رغم الحرب والتشريد.. لماذا تخفي السعودية مئات اليمنيين قسرا في سجونها؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد الحديث مجددا عن المعتقلين اليمنيين في السجون السعودية، إثر تقرير حقوقي أصدرته "منظمة سام للحقوق والحريات"، يتناول قضية المعتقلين اليمنيين والمخفين قسرا في السجون السعودية.

وتعتقل السعودية في سجونها مئات اليمنيين بشكل غير قانوني، ومن دون محاكمات، كما تمنع الزيارة عن أهاليهم، وتمنع عنهم تلقي العلاج والرعاية الصحية، وتعرضهم للإهمال الطبي، وفق منظمات حقوقية يمنية.

في 8 أبريل/نيسان 2021 أصدرت "منظمة سام للحقوق والحريات" ومقرها جنيف، تقريرا مكونا من 64 صفحة، قالت فيه إن السعودية تعتقل مئات اليمنيين في سجون بالمملكة بعضها غير قانونية.

وأضافت أن فريق المنظمة تلقى عشرات البلاغات واستمع لأكثر من 100 شهادة من الضحايا أنفسهم أو شهود آخرين، عبر الهاتف أو عبر تطبيق واتساب أو المقابلات.

وشدد التقرير على أن معظم من تحدثت إليهم المنظمة تعرضوا للتعذيب والمعاملة المهينة، وتوفي بعضهم جراء التعذيب الجسدي، مثل ضابط خفر السواحل اليمنية إبراهيم الشمساني.

وأوضح التقرير أنه واجه صعوبة في معرفة عدد المعتقلين والمخفين قسريا، نظرا لحساسية هذا الملف في السعودية والبيئة الخطرة التي توجد فيها المعتقلات واعتماد الجهات المسؤولة عن ذلك الملف على السرية.

وحسب المنظمة الحقوقية، فإن السعودية تعتقل اليمنيين في عدة سجون مثل "القوات الجوية" بمنطقة جيزان، و"الاستخبارات العسكرية"، و"لواء الفتح" في الحد الجنوبي، و"اللواء الخامس" في الحد الجنوبي أيضا، و"مباحث أمن الدولة" في الرياض، و"المباحث العامة" بذهبان بمدينة جدة، وحسب المنظمة فإن الأخير من أشهر السجون التي يعتقل فيها اليمنيون.

إخفاء وتغييب

ويقبع في سجون المملكة قادة عسكريون وجنود وأمنيون وصحفيون وناشطون ومقيمون، من بينهم الصحفي مروان المريسي الذي تعتقله السلطات السعودية في سجن الحائر منذ يونيو/حزيران 2018.

كذلك العقيد رشاد الحميري الذي تم اعتقاله في منفذ العبر الحدودي مع السعودية، بالإضافة إلى الضابط إبراهيم الشمساني الذي فقد حياته في المعتقل جراء التعذيب، وكذلك البحارة اليمنيون الذين اعتقلتهم السلطات السعودية من ميناء ميدي بجوار الحديدة على البحر الأحمر.

منذ أكثر من عام اعتقلت السلطات السعودية الصحفي اليمني مروان المريسي، حيث تم اختطافه في الأراضي السعودية وإخفاؤه قسريا، وكان المريسي  يدير حساب "سماحتي" على تويتر، الذي اشتهر بالتهكم على مشايخ السعودية الموالين للحكام.

وفي 21 مايو/أيار 2019 ، كشفت منظمة مراسلون بلا حدود، أن المريسي محتجز في السجون السعودية، وقالت المنظمة التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها إن السلطات السعودية احتجزت الصحفي اليمني مروان المريسي المصنف منذ يونيو/حزيران 2018 في عداد المفقودين.

وقالت المنظمة في بيان: "عائلة الصحفي حصلت أخيرا على أخبار عنه، بعد أن كادت تفقد الأمل في معرفة مصيره، وكتبت زوجة المريسي في تغريدة أن مروان اتصل بها في مكالمة دامت بضع دقائق وقالت إن زوجها مازال على قيد الحياة".

استدراج وتعذيب

الضابط اليمني إبراهيم الشمساني الذي يعمل ضمن قوات خفر السواحل في جزيرة ميون اليمنية هو الآخر قامت السلطات السعودية باستدراجه إلى مدينة جازان، وقامت بسجنه وتعذيبه حتى الموت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وطالب أهله من السلطات السعودية تسليم الجثة، وقاموا بعرضها على طبيب شرعي أكد أنه توفي تحت التعذيب.

كما تعتقل السلطات السعودية القائد في المقاومة الشعبية بمنطقة العدين (غرب محافظة إب) رشاد الحميري، وذلك عقب ظهوره على قناة تلفزيونية معادية للسياسات السعودية عقب الأزمة الخليجية التي اندلعت صيف 2017.

الحميري عضو المجلس العسكري لمقاومة إب تم استدراجه بحجة مناقشة أوضاع جبهة العدين، ليتم اعتقاله في منفذ العبر الحدودي مع المملكة، ويتم إخفاؤه قسريا، ويتم منع أهله من زيارته، ليضيفوا المعاناة على زوجته التي توفيت أثناء اعتقاله.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2017، تعتقل السلطات السعودية نحو 54 ضابطا وجنديا يمنيا، بعد أن رفضوا القتال على الحدود السعودية مع اليمن.

وكان الجنود اليمنيون قد سافروا من مطار عدن إلى مطار بيشة السعودي بغرض المشاركة في دورة تدريبية في جازان، وفي الوقت الذي كان يفترض أن يعودوا إلى اليمن، كلفتهم السلطات الأمنية بالسعودية بالذهاب للقتال والدفاع عن حدودها في منطقة الخوبة الحدودية بين السعودية واليمن، فرفضوا ما دفع السلطات السعودية لاعتقالهم.

ولا تتورع السعودية عن اعتقال كل من يخرج عن الخط الذي ترسمه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية السعودية، سواء كان سياسيا أو إعلاميا أو ناشطا، حتى وصل الأمر إلى فرض الإقامة الجبرية على محافظ المهرة السابق ووزير الدولة الحالي في الحكومة اليمنية محمد بن كدة، إثر موقفه المعارض للوجود السعودي في محافظة المهرة.

تجنيد الأصدقاء 

وتقوم السلطات السعودية بتنجيد يمنيين لمراقبة حسابات يمنيين آخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعتقل كل من يكتب أي منشور أو تغريدة ينتقد فيها المملكة.

وتحدث صحفي يمني مقيم في السعودية (طلب عدم الإفصاح عن اسمه)  للاستقلال قائلا: "الأجهزة الأمنية السعودية تفرض رقابة على الناشطين اليمنيين في السعودية، وتجند يمنيين لمراقبة ومتابعة حسابات يمنيين آخرين".

يضيف الصحفي اليمني: "الناشطون في المملكة أصبحوا في حالة من التوجس والريبة من أصدقائهم الآخرين، حيث من المتوقع أن تكون السلطات السعودية قد جندت أحد الأصدقاء لمراقبة نشاطك على صفحات السوشيال ميديا، ويصل الأمر إلى القلق والخوف من انتقاد السلطات السعودية في المراسلات الخاصة مع الأصدقاء، مخافة أن يتم توثيق ذلك الانتقاد".

وكانت السلطات السعودية قد طردت المستشار في القنصلية اليمنية بجدة، الدبلوماسي اليمني مطهر قاسم عنان، وطالبت بمغادرته خلال 24 ساعة، جراء مطالباته بتصحيح أوضاع اليمنيين في السعودية وتصحيح مسار التحالف في اليمن.

أسير الحرب

ويتم الإخفاء القسري في ظل تكتم شديد من قبل السلطات السعودية، وتجاهل تام من قبل الحكومة اليمنية المقيمة في الرياض، وكانت عدة منظمات حقوقية قد حثت في تقريرها الحكومة اليمنية على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين أو منحهم حقوقهم القانونية، كحق تنصيب محام، وعقد المحاكمات بشكل علني، والسماح لهم بزيارة الطبيب، والسماح لأهاليهم بزيارتهم.

وقالت منظمة سام في تقريرها: "لا يمكن إعفاء الحكومة اليمنية من المسؤولية، وصمتها المعيب وغير اللائق بحكومة تستند الى دستور يلزمها الدفاع عن مواطنيها"، داعية فريق الخبراء المعني باليمن إلى "إدراج ملف المعتقلين اليمنيين في السجون السعودية ضمن تقريرها السنوي".

وتعليقا على الأمر قال الكاتب والإعلامي عبد الله الحرازي لـ"الاستقلال": "الحكومة الشرعية باتت في حكم أسير الحرب لدى السلطات السعودية، وتم إملاء القرار والإرادة عليها، حتى أصبحت مهمتها هي شرعنة سلوك السعودية تجاه اليمن واليمنيين والتغطية على انتهاكاتها وجرائمها، بما فيها الانتهاكات السعودية في اليمن".

يضيف الحرازي: "أريدَ للحكومة الشرعية أن تكون رجع صدى للموقف السعودي، إذ لم تعد قادرة على تمثيل مصالح اليمنيين إلا بما يخدم الأهداف السعودية".