"عالقة في المستنقع".. لماذا توترت العلاقات مجددا بين فرنسا والجزائر؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أجلت فرنسا زيارة كان مقررا أن يقوم بها رئيس وزرائها، جان كاستكس، إلى الجزائر، في 11 أبريل/نيسان 2021، بسبب ما قالت إنه يعود لجائحة "كورونا"، بحسب ما أعلنت باريس، مقابل صمت رسمي جزائري يعكس أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين.

وسائل إعلام جزائرية تحدثت عن أن سبب تأجيل الزيارة هو رفض الجزائر تقليص "حجم" الوفد الوزاري الفرنسي الذي كان يفترض أن يجري الزيارة الرسمية، وهو ما اعتبرته "استفزازا" من قبل باريس.

عمق الفجوة

جريدة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية عنونت افتتاحيتها بـ"أعمال عدائية فرنسية خطرة"، قالت فيها إنه "من حقنا التساؤل عن اللعبة الخطرة للسلطات الفرنسية".

من جهتها، كتبت جريدة "الخبر" الناطقة بالعربية في صفحتها الأولى "تأجيل زيارة كاستيكس يؤكد عمق الفجوة بين الجزائر وفرنسا" تحت عنوان كبير هو "القطيعة مستمرة".

ورغم عدم تقديم الحكومة الجزائرية أي تفسير لما جرى، تحدثت مصادر متطابقة فرنسية وجزائرية عن انزعاج الجزائر من تقليص عدد الوفد الفرنسي إلى 4 أو 3 أعضاء من الحكومة بدعوى "الأزمة الصحية"، وهو ما اعتبرته الجزائر سببا غير كاف.

تلفزيون "النهار" الجزائري الخاص، أكد أن: "الزيارة تأجلت بطلب من الجانب الجزائري، بسبب تحفظاته على مستوى الوفد الذي لا يتوافق مع أهمية الحدث".

ذهبت وكالة "فرانس بريس"، إلى أن أحد محاور الخلاف الأخرى هو قضية الصحراء الغربية الشائكة التي يتنازع حولها منذ عقود المغرب وجبهة البوليساريو الداعية إلى استقلال المنطقة.

من جهتها، أشارت صحيفة "لو كوتيديان دوران" أن السفير الجزائري لم يقدم بعد أوراق اعتماده إلى الرئيس ماكرون "رغم أنه مقيم في باريس منذ 8 أشهر".

وأشارت الصحيفة الناطقة بالفرنسية إلى أن زيارة كاستيكس كانت ستشهد قدوم "جيش من الصحفيين كان من الممكن أن يستغل زيارته للتركيز على ناشطي الحراك" الاحتجاجي الذي يطالب منذ عامين بتغيير النظام الحاكم في الجزائر.

وتضيق السلطات الجزائرية الخناق على حضور الإعلام الأجنبي لتغطية التطورات في البلاد عبر إجراءات اعتماد بيروقراطية وغامضة.

ختمت الجريدة التي تنشر من مدينة وهران بالقول إن "العسكري له أسبقية على السياسي" في العلاقات الفرنسية الجزائرية منذ أن طلبت باريس مساعدة الجزائر في الأزمة الإقليمية في منطقة الساحل.

قبل إعلان زيارة رئيس الوزراء الفرنسي، استقبل رئيس الأركان الجزائري الفريق السعيد شنقريحة نظيره الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر في زيارة نادرة لم يعلن عنها مسبقا.

بالتزامن مع ذلك، قال وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب إن "فرنسا عدوتنا التقليدية والدائمة"، وبالتزامن مع إعلان تأجيل الزيارة كان قائد الأركان الفرنسي، فرانسوا لوكوانتر، في زيارة من يوم واحد للجزائر.

كان لافتا في كلمة لرئيس الأركان الجزائري بهذه المناسبة، دعوته باريس إلى تسليم بلاده خرائط حول أماكن التجارب النووية الفرنسية التي أجريت بالصحراء في ستينيات القرن الماضي، لتطهير المنطقة من الإشعاعات.

كما جدد تمسك بلاده بتحالف عسكري مع دول الساحل الإفريقي، التي تحدها جنوبا لمكافحة الإرهاب، في إشارة إلى رفض الانخراط في تحالف عسكري مواز تقوده فرنسا في المنطقة.

ولطالما شكلت "ملفات الذاكرة" المرتبطة بالحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر (1830 - 1962)، نقطة لتوتر دائم في العلاقات بين البلدين، بسبب رفض باريس الاعتراف بجرائمها الاستعمارية.

كما أن مستجدات المشهد السياسي الجزائري، منذ الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) ومجيئ خلفه عبد المجيد تبون نهاية 2019، كانت مصدرا للتوتر في العلاقات الثنائية، خلال الأشهر الأخيرة، بسبب اتهامات محلية لباريس بالتدخل في الشأن الداخلي.

"عالقة في مستنقع"

صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، نشرت في 10 أبريل/نيسان 2021، تقريرا بعنوان "علاقة فرنسا - الجزائر عالقة في مستنقع"، قالت فيه إن تأجيل الزيارة التي كان يفترض أن يقوم بها كاستيكس تشهد على وجود مناخ سلبي، رغم التفاهم بين رئيسي البلدين ماكرون وتبون، مشددة على أن هذا التأجيل الجديد يتعارض تماما مع ديناميكيات الرئاسة.

صحيفة "لوفيغارو" قالت إنه "على أعلى مستوى كل شيء يسير نحو الأفضل. يتحدث الرئيسان مع بعضهما البعض كثيرا ويتفاهمان بشكل جيد. من الواضح أن ماكرون يدعم تبون. بل يمكننا حتى القول إن فرنسا أسقطت الحراك، كما يقول البعض". 

وأكد الاجتماع الذي نظم هذا الأسبوع في الجزائر العاصمة بين رئيسي أركان القوات المسلحة، سعيد شنقريحة وفرانسوا لوكوانتر، أن التعاون الأمني ​​بين البلدين "جيد جدا" رغم بعض التعليقات حول العلاقات مع الجهاديين في منطقة الساحل.

"أفضل من ذلك، ولأول مرة، طلب شنقريحة من الفرنسيين خرائط تبوغرافية لتحديد أماكن الدفن للنفايات الملوثة أو المشعة أو الكيميائية. ومع ذلك، فإن هذا الملف يعد واحدا من أكثر الملفات حساسية بين البلدين حتى اليوم"، كما تنقل الصحيفة عن مصدر أمني.

وحسب أحد المحاورين الأساسيين بين البلدين، كما تقدمه "لوفيغارو"، فإن "الواضح أن هناك، على رأس السلطة الجزائرية، خطا يدفع إلى التشويش على قنوات الاتصال الثنائية القائمة منذ سنوات. فكلما كانت الأمور جيدة على مستوى هرم السلطة، زادت ضراوة الهجمات ضد فرنسا في المستويات الوسطى".

يوم 8 أبريل/نيسان 2021، وصف وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب، فرنسا بأنها "العدو التقليدي الأبدي" للجزائريين. بشكل منتظم، يكون السفير الفرنسي هدفا لبث أخبار كاذبة في وسائل إعلام غير معروفة غالبا وتتحدث العربية في الغالب".

من جهته/ قال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمون بون، في 11 أبريل/نيسان 2021، إن بلاده تريد "تهدئة في العلاقات مع الجزائر رغم بعض التصريحات التي لا مبرر لها، إزاءها وإرجاء زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس لها".

وصرح بون في برنامج "غران جوري" الذي يبث بالاشتراك بين إذاعة "إر تي إل" وصحيفة "لوفيغارو" وتلفزيون "إل سي آي"، أن "هناك أحيانا تصريحات لا مبرر لها في العلاقات الفرنسية الجزائرية".

ونفى بون وجود أي "توتر" بين فرنسا والجزائر حول زيارة كاستيكس التي ألغيت رسميا بداعي أزمة كوفيد-19، لكن يقال إن ذلك سببه استياء الجزائريين من تقليص عدد الوفد الفرنسي.

وتابع وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية "إن عدم إمكان عقد هذا الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين لا يرتبط بالتوتر بين فرنسا والجزائر، لكن بالوضع الصحي الذي لم يسمح للحكومة الفرنسية بإرسال وفد كبير إلى الجزائر".

جزائر جديدة

تعددت الشعارات المناهضة لفرنسا يوم الجمعة 9 أبريل/نيسان 2021، وسط المتظاهرين، وترتبط هذه التوترات المتكررة بـ"جماعات الضغط التي تعمل ضد تفاهم ودي بين الجزائر وفرنسا في عمل يتمثل في إفشال أي جهد إنمائي بين البلدين"، حسب تصريح السفير الجزائري في فرنسا عنتر داود، في مقابلة على التلفزيون الحكومي الجزائري.

اعتبر البروفيسور إدريس عطية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أن فرنسا تدرك أن الجزائر الجديدة في فترة ما بعد الحراك دخلت مرحلة مهمة، وبالتالي الجزائر القديمة التي عهدت فرنسا التعامل معها بطرقها وأساليبها المختلفة أصبحت لا تطيق المعاملات الفرنسية التي تعتمدها تجاه الجزائر من خلال منطق الوصاية والأبوية الذي تعودت أن تتعامل به مع مستعمراتها السابقة.

لهذا السبب، يقول المتحدث، لـ"الاستقلال": "تم فتح العديد من الملفات، والجزائر ترغب في إعادة ترتيب أولوياتها إزاء فرنسا بما فيها فتح الملفات التاريخية أو اتفاقيات فترة ما قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر أي قبل 1830".

مضيفا: "وهذا ما صرح به وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم. أيضا التصريح الذي أكد عليه قائد الأركان الفريق سعيد شنقريحة، عندما طالب فرنسا بالخرائط المتعلقة بالتفجيرات النووية في الجنوب الجزائري، وهي مقدمة لفتح ملف مهم للحوار مع فرنسا".

الموضوع الثالث، بحسب عطية، وهو "مركزي يتعلق بأوساط كل الجزائريين، ولا يتعلق بمطالب حراك، إنما كل الشعب الجزائري إزاء ملف الذاكرة وعندما تعين فرنسا المؤرخ بنيامين ستورا أو عندما تعين الجزائر المؤرخ عبد المجيد شيخي، فكلها مؤشرات على أن الجزائر ترغب في إعادة ضبط العلاقة مع فرنسا بما يخدم مصالحها، على أساس أن الأخيرة تعودت استنزاف موارد البلد وطاقاته الشابة".

جاء الحراك برأي المتحدث، "لتعزيز الديمقراطية وتوطينها بناء على مطالب الجزائريين، وهو ما دفع فرنسا إلى إعادة حساباتها، خاصة أن يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2019، عندما سئل تبون كونه مرشحا، عن تصريحات ماكرون، التي قال فيها إنه يوصي تبون بأن يقيم حوارا داخليا، ورفض الرد". 

يرى خبير العلاقات الدولية، أن "الأزمة عميقة بين الجزائر وفرنسا، وأن الأولى استعادت عافيتها وتطالب بإعادة النظر في العديد من الملفات، ويأتي تأجيل هذا اللقاء الحكومي في سبيل إعادة ترميم العلاقات، وهو سعي فرنسي لإعادة كسب مصالحها والحفاظ على ما تبقى منها داخل الجزائر".

وختم الخبير: "مع أن المفاوض الجزائري يراهن بقوة على ما هو أصلح لشعبه خاصة أن الجزائر الجديدة عاقدة العزم على أن تكون الإرادة الشعبية مجسدة في كل الميادين، وأن يقود الوطنيون السلطة في الجزائر لا النخبة التي حرصت فرنسا دائما على خلقها وغرسها داخل السلطة في الجزائر لرعاية مصالحها".