عبر "إس 3 تل".. كيف أصبحت البحرين بؤرة لتصدير تكنولوجيا التجسس؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع اشتعال ثورات الربيع العربي أواخر 2020، دخلت المعارضة في البحرين على الخط بمظاهرات حاشدة تطالب بإصلاحات حكومية، وتغيير دستوري يضمن إحلال ديمقراطية أكبر في البلاد.

الأنظمة الأمنية في البحرين وعلى غرار بلدان الربيع العربي واجهت المظاهرات آنذاك بموجة عنف سلطوي ومواجهات جريئة ومفتوحة، حيث تحولت المنامة منذ ذلك الوقت إلى بؤرة لشركات الاستخبارات، ومنها "إس 3 تل (S3tel)"، التي بدأت تقدم خدمات وتقنيات تجسس إلى حكومات الدول النامية في أنحاء متفرقة من العالم، وتحديدا في آسيا وإفريقيا.

الانتشار الخارجي لشركات الاستخبارات البحرينية، لم يكن بمعزل عن الوضع الداخلي مع اشتداد القبضة الأمنية على المعارضين، واستخدام برمجيات متقدمة في استقطابهم والقبض عليهم، ما جعل المنامة على رأس الدول المعادية للإنترنت في العالم، وتم توجيه انتقادات إليها من خلال منظمات حقوق الإنسان الدولية.

"إس 3 تل" 

في 24 مارس/ آذار 2021، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن  الشركة البحرينية "إس 3 تل"، وذكرت أنها "بدأت في الاستحواذ على عقود في آسيا وإفريقيا".

وأضافت أن "شركة معدات الاستخبارات البحرينية (إس 3 تل) أدرجت في قائمة مختصرة من قبل (هيئة الاتصالات النيبالية) لإدارة قمر الاتصالات الذي تقوم ببنائه".

وذكرت أن "إس 3 تل"، التي تأسست عام 2010، وتعمل من دبي منذ عام 2018، حاولت اقتحام أسواق العالم النامي، بما في ذلك السوق الإفريقية، حيث ترغب في بيع معدات استخبارات تقنية وعسكرية هناك".

وأوردت "إنتيليجنس أونلاين" في تقريرها أنه "رغم ذكر موقع شركة الاستخبارات البحرينية على الإنترنت بأن لها مكاتب في جنوب إفريقيا وكينيا، لكن العنوان المنشور لمقرها الإفريقي هو مجرد (حانة) في كيب تاون".

وأكدت أن "الشركة تعمل على توفير خدمة تخطيط وإدارة أنظمة الأقمار الصناعية، للبلدان النامية".

تأسست شركة "إس 3 تل" البحرينية لخدمات الاستخبارات عام 2010، وعند بداية تأسيسها سارعت بافتتاح مكتب لها في الولايات المتحدة في نفس العام، ولكن تمت تصفيته لاحقا في عام 2015.

وفي 2016 عملت الشركة، التي يقع مقرها الرئيس في المنامة عاصمة البلاد، مع وزارة الداخلية البحرينية، المتورطة في عمليات تجسس على المعارضين السياسيين.

وتركز عمل "إس 3 تل" على تقديم خدمات المعلومات الفضائية، وخدمات الاستخبارات الجغرافية المكانية، وخدمة مراكز القيادة والتحكم التي يمكن توصيلها بأجهزة الاستشعار التي توزعها.

كما تبيع حلول التعرف على الوجه، وتقنيات المراقبة والاعتراض التي تثبت على متن طائرات المراقبة والطائرات المسيرة، بما في ذلك الاعتراضات القانونية، والاعتراضات التكتيكية الحية وغير الحية.

يرأس مجلس إدارة الشركة الهندي "فيشال بوري"، ولـ"إس 3 تل" موطئ قدم راسخة في الهند أيضا، حيث ينحدر منها معظم موظفيها، وتجرى عمليات البحث والتطوير التابعة لها في مقاطعة جورجاون الكائنة في ضواحي نيودلهي.

مملكة التجسس

في 12 مارس/ آذار 2013، صنفت منظمة "مراسلون بلا حدود"، البحرين على قائمة الدول المعادية للإنترنت، ووفق معايير المنظمة فإن هذه الدول تفرض قيودا على الإنترنت، وتراقب المحتوى المنشور، وتسجن المدونين. 

المنظمة وضعت البحرين ضمن قائمة الخمس دول الأكثر عداوة للإنترنت، وجعلت السبب الرئيس، هو مقتل المدون البحريني "زكريا العشيري"، مشيرة إلى أن المنامة اعتقلت الكثير من مستخدمي الإنترنت، وشنت حملة لتشويه صورة المطالبين بحرية التعبير والاتصالات أوقات المظاهرات. 

وفي 10 أغسطس/ آب 2014، نشر موقع "جلوبال فويسز" الذي يقع مقره الرئيس في أمستردام، تقريرا عن "وثائق تم تسريبها تفيد أن الحكومة البحرينية استخدمت أنظمة تكنولوجية للتجسس على الناشطين والسياسيين وحتى أعضاء لجنة تقصي حقائق شكلتها الحكومة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين".

وأضاف: "تم تسريب الوثائق على حساب مجهول بموقع تويتر يعتقد أن له علاقة بشركة (جاميما إنترناشيونال) البريطانية والتي تتخصص في برمجيات الرقابة والتجسس.

وأظهرت الوثائق أن العاملين بالشركة كانوا يتواصلون مع عملاء في البحرين في الفترة بين 2010-2012 بخصوص برنامج التجسس (فين فيشر)، وقامت مجموعة حقوقية بحرينية بتحليل قائمة من 77 جهاز كمبيوتر أصيبوا ببرامج التجسس للتعرف على الأشخاص الذين تم استهدافهم".

وذكر أن "التجسس الذي مارسته حكومة البحرين، تجاوز الناشطين السياسيين والمدونين إلى عمليات تجسس مالية على المواطنين ورجال الأعمال".

وفي 25 مارس/ آذار 2017، هددت وزارة الداخلية البحرينية بمعاقبة من انتقدوا الحكومة على الإنترنت بقسوة، قائلة في بيان "إنها تتابع بالفعل حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي خرجت عن الثوابت والعادات والتقاليد المرعية".

منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، انتقدت موقف البحرين في تقريرها الصادر يناير/ كانون الثاني 2018، وعلقت قائلة: "السلطات في البحرين استخدمت تعريفا فضفاضا للإرهاب في قانون الإرهاب لاعتقال المتظاهرين وإدانة زعماء المعارضة".

مضيفة: "يمتد التعريف ليشمل أعمال غير عنيفة وهي الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المملكة وأمنها للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية"، وبطبيعة الحال كان النشاط السياسي عبر شبكات التواصل ضمن لائحة الاتهامات، واستخدمت أجهزة الأمن البحرينية كل السبل لتحديدها، مثل شركات الاستخبارات والمراقبة عبر الإنترنت.

آفات التطبيع

كانت البحرين قد أعلنت عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في أغسطس/آب 2020، ومن ذلك الحين جرى التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين البلدين والزيارات المتبادلة.

ومؤخرا كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية النقاب أن فريقا من البحرين سيصل إسرائيل في الأسابيع المقبلة، لاتخاذ الترتيبات اللازمة لافتتاح السفارة.

وأضافت الوزارة في بيان أن "وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، أطلع نظيره غابي أشكنازي على قرار حكومة البحرين فتح سفارة في إسرائيل وطلب موافقة أشكنازي على تعيين خالد يوسف الجلاهمة في منصب سفير البحرين لدى إسرائيل".

ولفتت إلى أن السفير المعين هو مدير العمليات في وزارة الخارجية البحرينية منذ عام 2017، وشغل منصب نائب سفير البحرين لدى الولايات المتحدة الأميركية، في الفترة ما بين 2009 و2013.

لم تكن إسرائيل بمعزل عن مخيلة حكام البحرين في الاستعانة بها والاستفادة من تطورها في تكنولوجيا التجسس والمراقبة الإلكترونية، وفي 22 أغسطس/ آب 2020، أعلنت صحيفة "هآرتس" العبرية أن "شركة (إن إس أو) الإسرائيلية المتخصصة في التكنولوجيا الرقمية باعت خلال السنوات الماضية برنامج التجسس (بيغاسوس) لدول خليجية بينها البحرين بتشجيع ووساطة رسمية من تل أبيب، وعبر صفقات بمئات ملايين الدولارات".

ووصفت الصحيفة الإسرائيلية "هذه الشركة بأنها من أكثر الشركات الإسرائيلية نشاطا في دول الخليج"، وقالت "إنها تعمل مع الجهات الرسمية في تلك الدول".

وأضافت أن ممثلين رسميين عن تل أبيب شاركوا إلى جانب ممثلي الشركة في الاتصالات واللقاءات التي عقدت مع ممثلي الدول الخليجية، ومن ضمنها المنامة".

وفي يناير/ كانون الثاني 2021، انتقدت منظمة العفو الدولية (أمنستي) سلوك الحكومة البحرينية، وقالت "استمرت المحاكمات الجائرة للمحتجين ومنتقدي الحكومة عبر الإنترنت، وأقرباء هؤلاء الأشخاص، شأنها شأن ضروب القمع الأخرى لحرية التعبير".

وذكرت: "تواصلت المحاكمات بالجملة لعدد مفرط من هؤلاء المتهمين، ووصلت في بعض الحالات إلى محاكمات جماعية، فضلا عن استمرار المحاكمات الجائرة الأخرى، وقد أسيئت معاملة المحتجزين، وفي بعض الحالات تعرضوا للتعذيب".

وشددت منظمة العفو الدولية على الدور السلبي للأمانة العامة للتظلمات التابعة لوزارة الداخلية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ووحدة التحقيق الخاصة التابعة للنيابة العامة، حيث وصفتهم بعديمي الفعالية في حماية حقوق الإنسان والمعاقبة على الانتهاكات، التي تحدث من أجهزة الأمن ضد الناشطين ومن ضمنهم رواد الإنترنت، الذين سقطوا نتاج برامج وشبكات التجسس.

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، مرسوما ملكيا يقضي بإعادة تنظيم وزارة الداخلية، وإنشاء المركز الوطني للأمن السيبراني، ويكون رئيسه تنفيذيا (بدرجة وكيل وزارة)، ويتبعه نائب الرئيس للعمليات السيبرانية (بدرجة وكيل مساعد)، وتتبعه عدد من الإدارات وهي (إدارة الحماية السيبرانية، إدارة الاستجابة الوطنية، إدارة التنسيق والتحليل).

ذلك التدشين جاء في إطار سعي الحكومة في مجال بناء منظومة متكاملة للأمن السيبراني والاستخباراتي كإحدى الركائز الأساسية في المنظومة التقنية الخاصة بمراقبة المعارضين والناشطين، وجعل البحرين مركزا إقليميا لتلك الخصائص.