صيام الليل والنهار.. هكذا يعيش السوريون في رمضان بمناطق نظام الأسد

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بصوت متعب تتعالى هتافات الباعة من حوله وسط سوق مكتظ، بالعاصمة دمشق يجيب خمسيني: "أنا حاليا في السوق أشتري إفطار اليوم براتبي الشهري كله.. ورمضان كريم".

هكذا حال أهالي دمشق الذين حل رمضان 2021، ضيفا عليهم وهم في أسوأ وضع معيشي واقتصادي تمر به مناطق نفوذ نظام الأسد في سوريا.

في دمشق، يؤكد الخمسيني زياد وهو مدرس، لـ"الاستقلال" أن "راتبه الشهري البالغ 50 ألف ليرة سورية (17 دولارا) أنفقه على شراء احتياجات السحور وإفطار اليوم الأول من رمضان، لعائلته المؤلفة من 7 أفراد".

خط الفقر

وتعيش مناطق نفوذ النظام السوري أوضاعا معيشية متردية، لا استقرار لأسعار المواد الغذائية فيها، والتي ارتفعت من 250 بالمئة عام 2020 إلى 500 بالمئة عام 2021، نتيجة تغير سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار وتدهورها المستمر، وعدم تناسب دخل الفرد مع مصروفه الشهري.

وتتراوح الرواتب وسطيا بين 50 – 70 ألف ليرة بين القطاعين العام والخاص، فيما تحتاج العائلة المكونة من 5 أشخاص لمئة دولار شهريا للعيش على الأساسيات.

حسب البنك الدولي، فإن خط الفقر الدولي محدد عند مبلغ 1.90 دولار للشخص الواحد في اليوم، تبعا لقدرة الأفراد على تلبية الحد الأدنى من احتياجات التغذية، والملابس، والمأوى، وللمجموع الكلي للموارد الأساسية، التي يستهلكها الأفراد البالغون والمحددة غالبا بسنة.

أكجمال ماجتيموفا ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكدت في إفادة صحفية بتاريخ 26 يونيو /حزيران 2020، أنه "بعد 9 سنوات من الحرب يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية".

وحسب ناصر يوسف الناصر، وهو عضو في برلمان الأسد، فإن إطعام أسرة في مناطق نفوذ النظام السوري، مؤلفة ﻣﻦ 4 أﺷﺨﺎﺹ، يحتاج 14 ألف ليرة سورية يوميا، (5 دولارات)، ما يعني أنها بحاجة لـ 420 ألف ليرة شهريا، فيما ﺩﺧﻞ ﻣﻌﻈﻢ ﺍلأﺳﺮ ﺑﻴﻦ 50 و100 ألف ليرة، معترفا أن "ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ إﻃﻌﺎﻡ ﻧﻔﺴﻪ أﺻﻼ"، وفق ما نقل موقع "هاشتاغ".

أزمة النقص في المشتقات النفطية بسبب قلة التوريدات، حسب تبريرات وزارة النفط بحكومة الأسد، أثرت على حركة النقل وشحن البضائع، ما أدى لزيادة أسعار المنتجات 6 أضعاف بسبب أزمة المحروقات.

واعترفت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، في تقريرها 15 أبريل/نيسان 2021، بأن الغلاء مستمر في مناطق نفوذ النظام السوري، وأن "الحلول التي قدمتها الحكومة لتجاوز أزمة الغلاء والسيطرة على الأسواق لم تجد نفعا كثيرا"، واصفة ذلك بأنه "مجرد قرارات وكلمات ووعود".

تمويل الحرب

بهجة رمضان 2021 التي غابت عن السكان في مناطق نفوذ النظام السوري، أرجعها الخبير الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، الدكتور خالد تركاوي، إلى "انخفاض القدرة الشرائية للمواطن، كون أفضل راتب يتقاضاه موظف حكومي هو ما يعادل 25 دولارا، وحتى في مؤسسات القطاع الخاص الراتب ليس أعلى بكثير من هذا الرقم".

ومن جملة الأسباب كذلك وفق ما ذكرها الخبير الاقتصادي في تصريح لـ الاستقلال: "ارتفاع معدل الفقر لدى السوريين، وعدم وجود اكتفاء ذاتي لدى الناس"، مردفا: "وهذا متعلق بتعطل المصانع ونسبة البطالة وانخفاض مجمل الناتج القومي وحصة الفرد منه".

وأشار تركاوي إلى نقطة هامة في هذا السياق، تتمثل وفق قوله: "بوضوح عدم قدرة المؤسسات الحكومية التي يفترض أنها لخدمة الشعب، على القيام بأي شيء أمام ارتفاع الأسعار بل على العكس كل همها هي تأمين التمويل لخدمة الحرب وليس تأمين السلع لخدمة الناس".

طقوس رمضان

ويطل شهر الخير على السوريين في مناطق نفوذ النظام، وسط لهيب أسعار لا طاقة للمواطن عليها، حيث وصل فيها سعر لتر زيت دوار الشمس، 8500 ليرة، أي ما يعادل 3 دولارات.

أما سعر مادة الرز (الحبة المصرية) فيصل إلى 2300 ليرة، ويبدأ السكر من 1850 ليرة للكيلو، بينما يصل سعر كيلو الدجاج المذبوح المنظف 5500 ليرة، وسعر كيلو لحم الغنم 27 ألف ليرة، أي 9 دولارات.

وأمام هذه الأسعار الملتهبة، ومرور أشد حالة مادية على السوريين منذ 10 أعوام، تصف لنا السيدة غادة وهي ربة منزل يعمل زوجها سائق تاكس بدمشق، السفرة الرمضانية وما يغيب عنها من أطعمة كانت في السنوات السابقة تشكل زينة المائدة بالشهر الفضيل.

غادة التي لديها ولد مقيم في الخارج يرسل لهم حوالة مالية كل شهر تقول لـ الاستقلال: "أصبحت مائدة رمضان مثل الليرة السورية لا قيمة لها، إننا نضطر لتحضير طبخة واحدة خالية من اللحم والدجاج ومن الحلويات والعصائر الخاصة برمضان التي اعتدنا عليها كالتمر الهندي والعرقسوس، وحتى التمر".

وتضيف السيدة: "نعتمد بشكل أساسي على ولدي اللاجئ في أوروبا الذي يرسل لنا مبلغا بسيطا من المال كل شهر، قسم منه يذهب لإيجار البيت والآخر لشراء المواد الغذائية الأساسية كالزيت والسكر والشاي والبقوليات".

وأضافت غادة: "أنا لا أذيع لكم سرا لو قلت لكم أن هناك عوائل في العاصمة دمشق تفطر على البطاطا (البطاطس) والخبز وبعض الخضروات فقط".

غياب الرقابة

نظام الأسد حشر الأهالي في مناطق نفوذه، أمام خيارات محددة، للحفاظ على لقمة عيشهم، وهي التقنين في المشتريات والإبقاء على الأساسيات الضرورية من المواد الغذائية، وتغيير أنماط استهلاكهم بشكل يناسب القوة الشرائية لديهم، نظرا لغياب الرقابة الحقيقية على الأسواق وتحكم شخصيات نافذة في حركة التجارة.

وتزعم دائرة حماية المستهلك التابعة لحكومة الأسد، أنها تجري حملات دورية لمراقبة الأسعار في الأسواق، الأمر الذي ينفيه الأهالي على وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويؤكدون أن ضبط الارتفاع الحاصل بالأسعار أصبح "ضربا من الخيال".

ورصدت الاستقلال أن الطقوس الرمضانية لدى كثير من العائلات السورية في مناطق نفوذ النظام، تبدلت وتغيرت، لا سيما على صعيد تبادل زيارات الإفطار، والاحتفاء بالموائد الرمضانية، حيث اختفت هذه العادات بالمجمل، إضافة إلى غياب الطقس الرمضاني الشهير والذي يعرف بـ "السكبة" أي تبادل الأطعمة بين الجيران والأقارب.

"قيصر" داخلي

يتذرع النظام السوري في سوء الأوضاع المعيشية للمواطنين، بخنقه بحزمة العقوبات الأوروبية والأميركية، وعلى رأسها عقوبات قيصر، التي طبقتها واشنطن في 17 يونيو/حزيران 2020.

وتهدف واشنطن من وراء العقوبات إلى فرض نمط جديد على النظام يحكم الحصار المالي والاقتصادي عليه، بغية إجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254.

لكن الباحث الاقتصادي السوري عمار يوسف، أرجع معاناة الشعب السوري من غلاء في الأسعار والضيق في الأحوال إلى ما سماه "قانون القيصر الداخلي وليس الخارجي".

وبين يوسف في حديثه لموقع "كيو ميديا" المحلي، أن كل العقوبات المفروضة على سوريا من قانون قيصر وغيرها لا تشمل 3 أمور وهي "وقود التدفئة، المواد الغذائية، والدواء"، مردفا بالقول: "كل ما يقال غير ذلك هو عبارة عن كذبة نعيش كسوريين فيها".

وهذا ما يراه عدد من المراقبين، بالتدليل على أن النظام السوري، يتحكم بحركة الأسواق والتجارة عبر أمراء حرب يتبعون له، ويمارسون سطوتهم الاقتصادية على الأهالي.

ففي الوقت الذي ينتظر السوريون بالآلاف على طوابير الخبز والمازوت والسكر والرز، تعلن شركة تابعة لأسماء الأسد زوجة رأس النظام، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عن توفر أحدث إصدارات موبايل الآيفون 12 في دمشق، وبسعر خيالي يصل إلى 5 ملايين ليرة.

وفي هذا الصدد يؤكد موقع "نينار برس" السوري، في سلسلة له عن واقع تشكل ثروات حيتان سوريا الاقتصاديين نشرها في مارس/آذار 2020، أن من نهب سوريا اقتصاديا لم يأت خارج سياق بنية النظام.

وبين الموقع أن هذا النظام شديد المركزية، وعمل على الإمساك بكل السلطات في يديه، وجعل لها ممرا خاصا بها عبر أجهزة أمنه المتعددة، والتي كانت تعرف كل ما يحدث من عمليات اقتصادية في البلاد.