بعد أربعة أعوام.. البرلمان اليمني يبعث من بين الركام

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد انقطاع دام أكثر من أربع سنوات، عقد مجلس النواب اليمني جلسته الأولى، منذ اندلاع الحرب في 26 مارس/آذار 2015، إثر اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، وقد وقع الاختيار على مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت، ومع أنها مدينة صغيرة، لا تمتلك بنية إنشائية تؤهل لانعقاد جلسة بهذه الأهمية، وفي هذا الظرف الحساس، إلا أنها كانت الخيار الأنسب ربما، من الناحيتين الأمنية والسياسية، حيث تقع خارج سيطرة جماعة الحوثي، وكذلك خارج السيطرة الإماراتية.

لم تكن هناك مدن ولا خيارات أخرى لعقد جلسة مجلس النواب الأطول عمرا، فصنعاء خاضعة لسيطرة الحوثيين، وعدن التي أصبحت عاصمة مؤقتة للشرعية، تخضع هي الأخرى لسيطرة الإمارات، التي تمنع من خلال المجلس الانتقالي التابع لها، عقد أي جلسات للبرلمان، وأي أنشطة حكومية، وكانت قد منعت في وقت سابق هبوط طائرة الرئيس هادي في مطار عدن.

هيئة جديدة

عاد الوزراء والنواب من منافيهم الإجبارية في السعودية والقاهرة، إلى اليمن، لعقد الجلسة الاستثنائية التي تستمر لمدة ثلاثة أيام، وقد حضر 143 عضوا، وهو النصاب الذي يفوق الحد الأدنى المطلوب لاكتمال النصاب، فيما تخلّف الأعضاء المحسوبين على جماعة الحوثي، سواء من حزب المؤتمر، كالعضو البارز أحمد الكحلاني، أو من الحوثيين أنفسهم، إضافة إلى تخلف الأعضاء المحسوبين على المجلس الانتقالي الجنوبي.

وانتخب الأعضاء الحاضرون هيئة رئاسية جديدة للمجلس، وانُتخب بالإجماع، سلطان البركاني رئيسا للمجلس، بالإضافة إلى ثلاثة نواب للمجلس، هم محسن باصرة، ومحمد الشدادي، وعبد العزيز جباري. ويتوقع أن يتم خلال الجلسة الافتتاحية إقرار ميزانية العام 2019، ونقاش بعض القضايا السيادية، بما فيها الاتفاق على جدول لعقد جلسات قادمة.

وفي سياق الحديث عن عدم قانونية الجلسة، فإن المادة الخامسة من لائحة المجلس الداخلية تنص على عدم جواز عقد جلسات البرلمان خارج العاصمة، إلا في حالة الظروف القاهرة، وقد تم اعتبار تعسر عقد الجلسة في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وكذلك عدن الخاضعة لسيطرة الإماراتيين، ظرفا قاهرا، سوّغ لعقدها خارج العاصمة.

انقسام الآراء

وعلى ضوء التطورات الأخيرة، رأى مراقبون، أن جلسة مجلس النواب هي الحدث الأبرز والأهم منذ الانقلاب، وهي خطوة في طريق تقويض الانقلاب، وسحب البساط من تحته، وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قد قال في افتتاحية الجلسة إن انعقاد المجلس يدفع بالمشروع الحوثي المدمر للتآكل يوما بعد آخر،  وأن اليمنيين يستعيدون إحدى أهم مؤسسات دولتهم.

في السياق ذاته، انقسمت الآراء في معسكر الشرعية حول انعقاد مجلس النواب، ففي حين قال البعض أنه مجلس يسعى لشرعنة الأجندة السعودية بأدوات الشرعية اليمنية ذاتها، يقول آخرون إنها خطوة مهمة لتقويض سلطة الانقلاب الحوثي واستعادة المؤسسات، تقول الناشطة الحائزة على جائزة نوبل توكل كرمان، في منشورات لها على "فيسبوك"، إن انعقاد البرلمان برعاية سعودية، يعد برلمانا مسيرا لا مخيرا، وهو يسعى لإضفاء الشرعية على الأجندة السعودية. 

من جهته، قال الكاتب والصحفي أسامة عادل لـ"الاستقلال": إن "انعقاد مجلس النواب خطوة في طريق إنهاء المشروع الانقلابي، واستعادة مؤسسات الدولة"، مضيفا: "انعقاد البرلمان اليمني المعلق منذ أربع سنوات، يعزز حضور الدولة، وهو الأمر الكفيل بإنهاء سلطة الانقلاب".

إلى ذلك رأى الباحث في العلوم السياسية، محمد غلاب، ما لا يمكن فهمه هو أن الجميع يطالب بعودة الشرعية، وممارسة أعمالها، وعندما قررت استئناف عملها وعادت، انزعج البعض وحكم عليها بالبطلان، لافتا إلى أن الرهان الحقيقي والتحدي الحقيقي يكمن في استمرار انعقاد جلسات المجلس، لا في انعقاده لمرة واحدة فقط.

موقف الحوثي والإمارات

يحكم الحوثيون ببطلان المجلس، لأنه، من وجهة نظرهم يتبع سلطة لم تعد لها شرعية، كما أن عقده خارج صنعاء، حيث يتواجد مقر مجلس النواب، يحكم بالبطلان على الجلسة من الناحية القانونية، أما المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات الذي يسيطر على العاصمة المؤقتة عدن، فقد صرح هو الآخر ببطلان المجلس.

وقد كان الوزير المُقال هاني بن بريك نائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، قد نشر تغريدات عدة تنص على بطلان مجلس النواب، واصفا إياه بـ"برلمان الزور والكذب"،[6] كما أن الأعضاء المحسوبين على المجلس الانتقالي تخلفوا عن الحضور وقاطعوا المجلس.

خلاف سعودي إماراتي

مع أن التحالف العربي، قد صرح أنه يهدف إلى إعادة السلطة الشرعية، إلا أن الرياض وحدها كانت هي من رعت انعقاد مجلس النواب، ووفرت حماية أمنية مشددة لمدينة سيئون، كما وفّرت الإمدادات اللوجستية لانتقال الرئيس هادي والحكومة الشرعية وأعضاء البرلمان إلى المدينة، بينما رفضت الإمارات انعقاد الجلسة، وقد تجلى ذلك من خلال الهجمة الشرسة من قبل المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، على انعقاد المجلس، أو من خلال منعها لانعقاد المجلس في العاصمة المؤقتة عدن.

موقف الرياض، ربما يشير إلى تباين الآراء بين السعودية والإمارات حول تعزيز سلطة الشرعية، وهو ملف أساسي، قد يسفر عن خلافات حادة، مستقبلا بين الرياض وأبو ظبي، لا سيما في ظل الحديث عن ظهور بوادر خلاف ناشئ عن القلق السعودي من الأجندة الإماراتية التوسعية في اليمن، حيث كانت صحيفة "الأندبندنت" قد تحدثت عن بوادر خلاف بين البلدين حول اليمن.

عراقيل وإعاقة

سعى الحوثيون، إضافة إلى المجلس الانتقالي التابع للإمارات، لإعاقة انعقاد المجلس، وفي سياق إعاقة وعرقلة انعقاد مجلس النواب، تم الهجوم بطائرتين مسيرتين خلال 24 ساعة، على مدينة سيؤون، وذلك قبل انعقاد المجلس، ومع أنه تم اعتراض الطائرتين من بطاريات الباتريوت، المنتشرة في محيط المدينة، كوسيلة من وسائل تأمين انعقاد المجلس، إلا أن ذلك كان يحمل رسالة تسعى لإحداث قلق للحكومة الشرعية، في مسعى لإعاقة انعقاد المجلس.

لم تفصح مصادر مسؤولة عن الجهة التي تقف وراء الطائرتين، وكان محافظ محافظة حضرموت، قد قال  في مؤتمر صحفي له في مدينة سيؤون: إن "المختصين حددوا نوعية ومواصفات ومسار الطائرتين المسيرتين اللتين تم تدميرهما في سماء مدينة سيئون بحضرموت"، لكنه أفاد بأن "الوقت ليس مناسبا للإفصاح عن هذه المعلومات حاليا".

وكانت جماعة الحوثي، قد نفت صلتها بالطائرات المسيّرة، كما أن المجلس الانتقالي رمى بالتهمة على الحوثي، إلا أن مراقبين رجحوا أن تكون الإمارات هي من تقف خلف هذه الحادثتين، وذلك بعد توعد بن بريك، في سياق رفضه للجلسة، قبل انعقاد المجلس، في تغريدة له، بخبر سار لكل الجنوبيين، حد قوله.

واستنتج مراقبون من عدم تصريح محافظ حضرموت بالجهة التي تقف خلف الطائرتين مع علم الجهات الحكومية بالمتورطين، أن الإمارات هي من تقف ورائها، إذ لم يعرف عن الحكومة التكتم عن تورط الحوثيين في حال كانوا هم من يقفون وراء الهجوم، إضافة إلى ذلك، اتهم الأكاديمي والدبلوماسي الجنوبي السابق، عادل باشراحيل، رئيسَ المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي ونائبه بن بريك بالوقوف وراء هذا الهجوم. واصفا إياهما بأنهما "مرتزقة ومأمورون" تديرهم أبوظبي.