خريطة الدراما المصرية في رمضان.. لماذا خلت من المسلسلات الدينية؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

كانت المسلسلات الدينية أحد السمات المميزة لشهر رمضان المبارك في مصر خلال زمن الفن الجميل، أو ما يعرف بالعصر الذهبي للدراما المصرية. تلك الحقبة التي ما زال أثرها ممتدا حتى الآن، وتتذكر الأجيال الأعمال الدينية الخالدة، التي أثرت بها مصر الشاشة العربية طيلة عقود.

7 سنوات عجاف من حكم الجنرال عبدالفتاح السيسي لمصر خلت فيها الدراما الرمضانية من أي مسلسلات دينية، حتى ولو كانت ضعيفة الإنتاج والترويج، بينما سادت الدراما السياسية وغلبت الاجتماعية والكوميدية.

شركة "سينرجي"

30 مسلسلا عجت بها شاشات التليفزيون والفضائيات المصرية في رمضان 2021، خلت خريطتها من أي مسحة دراما دينية، إثر استبعاد شركة "سينرجي" التابعة لجهاز المخابرات، بالإضافة إلى شركات الإنتاج الأخرى الأعمال الدينية من مسلسلات رمضان.

موسم رمضاني كسابقه حمل زخما من الدراما المسيسة مثل "الاختيار" و"القاهرة كابول"، ما عده باحثون ونقاد ظاهرة سلبية في حاجة إلى وقفة مع صناعها.

وفق خبراء، فإن الأمر يتعلق بتشكيل وعي أجيال، خاصة مع تضخم عدد القنوات وزيادة الإنتاج وانعدام الرقابة، وانتشار الأعمال التي تصل إلى درجات من الابتذال والسطحية.

دراما رمضان حاليا مليئة بالألفاظ النابية والمصطلحات المستحدثة الخارجة عن المألوف، بينما غابت مسلسلات القيم والروحانيات وتناول الشخصيات الإسلامية والوطنية، في ظل تغييب شبه كامل لمؤسسات الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والتليفزيون الرسمي ومدينة الإنتاج الإعلامي وسيطرة تامة من المخابرات.

اختفت المسلسلات المميزة مثل "محمد رسول الله" أول مسلسل ديني عرض في رمضان عام 1980، وتكون من 5 أجزاء إلى جانب أعمال خالدة أخرى مثل "ابن تيمية"، "على هامش السيرة"، "ساعة ولد الهدى"، "الوعد الحق"، "أبوذر الغفاري"، وغير ذلك من عشرات الأعمال، التي لم تتكرر.

توجه سياسي

اعتبر الصحفي المصري محمد يوسف أن تراجع الدراما الدينية في رمضان جاء على وقع توجهات سياسية بحتة، وأن شركات الإنتاج المملوكة لجهاز المخابرات، وعلى رأسهم شركة "سينرجي" أفردت المساحة للأعمال السياسية والاجتماعية والكوميدية على حساب الدراما الدينية. 

يوسف قال لـ"الاستقلال" إن "غياب الدراما الدينية يدعو للتساؤل والاستغراب في نفس الوقت، ما هي الموانع والعوائق التي تحول دون إنتاج عمل ديني متميز يليق بالشهر الفضيل، ويجتمع عليه الشعب المصري كما كان يحدث من قبل.

مضيفا: "مصر صاحبة تاريخ عريق في إنتاج الدراما والأعمال الدينية منذ بداية السينما والتليفزيون، وقدمت للعالم العربي والإسلامي، مسلسلات خالدة لن تمحى من الذاكرة".

وتابع: "اقتصار الدراما على البعد السياسي والاجتماعي فقط، يقتل الإبداع، ويفرغ الساحة الفنية للخارج، وقد رأينا عندما تقاعس المصريون عن تقديم الأعمال التاريخية، ملأ السوريون الفراغ واكتسحت الدراما التاريخية السورية مصر".

ويكمل: "ثم جاء الأتراك بمسلسلاتهم انطلاقا من حريم السلطان ثم قيامة أرطغرل الذي حظي بمتابعة وتأثير واسع، ونرى أن الأعمال الدينية على نفس المنوال، خاصة ونحن نعيش عصر السماوات المفتوحة والسوشيال ميديا".

مكانة مصر

الناقدة الفنية مروة محمود، قالت لـ"الاستقلال": "ضعف المحتوى الديني الدرامي في مصر، لا يعبر عن مكانتها، ولا عن تاريخها العريق في الدراما الدينية، وريادتها للعالم العربي والإسلامي في هذا المجال على مدار عقود". 

وأضافت: "مصر هي التي قدمت مسلسلات تراثية فريدة مثل محمد رسول الله،  لا إله إلا الله، عمر بن عبد العزيز، عصر الأئمة، أبو حنيفة النعمان، الفرسان، إمام الدعاة، كل تلك الأعمال شاهدة على تاريخ مصر، وحظيت بمتابعات في سائر أنحاء العالم العربي، وهي جزء من قوة مصر الناعمة".

وأردفت: "لا شك أن الاستقطاب السياسي الذي تعيش فيه البلاد منذ سنوات، أثر بشكل مباشر على إنتاج الدراما الدينية، لكن علينا أن ننظر إلى سوريا، فهي رغم الحرب الأهلية والانقسام السياسي حرصت خلال السنوات الماضية على إنتاج أعمال دينية غاية في الرقي.

وضربت الناقدة الفنية مثالا بمسلسل "الإمام" الذي يحكي قصة حياة الإمام أحمد بن حنبل، قائلة: "رغم أنه إنتاج مشترك بين عدة دول لكن سوريا كانت جزءا منها، وكذلك مسلسل هارون الرشيد بطولة النجم قصي الخولي، الذي هو خلطة دينية سياسية في المقام الأول". 

وتساءلت: "ما الذي يمنع مصر وشركات الإنتاج الفني العديدة، وصاحبة الميزانيات الضخمة من إنتاج أعمال دينية رفيعة في شهر رمضان، الذي هو مناسبة دينية خاصة ومميزة لدى المصريين الذين كانوا يحرصون فيها على متابعة المسلسلات الدينية التي مازالت راسخة في الأذهان حتى الآن".

وذكرت: "قطاع الإنتاج في مصر عموما يحتاج إلى ثورة، وإعادة الاهتمام بخريجي معهد الفنون المسرحية والسينما وتأهيلهم من جديد، لتخرج أجيال قادرة على العطاء والإبداع، أمثال عبد الله غيث، وحمدي غيث، ومحمود ياسين، وعزت العلايلي وغيرهم".

هنا لابد أن نذكر أن الفنان العالمي أنطوني كوين، أشاد بعبد الله غيث أثناء تأديته دور حمزة بن عبد المطلب في فيلم الرسالة، وأنه برع في الدور بالنسخة العربية وكان أنطوني كوين نفسه يتعلم منه أبعاد الشخصية في النسخة الأجنبية"، هكذا قالت مروة محمد. 

وختمت حديثها بالقول: "لذلك من الضروري العودة وإخراج مثل هؤلاء العظماء الذين عبروا عن مصر ودورها، لكن المسلسلات التي تعتمد على العنف والبلطجة ومشاهد الإغراء في الشهر الفضيل، تعطي صورة سلبية عن بلدنا للخارج، وتؤثر علينا وعلى قيمنا في الداخل".

أوامر الجنرال

الدكتور محمد أبو زيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، أكد أن غياب الدراما الدينية حتى وإن كانت مختزلة وضعيفة، ما هو إلا نتاج سياسة نظام أراد أن يمحق التوجه الإسلامي للشعب المصري بكل مكوناته وتراثه العتيق.

وقال أبو زيد لـ"الاستقلال": "رأينا كيف تهتم الدولة بموكب المومياوات، وتقيم احتفالات بمئات الملايين، لنقل ملوك الفراعنة إلى المتحف القومي للحضارة، وفي ذلك إشارة واضحة إلى تشديد الانتماء القومي وتغليبه على الانتماء الديني، الذي يتضاءل بصورة واضحة في جميع أوجه ومؤسسات الدولة، بداية من المدارس والجامعات وصولا إلى الإعلام والفضائيات".

وأضاف: "السيسي منذ انقلابه العسكري، اعتبر أن خصومته مع جماعة الإخوان المسلمين، أساسها الدين نفسه، وأن الخطاب الديني بعمومه هو الذي يغذي الجماعات الإسلامية، فمن الأفضل منعه وتهميشه، هو رأى ذلك ووضع الخطط للتنفيذ، كما رأينا على مدار السنوات الماضية".

وتابع: "لقد شاهدنا كيف يتم استهداف مجسمات المساجد خلال العروض العسكرية، وكيف اصطدم بالأزهر الشريف، وحاول تجاوز الفقه الإسلامي في مواضع كثيرة مثل الطلاق، وصولا إلى الإعلام الذي اختفت منه النزعة الدينية تقريبا، ولم يتبق إلا دعاة السلطان الذين ينافقون الحاكم، ويتكلمون في سفاسف الأمور".