الاستحواذ المخيف.. لماذا تتوغل الإمارات في أكبر القطاعات الحيوية بمصر؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال أسبوع واحد، استحوذت شركات إماراتية على إحدى الشركات المصرية الرائدة بمجال إنتاج اللحوم والدواجن المجمدة، وعلى إحدى شركات توزيع الوقود، وأيضا على أكبر شركات الأدوية المصرية العريقة، لتواصل أبوظبي وقطاعها الخاص تملك أهم القطاعات الحيوية في مصر.

7 أبريل/ نيسان 2021، شهد الإعلان عن أحدث تلك الصفقات باعتزام كبرى شركات إنتاج الأغذية والمشروبات بالإمارات "أغذية" الاستحواذ الإستراتيجي على حصة الأغلبية في شركة الإسماعيلية للاستثمار الزراعي "أطياب" المصرية.

الشركة الإماراتية ذات الانتشار الإقليمي الواسع ستتملك حصة الأغلبية بنسبة 75.02 بالمئة من شركة الإسماعيلية التي تملك 4 علامات تجارية هي "أطياب"، و"ميتلاند"، و"شيكيتيتا"، و"فرات"، و11 مركزا للتوزيع.

كما ستتملك العديد من خطوط الإنتاج بينها مصنع أغذية، وتنتج سنويا 70 ألف طن تقريبا يقوم عليها نحو 2.500 عامل، فيما حققت في 2020، نحو 424 مليون درهم (115 مليون دولار).

سوق تحفيزي

رئيس مجلس إدارة "أغذية" خليفة سلطان السويدي، أكد على أهمية الصفقة بقوله: "تعد مصر سوقا رئيسة لتحفيز نمو المجموعة"، لافتا إلى أهمية دخوله "أكبر سوق استهلاكية بتعداد سكاني يناهز 100 مليون نسمة"، ومشددا على أن الصفقة تعكس الشراكة الإستراتيجية بين أبوظبي والقاهرة.

وفي صفقة ثانية، أكدت مصادر لموقع "البورصة" الاقتصادي المحلي، 6 أبريل/ نيسان 2021، أن شركة "أدنوك" الإماراتية للبترول تحالفت مع شركة أبوظبى القابضة "ADQ" الإماراتية للاستحواذ خلال النصف الثاني من 2021، على شركة "الوطنية للبترول" المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع المصرية.

وتسعى الشركات الإماراتية للاستحواذ على شركات الجيش التي تم طرح 10 منها بالبورصة المصرية؛ حيث كشفت وكالة "بلومبيرغ" في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أن شركة "أدنوك" الإماراتية تسعى لشراء حصة في "وطنية للبترول" و"صافي" للمياه المعدنية.

الصفقة الثالثة، تم الكشف عنها في 31 مارس/ آذار 2021، باستحواذ إماراتي على أكبر شركات الأدوية المصرية.

وهو أمر يضع الإمارات على قمة هرم مجال الصحة والدواء المصري، ويدق ناقوس الخطر من لوبي إماراتي بالقطاع الخدمي الهام لأكبر شعب بمنطقة الشرق الأوسط.

"أبوظبي القابضة" (A D Q) قررت شراء الحصة الكاملة لشركة "بوش هيلث" الكندية في "آمون للأدوية" إحدى أكبر الشركات المصرية بصناعة وتسويق وتوزيع الأدوية البشرية والبيطرية، بحلول النصف الأول من 2021، وبمقابل 740 مليون دولار.

وفي محاولة للاستفادة من السجل الحافل للشركة المصرية ومكانتها السوقية، أعلنت الشركة الإماراتية، أن استثمارها بـ"آمون"، "يعزز إستراتيجيتها الدوائية للوصول للأدوية الحيوية، ودعم استثماراتها الأخيرة بتصنيع الأدوية بالإمارات والهند، والوصول لمنتجات الأدوية التي تشهد زيادة الطلب، وتسريع نقل المعرفة وتحسين القدرات التصنيعية المحلية للأدوية".

السياسي المصري مجدي حمدان موسى، حذر عبر صفحته بـ"فيسبوك"، من استيلاء الإمارات على "قطاع الصحة والأدوية".

تلك الصفقات تمر، بدعم من النظام المصري وإشرافه، وهو ما كشف عنه المدير التنفيذي لـ"أبوظبي القابضة" فهد القاسم.

وقال القاسم إن "الصفقة ترسخ التزام الشركة تجاه منصة الاستثمار المشتركة البالغ قيمتها 20 مليار دولار التي أسستها مصر والإمارات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 من خلال صندوق مصر السيادي وشركة أبو ظبي القابضة ADQ".

منذ ذلك الحين زادت "ADQ"، وجودها بالسوق المصري، وأعلنت في أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، عن استثمار مليار دولار بمجموعة اللولو لتجارة التجزئة، صاحبة سلاسل الهايبر ماركت والسوبر ماركت الرائدة بالشرق الأوسط.

وفي 14 مارس/ آذار 2021 وفي صفقة استحواذ هي الأحدث بالقطاع العقاري، تقدمت شركة "الدار" الإماراتية، أكبر الشركات العقارية قيمة سوقية بالإمارات، بعرض استحواذ على حصة أغلبية (51 بالمئة) بشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك"، إحدى كبريات شركات العقارات المصرية، والتي حققت مبيعات بقيمة 7.4 مليار جنيه خلال 2020. 

صفقات متواصلة

وفي صفقة هامة في قطاع البنوك، تم أول استحواذ دولي لبنك "أبو ظبي الأول" على 100 بالمئة من بنك "عودة" في مصر، في 20 يناير/ تشرين الثاني 2021، بعد موافقة البنك المركزي المصري.

وهو ما يجعل البنك الإماراتي أحد أكبر البنوك الأجنبية العاملة بالقاهرة من حيث الأصول، بنحو 120 مليار جنيه مصري (7.7 مليار دولار). 

وفي الوقت الذي تسيطر الإمارات بشكل كبير على القطاع الصحي في مصر أعلن في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021، عن استحواذ مجموعة مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية الصحية.

وهو ما دفع جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بمصر، إلى رفض الصفقة لوجود مؤشرات بالتأثير سلبا على قطاع الرعاية الصحية بالبلاد. 

قرار الجهاز جاء في ضوء حرصه على منع إنشاء كيانات احتكارية في سوق المستشفيات في مصر، وما قد يتبع ذلك من الإضرار بالرعاية الصحية للمواطن المصري ورفع أسعارها.

 خاصة وأن كليوباترا وألاميدا تعملان في محيط محافظتي القاهرة والجيزة وتتبعان دولة الإمارات، واندماجهما يمثل 15 بالمئة من إجمالي عدد الأسرة العلاجية الخاصة بالقاهرة الكبرى ونحو 4 بالمئة على مستوى الجمهورية.

وتمتلك وتدير الأولى مستشفى القاهرة التخصصي، والنيل البدراوي، والشروق، والكاتب، وكوينز، ومستشفى بداية.

فيما تمتلك الثانية وتدير مستشفيات السلام الدولي بالمعادي، والسلام الدولي بالقطامية، ومستشفى دار الفؤاد 6 أكتوبر، ودار الفؤاد مدينة نصر، ومعامل يوني لاب، والمركز الألماني لإعادة التأهيل، ومجموعة عيادات طبيبي 24/7. 

وفي قطاع الصحة المصري، تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز أشعة، فيما تتحكم في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بحوالي 45 مليار دولار، ما قد يؤثر سلبا على الرقابة على أسعار الأدوية.

الاستحواذ الإماراتي على الشركات المصرية حفز الشركات العالمية التي تنطلق من مقراتها الإقليمية في دبي إلى اتخاذ خطوات مماثلة.

ففي صفقة أثارت الجدل خلال مارس/ آذار 2021، أعرب سياسيون مصريون عن قلقهم من توجه شركة السجائر الأميركية "فليب موريس" من مقرها في دبي للسيطرة على الشركة الشرقية للدخان الحكومية المصرية.

السياسي المصري ورئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، حذر مما اعتبره تلاعبا بالسوق المصرية بخفض القيمة السوقية للشركة للنصف من 64 مليار جنيه إلى 32 مليار جنيه.

كما حذر من تبعات تمكين الشركة الأميركية من الاستيلاء على الشرقية للدخان المملوكة للدولة بأقل من نصف قيمتها بعد ضرب أسهمها في البورصة، برغم أنها تحقق فوائض مالية سنوية كبيرة وصلت في العام المالي 2020 إلى 3.8 مليار جنيه.

وفي تأكيده على ارتفاع شهية الشركات الإماراتية بالسوق المصرية؛ قال الرئيس التنفيذي لشركة إعمار الإماراتية محمد العبار، في 30 مارس/ آذار 2021، إن مصر هي أفضل وجهة للاستثمار العقاري متفوقة على دبي وبريطانيا، بسبب وجود طلب عال وربح جذاب إضافة لحجم السوق العقارية المصرية الكبير. 

وفي مجال التعليم تواصل الإمارات حلقة استحواذاتها واستثماراتها بالقطاع الهام، حيث شاركت شركة جيمس للتعليم الإماراتية في تأسيس صندوق التعليم المصري عام 2018، مع المجموعة المالية هيرميس بضخ نحو 300 مليون دولار في قطاع التعليم بمصر خلال 5 سنوات.

مقدمة للاستغلال

وفي تعليقه على استمرار عمليات الاستحواذ الإماراتي على أكبر الشركات المصرية في قطاعات حيوية، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "مصر كان لديها برنامج للخصخصة ضمن اتفاقها مع صندوق النقد الدولي؛ وما يحدث حاليا هو تنفيذ لهذا البرنامج".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أوضح أن "برامج الطرح الأولى كانت تفضل التعامل مع مستثمر رئيس، أو اتحاد مستثمرين؛ وما يحدث حاليا هو استمرار لهذا المنهج ليس إلا"، موضحا أن "الشركات الإماراتية قد حلت هنا محل المستثمر الرئيس".

"ورؤية مصر لهذا الاستحواذ هو نوع من أنواع الاستثمار المباشر التي تسعى مصر لجذبه"، وفق قوله.

  وحول دور الإعلام المصري في مباركة تلك الصفقات، ورفض مجرد الإشارة إلى بعضها لدول أخرى في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، قال: "كما هو معلوم للجميع، الإعلام في كل مكان هو أداة للدفاع عن المصالح".

وتابع: "إذا كان إعلاما للشعب، دافع عن مصالحه، وإن كان إعلام نظام أو أحزاب أو رجال أعمال ومصالح خاصة، فهو يدافع عمن يموله، كحال الإعلام بكل مكان". 

وتثار المخاوف في الشارع المصري من انتقال تلك الصفقات من مستثمرين إماراتيين لآخرين إسرائيليين إثر موجة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، والتي تبعها الإعلان عن الكثير من الشراكات الاقتصادية بين الجانبين.

وفي تقديره لحجم المخاوف من انتقال هيمنة الشركات الإسرائيلية على بعض قطاعات الخدمات الحيوية المصرية، كالغذاء والخدمات والطاقة، يعتقد عبد المطلب، أن "هذا لا يسبب أية مشاكل للنظام المصري حاليا، فهناك تعاون واضح بمجال الطاقة، وهناك اتفاقات تعاون بالقطاع الصناعي والتصدير". 

ويعتقد السياسي المصري مجدي حمدان موسى، أن "الإمارات لديها نية توسعية في السيطرة على الداخل المصري باستيلائها على قطاع الصحة والدواء، وأن هذا الأمر مرتبط بصحة المصريين كملف مهم جدا مهمل من سنوات، ويمكن من خلاله الضغط على حكومة أو نظام لا يتواءم مع مصالحه وتوجهاتها".

وعن مباركة النظام للاستحواذ الإماراتي، قال في حديثه لـ"الاستقلال": "يبدو أن الدولة تفكر في أن دخول الإمارات يفتح المجال لاستثمارات بمجالات أخرى نتيجة لتصدير المشهد للعالم بأن مصر مفتوحة للجميع". 

وألمح إلى أن "هذا الأمر بالغ الدقة والتعقيد؛ ولو أن هناك أياد خفية وأموال يهودية سيكون العيب على الدولة التي وقفت موقف المشاهد".

وختم حديثه بالقول: "ولو التزم الجميع الصمت فنحن أمام كارثة سيجني الشعب ويلاتها بالقريب العاجل؛ خاصة وأن الإمارات تشتري منشآت تحقق ربحية وذات بعد أمني قومي". 

السياسي والبرلماني السابق المصري عزب مصطفى، قال في حديثه لـ"الاستقلال"، إن "التمكين للإمارات ليس وليد اليوم، بل بدأ بقوة منذ انقلاب 2013، وذلك لكسب التمويل المادي والمعنوي للانقلاب".

وأوضح أن "البداية، كانت في محيط قناة السويس؛ فكان النصيب الأكثر من الاستثمار لأبوظبي، ثم انتشرت شركاتها بباقي قطاعات الدول الزراعية والصناعية وبمجال الصحة والدواء، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية المختلفة". 

"ومن الخطورة بمكان أن الإمارات بإذن من المجتمع الدولي تقوم بكل الأعمال المشبوهة من التجارة في كل شيء مغشوش من الأدوية والملابس حتى الأشياء المحرمة ناهيك عن غسيل الأموال".

وأكد أن "الإمارات تعد نفسها منذ فترة لكي تكون ممثلة للكيان الصهيوني وخنجرا في خاصرة الدول العربية والإسلامية ومتاح لها التحرك فيها بأسلحتها لنشر الفتن وتساعد بكل قوة في تقسيم تلك الدول". 

وشدد على أن "غزوها للاقتصاد المصري أشد خطرا من الكيان الصهيوني لأن كل ماتمتلكه الآن سيكون تحت تصرف" إسرائيل.