لا يمثل الثورة.. هكذا أصبح قيس سعيد أحد أزمات تونس داخليا وخارجيا

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كانت أعين التونسيين والعالم تتطلع إلى الرئيس قيس سعيد، وهو يتوجه إلى قصر قرطاج في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ليتولى منصبه الجديد، بشكل رسمي، محملا بآمال وأحلام الملايين، الذين انتخبوه بأغلبية ساحقة وصلت إلى 73 بالمئة.

سعيد قال حينها في خطاب تنصيبه: "ستبقى تونس منتصرة لكل القضايا العادلة. ما يعيشه التونسيون والتونسيات اليوم أذهل العالم بأسره"، لكن اليوم غير البارحة، والوجه الذي جاء به قيس سعيد إلى حكم تونس تبدل، مع تباين حاد في المواقف.

بداية السقوط كانت بوقوعه في فخاخ التطبيع مع إسرائيل ولو على سبيل غض الطرف، ثم الاصطدام بمؤسسات الدولة من برلمان منتخب وحكومة مزكاة من قبل مجلس النواب.

كذلك حديثه عن الحماية الفرنسية بدلا من الاحتلال، وصولا إلى زيارته الأخيرة لمصر ولقائه مع رئيسها الانقلابي عبد الفتاح السيسي، فكيف انقلب قيس سعيد على مبادئه؟ وكيف أصبح جزءا أصيلا من أزمات تونس مهد الربيع العربي داخليا وخارجيا؟

زيارة مثيرة

في 9 أبريل/ نيسان 2021، بدأ الرئيس قيس سعيد، زيارة رسمية إلى مصر استمرت 3 أيام، كانت الأولى له منذ توليه منصبه، والتقى فيها برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ما أثار عاصفة من الغضب والانتقادات في تونس وخارجها.

الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي اعتبر أن "سعيد لم يعد يمثله بعد أن أجرى هذه الزيارة إلى القاهرة". وفي تدوينة له، عبر "فيسبوك"، تبرأ المرزوقي من الزيارة، مقدما اعتذاره إلى روح الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وضحايا فض اعتصام رابعة العدوية بالقاهرة، وأنصار ثورة 25 يناير، والسجناء السياسيين في مصر.

ورأى المرزوقي، أن الرئيس قيس سعيد، "لا يمثل الثورة التي سمحت له بالوصول للسلطة، ولا يمثل استقلال تونس، ووحدة دولتها ومصالحها وقيمها، والأهم من هذا كله شرفها الذي هو أغلى ما يملكه إنسان أو شعب".

أما وزير خارجية تونس السابق، الدكتور رفيق عبد السلام، فعلق على الزيارة عبر فيسبوك، قائلا: "مشكلة قيس سعيد أنه يتحين الفرص لنقل صراعات الحكم التي يخوضها من الداخل إلى الخارج، مثلما فعل مع السفراء الذين جلس معهم في قصر قرطاج ليقحمهم  في صراعاته السياسية العبثية، وهو يبحث اليوم عن الاندراج في مظلة إقليمية معادية للديمقراطية ولثورات الشعوب ولروح التحرر في المنطقة".

تلك الإشارات وحالة الغضب السائدة ضد قيس سعيد، كانت وليدة تناقضات وجدليات مستمرة أثارها الرجل لا سيما في الفترة الأخيرة، مع اصطدامه المتكرر بمؤسسات وأحزاب تونسية تحظى بقواعد شعبية كبيرة.

شرعية المؤسسات

قيس سعيد، الذي جاء عبر انتخابات حرة شاركت فيها طوائف الشعب، يمثل رأس المؤسسات المنتخبة من البرلمان والحكومة، ضمن سياق دولة ديمقراطية. 

وبدلا من احترام سعيد لتلك القواعد، توجه إلى الجماهير بخطاب صادم يوم 9 أبريل/ نيسان 2021، أعلن فيه أن "تونس على فراش المرض والطبيب يتوجه للصيدلية ليحضر لها الدواء.. أما الدواء فهو برلمان وطني محترم ووزارة كاملة مسؤولة".

هذا التصريح عبر عن عمق الأزمة بين سعيد ومؤسسات بلاده المنتخبة، التي تمثل لديه هاجسا حقيقيا، فهو دائم التشكيك في شرعية المؤسسات المنتخبة لأنها "لا تستند إلى مشروعية" حسب تعبيره، ويدعو إلى نظام سياسي وانتخابي مختلف ويرى أن منظومة الأحزاب زائلة، ويدعو التونسيين إلى استبدال هذا الوضع.

كذلك يسود خلاف بين قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، منذ 16 يناير/كانون الثاني 2021 عقب إعلان الأخير تعديلا حكوميا جزئيا، لكن الرئيس لم يدع الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية، معتبرا أن التعديل شابته خروقات.

وفي ذلك الإطار نشر الكاتب التونسي محمد أحمد القابسي، مقالة يوم 18 مارس/ آذار 2021، لجريدة العربي الجديد، قال فيها "بعد شهرين على أزمة التعديل الوزاري في تونس، ما زالت القطيعة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد، من جهة، ورئيسي الحكومة والبرلمان هشام المشيشي وراشد الغنوشي، تراوح مكانها وسط تمسك كل طرف بموقفه، فصارت صراع كسر عظام". 

وأضاف: "وصلت تداعيات الأزمة إلى دعوات، من كتل برلمانية عديدة وخبراء وأساتذة فاعلين في المشهد السياسي، إلى تعديل النظام السياسي، وذلك ما أصبح سعيد يلوح به، فيما يجمع هؤلاء على أنه ليس من حق رئيس الجمهورية اتهام وزراء مقترحين بالفساد متعللا بالدستور، فتهم الفساد، كما يرون، خطيرة، يفصل فيها القضاء وحده، إذ بدا الرئيس في هذه الحالة وكأنه محكمة تعقيب تنقض ما أقره البرلمان".

وشدد على محاولات قيس سعيد الإطاحة بالبرلمان: "يتوهم رئيس الجمهورية، ومساندوه من بعض أحزاب المعارضة، كالتيار الديمقراطي وحركة الشعب، إذ أعطى الدستور الحالي للبرلمان هيمنة مطلقة على الحياة السياسية للبلاد، ما يجعل الجميع في شبه طريق مسدودة، إذ يكاد تغيير النظام السياسي للخروج من الأزمة السياسية الراهنة يكون مستحيلا". 

كانت هذه واحدة من تناقضات سعيد على المستوى الداخلي وإدارة الدولة في تونس، وأحدثت تصريحاته وسياسته شرخا عميقا في قلب المؤسسات الشرعية، وعلى المستوى الشعبي، أما خارجيا فكان رئيس الجمهورية مثيرا للجدل في قضايا كانت تعتبر قطعية في تصريحاته ومبارزاته قبل أن يصبح رئيسا.

سقطات التطبيع 

جاءت أشد تباينات سعيد، فيما يخص قضية التطبيع مع إسرائيل، فعندما كان مرشحا رئاسيا، داعب الحس الوطني للشعب المعروف برفضه الكامل لكل أشكال التطبيع والتعاون مع إسرائيل، وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قال سعيد خلال مناظرة تلفزيونية مشهودة: "التطبيع خيانة عظمى، ويجب أن يحاكم من يطبع مع كيان شرد ونكل شعبا كاملا". 

وشدد أن "كلمة تطبيع هي كلمة خاطئة أصلا، نحن في حالة حرب مع كيان غاصب". وعندما سئل حول السماح بزيارة معابد يهودية في تونس، رفض بشكل قاطع دخول من يحمل جواز سفر إسرائيلي، قائلا "نحن نتعامل مع يهود ونقبلهم، لكن لا نقبلهم كإسرائيليين".

بعد وصول سعيد إلى حكم قرطاج، تبدلت السياسة وهدأت نبرة التحدي، وجاءت السقطة الأولى في فبراير/ شباط 2020، مع الإقالة المفاجئة لسفير تونس لدى الأمم المتحدة منصف البعتي.

وأكدت مجلة فورين بوليسي الأميركية، أن "الإقالة جاءت مباشرة بعد قيادة سفير تونس مفاوضات دبلوماسية مع ممثل دولة إندونيسيا حول مشروع قرار يدين خطة الرئيس الأميركي (السابق) دونالد ترامب في الشرق الأوسط، حول صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل".

وذكرت فورين بوليسي، أن ذلك وفقا لثلاثة مصادر دبلوماسية أممية، حيث قال اثنان من هؤلاء "إن الرئيس التونسي المنتخب حديثا قيس سعيد قام بإعفاء البعتي، بعد شكوى من الولايات المتحدة الأميركية".

السقطة الثانية لسعيد، حدثت في 6 يوليو/ تموز 2020، عندما أصدر أمرا رئاسيا يقضي بمنح 135 شخصا الجنسية التونسية، بينهم 34 فلسطينيا، إلا أنه استثنى السيدة ماجدة الزواري، أرملة الشهيد محمد الزواري، الناشط التونسي في حركة حماس الفلسطينية، الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي عام 2016، أمام منزله بمدينة صفاقس بتونس.

كانت السيدة ماجدة الزواري، زوجته قد تقدمت بطلب للحصول على الجنسية التونسية في أكثر من مناسبة، وجاء استبعادها على يد سعيد، ليطرح تساؤلات عن الأسباب، خاصة وأن الرأي العام التونسي يراها أولوية تكريما لزوجها المناضل.

وتمثلت السقطة الثالثة لرئيس تونس في 19 أغسطس/آب 2020، مع استقباله سفير فلسطين في تونس، حيث أشار سعيد ضمنيا لموقفه من تطبيع دولة الإمارات مع الاحتلال، قائلا "إننا لا نتدخل في اختيارات بعض الدول، ولا نتعرض لها، ونحن نحترم إرادة الدول، فهي حرة في اختياراتها وأمام شعوبها".

حينها كانت تونس تشتعل بالوقفات احتجاجا على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، بالإضافة إلى حملات واسعة دشنها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنا مع إصدار الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بيانات رافضة ومستنكرة.

إلا أن جزءا كبيرا من الرسائل التي توجه بها التونسيون في الشارع أو على مواقع التواصل أو عبر المنظمات والأحزاب، كانت موجهة للرئيس قيس سعيد مذكرة إياه بوصفه التطبيع خلال الحملة الانتخابية بأنه "خيانة عظمى".

الحماية الفرنسية 

في 23 يونيو/ حزيران 2020، أثار الرئيس التونسي جدلا واسعا، في أول زيارة رسمية له إلى فرنسا، على خلفية تصريحات وصفت بأنها تنتقص من السيادة الوطنية التونسية، فيما يتعلق بفترة الاستعمار الفرنسي وجرائمه في إفريقيا، وأنها فرطت في دماء شهداء تونس الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي، وتعرضوا للتعذيب والموت من أجل بلادهم.  

خلال لقاء إعلامي على هامش الزيارة مع قناة (فرانس 24)، عند سؤال الرئيس قيس سعيد، عن موقفه من اللائحة التي عرضت على البرلمان التونسي لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن فترة الاستعمار، فاجأ الجميع عند وصفه للاستعمار الفرنسي لتونس بـ"الحماية"، وأن كل من يطلب الاعتذار فهو يدين نفسه.

وعندما ذكر الإعلامي المحاور للرئيس التونسي، بأن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، اعترف بارتكاب فرنسا لجرائم ضد الإنسانية في الجزائر، وعما إذا كان الأمر متشابها في البلدين وعن أحقية التونسيين باعتذار فرنسي، شدد سعيد أن الأمر يختلف عن جارتهم الجزائر.

سعيد قال: "تونس كانت تحت نظام الحماية وليس تحت الاستعمار المباشر مثل الجزائر، والاعتذار يمكن أن يكون بطرق أخرى، عبر مشاريع واتفاقات". 

ووصل الأمر بأن هاجم اللائحة التي طرحها "ائتلاف الكرامة" في البرلمان التونسي، معتبرا إياها بأنها "لم تكن بريئة"، وتساءل "لماذا نطالب بعد 60 سنة بالاعتذار؟".