"انتقال عسير".. كيف يبدو السودان بعد عامين على الإطاحة بالبشير؟

12

طباعة

مشاركة

اعتبرت صحيفة إيطالية أن احتفال السودان بالذكرى الثانية للثورة التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير "تأتي في سياق دقيق للغاية". 

وقالت صحيفة "نيغريسيا" إن "مخاطر عدة تهدد عملية الانتقال الديمقراطي العسيرة"، في إشارة إلى هشاشة اتفاق السلام الموقع بين الحكومة والجماعات المسلحة إلى جانب تواصل الاشتباكات في إقليم دارفور، وأيضا وطأة الأزمة الاقتصادية والأزمة الإقليمية الناتجة عن الصراع الإثيوبي.

وأطاحت الاحتجاجات الشعبية السودانية التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2018 بالرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل/نيسان 2019.

ويقبع الرئيس المتنحي في السجن؛ بسبب اتهامات "فساد خطيرة للغاية"، في انتظار أن تقرر الحكومة الجديدة ما إذا كانت ستسلمه إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية وكذلك بارتكاب إبادة جماعية في صراع دارفور.

توازنات غير مستقرة

وبحسب الصحيفة الإيطالية، انطلقت عملية انتقال معقدة للسلطة منذ عامين، تقوم على تقاسم السلطة بين الجيش الذي حاول سلب الإنجاز الشعبي من خلال إقامة نظام عسكري آخر، والقوى التي حشدت السكان وقادت الثورة.

وفي غضون عامين، أكدت "نيغريسيا" أن عدة أشياء تغيرت في البلاد رغم التوازنات غير المستقرة بين المكونات المختلفة للمؤسسات المؤقتة، والتي ستستمر حتى الانتخابات المقرر إجراؤها عام 2024. 

وفي هذا الصدد، نوهت الصحيفة باتفاق السلام، الموقع في جوبا جنوب السودان بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية السودانية، في 31 أغسطس/آب من العام الماضي، الذي طالبت به الجهات الفاعلة الوطنية والدولية واعتبرته شرطا أساسيا لإحداث تغيير حقيقي في البلاد التي مزقتها النزاعات الداخلية منذ السنوات الأولى للاستقلال. 

وعرجت الصحيفة على "الإصلاحات والتعديلات التي قامت بها وزارة العدل على المنظومة العدلية، كما ألغت وقامت بمراجعة بعض التشريعات المستمدة من الشريعة الإسلامية". 

كما بدأت لجان خاصة في تفكيك الدولة العميقة التي سمحت لنظام حزب المؤتمر الوطني بإحكام قبضته على البلاد قرابة 30 عاما، وفق قول الصحيفة الإيطالية. 

بدورها، حاولت الحكومة المؤقتة من خلال القيام  بإصلاحات شملت القطاع الاقتصادي، محاربة الفساد ومعالجة انخفاض قيمة الجنيه التي تعد "آفات حقيقية" تمنع تعافي البلاد.

ورغم هذه الإصلاحات، أكدت الصحيفة أنه وفقا للأنباء التي تصل يوميا من البلاد، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به.

وقالت إن "الوضع في إقليم دارفور عاد إلى سنوات الصراع المظلمة، في العقد الأول للألفية الثالثة، وذلك بعد أن وقعت منذ بداية هذا العام، اشتباكات عنيفة خاصة في ولاية غرب دارفور وفي عاصمتها الجنينة وأيضا في مخيم كريندينج للاجئين الذي تسكنه في الغالب المساليت، إحدى الجماعات العرقية غير العربية التي تشكل الأغلبية في المنطقة".

حوادث خطيرة

وأدت الهجمات التي وقعت في يناير/كانون الثاني 2021، واستمرت لعدة أيام، إلى سقوط مئات القتلى غالبيتهم من المدنيين، وفرار ما لا يقل عن 150 ألف شخص، نهبت ممتلكاتهم ودمرت منازلهم وأحرقت، تقول "نيغريسيا".

وفي الأسبوع الماضي، استؤنفت الاشتباكات وخلفت ما لا يقل عن 132 قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى.

ولفتت الصحيفة بالقول إن مراقبين يصفون الوضع بأنه نزاع طائفي على إثر تعرض المساليت إلى اعتداءات من مليشيات توصف بأنها عربية. 

من جهته، يرفض محافظ ولاية غرب دارفور محمد الدومة هذه القراءة، ومنذ أيام قال لموقع "The New Humanitarian" الذي يتابع عن كثب ما يجري في مناطق الأزمات منذ 25 عاما: "العنف ليس قبليا، إنه سياسي، يقف وراءه حزب النظام السابق المؤتمر الوطني الذي يريد زعزعة استقرار الوضع ". 

وأشارت الصحيفة إلى أن "مجموعات عربية جاءت أيضا من دول مجاورة واستقرت منذ أكثر من عقد في نفس القرى، وكان نظام البشير قد منحها الجنسية بهدف تغيير ديمغرافية المنطقة لصالح مشروعه السياسي الخاص، سودان عربي وإسلامي".

من جانبهم، يتهم السكان حكومة الخرطوم بالعجز على الدفاع عنهم ويحملون قوات الدعم السريع مسؤولية ارتكاب أعمال العنف، كما تواجه هذه القوات اتهامات شبه يومية بسوء المعاملة والتسبب في حالة من عدم الاستقرار في مناطق مختلفة من البلاد. 

وفي هذه الفترة، اتهمت قوات الدعم السريع أيضا بارتكاب انتهاكات في ولاية جنوب كردفان التي تشهد حوادث يومية خطيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المليشيا، التي اتهمت في الماضي بارتكاب انتهاكات خطيرة للغاية ضد المدنيين، تم دمجها منذ فترة طويلة في الجيش الوطني، لكنها لا تزال تتحرك بشكل مستقل يقودها محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي)، النائب الأول لرئيس مجلس السيادة والمفاوض الرئيس لاتفاقية جوبا للسلام.

وأضافت الصحيفة أن "التجاوزات لا تقتصر فقط على المسألة الأمنية، وإنما تشمل أيضا مجال الحقوق المدنية".

مخاض عسير

وفي 9 أبريل/نيسان الجاري، تظاهرت مئات النساء أمام وزارة العدل ووزارة الداخلية ومكتب النائب العام؛ للمطالبة بالالتزام بالمعاهدات الدولية للدفاع عن حقوق المرأة، وإلغاء القوانين التي تميز على أساس الجنس، كولاية الذكور واتخاذ إجراءات ضد العنف القائم على نوع الجنس في الأسرة. 

وأردفت الصحيفة أنه بالإضافة إلى مشاكل التحول الديمقراطي، تواجه الخرطوم مخاطر ناتجة عن تفاقم الأزمة الإثيوبية التي اكتسبت أبعادا إقليمية.

كما يثير التوتر على الحدود، في منطقة "الفشقة" المتنازع عليها مع إثيوبيا، مخاوف كبيرة حيث تدور اشتباكات يومية أدت إلى سقوط العديد من الضحايا من الجانبين واحتجاز العديد كأسرى الحرب.

وفي الأيام المقبلة، سيسلم الجيش السوداني نحو 60 أسيرا إلى الجيش الإثيوبي، في بادرة هدنة وكدليل واضح على الحاجة إلى الرغبة في التوصل إلى اتفاق يتجاوز استخدام السلاح في مرحلة صعبة تمر بها العلاقات بين البلدين، وفق قراءة الصحيفة الإيطالية. 

كما أن الوضع  فيما يتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي لا يقل تعقيدا، لا سيما بعد فشل المفاوضات التي جرت الأسبوع الماضي في عاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا، تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. 

في الوقت نفسه، أعلنت أديس أبابا أن المرحلة الثانية لملء الخزان ستبدأ في موسم الأمطار المقبل، في إجراء أحادي الجانب أدى العام الماضي إلى توتر العلاقات مع دولتي المصب، السودان ومصر. 

وتلاحظ "نيغريسيا" أن المسائل الحدودية وأزمة سد النهضة موروثة بطريقة ما عن النظام السابق الذي لم يبحث عن حلول واتفاقات في الوقت المناسب، عندما كان الوضع الإقليمي بالتأكيد أكثر استقرارا والمناخ أكثر ملاءمة.

وخلصت الصحيفة إلى القول إن "الاحتفال بذكرى تنحي البشير عن السلطة يأتي في مرحلة معقدة حيث تهدد تركة الماضي الانتقال الديمقراطي الذي يمر بمخاض عسير، ولسوء الحظ، لا تشكل الفترة الانتقالية الطويلة والظروف الإقليمية عناصر تدعم الاستقرار والتحول الديمقراطي في البلاد".