من منح سد النهضة الإثيوبي قبلة الحياة.. انقلاب السيسي أم ثورة يناير؟

محمد السهيلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

فشلت آخر جولات المفاوضات بشأن مياه النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا، التي عقدت بالكونغو، في 6 أبريل/ نيسان 2021، ليفاجأ المصريون بحديث لرأس النظام العسكري الحاكم في مصر عبدالفتاح السيسي، يعيد توجيه اتهاماته لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بتقديم الفرصة لإثيوبيا لبناء سد النهضة.

السد الإثيوبي، يهدد حصة مصر التاريخية من المياه (55 مليار متر مكعب)، وفقا للاتفاقيات الدولية المعقودة أعوام 1800 و1902، بأديس أبابا، و1929 بأوغندا، و1959 بالخرطوم، والتي تضمن جميعها لمصر حق الاعتراض على أية مشروعات تتم إقامتها على ضفاف النهر بما يخل ويؤثر على حصتها المتفق عليها.

لكن السيسي، بدلا من استغلال تلك الاتفاقيات التاريخية عجز عن حل الأزمة على مدار 8 سنوات، وفي المقابل كال الاتهامات لثورة يناير 2011، على طريقة المثل العربي الشهير "رمتني بدائها وانسلت". 

في معرض حديثه يوم 7 أبريل/ نيسان 2021، عن أزمة السد الإثيوبي تحدث السيسي، عن أن قلقه بشأن المياه يرجع لعام 2011 ، قائلا إنه لم يرتح أو يطمئن من وقتها، وتيقن بوجود مشكلة كبيرة، مضيفا: "لأن ما حدث في 2011، كان هو المدخل للتحدي الذي أتحدث عنه".

 

 تحميل السيسي ثورة يناير التي أطاحت بالرئيس الديكتاتور حسني مبارك، مسؤولية بناء السد، ليس الحديث الأول، حيث قال في 15  أكتوبر/ تشرين الأول 2019: "مصر كشفت ظهرها وعرت كتفها"، و"لولا ما حدث عام 2011 ، لتوصل الطرفان إلى اتفاق مرض". 

إعلام النظام ردد كالببغاء حديث السيسي، حيث حمل الإعلامي أحمد موسى ثورة يناير مسؤولية بناء السد، واصفا إياها عبر برنامجه التلفزيوني "على مسؤوليتي" 6 أبريل/ نيسان 2021، بـ"فترة الفوضى والخراب".

موسى، أطلق عبارات مثل: "فوضى 2011، هي السبب"، و"ندفع ثمن ما حصل في 2011"،  و"إثيوبيا لم تكن تجرؤ أن تضع طوبة واحدة"، فيما رفض تحميل السيسي أية مسؤولية ملتمسا له العذر بقوله": "الرئيس هيعمل إيه، الموضوع كان قدامه أمر واقع". 

ردود المصريين

في المقابل، اتهم معارضو السيسي بأنه سبب الأزمة، مؤكدين أنه كان رئيس المخابرات الحربية وقت بداية الحديث عن بناء السد في 2010، وظل بمنصبه فترة حكم المجلس العسكري (11 فبراير/ شباط 2011- 13 أغسطس/ آب 2012)، وأصبح وزيرا للدفاع عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، ثم صعد للواجهة بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 وحتى اليوم، مشيرين إلى توقيعه الكارثي على اتفاقية المبادئ عام 2015. 

الفنان العالمي المعارض عمرو واكد، نشر عبر "تويتر"، خبر قرار الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإيطاليا والبنك الدولي وقف تمويل السد الإثيوبي في 23 أبريل/ نيسان 2014، وتجميد 3.7 مليارات دولار قروض لإثيوبيا.

 ولفت إلى أن من منح السد الإثيوبي قبلة الحياة هو السيسي وليست يناير.

الناشط والسياسي المصري المهندس ممدوح حمزة، قال إن "محاولة لصق خيبة سد الحبشة إلى ثورة يناير أكذوبة مفضوحة".

أستاذ العلوم السياسية الدكتور مصطفى السيد، برأ ثورة يناير بقوله: "ثوار يناير لم يمارسوا السلطة بعد 11 فبراير/شباط 2011، وأدار الملف من كان موجودا في سلطة الحكم ولم يكن بعيدا عنها منذ ذلك التاريخ حتى في سنة الإخوان المسلمين".

الصحفي ياسر الدكاني، اتهم السيسي وبرأ ثورة يناير، بقوله عبر "فيسبوك": "السيسي في 2011 ، كان مديرا للمخابرات الحربية، والمجلس العسكري كان يحكم مصر والجيش لم يمس في هذه الثورة بسوء". 

وأضاف أن السيسي، كان الرجل الأول والمقرب لرئيس المجلس العسكري حسين طنطاوي آنذاك، متهما السيسي بأنه من أعطى الفرصة لإثيوبيا بتوقيعه اتفاق المبادئ في مارس/ آذار 2015، لإعادة الشركات الأجنبية لبناء وتمويل السد، وطالبه بعدم تعليق الأزمة على ثورة يناير، والتنصل من المسؤولية وتشويه الثورة خوفا من تكرارها. 

رئيس تحرير صحيفة "المصريون" جمال سلطان، قال إن "ثورة يناير لم توقع على اتفاقية العار 2015 ، التي قوننت لإثيوبيا بناء السد". 

وخاطب السيسي: "أنت وقعت عليها، وأنت تحكم مصر عمليا منذ يوليو/ تموز 2013، ثماني سنوات ماذا فعلت فيها؟، غير مشهد الحلفان الكوميدي الشهير مع أبي أحمد"، مضيفا: "لا تبحث عن شماعة، إما أن تتحمل مسؤوليتك بشجاعة، أو ارحل". 

السيسي مسؤول

دراسة نشرها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" في 8 أبريل/ نيسان 2021، أكدت أن 75 بالمئة من المصريين يحملون السيسي مسؤولية الأزمة، وأن 89 بالمئة منهم يرغبون في تدمير السد الإثيوبي، وأن تلك الخطوة سترفع شعبية السيسي، بنسبة 42 بالمئة. 

وفي ظل الجدل الإعلامي الدائر حول من المسؤول عن التفريط في حقوق مصر من ماء النيل والسماح ببناء السد الإثيوبي، أوضحت الدراسة غالبية المصريين يرون السيسي المسؤول، ويعتقدون أنه بعد أن وقع اتفاقية إعلان المبادئ برعاية البنك الدولي، سمح للمؤسسات الدولية بتمويل بناء السد.

وبالمقابل حمل 5 بالمئة فقط من المستطلع آرائهم ثورة يناير 2011، المسؤولية، و4 بالمئة يحملون الرئيس الراحل محمد مرسي، و3 بالمئة يرون أن الرئيس الراحل حسني مبارك هو المسؤول.

 

فشل ذريع

وفي رؤيته لمن يتحمل المسؤولية عن أزمة مياه النيل منذ 2011 وحتى اليوم، قال الباحث السياسي المصري يحيى سعد، إن "التصريحات التي تنصل فيها السيسي من المسؤولية عن الفشل الذريع بإدارة ملف السد وتحميل الأزمة لثورة يناير، أشبه بمحاولة إلقاء كرة اللهب في حجر خصومه السياسيين".

سعد، أكد لـ"الاستقلال"، أن هذا "نوع من التدليس وقلب للحقائق يؤكد طبيعة شخصيته المتناقضة، ونفسيته الخائنة للعهود، ويريد الاستخفاف بالعقول، ورسالة للشعب مفادها أن التفكير في الثورة عليه ستجلب الخراب كما تسببت يناير - حسب زعمه-، في رسالة مكررة لجأ إليها مبارك بعبارته الشهيرة: (أنا أو الفوضى)".

الباحث المصري، جزم بأن السيسي، المسؤول الأول عما آلت إليه الأوضاع من فشل بإدارة أزمة السد، راصدا عدة وقائع تؤكد ذلك وتبرئ ثورة المصريين، أولها "وضع إثيوبيا حجر أساس السد في 2 أبريل/ نيسان 2011، ما يعني أن التحضير لهذا العمل سبق ثورة يناير بفترة كافية، كان فيها السيسي على رأس المخابرات الحربية المنوط بها رصد أية تهديدات".

 ثاني الوقائع وفقا لسعد، أنه "بعد سقوط مبارك، وشروع إثيوبيا بوضع حجر الأساس للسد كان المجلس العسكري الذي كان السيسي أحد أعضائه، يدير البلاد، وبالتالي فهو أحد أهم المسئولين عن استمرار هذا التهديد".

ولفت ثالثا، إلى أن السيسي "تولى وزارة الدفاع المعنية بحماية حدود ومقدرات البلاد في أغسطس/ آب 2012، بعد المشير حسين طنطاوي".

ورابعا أشار إلى أن "ثورة يناير وحدت المصريين وجددت لمصر شبابها وأكسبتها احترام وإعجاب شعوب وحكومات العالم، بينما السيسي قاد الانقلاب على الرئيس الذي أفرزته الثورة، ما تسبب في ضياع هيبة الدولة". 

وفي خامس النقاط قال سعد: "على مدى 10 سنوات تصدر  السيسي، المشهد وتحكم في مقاليد السلطة، وهو من أقر إثيوبيا على مشروعها بتوقيعه على اتفاقية إعلان المبادئ في 23 مارس/ آذار 2015".

وختم حديثه مؤكدا أنه أيضا "من أدار الأزمة برعونة وضحالة سياسية عندما طلب من رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، أن يحلف: (والله والله لن نرضى بأي ضرر للمياه في مصر)، بمشهد كوميديا سوداء أثار السخرية في يونيو/ حزيران 2018".

 

وفي رؤية سياسية وقانونية، قال الناشط السياسي المعارض علي شنن لـ"الاستقلال": "من الزاوية السياسية فإن أي نظام تولى المسؤولية بهذا التوقيت مسؤول مباشر عما وصلت إليه قضية السد الإثيوبي".

وتساءل: "هل تولت ثورة يناير الحكم سياسيا منذ 2011؟"، مؤكدا أنها "سنة واحدة تكالبت عليها لإسقاطها وإفشالها قوى إقليمية ودولية، ومدنية داخلية وعسكرية، وبينها المخابرات الحربية والتي ورثت ملف السد من المجلس العسكري الذي كان يدير الأزمة منذ 2011".

شنن، أضاف أن "عام حكم الثورة، لم تحقق إثيوبيا إنجازا بالإنشاءات التي تعطلت نتيجة الضغط السياسي والشعبي من الثورة، فكان الوضع قويا يمكنه إيقاف البناء وفرض الشروط المناسبة لمصلحة مصر، لكن حلت كارثة الانقلاب العسكري منتصف 2013". 

ولفت إلى أن "سعي السيسي حينها لتثبيت نظامه بتقديم التنازلات لتغيير نظرة العالم إليه من انقلاب عسكري إلى واجهة معترف بها دوليا، وهنا استغلت إثيوبيا الوضع ودفعت مصر الثمن من تاريخها وواقعها ومكانتها السياسية".

ومن  الناحية القانونية، أشار الباحث السياسي، إلى نص المادة 44 بالدستور الذي يلزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وإزالة ما يقع عليه من تعديات. 

وأكد أن لدى مصر ما يدعمها من اتفاقيات "عام 1906، بأديس أبابا والتى نظمت حقوق الدول على نهر النيل ومنها (عدم البناء على مجرى سريان النهر)، ما أكدته لاحقا اتفاقية روما 1925، لتبقى الأساس القانوني حتى اتفاقية 1993، بين مصر وإثيوبيا والتي حافظت على الحقوق التاريخية، لكنها نصت على إنشاء كيانات على النهر بعد التشاور وعدم الإضرار". 

شنن، أوضح أن "هذه الاتفاقيات كانت سند ثورة يناير بالتعامل مع الأزمة، لكن إثيوبيا وصلت مرحلة الجرأة في التنفيذ بعد الانقلاب واستغلت الفرصة لاكتساب السند القانوني بتملك كل الأوراق السياسية والقانونية باتفاق الخرطوم 2015، (إعلان المبادئ)، والذي تنازلت بموجبه مصر عن اتفاق 1906".

وختم حديثه بالقول: "النتيجة الآن أن من خان دستور الأمة ومصالح الشعب بقسمه على الحفاظ عليها وتنازل عن حقوق الدولة بمياه النيل ليست ثورة يناير، لكن من انقلب على إرادة الشعب".