرواية الأوثق أن النظام قتله إرضاء لإسرائيل.

وكان مكرم أول من يدخل سيناء بتصريح من الأمم المتحدة قبل جلاء القوات الإسرائيلية بشهرين.

بعدها بثلاثة أعوام، انتخب مكرم المقرب من السلطة، نقيبا للصحفيين في الفترة من 1989 وحتى 1991، ومن 1991 حتى 1993، وفي عام 2007 حصل على نسبة أصوات 70 بالمئة أمام منافسه الراحل رجائي الميرغني في انتخابات النقابة التي تميزت باستقطابات واسعة، حسمها مكرم لصالحه.

الرجل الذي عرف بقربه من مبارك ونظامه، لم يكن صحفيا فحسب، بل كان عضوا في مجلس الشورى لأكثر من 4 دورات متتالية، وهو المجلس الذي يعين فيه أهل الثقة والحظوة لدى الرئيس في ذلك الوقت.

وخلف مكرم مجموعة من الكتب والمؤلفات، من أبرزها "الثورة في جنوب الجزيرة"، و"أحاديث مع الإسرائيليين"، و"حوار مع الرئيس"، و"حوار أم مواجهة.. مراجعات الجماعات الإسلامية"، بالإضافة إلى "القدرة النووية المصرية- التحديات وأسباب الإخفاق".

شيخ الصحفيين 

اشتهر مكرم محمد أحمد بلقب "شيخ الصحفيين"، والسبب الرئيس لإطلاق ذلك الوصف عليه، دوره في نقل المراجعات الفكرية لقادة الجماعة الإسلامية من داخل سجن طره (جنوبي القاهرة) بعد إعلانها وقف العنف أواخر تسعينيات القرن الماضي.

أجرى مكرم حينها حوارات موسعة مع قائد تنظيم الجهاد عبود ‏الزمر الذي كان يقضي عقوبة السجن المؤبد لضلوعه في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، كما أجرى حوارات مع ‏قيادات أخرى داخل وخارج السجون.

بعد تلك المرحلة بلغ مكرم ذروة قوته، وأصبح من أكثر الصحفيين المقربين من مبارك، وكتب خطاباته لأكثر من 15 عاما، حتى قبل أن تتشكل لجنة السياسات بالحزب الوطني بقيادة جمال مبارك نجل الرئيس ورجل الأعمال أحمد عز، اللذين أطاحا به خارج المشهد، وتوليا تنظيم أمر خطابات الرئيس.

كان مكرم من أبرز الذين روجوا لفكرة "رفض مبارك توريث الحكم لنجله جمال"، فيما كانت أمانة سياسات الحزب الوطني آنذاك، تخطط لسيناريو التوريث على قدم وساق.

ثورة يناير 

في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، تعرض مكرم، الذي كان يشغل منصب نقيب الصحفيين للطرد من مقر النقابة، وردد جموع الصحفيين وقتها "الشعب يريد إسقاط النقيب"، "مكرم محمد أحمد باطل"، "برة"، و"نريد إسقاط إعلام النظام".

من وقتها ومكرم يحمل العداء لثورة يناير، واستمر كأحد أقلام الثورة المضادة التي ساهمت في انهيار المرحلة الانتقالية، ووأد التجربة الديمقراطية في مهدها. 

خصه الرئيس الراحل محمد مرسي، بالاسم في آخر خطاباته يوم 26 يونيو/ حزيران 2013، عندما تساءل متعجبا: "هل كان مكرم محمد أحمد من الثوار؟!".

وأضاف مرسي: "نقابة الصحفيين قامت عليه وطلعته واختارت حد تاني، وبعدين بعد سنتين الجو كده في وجود الرئيس الطيب اللي بيقول لازم مش عارف أيه.. بيقول أنا من الثوار.. دا حتى صفوت الشريف بقى من الثوار هو الآخر، ليه لأ يعني، بالمرة! وزكريا عزمي بكره هيبقى من الثوار! ليه لأ ماهو كله بيطلع براءة!".

أيد مكرم الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/ تموز 2013، ودعم خطوة السيسي في الإطاحة بالنظام المنتخب، وكان من الأقلام التي نظرت للانقلاب وساهمت  في ترسيخه.

مثلت ثورة يناير صدمة لنقيب الصحفيين آنذاك، وفي هذا يقول الصحفي المعارض قطب العربي، عبر فيسبوك: "قامت ثورة يناير بينما كان مكرم نقيبا للصحفيين، وكان أحد شعارات الثورة تطهير الإعلام، وكان هو شخصيا أحد الوجوه المستهدفة بالتطهير، وقام الصحفيون فعلا بطرده من النقابة في مشهد ثوري واضح".

وأضاف: "لم ينس مكرم هذا الموقف فنذر ما تبقى من حياته للثأر لنفسه، فانحاز مبكرا وبقوة لانقلاب 3 يوليو، وقربه نظام السيسي فاختاره رئيسا للمجلس الأعلى للإعلام الذي اتخذه منبرا للثأر من خصومه السابقين، ولا ننسى خطبته العصماء أمام السيسي في أحد مؤتمرات الشباب مرددا جملته الشهيرة أنه لم يجد  أحدا ينتقد رئيسه بهذه القوة إلا في مصر".

وفق العربي، "لم يشفع ذلك النفاق لمكرم، فأطاح النظام به ليعين كرم جبر بديلا له وهو ما أشعره بالقهر ولم يعش بعد ذلك كثيرا".

بعد الانقلاب

ومع تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، كان مكرم أول من شغل منصب رئيس المجلس، في الفترة من 11 أبريل/ نيسان 2017 وحتى يونيو/ حزيران 2020، حيث وضع عددا من الضوابط لتنظيم المشهد الصحفي والإعلامي وفقا لسياسة السلطة، وإرادة السيسي.

مارس مكرم دوره في إصدار قرارات الحظر والمنع والتأديب بحق الكتاب والصحفيين ودخل في خلافات متعددة مع وزير الإعلام أسامة هيكل.

كال المديح لرأس السلطة في العديد من المناسبات، منها تصريحه الأشهر إبان أزمة تيران وصنافير التي انتهكت السيادة الوطنية، عندما قال: "السيسي أثبت قدرته على فهم المصريين، وطبيعتهم، وطريقة تفكيرهم، وأثبت قدرته على مخاطبة عقولهم وقلوبهم".

وأضاف: "تيران وصنافير سعوديتان، والإخوان هم من يستغلون الأمر لإشعال فتيل الأزمة بين القاهرة والرياض". 

كان موقفه الأسوأ عندما طلب منه التعليق على اعتقال صحفيين رفضوا التنازل عن تيران وصنافير من داخل مقر النقابة، فصرح "نقابة الصحفيين ليست مأوى للمطلوبين للعدالة".

وفي مارس/آذار 2020، أصدر مكرم قراره بشأن حظر الأخبار والبيانات التي يجري تداولها حول جائحة كورونا وانتشارها في مصر، ليكون آخر قراراته الفعلية وهو ما يزال في ربقة السلطة.

قبلها بشهر تقريبا وفي فبراير/شباط 2020، اعترف مكرم الذي طالما كان من إعلاميي السلطة بأن حرية الرأي في مصر منقوصة، وهناك تكميم للأفواه، والتخويف واضح ضد التعبير عن الرأي، وهو ما أثار دهشة المذيع (أحمد موسى) فرد مكرم قائلا "هناك تكميم للأفواه وأتكلم عن ضرورة توافر الحرية للصحافة والتعبير".

وقتها قال مغردون إن مكرم يتحدث الآن بعدما سحبت الوزارة الجديدة للإعلام صلاحياته في السيطرة على الإعلام، واعتبر آخرون مكرم أحد المساهمين في تكميم الأفواه خلال سنوات ترؤسه مجلس تنظيم الإعلام.

وفي 24 يونيو/ حزيران 2020، أطيح بمكرم محمد أحمد من رئاسة "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، تاركا خلفه عشرات المواقف التي خذل فيها زملاءه في المهنة، وتخلى عن الشباب الصحفيين، من أجل النظام الذي عينه.